دولة الخلافة الموعودة… وامتلاك تكنولوجيا متطورة

مما لا شك فيه أن هناك عوائق كُثرًا تقف في وجه العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الإسلامية، ومن أبرز هذه العوائق تلك الهيمنة الغربية على مقدرات الحكم في بلاد المسلمين من خلال حكام رويبضات نصبهم الغرب الكافر على رقاب المسلمين وحماهم ورعاهم وحافظ على كياناتهم لعقود طويلة، ولكن بفضل الله تعالى بدأت الأمة تدرك تفاهة هؤلاء الحكام وعمالتهم للغرب الكافر، ووقوفهم سدًّا منيعا أمام تطبيق الإسلام كنظام حياة للأمة والدولة، وقد سقط أولهم في تونس ومن بعده مبارك في مصر وصالح في اليمن، وعلى طريق السقوط بإذن الله بشار أسد، ولن يستطيع غيرهم في باقي بلاد المسلمين، ولا من اسُتبدلوا بهم من الصمود طويلا أمام تحرك هذه الأمة التي إذا تحركت خرت لها الجبابرة، وفرّت من أمامها الأسود.

لقد باتت عملية التغيير الحقيقي وشيكة، بعد أن أدركت الأمة أن ثوراتها قد خُطفت منها، وأنها قد اقترفت خطأً كبيرا عندما اكتفت بإسقاط أولئك الرويبضات دون أنظمتهم الحاكمة ومن يقف وراءهم من دول الغرب أعداء الأمة، الذين هم أس كل بلاء وداء يصيب الأمة، نعم أدركت الأمة ذلك وما عليها إلا أن تسير في الطريق حتى نهايته لتستعيد سلطانها المغصوب بإعادة الحكم بما أنزل الله في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

ولكن هناك سؤالا جديرا بأن يطرح في هذا الوقت بالذات لأن عملية التغيير باتت وشيكة كما قلنا، والسؤال هو: هل يمكننا ردم تلك الهوة السحيقة بيننا وبين الغرب في الناحية العلمية التي يسبقنا الغرب فيها بمراحل شاسعة جدا؟ وهل يستطيع الغرب أن يمنع عن دولة الخلافة الوليدة كل مقومات التقدم العلمي والتكنولوجي كما يدعي البعض ويخوّف الأمة من مصير مجهول لها إن هي سعت لتحدي الغرب وإقامة دولة الخلافة؟

صحيح أن هناك الكثير من المراكز البحثية والجامعات العلمية والمعاهد التكنولوجية في بلاد المسلمين، وصحيح أيضا أن هناك الكثير من المؤتمرات والندوات التي تعقدها الحكومات القائمة في العالم الإسلامي لبحث ما يسمى بـ “نقل التكنولوجيا”، ولكن من الواضح أن كل هذا لم يُجْدِ الأمة نفعًا، ومن الواضح أن هذه الدول غير جادة في سعيها للحصول على هذه التكنولوجيا، أو أنها لا تمتلك الإرادة الكافية لتحقيق طفرة علمية في البلاد.

والحقيقة أن الحديث عما يسمى بـ “نقل التكنولوجيا” هو لذر الرماد في العيون، بل هو مجرد خرافة تتلهى بها تلك الدول التابعة الخانعة الخاضعة في بلاد المسلمين، فالتكنولوجيا ليست بضاعة يمكن شحنها على ظهر سفينة أو في متن طائرة، وإنما هي عملية معقدة تُبنى وتُنشأ ويستخدم في بنائها العلم والمال والطاقة والمواد الخام، وكل هذا متوفر في بلادنا وبكثرة، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى جانب ما ذكرنا أمراً آخر مهمًا، بل في غاية الأهمية…، وهو الإرادة الحقيقية لامتلاك القاعدة التكنولوجية، وهذا ما لا يتوفر في مثل هذه الحكومات. ثم إنه من الملاحظ أن هذه الحكومات عندما تتكلم عما تسميه تضليلا “نقل التكنولوجيا” إنما تعني إيجاد الأوضاع والظروف الملائمة في بلادنا التي تمكّن الغرب الكافر من جعل البلاد الإسلامية مجرد سوق استهلاكية للمنتجات الغربية، فالمكان الذي لا توجد فيه كهرباء لا يمكن أن تباع فيه الثلاجة والكمبيوتر مثلا. ولهذا كان لا بد من أن يعلمونا كيف نستخدم هذه الأجهزة “المعقدة” حتى يمكن أن نشتريها وتجد لها سوقا يدر على صانعيها المليارات، كما أنهم ينشئون أحيانًا بعض المصانع في بلادنا لتركيب تلك المنتجات الاستهلاكية بتكاليف رخيصة لتسويقها محليًا.

ولهذا يمكننا القول أن الأبحاث التي يتم تداولها في مؤتمرات عالمية تعقد في بلاد المسلمين ما هي إلا أبحاث تصب في اتجاه واحد فقط، وهو ما نسميه عملية “التشغيل” وفي أحسن الأحوال عملية “الصيانة” أيضا. والنتيجة الحتمية لذلك هي بقاؤنا سوقا مفتوحة للغرب يكنز من ورائها الملايين بل المليارات، بينما نحتاج نحن إلى عقود طويلة حتى يمكننا اللحاق بركب الغرب المتقدم عنا بقفزات كبيرة…

والسؤال الملح الذي يطرح نفسه الآن: هل تستطيع الدولة الإسلامية بعد إقامتها قريبا إن شاء الله اللحاق بركب الغرب؟ وهل صحيح أنهم قادرون على حجب هذه العلوم والتطور التكنولوجي عنا؟

إن الدول العظيمة التي تقوم على مبدأ وتحمل رسالة للعالم تضع أهدافا عظيمة أمامها وتسعى بجد وتفانٍ لتحقيقها، والدولة الإسلامية دولة عظيمة تقوم على المبدأ الخالد، مبدأ الإسلام، وهو وحده المبدأ الصحيح، وتحمل رسالة هدى ورحمة للعالمين، ولذا فهي تضع أهدافا عظيمة نصب أعينها، أهدافًا قد يخيل للرائي أنها صعبة أو مستحيلة، ولكن يغيب عن بال ذلك الرائي أن من أعظم المفاهيم التي تقوم عليها الأمة الإسلامية مفهوم التوكل على الله الذي به تقتحم الأمة والدولة الصعاب وتحيل المستحيل ممكنا، ولا أدل على ذلك من وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لسراقة بسواري كسرى وهو صلى الله عليه وسلم مطارد وملاحق من قريش التي تريد قتله، وما هي إلا سنوات قليلة لا تعد شيئًا في عمر الدول إلا وتقضي الدولة الإسلامية الفتية على الفرس تماما، وتحاصر الروم.

ومن هنا فنحن نقول أن قيام دولة الخلافة هو في حد ذاته الذي سيغير هذا الواقع وسيقلب موازين القوى في العالم رأسا على عقب، وسيكون الفضل الأول لله سبحانه وتعالى، والأمة تدرك تماما أن النصر إنما هو من عند الله وحده لا شريك له، يؤيد بنصره من يشاء، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7]. وهذا ليس نوعًا من التواكل أو “الدروشة” كما يقولون، إنما هو ثمرة الإيمان الحقيقي الذي يعطي الفضل كله لله. فالدولة الإسلامية الموعودة هي كما قلنا دولة مبدئية تمتلك عقيدة دافعة ولديها وجهة نظر خاصة في الحياة، والعقيدة الإسلامية عقيدة روحية سياسية عالمية، والمسلمون مكلفون بإيصال هذه العقيدة لكل الشعوب والأمم بشكل مؤثر وملفت للنظر، وهذا لا يتم إلا بامتلاك تكنولوجيا نوعية تستخدمها الدولة في نشر الإسلام، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال:60].

لقد استطاع المسلمون في السابق التغلب على التفوق العلمي والعسكري الذي كان للروم والفرس على المسلمين، ذلك لأنهم أدركوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه البشرية فهم حملة رسالة عالمية ابتعثهم الله ليخرجوا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. ثم بعد ذلك تسلم المسلمون زمام المبادرة وقاموا بموجبات الخلافة الحقة في الأرض، فعمروها وسخروا ما فيها لخير الإنسان فأبدعوا أيما إبداع في استخراج مكنوناتها وكشف القوانين التي تحكمها، وحققوا إنجازات رائعة في مجال الطب والهندسة والفلك والجغرافيا وغيرها من المجالات العلمية المختلفة. وكانت أوروبا ترسل طلابها ليتلقوا العلم عند المسلمين. ولكن كنتيجة طبيعة للانحطاط الذي أصاب المسلمين في القرنين الأخيرين توقف المسلمون عن الإبداع والتقدم، وتسلم الأوروبيون الراية من بعدهم وأكملوا ما توصل إليه المسلمون، فكانت هذه الثورة العلمية الهائلة التي نشهدها اليوم.

إذنْ، فكما استطاع المسلمون من قبل أن يتسلموا قيادة العالم في كل المجالات فهم يستطيعون ذلك اليوم. وهذا ليس بالأمر المستحيل كما يصوره لنا الغرب وأذنابه، إنما هو أمر ممكن، ونحن لسنا أقل من الصين التي كانت الدولة الزراعية المتخلفة، دولة الأفيون والمخدرات، ولا تمتلك مبدأً كمبدئنا، دخلت “اللعبة الكونية” في ظل ثورة تكنولوجية لم تكن متوقعة، وها هي اليوم من أكبر المنافسين للولايات المتحدة الأمريكية.

إن دولة الخلافة الموعودة يمكنها التغلب على هذا التفوق العلمي عند الغرب بما يلي:

1- يجب أن ندرك أن التكنولوجيا اليوم ليست حكرا على أمريكا والدول الغربية، فمن الممكن أخذها من غيرهم، صحيح أن دولة الخلافة دولة جهادية، ولكن ليس معنى ذلك إعلان الحرب على العالم، فلا يوجد ما يمنع مثلا من إقامة علاقة متميزة مع بعض البلدان المتقدمة صناعيًا كالصين مثلا أو غيرها، والاستفادة من الموقف الدولي الذي يجب على الدولة والسياسيين في الأمة متابعته بشكل دقيق. ثم إن الدول الموجودة اليوم على المسرح الدولي تحركها المصالح أكثر مما تحركها الأيديولوجيات، والصين أو أي دولة غيرها من الدول التي ليس بيننا وبينها حرب فعلية سترى أن التعامل مع دولة الخلافة مصلحة لها تدر عليها أرباحا ومنافع طائلة، وحتى أمريكا…، فهناك من سينصحها من مفكريها وسياسييها بحسن التعامل مع دولة الخلافة…، كما فعل الصحفي الأمريكي البارز جون شيا في رسالته التي وجهها للرئيس الأمريكي أوباما ينصحه فيها بعدم معاداة “دولة الخلافة الخامسة” كما أسماها. أما الخلافة فلن تقيم معها أو مع غيرها من الدول المحاربة فعلا أي علاقة.

2- الأمة مليئة بالعلماء المتخصصين في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وتكنولوجيا المعلومات…، وجزء كبير منهم يشكل عنصرا مهما من عناصر تقدم الغرب العلمي، وقد تكونت لديهم خبرات هائلة ومعلومات قيمة، ولديهم مؤلفات وأبحاث في شتى ميادين العلم. وهؤلاء العلماء هم جزء لا يتجزأ من الأمة، هاجروا من بلادهم لأنهم لم يجدوا الرعاية الكافية من قبل حكومات بلادهم، وكثير منهم على استعداد كامل للعودة إلى بلادهم بما لديهم من خبرات عظيمة، وبخاصة عندما يرون دولة الخلافة توفر لهم الرعاية الصحيحة والأمن الكامل.

3- ستقوم دولة الخلافة بتوفير الإمكانيات المادية اللازمة لعملية امتلاك التكنولوجيا سواء من أموال الدولة، أو من أموال الملكية العامة الطائلة كالبترول والغاز، أو من خلال فرض ضرائب على أغنياء المسلمين، لأن هذا فرض يقع على عاتق الأمة، وإلا حصل ضرر بالأمة والدولة، كما أن الجهاد والإعداد لإرهاب العدو يتطلبه.

4- ستقوم الدولة بوضع خطة تفصيلية شاملة لتوجيه وحث ودعم العدد الضخم من حملة الشهادات العلمية الذين غلبت الناحية الأكاديمية على دراستهم في ظل أنظمة الجور السابقة على قيام الدولة، فحولتهم إلى كمٍ متراكم مهمل لا قيمة له ولا وزن ولا فائدة ترجى من ورائه، فستعمل الدولة على بعث الناحية العملية عندهم لتحويل معلوماتهم النظرية إلى التطبيق العملي..

5- سيكون قادة دولة الخلافة شخصيات سياسية فذة، يتمتعون بالحنكة السياسية التي تمكنهم من إنشاء قاعدة صناعية تقوم على التصنيع الثقيل وأساسها سيكون التصنيع الحربي، وسيعمل قادة الدولة الفتية على المحافظة على هذه القاعدة التكنولوجية من الأذى والهدم، وسيفشلون كل خطط الغرب الكافر في بلادنا، فمن المتوقع أن تتعرض الدولة أثناء محاولتها تلك إلى أزمات ومصاعب جمة وفخاخ تنصبها لها الدول الصناعية التي لا ترضى عن هذا التوجه للدولة.

6- ستقوم الدولة الموعودة بإذن الله بعملية توعية للأمة للمرحلة الخطيرة التي ستعيشها في هذا الوقت، والأمة ستكون بعون الله قادرة على تجاوز تلك الصعاب والوقوف سدا منيعا أمام أية محاولة لضرب الدولة أو إسقاطها، لأن الأمة ستشعر شعورا حقيقيا بأن هذه الدولة هي دولتها وأن واجب الحفاظ عليها يقع على عاتقها، وأنها يجب أن تبذل الغالي والثمين في سبيل المحافظة على وجودها واستمرارها دولة مرهوبة الجانب يحسب لها ألف حساب بين الدول، والله على كل شيء قدير، نعم المولى ونعم النصير.

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة