نظام الحكم في الإسلام

   

نظام الحكم في الإسلام

شـكل الحـكم في الإســلام

نظام الحكم الإسلامي نظام متميز عن جميع أنظمة الحكم في العالم، سواء في الأساس الذي يقوم عليه، أو بالأفكار والمفاهيم والمقاييس والأحكام التي ترعى بمقتضاها الشؤون، أو بالدستور والقوانين التي يضعها موضع التطبيق والتنفيذ، أو بالشكل الذي تتمثل به الدولة الإسلامية، والذي تتميز به عن جميع أشكال الحكم في العالم أجمع.

شكل الحكم في الإسلام ليس ملكياً

نظام الحكم في الإسلام ليس نظاماً ملكياً، ولا يُقرّ النظام الملكي، ولا يشبه النظام الملكي.

فالنظام الملكي يكون الحكم فيه وراثياً، يرثه الأبناء عن الآباء، كما يرثون تركتهم. بينما نظام الحكم في الإسلام لا وراثة فيه، بل يتولاه من تبايعه الأُمة بالرضى والاختيار.

والنظام الملكي يخصّ الملك بامتيازات وحقوق خاصة، لا تكون لأحد سواه من أفراد الرعية، ويجعله فوق القانون، ويمنع ذاته من أن تُمسّ، ويجعله رمزاً للأُمة يملك ولا يحكم، كملوك أوروبا، أو يملك ويحكم، بل يكون مصدر الحكم، يتصرف بالبلاد والعباد كما يريد ويهوى، كملوك السعودية، والمغرب والأردن.

بينما نظام الإسلام لا يخصّ الخليفة أو الإمام بأية امتيازات أو حقوق خاصة، فليس له إلا ما لأي فرد من أفراد الأُمة. وهو ليس رمزاً للأُمة يملك ولا يحكم، ولا رمزاً لها يملك ويحكم ويتصرف بالبلاد والعباد كما يريد ويهوى، بل هو نائب عن الأُمة في الحكم والسلطان، اختارته وبايعته بالرضى ليطبق عليها شرع الله، وهو مُقيَّد في جميع تصرفاته وأحكامه ورعايته لشؤون الأُمة ومصالحها بالأحكام الشرعية.

هذا فضلاً عن انعدام ولاية العهد في نظام الحكم الإسلامي، بل هو يستنكر ولاية العهد، ويستنكر أن يؤخذ الحكم عن طريق الوراثة، ويحصر طريقة أخذه بالبيعة من الأُمة للخليفة أو الإمام بالرضى والاختيار.

شكل الحكم في الإسلام ليس جمهورياً

ونظام الحكم في الإسلام كذلك ليس هو نظاماً جمهورياً. فالنظام الجمهوري يقوم في أساسه على النظام الديمقراطي، الذي تكون السيادة فيه للشعب، فالشعب فيه هو الذي يملك حق الحكم وحق التشريع، فيملك حق الإتيان بالحاكم، وحق عزله، ويملك حق تشريع الدستور والقوانين، وحق إلغائهما وتبديلهما وتعديلهما.

بينما يقـوم نظام الحكم الإسلامي في أساسه على العقيدة الإسلامية، وعلى الأحكام الشرعية. والسيادة فيه للشرع لا للأُمة، ولا تملك الأُمة فيه ولا الخليفة حق التشريع، فالمشرع هو الله سبحانه، وإنما يملك الخليفة أن يتبنى أحكاماً للدستور والقانون من كتاب الله وسنة رسوله. كما لا تملك الأُمة فيه حق عزل الخليفة، والذي يعزله هو الشرع، لكن الأُمة تملك حق تنصيبه، لأن الإسلام قد جعل السلطان والحكم لها، فتنيب عنها فيه من تختاره وتبايعه.

والنظام الجمهوري في شكله الرئاسي يتولى فيه رئيس الجمهورية صلاحية رئيس الدولة، وصلاحية رئيس الوزراء، ولا يكون معه رئيس وزراء، وإنما يكون معه وزراء، مثل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وفي شكله البرلماني يكون فيه رئيس للجمهورية، ورئيس للوزراء، وتكون صلاحية الحكم فيه لمجلس الوزراء، لا لرئيس الجمهورية، مثل جمهورية ألمانيا.

أما نظام الخـلافة فلا يوجد فيه وزراء، ولا مجلس وزراء مع الخليفة بالمعنى (الديمقراطي)، لهم اختصاصات وصلاحيات، وإنما فيه معاونون وهم وزراء يعينهم الخليفة ليعاونوه في تحمل أعباء الخـلافة، والقيام بمسؤولياتها. وهم وزراء تفويض ووزراء تنفيذ، وحين يترأسهم الخليفة يترأسهم بوصفه رئيساً للدولة، لا بوصفه رئيساً للوزراء، أو رئيساً لهيئة تنفيذية، لأنه لا يوجد معه مجلس للوزراء له صلاحيات، فالصلاحيات كلها للخليفة، والمعاونون إنما هم معاونون له في تنفيذ صلاحياته.

هذا فضلاً عن أنّ النظام الجمهوري بشكليه الرئاسي والبرلماني يكون فيه رئيس الجمهورية مسؤولاً أمام الشعب، وأمام ممثليه، ويملك فيه الشعب وممثلوه حق عزله، لأن السيادة فيه للشعب.

وهـذا بخـلاف إمارة المـؤمنين، فإن أمير المـؤمنين، وإن كان مسؤولاً أمام الأُمة، وأمام ممثليها، ويحاسب من الأُمة ومن ممثليها، إلا أن الأُمة لا تمـلك حق عـزله، وبالتالي فإن ممثليها لا يملكون حق عزله، ولا يعزل إلا إذا خالف الشـرع مخالفة تسـتوجب عزله، والذي يقرر ذلك إنما هو محكمة المظالم.

والنظـام الجمـهـوري سـواء أكان رئاسـياً، أم برلمانياً فإن الرئاسـة فيه محددة بزمن معين لا تتعداه.

بينما نظام الخـلافة لا يحدد فيه للخليفة زمن معين، وإنما تحديده بتنفيذ الشرع، فما دام الخليفة قائماً بالشرع، مطبقاً على الناس في حكمه أحكام الإسلام، المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله فإنه يبقى خليفة، مهما طالت مدة خلافته. ومتى أخلّ بالشرع، وابتعد عن تطبيق أحكام الإسلام انتهت مدة حكمه ولو كانت يوماً أو شهراً، ويجب أن يعزل.

ومن كل ما تقـدم يتبين الاختلاف الكبير بين نظام الخـلافة، والنظـام الجمـهـوري، وبين رئيس الجمهورية في النظـام الجمهوري والخليفة في النظام الإسلامي.

وعلى ذلك فلا يجوز مطلقاً أن يقال إن نظام الإسلام نظام جمهوري، أو أن يقال: الجمهورية الإسلامية، لوجود التناقض الكبير بين النظـامين في الأساس الذي يقوم عليه كل منهما، ولوجود الخلاف بينهما في الشكل والتفاصيل.

شكل الحكم في الإسلام ليس (إمبراطورياً)

وهو أيضاً ليس (إمبراطورياً)، بل النظام (الإمبراطوري) بعيد عن الإسلام كل البعد، فالأقاليم التي يحكمها الإسلام ــ وإن كانت مختلفة الأجناس، وترجع إلى مركز واحد ــ فإنه لا يحكمها بالنظام (الإمبراطوري)، بل بما يناقض النظام (الإمبراطوري)، لأن النظام (الإمبراطوري) لا يساوي بين الأجناس في أقاليم (الإمبراطورية) بالحكم، بل يجعل ميزة لمركز (الإمبراطورية) في الحكم والمال والاقتصاد.

وطريقة الإسلام في الحكم هي أنه يسوي بين المحكومين في جميع أجزاء الدولة، وينكر العصبيات الجنسية، ويعطي لغير المسلمين الذين يحملون التابعية حقوق الرعية وواجباتها، فلهم ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف، بل هو أكثر من ذلك لا يجعل لأي فرد من أفراد الرعية ــ أياً كان مذهبه ــ من الحقوق ما ليس لغيره ولو كان مسلماً، فهو بهذه المساواة يختلف عن (الإمبراطورية)، وهو بهذا النظام لا يجعل الأقاليم مستعمرات، ولا مواضع استغلال، ولا منابع تصب في المركز العام لفائدته وحده، بل يجعل الأقاليم كلها وحدة واحدة مهما تباعدت المسافات بينها، وتعددت أجناس أهلها، ويعتبر كل إقليم جزءاً من جسم الدولة، ولأهله سائر الحقوق التي لأهل المركز، أو لأي إقليم آخر، ويجعل سلطة الحكم ونظامه وتشريعه كلها واحدة في كافة الأقاليم.

شكل الحكم في الإسلام ليس اتحادياً

وليس نظام الحكم في الإسلام نظاماً اتحادياً، تنفصل أقاليمه بالاستقلال الذاتي، وتتحد في الحكم العام، بل هو نظام وحدة تعتبر فيه مراكـش في المغرب وخراسان في المشرق، كما تعتبر مديرية الفيوم إذا كانت العاصمة الإسلامية هي القاهرة. وتعتبر مالية الأقاليم كلها مالية واحدة، وميزانية واحدة تنفق على مصالح الرعية كلها، بغض النظر عن الولايات. فلو أن ولاية كانت وارداتها ضعف حاجاتها فإنه ينفق عليها بقدر حاجاتها، لا بقدر وارداتها. ولو أن ولاية لم تكف وارداتُها حاجاتِها فإنه لا ينظـر إلى ذلك، بل ينفـق عليها من الميزانية العامة بقدر حاجاتها سواء أوفت وارداتها بحاجاتها أم لم تفِ.

فنظام الحكم وحدة تامة وليس اتحاداً. ولهذا كان نظام الحكم في الإسلام نظاماً إسلامياً متميزاً عن غيره من النظم المعروفة الآن في أصوله وأسسه، وإن تشابهت بعض مظاهره مع بعض مظاهرها. وهو فوق كل ما تقدم مركزي في الحكم، يحصر السلطة العليا في المركز العام، ويجعل له الهيمنة والسلطة على كل جزء من أجزاء الدولة صغر أو كبر، ولا يسمح بالاستقلال لأي جزء منه، حتى لا تتفكك أجزاء الدولة. وهو الذي يعين القواد والولاة والحكام والمسؤولين عن المالية والاقتصاد، وهو الذي يولي القضاة في كل إقليم من أقاليمه، وهو الذي يعين كل مَن عمله يكون حكماً، وهو المباشر لكل شيء من الحكم في جميع البلاد.

والحاصل أن نظام الحكم في الإسلام نظام خلافة. وقد انعقد الإجماع على وحدة الخـلافة، ووحدة الدولة، وعدم جواز البيعة إلا لخليفة واحد. وقد اتفق على ذلك الأئمة والمجتهدون وسائر الفقهاء. وإذا بويع لخليفة آخر مع وجود خليفة، أو وجود بيعة لخليفة قوتل الثاني، حتى يبايع للأول أو يقتل؛ لأن البيعة إنما ثبتت شرعاً لمن بُويع أولاً بيعة صحيحة.


نظـام الحـكم في الإســلام الخــلافـة

الخـلافة هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهي عينها الإمامة، فالإمامة والخـلافة بمعنى واحد وهي الشكل الذي وردت به الأحكام الشرعية لتكون عليه الدولة الإسلامية. وقد وردت الأحاديث الصحيحة بهاتين الكلمتين بمعنى واحد، ولم يرد لأي منهما معنى يخالف معنى الأخرى في أي نص شرعي، أي لا في الكتاب ولا في السنة لأنهما وحدهما النصوص الشرعية. ولا يجب أن يُلتزم هذا اللفظ، أي الإمامة أو الخـلافة، وإنما يلتزم مدلوله.

وإقامة خليفة فرض على المسلمين كافة في جميع أقطار العالم. والقيام به ــ كالقيام بأي فرض من الفروض التي فرضها الله على المسلمين ــ هو أمر محتم لا تخيير فيه ولا هوادة في شأنه، والتقصير في القيام به معصية من أكبر المعاصي، يعذب الله عليها أشد العذاب.

والدليل على وجوب إقامة الخليفة على المسلمين كافةً السنةُ وإجماعُ الصحابة. أما السنة فقد رُوي عن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، رواه مسلم، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية. والبيعة لا تكون إلا للخليفة ليس غير. وقد أوجب الرسول على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة لخليفة، ولم يوجب أن يبايع كل مسلم الخليفة. فالواجب هو وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده، فوجود الخليفة هو الذي يوجد في عنق كل مسلم بيعة، سواء بايع بالفعل، أم لم يبايع، ولهذا كان الحديث دليلاً على وجوب نصب الخليفة، وعلى وجوب أن يكون في عنق كل مسلم بيعة وليس دليلاً على وجوب البيعة، لأن الذي ذمه الرسول هو خلو عنق المسلم من بيعة حتى يموت، ولم يذم عدم البيعة. وروى مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه ويُتقى به». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» رواه مسلم. فهذه الأحاديث فيها وصف للخليفة بأنه جُنة، أي وقاية. فوصف الرسول بأن الإمام جنة هو إخبار عن فوائد وجود الإمام، فهو طلب، لأن الإخبار من الله ومن الرسول إن كان يتضمن الذم فهو طلب ترك، أي نهي، وإن كان يتضمن المدح فهو طلب فعل، فإن كان الفعل المطلوب يترتب على فعله إقامة الحكم الشرعي، أو يترتب على تركه تضييعه، كان ذلك الطلب جازماً. وفي هذه الأحاديث أيضاً أن الذين يسوسون المسلمين هم الخلفاء، وهو يعني طلب إقامتهم، وفيها تحريم أن يخرج المسلم من السلطان. وهذا يعني أن إقامة المسلم سلطاناً، أي حكماً له، أمر واجب. على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الخلفاء، وبقتال من ينازعهم في خلافتهم. وهذا يعني أمراً بـإقامة خليفة، والمحافظة على خلافته بقتال كل من ينازعه. فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمره قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». فالأمر بطاعة الإمام أمر بـإقامته، والأمر بقتال من ينازعه قرينة على الجزم في دوام إيجاده خليفة واحداً.

وأما إجماع الصحابة فإنهم رضوان الله عليهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم. وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقب وفاته، واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض، ويحرم على من يجب عليهم الاشتغال في تجهيزه ودفنه الاشتغال في شيء غيره حتى يتم دفنه. والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال في تجهيز الرسول ودفنه اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن الاشتغال بدفن الرسول، وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال، وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار، وقدرتهم على الدفن، فكان ذلك إجماعاً على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت، ولا يكون ذلك إلا إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. وأيضاً فإن الصحابة كلهم أجمعوا طوال أيام حياتهم على وجوب نصب الخليفة، ومع اختلافهم على الشخص الذي يُنتخب خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة، لا عند وفاة رسول الله، ولا عند وفاة أي خليفة من الخلفاء الراشدين. فكان إجماع الصحابة دليلاً صريحاً وقوياً على وجوب نصب الخليفة.

على أن إقامة الدين، وتنفيذ أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة الدنيا والأخرى فرض على المسلمين، بالدليل القطعي الثبوت، القطعي الدلالة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بحاكم ذي سلطان. والقاعدة الشرعية إن (ما لا يتـم الواجـب إلا به فهـو واجب) فكان نصب الخليفة فرضاً من هذه الجهة أيضاً.

وفوق ذلك فإن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يحكم بين المسلمين بما أنزل، وكان أمره له بشكل جازم، قال تعالى مخاطباً الرسول عليه السلام: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، وقال: ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ. وخطاب الرسول خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به، وهنا لم يرد دليل فيكون خطاباً للمسلمين بـإقامة الحكم. ولا يعني إقامة الخليفة إلا إقامة الحكم والسلطان. على أن الله تعالى فرض على المسلمين طاعة أُولي الأمر أي الحكام، مما يدل على وجوب وجود وليّ الأمر على المسلمين. قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ولا يأمر الله بطاعة من لا وجود له، فدل على أن إيجاد وليّ الأمر واجب، لأن الحكم بما أنزل الله واجب. فالله تعالى حين أمر بطاعة وليّ الأمر فإنه يكون قد أمر بـإيجاده. فإن وجود وليّ الأمر يترتب عليه إقامة الحكم الشرعي، وترك إيجاده يترتب عليه تضييع الحكم الشرعي، فيكون إيجاده واجباً لما يترتب على عدم إيجاده من حرمة، وهي تضييع الحكم الشرعي.

فهذه الأدلة صريحة بأن إقامة الحكم والسلطان على المسلمين منهم فرض، وصريحة بأن إقامة خليفة يتولّى هو الحكم والسلطان فرض على المسلمين، وذلك من أجل تنفيذ أحكام الشرع، لا مجرد حكم وسلطان. أنظر قوله صلى الله عليه وسلم: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة»، رواه مسلم من طريق عوف بن مالك، فهو صريح في الإخبار بالأئمة الأخيار والأئمة الأشرار، وصريح بتحريم منابذتهم بالسيف ما أقاموا الدين، لأن إقامة الصلاة كناية عن إقامة الدين والحكم به. فَكوْن إقامة الخليفة ليقيم أحكام الإسلام، ويحمل دعوته فرضاً على المسلمين أمر لا شبهة في ثبوته في نصوص الشرع الصحيحة، فوق كونه فرضاً من جهة ما يحتمه الفرض الذي فرضه الله على المسلمين من إقامة حكم الإسلام، وحماية بيضة المسلمين. إلا أن هذا الفرض فرض على الكفاية، فإن أقامه البعض فقد وجد الفرض، وسقط عن الباقين هذا الفرض، وإن لم يستطع أن يقيمه البعض، ولو قاموا بالأعمال التي تقيمه فإنه يبقى فرضاً على جميع المسلمين، ولا يسقط الفرض عن أي مسلم ما دام المسلمون بغير خليفة.

والقعود عن إقامة خليفة للمسلمين معصية من أكبر المعاصي، لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، ويتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة فالمسلمون جميعاً آثمون إثماً كبيراً في قعودهم عن إقامة خليفة للمسلمين. فإن أجمعوا على هذا القعود كان الإثم على كل فرد منهم في جميع أقطار المعمورة. وإن قام بعض المسلمين بالعمل لإقامة خليفة، ولم يقم البعض الآخر فإن الإثم يسقط عن الذين قاموا يعملون لإقامة الخليفة، ويبقى الفرض عليهم حتى يقوم الخليفة. لأن الاشتغال بـإقامة الفرض يسقط الإثم على تأخير إقامته عن وقته، وعلى عدم القيام به، لتلبسه بالقيام به، ولاستكراهه بما يقهره عن إنجاز القيام به. أما الذين لم يتلبسوا بالعمل لإقامة الفرض فإن الإثم بعد ثلاثة أيام من ذهاب الخليفة إلى يوم نصب الخليفة يبقى عليهم، لأن الله قد أوجب عليهم فرضاً ولم يقوموا به، ولم يتلبسوا بالأعمال التي من شأنها أن تقيمه، ولذلك استحقوا الإثم، فاستحقوا عذاب الله وخزية في الدنيا والآخرة. واستحقاقهم الإثم على قعودهم عن إقامة خليفة، أو عن الأعمال التي من شأنها أن تقيمه، ظاهر صريح في استحقاق المسلم العذاب على تركه أي فرض من الفروض التي فرضها الله عليه، لا سيما الفرض الذي به تُنفَذ الفروض، وتُقام أحكام الدين، ويعلو أمر الإسلام، وتصبح كلمة الله هي العليا في بلاد الإسلام، وفي سائر أنحاء العالم.

وعليه فإنه لا يوجد عذر لمسلم على وجه الأرض في القعود عن القيام بما فرضه الله عليه لإقامة الدين، ألا وهو العمل لإقامة خليفة للمسلمين حين تخلو الأرض من الخـلافة، وحين لا يوجد فيها من يُقيم حدود الله لحفظ حرمات الله، ولا من يقيم أحكام الدين، ويجمع شمل جماعة المسلمين تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولا توجد في الإسلام أي رخصة في القعود عن القيام بهذا الفرض حتى يقوم.

وفوق ذلك فإن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يحكم بين المسلمين بما أنزل، وكان أمره له بشكل جازم، قال تعالى مخاطباً الرسول عليه السلام: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، وقال: ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ. وخطاب الرسول خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به، وهنا لم يرد دليل فيكون خطاباً للمسلمين بـإقامة الحكم. ولا يعني إقامة الخليفة إلا إقامة الحكم والسلطان. على أن الله تعالى فرض على المسلمين طاعة أُولي الأمر أي الحكام، مما يدل على وجوب وجود وليّ الأمر على المسلمين. قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ولا يأمر الله بطاعة من لا وجود له، فدل على أن إيجاد وليّ الأمر واجب، لأن الحكم بما أنزل الله واجب. فالله تعالى حين أمر بطاعة وليّ الأمر فإنه يكون قد أمر بـإيجاده. فإن وجود وليّ الأمر يترتب عليه إقامة الحكم الشرعي، وترك إيجاده يترتب عليه تضييع الحكم الشرعي، فيكون إيجاده واجباً لما يترتب على عدم إيجاده من حرمة، وهي تضييع الحكم الشرعي.

فهذه الأدلة صريحة بأن إقامة الحكم والسلطان على المسلمين منهم فرض، وصريحة بأن إقامة خليفة يتولّى هو الحكم والسلطان فرض على المسلمين، وذلك من أجل تنفيذ أحكام الشرع، لا مجرد حكم وسلطان. أنظر قوله صلى الله عليه وسلم: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة»، رواه مسلم من طريق عوف بن مالك، فهو صريح في الإخبار بالأئمة الأخيار والأئمة الأشرار، وصريح بتحريم منابذتهم بالسيف ما أقاموا الدين، لأن إقامة الصلاة كناية عن إقامة الدين والحكم به. فَكوْن إقامة الخليفة ليقيم أحكام الإسلام، ويحمل دعوته فرضاً على المسلمين أمر لا شبهة في ثبوته في نصوص الشرع الصحيحة، فوق كونه فرضاً من جهة ما يحتمه الفرض الذي فرضه الله على المسلمين من إقامة حكم الإسلام، وحماية بيضة المسلمين. إلا أن هذا الفرض فرض على الكفاية، فإن أقامه البعض فقد وجد الفرض، وسقط عن الباقين هذا الفرض، وإن لم يستطع أن يقيمه البعض، ولو قاموا بالأعمال التي تقيمه فإنه يبقى فرضاً على جميع المسلمين، ولا يسقط الفرض عن أي مسلم ما دام المسلمون بغير خليفة.

والقعود عن إقامة خليفة للمسلمين معصية من أكبر المعاصي، لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، ويتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة فالمسلمون جميعاً آثمون إثماً كبيراً في قعودهم عن إقامة خليفة للمسلمين. فإن أجمعوا على هذا القعود كان الإثم على كل فرد منهم في جميع أقطار المعمورة. وإن قام بعض المسلمين بالعمل لإقامة خليفة، ولم يقم البعض الآخر فإن الإثم يسقط عن الذين قاموا يعملون لإقامة الخليفة، ويبقى الفرض عليهم حتى يقوم الخليفة. لأن الاشتغال بـإقامة الفرض يسقط الإثم على تأخير إقامته عن وقته، وعلى عدم القيام به، لتلبسه بالقيام به، ولاستكراهه بما يقهره عن إنجاز القيام به. أما الذين لم يتلبسوا بالعمل لإقامة الفرض فإن الإثم بعد ثلاثة أيام من ذهاب الخليفة إلى يوم نصب الخليفة يبقى عليهم، لأن الله قد أوجب عليهم فرضاً ولم يقوموا به، ولم يتلبسوا بالأعمال التي من شأنها أن تقيمه، ولذلك استحقوا الإثم، فاستحقوا عذاب الله وخزية في الدنيا والآخرة. واستحقاقهم الإثم على قعودهم عن إقامة خليفة، أو عن الأعمال التي من شأنها أن تقيمه، ظاهر صريح في استحقاق المسلم العذاب على تركه أي فرض من الفروض التي فرضها الله عليه، لا سيما الفرض الذي به تُنفَذ الفروض، وتُقام أحكام الدين، ويعلو أمر الإسلام، وتصبح كلمة الله هي العليا في بلاد الإسلام، وفي سائر أنحاء العالم.

وعليه فإنه لا يوجد عذر لمسلم على وجه الأرض في القعود عن القيام بما فرضه الله عليه لإقامة الدين، ألا وهو العمل لإقامة خليفة للمسلمين حين تخلو الأرض من الخـلافة، وحين لا يوجد فيها من يُقيم حدود الله لحفظ حرمات الله، ولا من يقيم أحكام الدين، ويجمع شمل جماعة المسلمين تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولا توجد في الإسلام أي رخصة في القعود عن القيام بهذا الفرض حتى يقوم.

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة