رد على مقالة “الخلافة خرافة.. ورمزها حقيقة!”

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رد على مقالة “الخلافة خرافة.. ورمزها حقيقة!”

 

الخلافة حقيقة وأدلتها حقيقة

 

 

في مقال نشرته جريدة عكاظ بتاريخ 2017/3/4م للكاتب محمد آل سلطان تحت عنوان “الخلافة خرافة.. ورمزها حقيقة!” تعرض الكاتب لذكر ما سماه “بخرافة الخلافة” في التاريخ الإسلامي من بعد عصر الخلفاء الراشدين وأن رمزيتها انحصرت فقط في من يحتفظ بمكة والمدينة ضمن سلطته معتبرا بذلك أنها الحقيقة التي سار عليها حكام الدولة السعودية الثالثة وحسن طالع لهم والرمزية التي تحملها دولتهم الوطنية السعودية وما عداه هو وهم الخلافة التي لا يسلمها إلا إلى سراب، وذلك على حد تعبيرات الكاتب بالنص.

 

يتضح عند قراءة المقالة أن الكاتب أخطأ بشكل كبير بين توصيف الحقيقة الشرعية وبين القراءة التاريخية للأحداث، كما أخطأ بين ما يجب أن تكون عليه الأمور في واقعها الشرعي وبين ما يخترعه البشر من وقائع يناسبون بها الحكم الشرعي مع الواقع، فعند الحديث عن طرائق الحكم بين البشر وعن طريقة الحكم بين المسلمين لا يمكن أن نخلط بين ما هو من صنع البشر وبين ما هو منزل من عند الله وعند توضيحها لا يمكن أن يقع اللبس والخلط بين كلا المفهومين.

 

بداية فإن نظام الخلافة لا يمكن أن يكون نظاما خرافيا اصطلح المسلمون الأولون أو الآخرون على مفهومها أو مدلولها فتقوم كل جماعة وفي كل حقبة زمانية أو مكانية بتطبيقها كما تراه مناسبا، فالأحكام الشرعية التي أنزلها الله إلى البشر جاءت فكرة وطريقة في غاية الوضوح والتي لا تجعل للناس مجالاً للبس فيما بينها وبين مفاهيم أخرى من عند غير الله، فالخلافة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم لنا بالوصف والتفصيل وشرعت لها أحكام تفصيلية في مختلف أنظمة العيش من سياسة واجتماع واقتصاد… لا يمكن أبدا أن تكون خرافة يفهمها كل إنسان بحسب رموز معينة أو وقائع طارئة أو إساءات تاريخية سابقة أو حالية أو حتى مستقبلية.

 

لقد ذكر لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في وصف الواقع التاريخي الذي سوف تكون عليه الأمة الإسلامية من بعده في حديث الأمراء كما سماه المحدثون، فقال حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما رواه الإمام أحمد في مسنده: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت».

 

فالخلافة التي بشَّر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بأنها سوف تعود تكون خلافة على منهاج النبوة ليست كأي ملك عاض أو جبري وليس فيها أي إساءة بالتطبيق لا من حيث المفهوم ولا المدلول، بل هي خلافة على منهاج النبوة لا تشبه بذلك أي نظام وضعي يتفق عليه البشر من عند أنفسهم ولا مقياس لذلك كله فعل بشر صالح أو طالح أو جماعة في زمن أو مكان معين، فالمقياس في ذلك كله يكمن في مدى مطابقة الواقع للحكم الشرعي وليس العكس.

 

وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» وذلك في الدلالة على أن نظام الحكم للمسلمين بعد انتهاء عهد الأنبياء المرسلين – وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم – يكون نظام الخلافة، وقد أكد ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أكد على المسلمين من بعده الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول، أي أن لا يكون على المسلمين أكثر من خليفة في وقت واحد.

 

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وذلك في الدلالة على عدم جواز أن يكون على المسلمين أكثر من خليفة واحد في وقت واحد.

 

إضافة إلى الكثير جدا من الأحاديث النبوية الشريفة والأحكام الشرعية التفصيلية التي جاءت لتبين لنا طريقة الحكم في ظل دولة الخلافة وطريقة تنصيب الخليفة وطريقة عزله وبيعة الناس له وجميع ما يتعلق بالحكم في أجهزة الدولة، وهي الأحكام التي طبقها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم وسار عليها من بعده الخلفاء الراشدون وأجمع على ذلك الصحابة رضوان الله عليه أجمعين.

 

بهذه الأدلة وتفصيلاتها يتضح بشكل لا يدع للقارئ أي مجال للشك في أن نظام الخلافة هو نظام شرعي من عند الله ويجب على من يريد معرفته الرجوع إلى الدليل الشرعي، فالمسألة بكاملها بحث في الحكم الشرعي وليس لذلك دخل بالواقع الحالي أو الواقع التاريخي؛ فالصلاة هي الصلاة كما فرضها علينا ربنا وكما بينها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن تصير بعد تغيير الأحوال وتبدل الأزمان غير التي عرفناها من واقع النصوص الشرعية التي نقلتها لنا كما جاءت من عند رب العالمين، وكذلك بقية الأحكام من زكاة وحج أو خلافة…

 

فالخلافة كما وعد بها رب العالمين هي رئاسة عامة للمسلمين جميعا في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم وهي عينها الإمامة فالإمامة والخلافة بمعنى واحد، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة النور: 55]

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ماجد الصالح – بلاد الحرمين الشريفين

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة