سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الثامنة: احذر أن تخون الله ورسوله وأمة الإسلام من حيث لا تدري!

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة الثامنة: احذر أن تخون الله ورسوله وأمة الإسلام من حيث لا تدري!

 

 

هب أن خاطبا شديد الفسق أتى يخطب ابنة لجيرانك، وأنت تعلم فسقه وهم لا يعلمون، أفلا يكون سكوتك على أخلاقه وعدم مبادرتك بإعلامهم بما تعلم جريمة في حق المخطوبة وأهلها وخيانة لهم[1]؟ ومع ذلك فإن الخيانة أعظم لو علمت يقينا أن مجرما يخطط للاعتداء على عرضهم بالقوة، ولم تعلمهم بذلك ليحتاطوا!، فإن فعل ووقعت الجريمة فلا شك أن لك في إثمها نصيب لمجرد سكوتك وعدم تحركك[2]!

فلا يكفي حتى توصف بالخيانة بأن تكون نيتك طيبة وأنك لم تقصد إيذاء الناس، وغيرك قام بهذا الأذى، بل إن الواجب عليك أن تبادر بالأعمال، وإلا كنت خائنا من حيث لا تدري!

قال العز بن عبد السلام رحمه الله رحمة واسعة “ﻣﻦ ﻧﺰﻝ ﺑﺄﺭﺽ ﺗﻔﺸﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺰﻧﻰ ﻓﺤﺪﺙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺣﺮﻣﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎ ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻥ”

أولا يكون إهمال الكلام عن تطبيق أحكام الله في الأرض خيانة لله الذي لم يرتضي حكما معه، فلا بد أن يصب العمل إلى القضاء على خبث حكم عتاة المجرمين وتحكيم حكم الله لنبرأ من خيانة لله،

أولا يكون إهمال الكلام والعمل على تطبيق أحكام الله في الأرض خيانة لرسوله الذي وصل الليل بالنهار عملا وكفاحا وصدعا بالحق وقابل الأذى والعذاب والمؤامرات، وقاتل وصارع الباطل ما عاش حتى استتبت دولة الحق في الأرض أركانا، وأقيم العدل ومحي الظلم، وهو القائل « إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ (أي دِرْعٌ وَاقِيَةٌ للمسلمين) يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ»، فكيف وقد كسرت هذه الدرع، ألا يكون العمل على إعادتها وِجاءً ووِقاءً لصدور الأمة هو أوجب الواجبات؟ 

أولا يكون إهمال الكلام والعمل على تطبيق أحكام الله في الأرض خيانة لقرآنه الذي لم ينزل إلا ليوضع موضع التطبيق، نزل ليحل الحلال ويحرم الحرام، نزل ليكون شرعةً ومنهاجاً، طريقةَ عيشٍ وحَكَماً في كل خُصُومَةٍ، نزل ليقيم الميزان القسط بين الناس فلا ظُلمَ مع تحكيمه، نزل حقا قذفه الله على الباطل قذفا فأزهقه، أفلا يكون العمل على قذف الباطل به ليدمغه فإذا هو زاهق، فيحكم القرآن ويزهق الباطل أوجب الواجبات؟

إنّ ما نشاهده من حروب ضد العالم الإسلامي يأخذ بعضها برقاب بعض، إنما هي حرب عالمية ثالثة، لكنها حربٌ ضِدَّ أمَّةٍ وليست حرباً بين أمم، حربٌ ضد إرادة أمة أرادت الانعتاق، حربُ إبادةٍ ضد العالم الإسلامي،

فهل من سبب جَرَّأَ روسيا الحقد رأس الضلالة والإرهاب، والعالم الغربي الجشع الكافر الذي ما زال يعيش بعقلية القرون الوسطى الظلامية على العالم الإسلامي بهذا الشكل الفج القذر،

وبكل أشكال الإبادة الممنهجة إلا لعلم الغرب بغياب الحامي والدرع الواقية للأمة الإسلامية؟ الخلافة،

وإلا بسبب تفرقها شذر مذر، وتحول حكامها إلى رعاة لمصالح الغرب الكافر، مقابل ثمنٍ بخسٍ كراسيَّ مهترئةٍ، وذلك نتيجةٌ حتميةٌ لغيابِ الإمامِ أو الخليفةِ!

وما من يوم يمر عليهم بعد هدم خلافتهم، إلا وهو قاتِمُ الأعماق أسودُ النَّواحي، مظلمٌ شديدُ الحُلْكَةِ،  مُخَضَّبٌ بدماء المسلمين، وأعراضهم، ونهب خيراتهم، وتسلط رعاعهم، وطواغيتهم عليهم، واستباحة بيضتهم، وتسلط عدوهم، لا تسمع فيه إلا صراخ اليتامى، ونوح الثكالى، وقهر المقهورين، وأنين المظلومين، وقرقرة بطون الجائعين، فهل أوصل خير أمة أخرجت للناس إلى هذا المكان المنكود بين الناس إلا بُعدُها عن تطبيق شرع ربها؟

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾!…

لقد أعمل أعداء الأمة في جسدها، وأعملت الأمة في إعراضها عن شرع ربها في جسدها الأمراض والبلايا، فانتشر السرطان فيها انتشار النار في الهشيم، فأي كلام في أعراض المرض دون معالجة أصل الداء جريمةٌ في حق المريض، لا تزيد السرطان إلا استفحالا، وأي عمل لا يصب في معالجة أصل البلاء، لا تقرب الأمة من حل مصائبها شبرا بل تباعدها عنه أميالا!

فاشتغلوا بإقامة أخطر الواجبات أيها المسلمون، أقيموا الفرض الحافظ للفروض، تفوزوا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.


[1] المسلم مأمور بستر عيوب أخيه، والاحتراز عن ذكرها للناس، لما روي عن عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ كان الله في حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ« أخرجه البخاري في صحيحه. لكن قد يَرِدُ على هذا الحكم العام من الأحوال ما يجعله مباحاً، بل قد يكون واجباً، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة، ومن ذلك إبداء العيوب المؤثرة للخاطب أو المخطوبة، لأن ذلك من النصح في الدين الذي أمر به الرسول ﷺ، عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النبي ﷺ قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ ” قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» أخرجه مسلم في صحيحه، وتجب النصيحة أيضا بذكر المساوي إذا علم إرادة اجتماعه به وإن لم يستشره، وليس هذا من الغيبة المحرمة، السراج الوهاج ج1، ص 362، بدليل ماروى عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قالت: فلما حَلَلْتُ ذَكَرْتُ له أَنَاّ مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فقال رسول اللَّهِ ﷺ: «أَمَّا أبو جَهْمٍ فلا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ له، أنكحي أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قال: أنْكِحِي أُسَامَةَ» فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ الله فيه خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ. أخرجه مسلم في صحيحه.

[2] «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»، رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة، فمجرد سكوتهم عليه وعدم القيام بالأخذ على يد الظالم يجعلهم شركاء في الإثم يستحقون العقوبة! وقد قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النساء / 140.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة