المادة -118-

المادة 118 –  تمنع الخلوة بغير محرم، ويمنع التبرج وكشف العورة أمام الأجانب.

هذه المادة تبين ثلاثة أمور:

أحدها: منع الخلوة، ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّـيْطَانُ» أخرجه أحمد بإسناد صحيح من طريق عمر رضي الله عنه. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» أخرجه مسلم.

وثانيها: منع التبرج، ودليلها قوله تعالى: ((غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ)) [النور 60] وقوله تعالى: ((وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)) [النور 31] فإنه نهي عن عمل من أعمال التبرج. والتبرج في اللغة إبداء الزينة قال في القاموس المحيط: “وتبرجت أظهرت زينتها للرجال”، وهو المعنى الشرعي أيضاً لكلمة تبرج. فالتبرج غير التزين. لأن التزين شيء، والتبرج شيء آخر، فقد تكون متزينة ولا تكون متبرجة إذا كانت زينتها عادية لا تلفت النظر. فليس معنى منع التبرج منع التزين مطلقاً. بل منع التبرج يعني منع التزين الذي يلفت نظر الرجال للمرأة بسببه. لأن التبرج هو إظهار الزينة والمحاسن للأجانب، يقال: تبرجت المرأة أظهرت زينتها ومحاسنها للأجانب. ويؤيد هذا النصوص التي جاءت تنهى عن أعمال التبرج. فإنه باستقرائها يتبين أنها تمنع إبداء  المحاسن، وإبداء  الزينة، ولا يفهم منها  منع  الزينة  مطلقاً، فقوله تعالى: ((وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)) واضح فيه أنه نهي عن إبداء الزينة، إذ قال سبحانه: ((لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)). وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْـتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ» أي كالزانية أخرجه النسائي والحاكم وصححه. فهذا كذلك نهي عن عمل من أعمال التبرج، وواضح فيه في قوله: “اسْـتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا” أنه نهي عن إبداء الزينة، أي عن الاستعطار ليجد الرجال من ريحها. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَـيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» أخرجه مسلم فهو أيضاً نهي عن عمل من أعمال التبرج. وواضح في قوله: “كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ” إبداء المحاسن. وفي قوله: “مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ” قيامهن بحركات تلفت نظر الرجال. وفي قوله: “رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ” إظهارهن لزينة شعورهن، أي يكرمن شعورهن ويعظمنها بلف عمامة أو عصبة أو نحوها حتى تصير كسنام الناقة. والبخت: الإبل الخراسانية أي يصففن شعورهن على شكل سنام الإبل الخراسانية. وهذا واضح فيه أنه نهي عن إبداء الزينة للرجال. وهكذا جميع النصوص التي جاءت تنهى عن عمل من أعمال التبرج تبين النهي عن إبداء الزينة لإثارة ميل الرجال إليها. وهو يؤيد معنى التبرج لغة بأنه إبداء الزينة، وبأنه غير التزين. فالممنوع هو التبرج بمدلوله اللغوي، وبمدلول الأحاديث التي نهت عن أي عمل من أعماله. وليس الممنوع هو التزين من غير التبرج.

وثالثها: منع كشف العورة أمام الأجانب، فيجب على المرأة ستر جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها، ودليلها قوله تعالى: ((وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)) [النور 31] قال ابن عباس: الوجه والكفان أخرجه البيهقي في السنن الكبرى وابن عبد البر في التمهيد وابن كثير في التفسير. وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى المِفْصَلِ» أخرجه أبو داود مرسَلاً، فجميع بدن المرأة عورة ما عدا وجهها وكفيها فيجب عليها ستر ذلك.

وقد اشترط الشارع في اللباس أن يستر البشرة، فقد أوجب الستر بما يستر لون البشرة، أي يستر الجلد، وما هو عليه من لون من بياض أو حمرة أو سمرة أو سواد أو غير ذلك، أي يجب أن يكون الساتر ساتراً للجلد ساتراً للونه على وجه لا يعلم بياضه من حمرته من سمرته، فإن لم يكن كذلك فلا يعتبر ساتراً للعورة فإن كان الثوب خفيفاً يظهر لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه من حمرته من سمرته فإنه لا يصلح أن يكون ساتراً للعورة وتعتبر العورة به ظاهرة غير مستورة، لأن الستر لا يتم شرعاً للجلد إلا بستر لونه. والدليل على أن الشارع أوجب ستر البشرة بستر الجلد بحيث لا يعلم لونه قوله صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا». فهذا الحديث دليل واضح بأن الشارع اشترط فيما يستر العورة أن لا تُرى العورة من ورائه أي أن يكون ساتراً للجلد لا يشفّ ما وراءه، فيجب على المرأة أن تجعل ما يستر العورة ثوباً غير رقيق أي لا يحكي ما وراءه ولا يشفّ ما تحته.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة