الأحد، 1 جمادى الأولى 1446هـ | 03 نوفمبر 2024م | الساعة الآن: 21:11:46 (ت.م.م)
ضمـانـة تطبيـق الإســلام
الضمانة الطبيعية لتنفيذ الإسلام، وحمل دعوته، واستمرار تنفيذه، وإحسان هذا التنفيذ، هي التقوى في الحاكم، وتمركز هذه التقوى في نفسه، لأن تقوى الله من قبل الحاكم تجعله حريصاً على الإسلام أكثر من حرصه على حياته، فضلاً عن حاجاته، وتوجد فيه الأحاسيس المرهفة التي تجعله يذكر الله في نفسه في كل لحظة وعند القيام بأي عمل، ويراقبه في كل تصرف من تصرفاته. وإذا فقد الحاكم التقوى فقد الضمانة الطبيعية لتطبيق الإسلام، وإحسان تطبيقه، واستمرار هذا التطبيق، وفقد الضمانة لحمل الدعوة الإسلامية. ولما كان الحاكم عرضة لأن تجافيه التقوى، كان لا بد من وسيلة مادية تجبره على التنفيذ، أو تقصيه عن الحكم، وتقيم مكانه الحاكم الذي يطبق الإسلام ويحمل دعوته. وهذه الوسيلة العملية هي الأمة. ولذلك كان من واجب الأمة الإسلامية إذا رأت حاكماً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، عاملاً في عباد الله بالإثم والعدوان أن تغير عليه بالقول أو الفعل أو تغيره. وحتى تقوم الأمة بواجبها هذا، كان عليها أن تتصف بتقوى الله لأن تقوى الأمة لله توجد فيها الحرص على الإسلام وعلى تنفيذه، وهذا يجبرها على محاسبة هذا الحاكم على تصرفاته، فتناقشه وتحاسبه كلما رأت منه تقصيراً في التنفيذ، أو محاولة للحيد عن أحكام الله، أو إساءة لتطبيق أنظمة الإسلام. وبهذه الوسيلة يستمر تطبيق الإسلام، ويستمر إحسان تطبيقه.
غير أن الأمة ــ وهي الوسيلة العملية في الدنيا لتنفيذ الإسلام بمراقبتها للحاكم ومحاسبتها له ــ تحتاج إلى أن يقوم فيها تكتل صحيح على أساس الإسلام، يتجلى في هذا التكتل الفهم العميق، والخوف الشديد من الله؛ لأنه يقوم على أساس واحد هو العقيدة الإسلامية، ويعمل لأن يثقف الناس بالثقافة الإسلامية المركزة، ثقافة توسع العقل وتقوي الإدراك وتصفي النفس إذ تربط المشاعر بالفكر، وتوجد التجاوب الصحيح بين الأفكار والميول النفسية، وهذا يجعل المسلم الشخصية الإسلامية المبتغاة، وإذا قام التكتل الذي لا بد منه على هذه الشخصية، كان الوسيلة لصهر الأمة؛ لأنه ينقي أفكارها ويصهرها في فكر واحد، فيسيّرها نحو هدف واحد، هو الإسلام، تعيش لأجله، وتحمل الدعوة له، وحينئذٍ تتيقظ تيقظاً دائمياً على المبدأ الذي تحمله، وتكون واعية وعياً صحيحاً عليه. والذي يوقظها هو هذا التكتل الذي يعيش من أجل المبدأ ومن أجل الدعوة له ومن أجل تطبيق هذا المبدأ واستمرار تطبيقه.
وهذا التكتل هو الحزب المبدئي، الذي يقوم في الأمة. وبعبارة أخرى هو الحزب الذي يقوم على أساس الإسلام من حيث كونه قيادة فكرية، يحملها في الأمة للوعي على الإسـلام، ويحمل الدعوة له في كل مكان لاعتناق الناس له. ولذلك هو حزب دعوة لا يقوم بأي عمل غير الدعـوة؛ لأن العـمل في الـنـواحي الأخـرى هـو من وظـيفـة الدولة وليس من وظيفة الحزب.
ومتى قـام الحـزب وقـاد الأمـة صار هو الرقيب على الدولـة؛ لأنـه الأمـة، أو ممـثـل الأمـة. وهو الذي يقـودهـا ويجـعـلهـا تقوم بواجبها، وهو مناقشة الدولة ومحاسبتها، والتغيير عليها بالقول أو الفعل، أو تغييرها إذا خيف على الإسلام منها.
ويتعسر على الأمة أن تناقش أو تحاسب الدولة دون أن يكون لها حزب يتولى مركز قيادة الأمة تجاه الدولة، لوجود صعوبات جمّة أمامها، لا يذللها إلا وجود قيادة موحدة تتمثل في تكتل، لا في فرد، أو أفراد. ومن هنا كان لزاماً أن يقوم في الأمة حزب سياسي مبدئي، عمله الوحيد حمل الدعوة الإسلامية، وطريقه الوحيد لحمل الدعوة هو الطريق السياسي. وكان قيام هذا الحزب لا بد منه لأنه هو الوسيلة العملية التي تقود الأمة ويضمن بقيادته لها قيام الدولة بمهمتها على أكمل وجه بحمل الدعوة الإسلامية، وتطبيق الإسلام واستمرار هذا التطبيق، وهو الوسيلة العملية لمنع إساءة تطبيقه.
ولقد كان تكتيل الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين حول الإسلام يتجلى في دار الأرقم، ثم شمل الصحابة جميعاً. فكانوا الكتلة التي تقوم بين المسلمين تتولى حمل تبعة الإسلام عملياً، وإن كان جميع المسلمين يحملون تبعات الإسلام بشكل عام. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي عن ستين ألف صحابي. إن هؤلاء هم الكتلة الإسلامية أو الحزب الإسلامي الذي يحمل تبعة الإسلام عملياً، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم توفي والمسلمون يزيدون عن ذلك أضعافاً مضاعفة. وحينما انقضى عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين تلاشى الحزب فأخذ يتسرب الضعف إلى نفوس الحكام، لعدم وجود الحزب الذي يقود الأمة لمراقبتهم ومناقشتهم ومحاسبتهم. واستمر ذلك إلى أن حصلت إساءة تطبيق الإسلام. وإذن فالضمانة الحقيقية لتطبيق الإسلام وحمل دعوته وإحسان تطبيقه هي الحزب السياسي الإسلامي.