الأثنين، 4 ربيع الثاني 1446هـ | 07 أكتوبر 2024م | الساعة الآن: 21:11:46
(ت.م.م)
حـقّ التكلُّم وإبـداء الـرأي دون حَـرَج
لكل عضو من أعضاء مجلس الأُمة الحق في التكلّم، وإبداء الرأي كما يشاء دون أي حرج، في حدود ما أحَلّه الشرع، فالعضو وكيل ينوب عن المسلمين في إعطاء الرأي، وفي المحاسبة، فعمله عمل تقصٍّ لما يقوم به الخليفة، أو أي حاكم في الدولة، أو أي موظف في أي جهاز من أجهزتها. وعمله المحاسبة لكل هؤلاء مع إبداء النصح لهم، وإعطاء الرأي، وتقديم الاقتراحات، ومناقشتها، والاعتراض على الأعمال المخالفة التي تحصل من الدولة. وقيامه بكل ذلك إنما هو نيابة عن المسلمين، في قيامهم بواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومحاسبة الحكام، وإبداء النصح والمشورة لهم، لأن ذلك واجب على المسلمين. قال تعالى﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وقال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ) وقال: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ كما وردت أحاديث كثيرة تدل على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).كما وردت أحاديث كثيرة تدل على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثمّ لتدعنّه فلا يستجيب لكم» رواه أحمد من طريق حذيفة، وقوله: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم من طريق أبي سعيد.
فهذه الآيات والأحاديث تأمر المسلمين بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ومحاسبةُ الحكام إنما هي من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بل وردت أحاديث تنصُّ على محاسبة الحاكم خاصة، لما لمحاسبة الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر من أهمية. فعن أم عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»، فهذا نصّ في محاسبة الحاكم، ووجوب قول كلمة الحقّ عنده، وجعله كالجهاد، بل أفضل الجهاد، وقد شدّد في الحث عليه، والترغيب فيه، حتى لو أدى إلى القتل. كما ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «سـيد الـشـهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله».
والصحابة رضوان الله عليهم قد عارضوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وحاسبوا الخلفاء الراشدين من بعده، فلم يزجرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على محاسبته، كما لم يزجرهم الخلفاء الراشدون. فالرسول صلى الله عليه وسلم نزل على رأي الحباب بن المنذر لما اعترض عليه في معركة بدر، وفي أُحد نزل على رأي الأكثرية في الخروج خارج المدينة لملاقاة قريش، مع أن رأيه كان على خلاف ذلك، ويوم الحديبية اعترض المـسـلمون عليه اعتراضـاً شـديداً، وكان عمر بن الخطاب أشـد المعـترضـين، وفي حنين غضـب الأنصـار لإعطائه المؤلفة قلوبهم دون أن يعطيهم شيئاً.
وحاسبوا عمر بن الخطاب، وهو على المنبر على تقسيمه الأبراد اليمانية، كما اعترضت عليه امرأة لأنه نهى عن زيادة المهور، كما اعترضوا عليه وحاسبوه لأنه لم يقسم أرض الشام والعراق ومصر بعد فتحها، وقد اشـتد عليه في ذلك بلال والزبير، وكان يحـاورهم ويسـتشـير الـصـحـابة حتى أقنعهم برأيه.
لذلك فإن لأي عـضـو في مجـلـس الأُمـة باعـتبـاره يمـثـل المـسـلمين أن يتكلم في المجـلس كما يشـاء، وأن يبـدي الـرأي كما يشـاء، دون أي منع، ودون أي حرج، وله أن يحاسب الخليفة، والمعاون، والوالي، وأي موظـف في جهاز الدولة، وعليهم أن يجـيـبـوه ما دام ملتزماً بأحكام الشـرع في محاسبته وإبداء رأيه.