المادة -108-

المادة 108 –  الشورى والمشورة هي أخذ الرأي مطلقاً، وهي غير ملزمة في التشريع، والتعريف، والأمور الفكـرية ككشـف الحقائق، وفي الأمور الفنية والعلمية، وتكون مُلْزِمَةً عند استشارة الخليفة في كل ما هو من الأمور العملية، والأعمال التي لا تحتاج إلى بحث وإنعام نظر.

الشورى مصدر شَاوَرَ. وهي طلب الرأي من المستشار، ويقال استشاره طلب منه المشورة.

والشورى والمشُورة بضم الشين بمعنى واحد، وكذلك الـمَـشْـوَرَة بتسكين الشين. جاء في لسان العرب: يقال فلان جيد المشُورة والـمَـشْـورة لغتان. قال الفراء: المشُورة أصلها مَشْورَة، ثم نقلت إلى مَشُورة لخفتها. وقال الليث: الـمَـشْـورَة مَفْعَلَة اشتق من الإشارة، ويقال: مَشُورة وهي الشورى والـمَـشُورَة بضم الشين وكذلك الـمَـشْـورَة، وتقول منه شاورته في الأمر واستشرته بمعنى، وجاء في مختار الصحاح: الـمَـشْـورَة الشورى، وكذا الـمَـشُورَة بضم الشين، نقول منه شاوره في الأمر واستشاره بمعنى.

والأصل في مشروعية الشورى هو أمر الله سبحانه وتعالى نبيَّه الكريم صلى الله عليه وسلم  أن  يستشير  المؤمنين  حيث  قال  له: ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)) [آل عمران 159]، وهذا أمر يفيد الطلب، والقرائن المصاحبة لهذا الأمر التي وردت في النصوص تفيد أن هذا الطلب هو للندب. وهذه النصوص هي:

1 –  مَدْحُ الله سبحانه للشورى بمدحه للمؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم بقوله سبحانه: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) [الشورى 38].

2 –  كثرة استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته في الأمور كثرة تدل على مدى حرصه عليها والاهتمام بها وبفضلها وليُعَلِّم المسلمين من بعده الحرص على القيام بها، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة قوله: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم».

3 –  مجيء أمر الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم بمشاورة المؤمنين في معرض أمره إياه باللين لهم والعفو عنهم والاستغفار لهم بقوله تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)) [آل عمران 159].

وهكذا فإن الأصل في حكم الشورى هو الندب.

ولكن عند قيام الخليفة باستشارة مجلس الأُمة فإن عليه أن يلتزم برأي الأكثرية في الأمور العملية وفي الأعمال مما لا يحتاج إلى بحث وإنعام نظر، وذلك كالأمور الداخلية في الدولة، كالحكم والتعليم والصحة والتجارة والصناعة والزراعة ونحوها، وكذلك الحال عند محاسبته على أعمال قام بها بالفعل من هذه الأمور والأعمال، وذلك أخذاً من نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأي الأكثرية في الخروج من المدينة لملاقاة جيش المشركين في معركة أحد، مع أن رأيه عليه الصلاة والسلام ورأي كبار الصحابة البقاء في المدينة وعدم الخروج منها، وأخذاً من قوله عليه الصلاة والسلام لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «لَوِ اجْـتَمَعْـتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْـتُكُمَا» رواه أحمد من طريق عبد الرحمن بن غنم الأشعري بإسناد حسن.

أما إن قام الخليفة باستشارة المجلس فيما عدا هذا كأن استشاره في الأمور الفنية والأمور الفكرية التي تحتاج إلى بحث وإنعام نظر، أو في أمور الحرب والرأي والمكيدة، فإن رأي الأكثرية فيه غير ملزم له، ويبقى هو صاحب القرار فيه، وذلك أخذاً من قبول الرسول صلى الله عليه وسلم لرأي الحباب بن المنذر في تحديد موقع معركة بدر وعدم الالتفات إلى آراء الصحابة، بل عدم استشارتهم في ذلك، وأخذاً من رفض أبي بكر رضي الله عنه لرأي جمهرة الصحابة بعدم محاربة المرتدين ومانعي الزكاة في بداية تسلمه الخـلافة، وكذلك الحال في قيام المجلس بمحاسبة الخليفة على ما تمّ إنجازه بالفعل من هذه الأمور، فإن رأي الأكثرية فيه غير ملزم.

وكذلك فإن التشريع لا يؤخذ رأي الناس فيه، لأن الشرع من الله وليس مـن الناس، والشـورى فيما شـرعـه الله لا تكون إلا في المباح، لأن غير المباح لا اختيار فيه، بل ملزم الأخذ به كما ورد، من واجب، أو مندوب، أو مكروه، أو حرام. فالأعمال التي تحصل فيها الشورى لا تكون إلا في الأعمال المباحة.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة