سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الخامسة والثلاثون: القوة النظرية الكامنة وراء الإجماع، والتي تعطيه خاصية القطع – ج1

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة الخامسة والثلاثون: القوة النظرية الكامنة وراء الإجماع، والتي تعطيه خاصية القطع – ج1

 

وتكمن القوة النظرية في هذا الإجماع، والتي تعطيه خاصية القطع وعدم احتمال الخطأ في حيازته على جملة من الأوصاف، التي يمكن إجمالها فيما يلي:

  • أولا: إن ثبوت الحاجة إلى الرسل لنقل شرائع المولى عز وجل ودينه الذي ارتضى لعباده قطعي، فلولا الرسل لما نقلت لنا رسالة الله، وقد اختار الله تعالى الرسل لنقل رسالته وكانوا بشرا، وزودهم بالمعجزات، وهذا كله قطعي، وقد بلغ هؤلاء الرسل الرسالات، وختمهم بسيدنا محمد ﷺ، فَبَلَّغَ الرسالةَ وسمعها منهُ الصحابةُ الذين عاصروه، وقد كُتب القرآن في عهده، وسمع الصحابة السنة، والدينُ هوَ القرآنُ والسنَّةُ، فثبت بالقطع الحاجة إلى نقل هذا الكتاب والسنة للأمة جيلا عن جيل، إما تدوينا أو سماعا وتعليما، وقد أخذ هذا النقل عن الصحابة صورتين: صورة فردية أو آحاد، ومبلغ مثله الظن لاحتمال النسيان والخطأ، ولاحتمال ورود الدس والكذب في سلاسل من نقل عنهم من بعدهم، ولاحتمال النسخ وغيره، فبقي النقل الفردي أو الآحاد بدرجة الظن،

والصورة الثانية: النقل الذي تواتر، وأقواه وأعلاه: ما أجمعوا عليه، وهذا لا مجال للكذب فيه، وهو امتداد للحاجة للرسل لنقل الشرائع، فبالصورة الجماعية نقلوا لنا القرآن وحفظوه لنا، ونقلوا لنا الدين وحفظوه لنا، وهذا دليل قطعي على حجية إجماعهم لأن به حفظ للدين، وحفظ للقرآن ونقلٌ لشريعة الله،

فإن الدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة أثنى عليهم وبيَّن رِضى الله عنهم، والثناء يدل على الرضوان والتزكية الجماعية لهم ومن مقتضيات التزكية: الصدق فتكون أقواهم التي أجمعوا عليها مقطوعا بصدقها، وهذا دليل قطعي على صدقهم مجتمعين، أما ثناء القرآن على أفرادهم ففيه دلالة ظنية على صدق أولئك الأفراد، وبالتالي فثبوت صدق جماعتهم مقطوع به، فثناء الله تعالى على الصحابة ثبت بالدليل القطعي الثبوت والدلالة، وثناء رسوله ﷺ على الصحابة ثبت، وهذا الثناء ورد من غير قيد، وتكريمهم أيضا، مما يدل على أن صدقهم (إن أجمعوا) أمر مقطوع به.

  • ثانيا: من المقطوع به شرعا أن الله حفظ القرآن الكريم، فقد حفظ الله جل جلاله القرآنَ الكريمَ بوعدِهِ، وجعل إليه ﷻ جمعه وحفظه، وهو ما قام به الصحابة، وإلى الصحابة أيضا نقله، وصيانته من الضياع أو التحريف أو التغيير، فنقلوا القرآن، عين القرآن الذي نزل على محمد ﷺ، فوعد الله بحفظ كتابه أي ما ورد في الآية ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وهي قطعية الدلالة، وفيها دليل على صدق إجماعهم، لأن من وعد بحفظ الكتاب، جعل وسيلة تحقيق ذلك الحفظ للصحابة، والصحابة هم من نقل لنا القرآن، والآية التي وعد الله بها بحفظ القرآن قطعية الدلالة، ولا أحد ينكر أن الصحابة هم من حفظ الله بهم القرآن بجمعهم إياه وحفظه من التحريف والضياع والنسيان، فيكون هذا دليلا قطعيا شرعيا على أن إجماعهم قطعي لأن معنى عدم قطعية إجماعهم تسرب الشك للقرآن، وهدم الإسلام، فيؤخذ هذا دليلا شرعيا على أنهم هم من بهم حفظ الله كتابه ودينه، فلا بد أن يكون إجماعهم قطعيا، ودليلا شرعيا،

فالخطأ في القرآن مستحيل، وبالتالي فيستحيل خطأ إجماعهم الذي كان هو سبب حفظ القرآن،

وبقيام الدليل القطعي على أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيكون قد قام الدليل القطعي على أن إجماع الصحابة حجة شرعية.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة