كلمة الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان في مؤتمر الخلافة بمدينة الأبيض (الخلافة… دولة الإسلام الغائبة العمل لإيجادها واجب)

كلمة الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

في مؤتمر الخلافة بمدينة الأبيض

(الخلافة… دولة الإسلام الغائبة العمل لإيجادها واجب)

 

الخلافة هي الدولة الإسلامية، وهي رئاسة للمسلمين جميعاً في الدنيا، وهي كيان سياسي تنفيذي لتطبيق أحكام الإسلام، وحمل دعوته إلى العالم بالدعوة والجهاد.

والخلافة نظام متميز عن جميع أنظمة الحكم في العالم؛ حيث يقوم على أساس العقيدة الإسلامية، ويرعى شئون الرعية داخلياً وخارجياً بأحكام شرعية، فلا الخليفة يملك حق التشريع، ولا الأمة تملك هذا الحق، إلا أن الأمة هي التي تختار الخليفة، وتبايعه ليحكمها بكتاب الله وسنة رسوله e، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الذي علته علة شرعية. وهي أي دولة الخلافة، دولة بشرية يحكمها بشر وإن كانوا في حكمهم يتقيدون بأحكام الشرع ليس غير، فهي ليست دولة دينية؛ ثيوقراطية تحكم بالحق الإلهي كما كان في أوروبا في العصور الوسطى.

وإقامة الخلافة وتنصيب الخليفة فرض على المسلمين كافة في جميع أقطار المعمورة، وهذه الفرضية أمر محتم لا تخيّر فيه، بل إن التقصير بالقيام بهذا الفرض هو معصية من أكبر المعاصي، لأن عدم وجود نظام الخلافة معناه ضياع الأحكام، والحكم بغير ما أنزل الله، كما هو واقع المسلمين اليوم، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، ومن الأدلة على فرضية الخلافة أن الله أمر بشكل جازم بالحكم بما أنزل، يقول عز وجل: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقّ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، وبين النبي e كيف يكون الحكم بما أنزل الله في الواقع فقال عليه الصلاة والسلام: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم، بل إن النبي eأكد تأكيداً جازماً على وحدة الخلافة، وأن من يسعى لتمزيق كيان المسلمين يُقتل، قال النبي e: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوه»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا».

وعليه لا يوجد عذر لمسلم على وجه الأرض في القعود عن القيام بهذا الفرض الغائب؛ العمل لإقامة الخلافة، لأنه لا يوجد اليوم من يقيم حدود الله، بل هي مضيّعة في كل مكان، كما أن حرمات الله تنتهك صباح مساء، وأحكام الكفر هي المسيطرة على مقاليد الأمور في بلاد المسلمين، ثم إن بلاد المسلمين ممزقة، وراية الإسلام منكسة، ورايات سايكس بيكو هي التي تُعلى وترفع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لقد كانت دولة الإسلام الخلافة هي الدولة الأولى في العالم أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمان، فأوجدت حضارة متميزة، فكان الحلال والحرام مقياسها، والتقيد بأحكام الشرع نبراسها، وسيرة الحبيب e وصحابته الكرام دليلها، ففتحت البلدان ونشرت الهدى بين الناس، وصهرت الأمم والشعوب في بوتقة الإسلام العظيم، فصاروا أمة واحدة، خالية من عنصرية العرق أو الجهة أو القبيلة، ولكن هذا لم يكن ليعجب الكفار الذين بدأوا الكيد للإسلام والمسلمين من أول يوم قامت فيه أول دولة للمسلمين في المدينة المنورة، وظل هذا الكيد يزداد كلما ازدادت رقعة الإسلام، حتى استطاعوا في نهاية الأمر في مثل هذا الشهر، وتحديداً في الثامن والعشرين من شهر رجب الفرد عام 1342هـ، الموافق للثالث من آذار/مارس 1924م استطاعوا القضاء على دولة الإسلام، بمعاونة بعض خونة الترك والعرب، فهدموا صرح الإسلام الخلافة، ومزقوا بلاد المسلمين، وحكموها بالأصالة ثم بالوكالة بقوانينهم وأنظمتهم، وبذلك غاض الحكم بما أنزل الله من جميع بقاع الأرض، فصار حال المسلمين لا يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً، ذلاً بعد عز، وجهلاً بعد علم، وتخلَّف المسلمون عن ركب الأمم بعد أن كانوا قادة العالم وسادتها!

ثم نشأ حزب التحرير فبدأت الحيوية تدب في الأمة، وبدأ الإحساس بالواقع الأليم يحرك المخلصين من أبناء الأمة، ولكن الكافر اللعين يرصد كل الحركات والتحركات، وهو حريص على ألا تقوم للإسلام دولة، لأنه يعرف تماماً ماذا تعني أن تكون للمسلمين خلافة جامعة، لذلك يضع العراقيل أمام صحوة الأمة، فكان الحكام والوسط السياسي المرتبط بالغرب الكافر المستعمر عقبة كبرى في سبيل التغيير. فقد ظلت هذه الأنظمة المصنوعة في بلاد المسلمين، ومنها بلادنا السودان، تحكم بالحديد والنار، وعندما يزول نظام القهر والاستبداد، تأتي الأنظمة المسماة ديمقراطية لتحكمنا بالمنهجية نفسها، أي بالنظام الوضعي!!

وفي العقد الأخير ثارت الشعوب في بلاد المسلمين ضد جلاديها، وثار الناس في السودان للمرة الثالثة ضد الأنظمة الاستبدادية التي تحكم بغير ما أنزل الله، ولكن كل هذه الثورات كان ينقصها الوعي السياسي، لذلك لم يتغير شيء، لا في النظام الذي يحكمهم، ولا في معاش الناس، ولا في واقعهم، وإنما الذي تغير هو بعض المظاهر والأشخاص، أما جوهر النظام فهو النظام العلماني الذي يفصل الدين عن الحياة، وهذه العقبة إن شاء الله في طريقها إلى زوال، بعد أن أدركت الشعوب أن الوسط السياسي كله فاسد ولن يحقق لها نهضة، بل إن الأمة اليوم تتوق إلى فجر الإسلام، وقيام دولته الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

ومن العقبات أيضاً وجود أحزاب سياسية تدعي الإسلام، ولكنها عندما وصلت إلى السلطة حكمت بالأنظمة العلمانية نفسها، فأورثت الناس ظلماً، وذلاً، وتأخراً، فعلم الناس حقيقتها، وهم الآن يتوقون إلى فجر صادق يجعل من الإسلام وعقيدته أساساً للحياة.

وأيضاً من العقبات أن بعض المشايخ، وعلماء السلاطين، وقادة بعض الحركات الإسلامية يفتون بعدم الخروج على حكام اليوم، وأنه تجب طاعتهم، وهذه العقبة أيضاً والحمد لله لم تنطلِ على الأمة، وعملياً خرجت الأمة في معظم بلاد المسلمين على حكام الجور، وخلعتهم من عروشهم المهترئة.

كما أن هنالك بعض الأقاويل التي لا ترقى لمستوى العقبات، ولكنها موجودة عند بعض الناس، مثل أننا ضعفاء ولا حيلة لنا، ولا قِبَلَ لنا بأمريكا… والرد على مثل هذه المخذلات من القول، هو أن دولة الإسلام الأولى التي أقامها النبي e، قامت في مثل هذه الظروف، حيث عداء قريش، ووجود دولتي فارس والروم، لأن النصر هو من عند الله حصراً، ولكن لا بد أن نري الله من أنفسنا خيراً، يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، ويقول تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، فإيماننا بالله أقوى من أي قوة في الأرض، وماذا تساوي قوة أمريكا وغيرها من دول الكفر أمام القوي الجبار… كما أن يقيننا أن نصرنا على الكفار غير مرهون بقوة، ولا عتاد، ولا عدد، والله سبحانه لم يأمرنا أن نُعِدَّ مثل ما عند الكفار، وإنما أن نعد لهم ما نستطيع: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾.

كما أن هنالك من يقول، نعم نريد دولة الإسلام الخلافة، ولكن الطريقة التي تتبعونها دربها طويل، ولن يوصل إلى الخلافة، ونقول لهؤلاء، أولاً إن الطريقة لإقامة الدولة الإسلامية هي طريقة شرعية، ولا يجوز أن نخالف رسول الله e في الطريقة التي أقام بها الدولة، فهي إذن حكم شرعي، ولا يجوز اتباع طريق غيره، وعملياً فالذين اتبعوا طرقاً أخرى لإيجاد الإسلام في واقع الحياة، كان الفشل الذريع هو حليفهم، ثم أصاب الكثير منهم اليأس.

أما الطريقة الشرعية لإقامة دولة الإسلام الخلافة، فهي إيجاد حزب واعٍ على الإسلام فكرة وطريقة، يعمل في الأمة بالصراع الفكري والكفاح السياسي؛ أي تبيان الأحكام الصحيحة، والأفكار الصادقة، وتبيان حقيقة الواقع ومخالفته للإسلام. وأما الكفاح السياسي فهو كشف مؤامرات الكفار المستعمرين على الأمة، وكشف عملائهم من بني جلدتنا الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، فكانوا خط الدفاع الأول عن مصالح الكافر المستعمر في بلادنا. ثم طلب النصرة من أهل القوة والمنعة.

لقد وجد حزب التحرير على هذا الأساس، وهو الحزب الوحيد الذي يعمل في الأمة ومعها من أجل استئناف الحياة الإسلامية التي انقطعت بعد إسقاط دولة الخلافة، وذلك بإعادتها خلافة راشدة على منهاج النبوة. وقد أعد الحزب العدة لهذا العمل العظيم بدستور مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله e، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي، كما أوجد صورة واضحة للدولة التي يريد إقامتها مع الأمة، موضحاً كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم وغيرها، في كتب تدرّس للشباب في حلقات مركزة، كما أنها متاحة للجميع للاطلاع عليها. وبذلك لا تبرأ ذمة أي مسلم اليوم إلا بالعمل مع حزب التحرير لإقامة الخلافة، حتى يفتح الله علينا بنصره، وإقامة شرعه في الأرض، لينتشر العدل بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.

وفي الختام نقول: إن الخلافة ليست خيالاً يداعب الأحلام، وإنما هي زهرة الدنيا، والدولة الأولى طوال ثلاثة عشر قرناً من الزمان، وستعود كما وعد المولى سبحانه القائل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، وكما بشر الحبيب e القائل بإنها ستعود على منهاج النبوة بعد الحكم الجبري الذي نعيش آخر أيامه إن شاء الله، إذ يقول عليه الصلاة والسلام: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» ثُمَّ سَكَتَ. فهيا ضعوا أيديكم في أيدينا حتى نفوز جميعاً بخيري الدنيا والآخرة.

 

إبراهيم عثمان (أبو خليل)
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة