المادة -114-

المادة 114 –  تُعْطى المرأة ما يُعْطى الرجل من الحقوق، ويُفْرَضُ عليها ما يُفْرَضُ عليه من الواجبات إلا ما خصها الإسلام به، أو خص الرجل به بالأدلة الشرعية، فلها الحق في أن تزاول التجارة والزراعة والصناعة وأن تتولى العقود والمعاملات. وأن تملك كل أنواع الملك. وأن تنمي أموالها بنفسها وبغيرها، وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها.

دليل هذه المادة هو أن الشارع حين خاطب العباد خاطبهم بوصف واحدهم إنساناً، بغض النظر عن كون المخاطب رجلاً أو امرأة، فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)) [الأعراف 158]، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ)) [الحج 1]، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)) [الأنفال 24]، ] ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ))  [البقرة 183]، ((فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)) [البقرة 185]، ] ((وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)) [البقرة 43]، ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) [التوبة 103]، ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)) [التوبة 60]، ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)) [التوبة 34]، ((وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)) [البقرة 275] إلى غير ذلك من النصوص. وكلها خاطب بها الشارع الناس خطاباً عاماً من غير نظر إلى كون المخاطب رجلاً أو امرأة. وهذا العموم في خطاب الشارع يبقى على عمومه. ومن هنا كانت الشريعة آتية للإنسان وليس للرجل بوصفه رجلاً ولا للمرأة بوصفها امرأة بل للإنسان من حيث هو إنسان. فما في الشريعة من تكاليف شرعية إنما جاءت للإنسان، وما تضمنته من حقوق وواجبات إنما هي للإنسان وعلى الإنسان. وهذا دليل ما جاء في المادة من أن المرأة تعطى ما يعطى الرجل من الحقوق والواجبات لأن الشرع جاء للإنسان، وكل منهما إنسان، ولم يأت للمرأة ولا للرجل فكانا سواء في خطاب الشارع للإنسان بأحكام الشرع.

وهذا العموم في خطاب الشارع يبقى على عمومه في الشريعة كلها، ويبقى على عمومه في كل حكم منها ما لم يرد في الشرع حكم خاص بالمرأة بنص شرعي، أو يرد حكم خاص بالرجل بنص شرعي، وحينئذ تخصص المرأة بذلك الحكم فقط الذي جاء به النص، ويخصص الرجل بذلك الحكم فقط الذي جاء به النص. وتبقى الشريعة على عمومها للإنسان بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)) [الأعراف 158]، وتبقى سائر الأحكام على عمومها للإنسان بغض النظر عن المرأة والرجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)) [الأنفال 24]، ] ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ)) [آل عمران 132]، ((فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)) [البقرة 185]، ((وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ))  [الطلاق 2] إلى غير ذلك من الأحكام. فإنها كلها تبقى على عمومها للإنسان من غير نظر إلى كونه امرأة أو رجلاً.

فالأصل هو أن الشارع جعل الشريعة للإنسان، لا للرجل ولا للمرأة، بل لهما بوصف كل منهما إنساناً. ثم جاءت من الشارع أحكام معينة خاصة بالمرأة وأحكام معينة من الشرع خاصة بالرجل. فيوقف تخصيص المرأة بالأحكام الخاصة بها، وتخصيص الرجل بالأحكام الخاصة به عند حد هذه الأحكام لا يتعداها، وعند حد النصوص التي جاءت بها. ولا يخصص أي منهما بحكم إلا إذا ورد نص صريح في تخصيص أي منهما. فالتخصيص للمرأة أو الرجل بأحكام معينة جاء مستثنى من العموم فتبقى الشريعة على عمومها ويبقى كل حكم من أحكام الشريعة على عمومه ويوقف في الاستثناء من هذا العموم عند حد النص الذي جاء به لا يتعداه. فمثلاً هناك أحكام خاصة بالنساء دون الرجال مثل ترك الصلاة والإفطار في رمضان في أيام الحيض، ومثل جعل شهادة المرأة الواحدة كافية في القضايا التي لا يطلع عليها إلا النساء كالبكارة دون اشتراط النصاب العام للشهادة. فهذه خاصة بالنساء وردت فيها نصوص. فتختص المرأة بها دون الرجل ويحصر اختصاصها بها، وبما ورد فيه النص فقط منها، ولا تخصص في غيرها مطلقاً بل تبقى مخاطبة بخطاب الشارع كمخاطبة الرجل سواء بسواء لأن الخطاب للإنسان وليس للرجل ولا للمرأة. ومثلاً هناك أحكام خاصة بالرجال مثل الحكم أي السلطان فإنه لا يصح أن يتولاه إلا الرجال. فهذا خاص بالرجال ورد فيه نص، فيختص بالرجل دون المرأة، ولكن يحصر اختصاصه بالحكم فقط ولا يختص بالقضاء أو رئاسة دوائر الدولة لأن النص جاء بالحكم أو بأولي الأمر لا بغيره، ويحصر بما ورد فيه النص فقط منه، ولا يخصص فيما لم يرد فيه نص مطلقاً، بل يبقى الرجل مخاطباً بخطاب الشارع كمخاطبة المرأة سواء بسواء لأن الخطاب للإنسان وليس للمرأة ولا للرجل. وبناء على هذا لا يوجد في الإسلام حقوق للمرأة وحقوق للرجل أو واجبات للمرأة وواجبات للرجل، بل الذي في الإسلام هو حقوق وواجبات للإنسان بوصفه إنساناً من غير ملاحظة أنه رجل أو امرأة بل بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة. فالشريعة جاءت عامةً للإنسان في كل أحكامها، واستثنيت (خُصِّصتْ) منها بعض الأحكام فخوطبت بها المرأة بوصفها امرأة بالنص الخاص واستثنيت منها بعض الأحكام فخوطب بها الرجل بوصفه رجلاً بالنص الخاص. وبناء على عموم الشريعة، وعموم كل حكم من أحكامها فإن المرأة تشتغل في التجارة والزراعة والصناعة كما يشتغل الرجل لأن خطاب الشارع فيها جاء للإنسان، وتقوم بجميع التصرفات القولية من عقود ومعاملات لأن خطاب الشارع جاء للإنسان، وتملك بأي سبب من أسباب الملكية وتنمي أموالها بأي وجه تراه بنفسها وبغيرها لأن خطاب الشارع جاء للإنسان، وتتولى التعليم لأن خطاب الشارع جاء للإنسان، وتشتغل بالسياسة وتنخرط في الأحزاب السياسية وتحاسب الحكام لأن خطاب الشارع جاء للإنسان، وتباشر جميع شؤون الحياة العامة كما يباشرها الرجل سواء بسواء من جميع ما فيها من تبعات وما تحتاجه من خوض معارك الحياة وفق أحكام الشرع لأن خطاب الشارع جاء للإنسان.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة