الفقر

الفقر بين الإسلام والرأسمالية (مفهوماً ومعالجة)

إن من أعظم المصائب التي لحقت بأمة الإسلام في هذا العصر عقب غياب الحكم بما أنزل الله وبعد وقوعها فريسة للكافر المستعمر، ما حل بأبنائها من فقر واحتياج وعوز لم تشهد مثله من قبل رغم ما تعجّ به بلادها من ثروات وخيرات هائلة، منها الزراعية، ومنها المائية، ومنها الظاهر، ومنها الدفين كالطاقة التي هي عصب الحياة الصناعية وروحها، ومنها ما يتعلق بعمقها الجغرافي، ومنها ما يتعلق بعمقها البشري. أضف إلى ذلك أنها تحيا في عصر التقنية والتطور المادي وسرعة الاتصال ويسر المواصلات. رغم كل هذا تجدها -أي الأمة الإسلامية- تصنف في عداد الأمم الفقيرة، بل المنحطة التي تعتاش على فتات الأمم الكافرة والدول المستعمرة.

أسباب وجود الفقر:

إذا ما تجاوزنا وصف واقع الفقر الذي كثر واصفوه، وأخطأ مشخصوه، وقل معالجوه العلاج الصحيح الشافي، وأردنا أن نلقي نظرة نجمل فيها أسبابه نجدها في أمور أهمها:

1- غياب الحكم بما أنزل الله في شؤون الأمة عامة، وفي الحياة الاقتصادية خاصة، إذ استبدل الكفر جميعاً بأحكام الإسلام كافة، فغدت الأمة في مشارق الأرض ومغاربها تخضع لأحكام الكفر التي جرّت عليها ويلات تتلوها ويلات، ومصائب تعقبها مصائب، وكانت مصيبة الفقر أبرزها.

2- تجزئة الأمة الواحدة ذات الكيان الواحد والحاكم الواحد إلى كيانات متعددة مختلفة منتافرة، مما فرق شمل خيراتها ومواردها وجعلها نهباً لفئات متسلطة، يَـدَّعون أنهم حكام وما هم بحكام، وحرمها من تكامل اقتصادي يغنيها عن العالم أجمع، بل يؤهلها لتسنم مجدٍ لا يُشق له غبار.

3- الاستعمار الذي ما زال يجثو على صدرها، ويلقي بظلاله على جميع جوانب حياتها، ولا سيما الجانب الاقتصادي، حيث أصبحت بلاد المسلمين إحدى مصالحه الحيوية التي يستعد للدفاع عنها والتشبث بها ولو كلفه ذلك الغالي والنفيس، فكانت -وكما تقول أميركا- جزءاً من أمنها القومي، وأبرز معالم هذا الاستعمار:

أ- نهب المواد الخام وموارد الطاقة.

ب- استخدامها أسواقاً لسلعهِ ومنتوجاتهِ، والتفنن في ذلك حتى أدخل معظم الدول القائمة في العالم الإسلامي في ما يسمى بمنظمة التجارة الدولية، حيث رفع الجمارك وتقليص دور الدولة في التجارة الخارجية.

ج- وضعها في قفص المديونية، فلا توجد دولة من هذه الدول إلا وقد وقعت في المديونية للمؤسسات الاستعمارية.

د- تطبيق أحكام النظام الاقتصادي الرأسمالي عليها، فاستباحت الربا، والاحتكار، والتسعير والشركات المساهمة، والتأمين، وتغير مفهوم الملكية لديها واختلفت أسبابها وطرق تنميتها، ومفهوم التجارة الخارجية.

هـ – اشتغالها بالأزمات التي تستدعي تمويلاً يستنـزف خيرات البلاد دون أن تحقق نتيجة ترجى.

و- جعل وجهة نظر المستعمر في الحياة وفي الاقتصاد قِـبْـلةَ المسلمين في حل مشاكلهم الاقتصادية، والتي تتلخص في القروض والضرائب وتقليص دور الدولة في رعاية شؤون الناس، والذي يعرف بالخصخصة وفتح البلاد أمام الاستغلال أو الاستثمار الأجنبي وتأجير البلاد كقواعد عسكرية… إلخ.

4- غياب مفهوم رعاية الشؤون عن الدولة وعن الأمة، إذ إن الدولة في الإسلام تعني رعاية شؤون الناس داخلياً وخارجياً أفراداً وجماعةً، وهذا أمر كان مفهوماً عند الحكام ومن ناب عنهم، فاستقاموا وجهدوا في تحقيقه على أحسن وجه. وكان أيضاً مفهوماً عند الأمة التي ما توانت في محاسبتهم كلما رأت منهم تقصيراً أو تجاهلاً لشأن من شؤونها، إلا أن الأمر قد انقلب رأساً على عقب، فجاءنا حكام لا يعرفون إلا رعاية شؤون أنفسهم، والمحافظة على مصالح ساداتهم الكفار المستعمرين، والتسلط على الناس وإذلالهم وأكل حقوقهم، فأوجدوا جواً مفعماً بالظلم والجهل والفقر، فغاب عن الناس مفهوم الرعوية، فغدوا يرون البلاد والعباد ملكاً لهؤلاء الحكام يتصرفون فيه تصرف المالك بملكه، ولا يرون لأنفسهم حقاً عليهم، بل رأوا أنفسهم مسؤولين عن شؤونهم الخاصة والعامة، ولا أدل على ذلك من ترنحهم في الفقر والهوان دون أن يلتفتوا إلى حكامهم لمطالبتهم بما يصلح حالهم. والأدهى من ذلك أن ترى وجوههم تعلوها البهجة والسرور والعرفان بالجميل، إذا ما فطن الحاكم لبعض مآسيهم، وتصدق عليهم بفتات ما نهب منهم.

النظرة الرأسمالية للفقر:
ينطلق الرأسماليون في نظرتهم للفقر من نظرتهم للمشكلة الاقتصادية التي يسعون لحلها ويسمونها نظرية الندرة النسبية للسلع والخدمات، والتي تنص على كثرة الحاجات وقلة وسائل إشباعها، أي عدم كفاية السلع والخدمات الموجودة في هذا الكون لإشباع حاجات الإنسان المتجددة والمتزايدة إشباعاً كلياً. فالمشكلة عندهم إذن هي الحاجات والموارد وليس الإنسان، أي هي توفير الموارد لإشباع الحاجات، وليس إشباع حاجات كل فرد من الأفراد، فخلطوا بذلك بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي، فكانت الدراسات الاقتصادية تدور حول العمل على زيادة ما يستهلكه مجموع الناس من السلع والخدمات. أضف إلى ذلك أنهم عرّفوا الحاجة بأنها الرغبة، فكل ما ترغب فيه فأنت تحتاجه، ولم يميزوا بين حاجات أساسية فطرية في الإنسان وهي المأكل والملبس والمسكن، وبين حاجات كمالية تتغير وتتطور كلما تقدمت المدنية، وهذا هو السر في ادعائهم ازدياد الحاجات. وذهبوا إلى ما هو أخطر عندما اعتبروا هذه الرغبة هي مقياس المنفعة في الشيء، فالرغبة في الشيء هي التي تجعله نافعاً اقتصادياً أو غير نافع.

ومن هذه النظرة التي تقوم على أساس الندرة النسبية للسلع والخدمات، وأن الحاجة هي الرغبة، وأن هذه الخدمات تتغير تبعاً للتطور المادي والمدني، عرفوا الفقر بأنه عدم القدرة على إشباع الحاجات من سلع وخدمات، وأنه يختلف باختلاف الأمم والأشخاص، فهو شيء نسبي اعتباري، فالأمم المنحطة تكون حاجات أفرادها محدودة في السلع والخدمات الضرورية، فيكون الفقر فيها عدم القدرة على الحصول على هذه السلع والخدمات. في حين أن الأمم المتمدنة المتقدمة مادياً تكون حاجات أفرادها كثيرة يحتاج إشباعها إلى سلع وخدمات أكثر، فيعتبر الفقر فيها غير الفقر في البلدان المتأخرة، فمثلاً يعتبر عدم إشباع الحاجات الكمالية في أوروبا وأميركا فقراً، في حين لا يعتبر عدم إشباع الحاجات الكمالية مع إشباع الحاجات الأساسية في مصر والعراق مثلاً فقراً، وهذا خطأ محض لأنهم جعلوا الفقر شيئاً اعتبارياً وليس حقيقياً، وهذا مخالف لواقع الفقر الذي لا يختلف باختلاف زمان أو مكان، أو بتقدم مدني أو انحطاط، ولأن التشريع أي تشريع موضوع للإنسان لا بد أن ينظر للإنسان عند وضع المعالجات للمشاكل بوصفه إنساناً يتكون من حاجات عضوية وغرائز لا بوصفه فرداً.

ولم تقف الرأسمالية عند الخطأ في تعريف الفقر، بل أنها أوجدته وساعدت في تكريسه عند نظرتها إلى توزيع الثروة، إذ يرون إنها تتم ضمن طريقتين: الأولى حرية التملك، فبعد توفير الموارد والثروات لمجموع الناس، يترك لهم حرية التملك، دونما تحديد لأسباب معينة له، أو إشارة إلى طرق تنمية معينة له، وهذا حتماً يؤدي إلى تركيز الثروة وحصرها في أيدي فئة قليلة، وحرمان فئات أخرى منها، أي يؤدي إلى سوء توزيع الثروة، فشاعت الاحتكارات الرأسمالية التي تعدت سيطرتها حدود المجتمعات الرأسمالية إلى باقي أنحاء العالم، فاستبد المنتجون بالمستهلكين وشاع الفقر والحرمان.

أما الطريقة الثانية عندهم لتوزيع الثروة فهي الثمن، فالثمن عندهم هو المنظم لتوزيع الثروة على أفراد المجتمع، فيقولون إنه القيد الذي يجعل الإنسان يتوقف عن الحيازة والاستهلاك عند الحد الذي يتناسب مع موارده. وبذلك يكون الثمن بارتفاعه لبعض السلع وانخفاضه لبعضها، وتوفر النقد عند البعض وعدم توفره عند الآخرين، يكون منظماً لتوزيع الثروة على المستهلكين، ويكون نصيب كل فرد من ثروة البلاد ليس بمقدار حاجاته الأساسية، وإنما هو معادل لقيمة الأعمال التي ساهم بها في إنتاج السلع والخدمات، أي بمقدار ما يحوز من مال.

وبهاتين القاعدتين حرية التملك والثمن يكون النظام الاقتصادي الرأسمالي قد قرر أنه لا يستحق الحياة إلا من كان قادراً على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات أو امتلاكها بأي سبب يناسبه، أما من كان عاجزاً لأنه خُلِقَ ضعيفاً، أو لضعف طرأ عليه، فلا يستحق أن ينال من ثروة البلاد ما يسد حاجاته، وكذلك يستحق التخمة والسيادة والسيطرة على الغير بماله كل من كان قادراً على ذلك لأنه خُلِقَ قوياً في جسمه أو عقله، أو كان أقدر من غيره على الحيازة بأي طريق من الطرق.

أما تصورهم لحل مشكلة الفقر والقضاء عليه فهو على النحو التالي:

ما دامت المشكلة الاقتصادية هي محدودية الموارد، وتناقصها بالنسبة للحاجات المتزايدة غير المحدودة؛ كان تصورهم للحل هو توفير هذه الموارد، أي السلع والخدمات، بمعنى آخر هو رفع مستوى الإنتاج، أي زيادة ما يستهلكه الناس، مجموع الناس، لا الأفراد، فبرز عندهم ما يسمى بحجم الإنتاج الأهلي، وينظم هذا التوزيع بجهاز الثمن، فيترك للأفراد نوال ما يستطيعون من هذه الثروة كل بحسب ما يملك من عوامل إنتاجها، سواء حصل الإشباع لجميع الأفراد أو حصل لبعضهم دون البعض الآخر. وهذه معالجة خاطئة لا تؤدي إلى القضاء على فقر الأفراد ولا إلى رفع مستوى معيشتهم جميعاً؛ لأن الحاجات التي تتطلب الإشباع هي حاجات فردية مع كونها حاجات إنسان، ولأن معالجة فقر البلاد لا يعالج مشاكل فقر الأفراد فرداً فرداً، ولكن معالجة فقر الأفراد وتوزيع ثروة البلاد عليهم يؤدي حتماً إلى زيادة الدخل الأهلي، ولأن العوامل التي تؤثر في حجم الإنتاج وزيادة الدخل الأهلي يكون بحثها في علم الاقتصاد، أي في بحث المادة الاقتصادية وزيادتها، أما الفقر فبحثه متعلق بتوزيع الثروة بين الناس وهو ما يسمى بالنظام الاقتصادي.

أما نظرة الإسلام إلى الفقر فقد انطلقت من الاعتبارات التالية:

1- المشكلة الاقتصادية التي تواجه المجتمع هي توزيع ثروة البلاد الداخلية والخارجية على جيمع أفراد الأمة فرداً فرداً، بحيث يضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد إشباعاً كلياً، وتمكين كل فرد منهم من إشباع حاجاته الكمالية.

2- حاجات الإنسان الأساسية من حيث هو إنسان هي: المأكل، والملبس، والمسكن، وهي لا تزيد، وإنما الذي يزيد ويتجدد هو حاجاته الكمالية، فالزيادة في الحاجات التي تحصل مع تقدم الإنسان في حياته المدنية إنما تتعلق بالحاجات الكمالية لا الحاجات الأساسية، وهذه يعمل لإشباعها ولكن عدم إشباعها لا يسبب مشكلة، بل الذي يسبب المشكلة هو عدم إشباع الحاجات الأساسية. هذا من جهة الحاجات، أما من جهة الموارد أي الأموال والجهود التي يسمونها السلع والخدمات الموجودة في العالم، فإنها كافية لإشباع الحاجات الأساسية والكمالية أيضاً.

3- زيادة الدخل الأهلي برفع مستوى الإنتاج هو أمر متعلق بواقع البلاد من حيث الموارد والثروات، ويبحث فيه علم الاقتصاد، ولا علاقة له بتوزيع الثروة الذي يبحث فيه نظام الاقتصاد. فهناك فرق بين علم الاقتصاد ونظام الاقتصاد.

وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، نظر الإسلام إلى الفقر نظرة واحدة لا تختلف باختلاف زمان أو مكان، أو بانحطاط مدني أو تقدم، فاعتبره عدمَ إشباع الحاجات الأساسية إشباعاً كاملاً، وقد حدد الشرع هذه الحاجات الأساسية بثلاث هي: المأكل، والملبس، والمسكن، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة 233]، وقال عز وجل: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق 6]، وروى ابن ماجه عن أبي الأحوص قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهنّ كسوتهنّ وطعامهنّ»؛ وعليه فالحاجات التي يعتبر عدم إشباعها فقراً هي الطعام والكسوة والمسكن، أما ما عداها فيصنف ضمن الحاجات الكمالية التي لا يشكل عدم إشباعها مشكلة. وبناءً على هذه النظرة لمشكلة الفقر وضع الإسلام معالجات مباشرة وفورية للقضاء عليه، وحماية الأمة من مخاطره، تتمثل في توفير ما يسد حاجات الفقير مباشرة، وتحديد الجهات التي تتحمل مسؤولية ذلك، ووضع الإسلام أيضاً سياسة اقتصادية مثلى، يجنّب تطبيقُها والالتزامُ بها الأمةَ الفقرَ ويحميها منه، حيث تتساوق هذه السياسة ونظرته للمشكلة الاقتصادية، وتجعل من الفرد محوراً تدور حوله جميع أحكامها، حيث راعت فيه ثلاثة جوانب: الأول كونه إنساناً له حاجات أساسية يجب إشباعها جميعها إشباعاً كاملاً. أما الجانب الثاني فباعتبار فرديته، وذلك أن الحاجات الأساسية هي حاجات أفراد معينين وليست حاجات جماعة. وأما الجانب الثالث فباعتباره مرتبطاً مع غيره بعلاقات معينة تسير تسييراً معيناً، أي باعتباره يعيش في مجتمع معين له طراز خاص من العيش.

وهكذا يرى الإسلام أن الفقر ليس مشكلة أفراد عجزوا عن إشباع حاجاتهم الأساسية فحسب، بل يراه أيضاً مشكلةً تتعلق بالمجتمع من حيث الأثار التي يتركها، من مثل التفاوت الفاحش بين الأفراد في حيازة الثروة وإشباع الحاجات ما يُشعِرُ بوجود الطبقات، ومن حيث الآثار الاقتصادية الخطيرة التي يخلفها، وأهمها تلك التي تتعلق باستغلال ثروات البلاد وحرمان الجماعة من طاقات الأفراد، ومن حيث الفساد الذي يطرأ على علاقات الناس بعضهم ببعض من سرقة ونهب وحسد وتباغض مما يترك آثاراً سلبية على الأمن والاستقرار، وهكذا نرى أن الفقر هو مشكلة أفراد يعيشون في مجتمع معين له طراز خاص من العيش، فكان علاجه يتراوح بين العلاج المباشر وبين السياسة الاقتصادية التي هي أحكام شرعية تضمن الوقاية من الفقر والعلاج غير المباشر له. فهَاكُمُوها مختصرة:

المعالجة المباشرة:

وتكون من جانبين، الجانب الأول: فيما يتعلق بالفرد نفسه، حيث حثَّ الإسلامُ الفردَ على الكسب وعلى طلب الرزق، بل جعل السعي لكسب الرزق فرضاً على القادر المحتاج، روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صافح سعد بن معاذ، رضي الله عنه، فإذا يداه قد اكتبتا، فسأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فقال: أضربُ بالمر (الحبل) والمسحاةِ لأنفقَ على عيالي، فقبَّلَ (صلى الله عليه وآله وسلم) يدَه، وقال: كفان يحبهما الله تعالى.

أما الجانب الثاني: فقد جعل الشرع إعانةَ الفقير على غيره، حتى يتوفرَ له ما يشبع هذه الحاجات الأساسية، وقد فصلها على النحو التالي:

أ – أوجبها على الأقارب الذين يكونون رَحِماً محرّماً له، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ [البقرة 233]، أي على الوارث مثل المولود له من حيث الرزق والكسوة.

ب – إن لم يكنْ له أقارب ممن أوجب الله عليهم نفقة قريبهم انتقلت إلى بيت المال في باب الزكاة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاًّ فإلينا» والكـــلّ الضـــعيف الذي لا ولدَ له ولا والد، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة 60].

ج – إنْ لم يَفِ قسمُ الزكاة من بيت المال في حاجات الفقراء والمساكين كان واجباً على الدولة أن تنفق عليهم من أبواب أخرى من بيت المال.

د – إن لم يوجد في بيت المال مالٌ يجب على الدولة أن تفرضَ ضريبة على أموال الأغنياء وتحصلها لتنفقَ على الفقراء والمساكين منها، فسدُّ حاجات الفقراء فرض على جميع المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام: «أيُّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤٌ جائع فقد برئتْ منهم ذمةُ الله تبارك وتعالى» رواه أحمد. وقد ألزم الرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) الأنصـارَ بإعالة المهـاجرين الفقـراء، وقال تعـالى: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات]، فكل ذلك يدل على أنه فرض على جميع المسلمين، وما كان فرضاً على جميع المسلمين كان على الخليفة بما عليه من واجب رعاية شؤونهم أن يحصل المال منهم؛ ليقوم بما هو فرض عليهم. والذين تجب عليهم النفقة من أقارب الفقير ويدفعون الضريبة من المسلمين هم من كانوا في حالة غناء، أي من استغنوا عن غيرهم، ويعتبر الشخص في غَناء إذا كان ممن تُطلَب منه الصدقة، أما من نهي عن الصدقة فلا؛ لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى»، والغنى كما حدده الفقهاء هو ما يقوم بقوت المرء من قوت مثله، وبكسوتهم كذلك وسكناهم وبمثل حاله من مركب وزي، روى مسلم عن جابر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك» ونفقة الإنسان عن نفسه هي سده لكفاية حاجاته التي تتطلب إشباعاً، وليست كفاية حاجاته الأساسية فحسب؛ وذلك لأن الشرع أوجب عليه نفقة زوجته بالمعروف، وقد فسر بأنه حسب حالها وأمثالها، قال تعالى: ﴿ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة 233] فتكون نفقته على نفسه أيضاً بالمعروف.

السياسة الاقتصادية أو ما نسميه المعالجة غير المباشرة للفقر:

أولاً: الملكيات:

وإذ قسّم الإسلام الثروات في هذه الدنيا على ثلاث فئات: الفرد والجماعة والدولة، وكان الاعتبار الأول في هذا التقسيم هو توزيع الثروة بين الناس؛ فقد أقر الإسلام بحاجة الإنسان الفطرية لحيازة الثروة، فلم يمنعه من حيازتها، ولم يمنعه من السعي لها وتنميتها والتصرف بها، ولكن ضمن أسباب مشروعة تمنع الاضطراب والفساد الذي يسود علاقات الناس بسبب تفاوتهم في القوى الجسمية والعقلية وفي الحاجة إلى الإشباع. فكما أن الإسلام منع إلغاء الملكية أو تحديدها بِالكمّ فإنه أيضاً حارب حرية التملك، وجاء بتشريعات وتوجيهات تصون مالَ الفرد وتحفطه من اعتداءات الآخرين. وجعل الإسلام أموالاً أو أعياناً معينة مشتركة بين الناس ومنع الفرد من حيازتها، فجعلهم ينتفعون بها بشكل جماعي، وجعل للدولة ملكية تخضع لتدبير الخليفة يخص بعض الأفراد بشيء منها حسب ما يرى، وذلك كالجزية والفيء والخراج وغيرها، وتمكنها من رعاية شؤون الناس التي على رأسها توفير الحاجات الأساسية للفرد.

ثانياً: أحكام الأراضي:

وأبرزها إحياء الـمَوَات، فكل فرد من أفراد الرعية إذا أحيا أرضاً لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد من إحاطة أو زرع أو عمارة أو نحو ذلك تملَّـكها، لما روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «مَن أحيا أرضاً ليست لأحد فهو أحق»، ولم يكتفِ الإسلام بذلك بل نص على جواز إقطاع الأفراد والأرض العامرة الصالحة للزراعة التي تعود ملكيتها للدولة، وهذا ما فعله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأجمع عليه الصحابة بعده.

وإمعاناً في الحرص على استغلال الأرض، أجبرَ الإسلامُ مالكَها على استغلالها، بأن نصّ على أخذها منه وإعطائها لغيره إذا ما أهملها ثلاثَ سنين، قال عمر بن الخطاب: «ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين»؛ لأن الشرع جعل لملكية الأرض معنىً غيرَ ملكية الأموال الأخرى المنقولة وغير المنقولة، إذ جعل ملكيتها للزراعة، فإذا عُطِّلتْ المدةَ التي نص الشرعُ عليها ذهب معنى ملكيتها عن مالكها. ولا يخفى على أحد ما في هذه الأحكام من محاربة للفقر بتمليك الأفراد عنصراً هاماً من عناصر الثروة وهي الأرض دون مقابل، وإجبارهم على استغلالها.

ثالثاً: أحكام الشركات:

فقد أجاز الإسلام الشركة، واشترط في صحتها وجود البدن، ولم يشترط على شريك البدن امتلاك المال، وجعل الخسارة على المال لا على البدن. فأوجد فرصة عظيمة لمن لا يملك إلا جهده أن يوفر لنفسه مصدر رزق يسد منه حاجاته. فالعقد في الشركة منصبٌّ على القيام بعمل ماليّ بقصد الربح. فلا بد من القيام بعمل، أي لا بد من شريك بدن ولا بد من قصد الربح.

رابعاً: إعطاء الفقراء من أملاك الدولة كالغنائم والأملاك العامة:

وهي أن يُعطى الفقراء مالاً منقولاً و غير منقول، لا ليقضيَ الأفرادُ حاجاتهم بشكل مؤقت، بل من أجل تمليكهم الثروة التي تضمن سداد حاجاتهم بشكل مستمر، أي تمليكهم وسائل قضاء حاجاتهم. ويكون هذا أكثر ما يكون عندما يُرى تفاوتٌ بين الناس في الملكية، أي عندما ينحصرُ المال في أيدي فئةٍ من الناس، قال تعالى: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ ﴾ [الحشر 7]، وهذا ما فعله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بفيء بني النضير.

خامساً: منع الحمى في المنافع العامة:

والحمى هو المكان المحمي الذي لا يجوز أن يرعى فيه غيرُ مَن حماه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا حمى إلا لله ولرسوله»، والحمى المنهي عنه يشمل أمرين: الأول: الأرض الميتة التي لكل واحد من الناس أن يحيِيَها ويأخذَ منها، والثاني: ما هو من الملكية العامة من مثل الماء والكلأ والنار، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من منع فضل الماء ليمنعَ به فضل الكلأ منعه الله فضلَه يوم القيامة». أما الدولة فلها أن تحميَ من الأرض الموات وما هو داخل في الملكية العامة لأي مصلحة تراها من مصالح المسلمين، على شرط أن يكون ذلك على وجه لا يُلحق الضرر بأحد. أما الأفراد فلا يجوز لهم ذلك.

سادساً: منع كنـز الذهب والفضة:

ولعله من أبرز الأحكام التي جاءت لمعالجة سوء التوزيع بصورة غير مباشرة. والكنـز يعني جمع المال أي النقد بعضه إلى بعض لغير حاجة، وهذا يؤدي إلى تقليص المشاريع الاقتصادية مما يؤدي إلى البطالة والتي بدورها تؤدي إلى الفقر. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِـزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة 34].

سابعاً: منع الإسلام الربا:

وواقع الربا أن هذه الفائدة التي يأخذها المرابي هي استغلال لجهد الناس، وهي جزاء من غير بذل جهد، ولأن المالَ الذي يؤخَذ عليه ربا مضمونٌ غير معرض للخسارة، وهو غير استغلال المال بالشـراكة والمضـاربة وغيرها، قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة 275]. وفي الوقت الذي منع فيه الربا، حث الإسلام على الإقراض والاستقراض؛ لأن المحتاج للمال إما أن يحتاجه لأجل العيش وقد سدها الإسلام بضمان العيش لكل فرد من أفراد الرعية، وإما أن يحتاجه لأجل مشروع إنتاجي وقد سدها الإسلام بإقراض المحتاج دون ربا، روى ابن حبّان عن ابن مسعود أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة»، فإقراض المحتاج مندوب، والاستقراض مندوب أيضاً؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستقرض. وإذا ما قُضِيَ على البنوك الربوية يبقى بيت المال وحده الذي يقوم بإقراض المال لأصحاب المشاريع بلا فائدة، بعد التحقق من إمكانية الانتفاع بالمال، وهذا ما فعله عمر مع فلاحي العراق.

ثامناً: منع الاحتكار:

والاحتكار هو جمع السلع انتظاراً لبيعها بأسعار غالية بحيث يضيق على أهل البلاد شراؤها، وهو حرام في جميع الأشياء سواء أكانت طعاماً أم غيره. روي عن أبي أمامة قال: «نهى رسول الله أن يحتكر الطعام»، وفي صحيح مسلم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا يحتكر إلا خاطئ»، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة». والاحتكار يشكل أخطاراً كبيرة على المجتمع، منها عدم تمكين ضعيفي الحال من تحصيل حاجاتهم بسبب الغلاء، مما يوجد تفاوتاً بين الناس، ويشهد لذلك واقع الأمة بل واقع العالم أجمع اليوم، الذي تحتكر خيراته بضع شركات.

تاسعاً: منع الدولة من التسعير:

والتسعير هو أن يأمر السلطانُ أو نوابُه أو كلُّ مَنْ ولي أمراً من أمور المسلمين أهلَ السوق أن لا يبيعوا السلع إلا بسعر كذا، فيُمنعون من الزيادة حتى لا يغلوا الأسعار، أو النقصان عنه حتى لا يضاربوا غيرهم، وهذا كله حرام لما روى أحمد عن أنس قال: «غلا السعر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله، لو سعرت، فقال: إن الله هو الخالق، القابض، الباسط، الرازق، المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال»، فالتسعير مظلمة فهو حرام. وأبرز آثار التسعير أنه يفتح سوقاً خفية يبيع فيها الناس بيعاً مستوراً عن الدولة بعيداً عن مراقبتها، وهي ما يسمونها بالسوق السوداء، فترتفع الأسعار ويحوز السلعة الأغنياء دون الفقراء.
وغلاء الأسعار إما أن يكون بسبب احتكارها وهذا قد حرمه الإسلام، وإما أن يكون ناتجاً عن ندرتها، والخليفة في هذه الحال مأمور برعاية مصالح الناس فعليه أن يسعى لتوفيرها، وبهذا يكون قد منع الإسلامُ الغلاءَ دون الحاجة إلى التسعير.

عاشراً: منع الإسلام الفرد من أن يهب أو يهدي أو يتصدق إلا فيما يبقى له ولعياله غنى:

روى الدارمي عن جابر بن عبد الله قال: «بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب أصابها في بعض المغازي (قال أحمد: في بعض المعادن، وهو الصواب)، فقال: يا رسول الله، خذها مني صدقة، فَوَاللهِ مالي مالٌ غيرها. فأعرضَ عنه، ثم جاء من ركنه الأيسر فقال مثل ذلك، ثم جاءه من بين يديه فقال مثل ذلك، ثم قال هاتها مغضباً، فحذفه بها حذفة لو أصابته لأوجعه أو عقره، ثم قال: يعمد أحدكم إلى ماله لا يملك غيره فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى، خذ الذي لك، لا حاجة لنا به، فأخذ الرجل ماله».

هذه هي بعض الخطوط العريضة من السياسة الاقتصادية في الإسلام، والتي بها ننقذ الأمة بل العالم من براثن الفقر والعوز والحاجة، ولا يمكن أن تطبق هذه السياسة إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة القادمة بإذن الله، فالأمة في أمَسِّ الحاجة لها، بل العالم أجمع؛ يقول تقرير للأمم المتحدة إن مليار شخص في العالم محرومون من الأساسيات، أي الحاجات الأساسية، ومنها الماء، وإن 20% من سكان العالم يستهلكون 86% من ثرواته.

إن من أعظم المصائب التي لحقت بأمة الإسلام في هذا العصر عقب غياب الحكم بما أنزل الله وبعد وقوعها فريسة للكافر المستعمر، ما حل بأبنائها من فقر واحتياج وعوز لم تشهد مثله من قبل رغم ما تعجّ به بلادها من ثروات وخيرات هائلة، منها الزراعية، ومنها المائية، ومنها الظاهر، ومنها الدفين كالطاقة التي هي عصب الحياة الصناعية وروحها، ومنها ما يتعلق بعمقها الجغرافي، ومنها ما يتعلق بعمقها البشري. أضف إلى ذلك أنها تحيا في عصر التقنية والتطور المادي وسرعة الاتصال ويسر المواصلات. رغم كل هذا تجدها -أي الأمة الإسلامية- تصنف في عداد الأمم الفقيرة، بل المنحطة التي تعتاش على فتات الأمم الكافرة والدول المستعمرة.

أسباب وجود الفقر:

إذا ما تجاوزنا وصف واقع الفقر الذي كثر واصفوه، وأخطأ مشخصوه، وقل معالجوه العلاج الصحيح الشافي، وأردنا أن نلقي نظرة نجمل فيها أسبابه نجدها في أمور أهمها:

1- غياب الحكم بما أنزل الله في شؤون الأمة عامة، وفي الحياة الاقتصادية خاصة، إذ استبدل الكفر جميعاً بأحكام الإسلام كافة، فغدت الأمة في مشارق الأرض ومغاربها تخضع لأحكام الكفر التي جرّت عليها ويلات تتلوها ويلات، ومصائب تعقبها مصائب، وكانت مصيبة الفقر أبرزها.

2- تجزئة الأمة الواحدة ذات الكيان الواحد والحاكم الواحد إلى كيانات متعددة مختلفة منتافرة، مما فرق شمل خيراتها ومواردها وجعلها نهباً لفئات متسلطة، يَـدَّعون أنهم حكام وما هم بحكام، وحرمها من تكامل اقتصادي يغنيها عن العالم أجمع، بل يؤهلها لتسنم مجدٍ لا يُشق له غبار.

3- الاستعمار الذي ما زال يجثو على صدرها، ويلقي بظلاله على جميع جوانب حياتها، ولا سيما الجانب الاقتصادي، حيث أصبحت بلاد المسلمين إحدى مصالحه الحيوية التي يستعد للدفاع عنها والتشبث بها ولو كلفه ذلك الغالي والنفيس، فكانت -وكما تقول أميركا- جزءاً من أمنها القومي، وأبرز معالم هذا الاستعمار:

أ- نهب المواد الخام وموارد الطاقة.

ب- استخدامها أسواقاً لسلعهِ ومنتوجاتهِ، والتفنن في ذلك حتى أدخل معظم الدول القائمة في العالم الإسلامي في ما يسمى بمنظمة التجارة الدولية، حيث رفع الجمارك وتقليص دور الدولة في التجارة الخارجية.

ج- وضعها في قفص المديونية، فلا توجد دولة من هذه الدول إلا وقد وقعت في المديونية للمؤسسات الاستعمارية.

د- تطبيق أحكام النظام الاقتصادي الرأسمالي عليها، فاستباحت الربا، والاحتكار، والتسعير والشركات المساهمة، والتأمين، وتغير مفهوم الملكية لديها واختلفت أسبابها وطرق تنميتها، ومفهوم التجارة الخارجية.

هـ – اشتغالها بالأزمات التي تستدعي تمويلاً يستنـزف خيرات البلاد دون أن تحقق نتيجة ترجى.

و- جعل وجهة نظر المستعمر في الحياة وفي الاقتصاد قِـبْـلةَ المسلمين في حل مشاكلهم الاقتصادية، والتي تتلخص في القروض والضرائب وتقليص دور الدولة في رعاية شؤون الناس، والذي يعرف بالخصخصة وفتح البلاد أمام الاستغلال أو الاستثمار الأجنبي وتأجير البلاد كقواعد عسكرية… إلخ.

4- غياب مفهوم رعاية الشؤون عن الدولة وعن الأمة، إذ إن الدولة في الإسلام تعني رعاية شؤون الناس داخلياً وخارجياً أفراداً وجماعةً، وهذا أمر كان مفهوماً عند الحكام ومن ناب عنهم، فاستقاموا وجهدوا في تحقيقه على أحسن وجه. وكان أيضاً مفهوماً عند الأمة التي ما توانت في محاسبتهم كلما رأت منهم تقصيراً أو تجاهلاً لشأن من شؤونها، إلا أن الأمر قد انقلب رأساً على عقب، فجاءنا حكام لا يعرفون إلا رعاية شؤون أنفسهم، والمحافظة على مصالح ساداتهم الكفار المستعمرين، والتسلط على الناس وإذلالهم وأكل حقوقهم، فأوجدوا جواً مفعماً بالظلم والجهل والفقر، فغاب عن الناس مفهوم الرعوية، فغدوا يرون البلاد والعباد ملكاً لهؤلاء الحكام يتصرفون فيه تصرف المالك بملكه، ولا يرون لأنفسهم حقاً عليهم، بل رأوا أنفسهم مسؤولين عن شؤونهم الخاصة والعامة، ولا أدل على ذلك من ترنحهم في الفقر والهوان دون أن يلتفتوا إلى حكامهم لمطالبتهم بما يصلح حالهم. والأدهى من ذلك أن ترى وجوههم تعلوها البهجة والسرور والعرفان بالجميل، إذا ما فطن الحاكم لبعض مآسيهم، وتصدق عليهم بفتات ما نهب منهم.

النظرة الرأسمالية للفقر:

ينطلق الرأسماليون في نظرتهم للفقر من نظرتهم للمشكلة الاقتصادية التي يسعون لحلها ويسمونها نظرية الندرة النسبية للسلع والخدمات، والتي تنص على كثرة الحاجات وقلة وسائل إشباعها، أي عدم كفاية السلع والخدمات الموجودة في هذا الكون لإشباع حاجات الإنسان المتجددة والمتزايدة إشباعاً كلياً. فالمشكلة عندهم إذن هي الحاجات والموارد وليس الإنسان، أي هي توفير الموارد لإشباع الحاجات، وليس إشباع حاجات كل فرد من الأفراد، فخلطوا بذلك بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي، فكانت الدراسات الاقتصادية تدور حول العمل على زيادة ما يستهلكه مجموع الناس من السلع والخدمات. أضف إلى ذلك أنهم عرّفوا الحاجة بأنها الرغبة، فكل ما ترغب فيه فأنت تحتاجه، ولم يميزوا بين حاجات أساسية فطرية في الإنسان وهي المأكل والملبس والمسكن، وبين حاجات كمالية تتغير وتتطور كلما تقدمت المدنية، وهذا هو السر في ادعائهم ازدياد الحاجات. وذهبوا إلى ما هو أخطر عندما اعتبروا هذه الرغبة هي مقياس المنفعة في الشيء، فالرغبة في الشيء هي التي تجعله نافعاً اقتصادياً أو غير نافع.

ومن هذه النظرة التي تقوم على أساس الندرة النسبية للسلع والخدمات، وأن الحاجة هي الرغبة، وأن هذه الخدمات تتغير تبعاً للتطور المادي والمدني، عرفوا الفقر بأنه عدم القدرة على إشباع الحاجات من سلع وخدمات، وأنه يختلف باختلاف الأمم والأشخاص، فهو شيء نسبي اعتباري، فالأمم المنحطة تكون حاجات أفرادها محدودة في السلع والخدمات الضرورية، فيكون الفقر فيها عدم القدرة على الحصول على هذه السلع والخدمات. في حين أن الأمم المتمدنة المتقدمة مادياً تكون حاجات أفرادها كثيرة يحتاج إشباعها إلى سلع وخدمات أكثر، فيعتبر الفقر فيها غير الفقر في البلدان المتأخرة، فمثلاً يعتبر عدم إشباع الحاجات الكمالية في أوروبا وأميركا فقراً، في حين لا يعتبر عدم إشباع الحاجات الكمالية مع إشباع الحاجات الأساسية في مصر والعراق مثلاً فقراً، وهذا خطأ محض لأنهم جعلوا الفقر شيئاً اعتبارياً وليس حقيقياً، وهذا مخالف لواقع الفقر الذي لا يختلف باختلاف زمان أو مكان، أو بتقدم مدني أو انحطاط، ولأن التشريع أي تشريع موضوع للإنسان لا بد أن ينظر للإنسان عند وضع المعالجات للمشاكل بوصفه إنساناً يتكون من حاجات عضوية وغرائز لا بوصفه فرداً.

ولم تقف الرأسمالية عند الخطأ في تعريف الفقر، بل أنها أوجدته وساعدت في تكريسه عند نظرتها إلى توزيع الثروة، إذ يرون إنها تتم ضمن طريقتين: الأولى حرية التملك، فبعد توفير الموارد والثروات لمجموع الناس، يترك لهم حرية التملك، دونما تحديد لأسباب معينة له، أو إشارة إلى طرق تنمية معينة له، وهذا حتماً يؤدي إلى تركيز الثروة وحصرها في أيدي فئة قليلة، وحرمان فئات أخرى منها، أي يؤدي إلى سوء توزيع الثروة، فشاعت الاحتكارات الرأسمالية التي تعدت سيطرتها حدود المجتمعات الرأسمالية إلى باقي أنحاء العالم، فاستبد المنتجون بالمستهلكين وشاع الفقر والحرمان.

أما الطريقة الثانية عندهم لتوزيع الثروة فهي الثمن، فالثمن عندهم هو المنظم لتوزيع الثروة على أفراد المجتمع، فيقولون إنه القيد الذي يجعل الإنسان يتوقف عن الحيازة والاستهلاك عند الحد الذي يتناسب مع موارده. وبذلك يكون الثمن بارتفاعه لبعض السلع وانخفاضه لبعضها، وتوفر النقد عند البعض وعدم توفره عند الآخرين، يكون منظماً لتوزيع الثروة على المستهلكين، ويكون نصيب كل فرد من ثروة البلاد ليس بمقدار حاجاته الأساسية، وإنما هو معادل لقيمة الأعمال التي ساهم بها في إنتاج السلع والخدمات، أي بمقدار ما يحوز من مال.

وبهاتين القاعدتين حرية التملك والثمن يكون النظام الاقتصادي الرأسمالي قد قرر أنه لا يستحق الحياة إلا من كان قادراً على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات أو امتلاكها بأي سبب يناسبه، أما من كان عاجزاً لأنه خُلِقَ ضعيفاً، أو لضعف طرأ عليه، فلا يستحق أن ينال من ثروة البلاد ما يسد حاجاته، وكذلك يستحق التخمة والسيادة والسيطرة على الغير بماله كل من كان قادراً على ذلك لأنه خُلِقَ قوياً في جسمه أو عقله، أو كان أقدر من غيره على الحيازة بأي طريق من الطرق.

أما تصورهم لحل مشكلة الفقر والقضاء عليه فهو على النحو التالي:

ما دامت المشكلة الاقتصادية هي محدودية الموارد، وتناقصها بالنسبة للحاجات المتزايدة غير المحدودة؛ كان تصورهم للحل هو توفير هذه الموارد، أي السلع والخدمات، بمعنى آخر هو رفع مستوى الإنتاج، أي زيادة ما يستهلكه الناس، مجموع الناس، لا الأفراد، فبرز عندهم ما يسمى بحجم الإنتاج الأهلي، وينظم هذا التوزيع بجهاز الثمن، فيترك للأفراد نوال ما يستطيعون من هذه الثروة كل بحسب ما يملك من عوامل إنتاجها، سواء حصل الإشباع لجميع الأفراد أو حصل لبعضهم دون البعض الآخر. وهذه معالجة خاطئة لا تؤدي إلى القضاء على فقر الأفراد ولا إلى رفع مستوى معيشتهم جميعاً؛ لأن الحاجات التي تتطلب الإشباع هي حاجات فردية مع كونها حاجات إنسان، ولأن معالجة فقر البلاد لا يعالج مشاكل فقر الأفراد فرداً فرداً، ولكن معالجة فقر الأفراد وتوزيع ثروة البلاد عليهم يؤدي حتماً إلى زيادة الدخل الأهلي، ولأن العوامل التي تؤثر في حجم الإنتاج وزيادة الدخل الأهلي يكون بحثها في علم الاقتصاد، أي في بحث المادة الاقتصادية وزيادتها، أما الفقر فبحثه متعلق بتوزيع الثروة بين الناس وهو ما يسمى بالنظام الاقتصادي.

أما نظرة الإسلام إلى الفقر فقد انطلقت من الاعتبارات التالية:

1- المشكلة الاقتصادية التي تواجه المجتمع هي توزيع ثروة البلاد الداخلية والخارجية على جيمع أفراد الأمة فرداً فرداً، بحيث يضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد إشباعاً كلياً، وتمكين كل فرد منهم من إشباع حاجاته الكمالية.

2- حاجات الإنسان الأساسية من حيث هو إنسان هي: المأكل، والملبس، والمسكن، وهي لا تزيد، وإنما الذي يزيد ويتجدد هو حاجاته الكمالية، فالزيادة في الحاجات التي تحصل مع تقدم الإنسان في حياته المدنية إنما تتعلق بالحاجات الكمالية لا الحاجات الأساسية، وهذه يعمل لإشباعها ولكن عدم إشباعها لا يسبب مشكلة، بل الذي يسبب المشكلة هو عدم إشباع الحاجات الأساسية. هذا من جهة الحاجات، أما من جهة الموارد أي الأموال والجهود التي يسمونها السلع والخدمات الموجودة في العالم، فإنها كافية لإشباع الحاجات الأساسية والكمالية أيضاً.

3- زيادة الدخل الأهلي برفع مستوى الإنتاج هو أمر متعلق بواقع البلاد من حيث الموارد والثروات، ويبحث فيه علم الاقتصاد، ولا علاقة له بتوزيع الثروة الذي يبحث فيه نظام الاقتصاد. فهناك فرق بين علم الاقتصاد ونظام الاقتصاد.

وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، نظر الإسلام إلى الفقر نظرة واحدة لا تختلف باختلاف زمان أو مكان، أو بانحطاط مدني أو تقدم، فاعتبره عدمَ إشباع الحاجات الأساسية إشباعاً كاملاً، وقد حدد الشرع هذه الحاجات الأساسية بثلاث هي: المأكل، والملبس، والمسكن، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة 233]، وقال عز وجل: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق 6]، وروى ابن ماجه عن أبي الأحوص قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهنّ كسوتهنّ وطعامهنّ»؛ وعليه فالحاجات التي يعتبر عدم إشباعها فقراً هي الطعام والكسوة والمسكن، أما ما عداها فيصنف ضمن الحاجات الكمالية التي لا يشكل عدم إشباعها مشكلة. وبناءً على هذه النظرة لمشكلة الفقر وضع الإسلام معالجات مباشرة وفورية للقضاء عليه، وحماية الأمة من مخاطره، تتمثل في توفير ما يسد حاجات الفقير مباشرة، وتحديد الجهات التي تتحمل مسؤولية ذلك، ووضع الإسلام أيضاً سياسة اقتصادية مثلى، يجنّب تطبيقُها والالتزامُ بها الأمةَ الفقرَ ويحميها منه، حيث تتساوق هذه السياسة ونظرته للمشكلة الاقتصادية، وتجعل من الفرد محوراً تدور حوله جميع أحكامها، حيث راعت فيه ثلاثة جوانب: الأول كونه إنساناً له حاجات أساسية يجب إشباعها جميعها إشباعاً كاملاً. أما الجانب الثاني فباعتبار فرديته، وذلك أن الحاجات الأساسية هي حاجات أفراد معينين وليست حاجات جماعة. وأما الجانب الثالث فباعتباره مرتبطاً مع غيره بعلاقات معينة تسير تسييراً معيناً، أي باعتباره يعيش في مجتمع معين له طراز خاص من العيش.

وهكذا يرى الإسلام أن الفقر ليس مشكلة أفراد عجزوا عن إشباع حاجاتهم الأساسية فحسب، بل يراه أيضاً مشكلةً تتعلق بالمجتمع من حيث الأثار التي يتركها، من مثل التفاوت الفاحش بين الأفراد في حيازة الثروة وإشباع الحاجات ما يُشعِرُ بوجود الطبقات، ومن حيث الآثار الاقتصادية الخطيرة التي يخلفها، وأهمها تلك التي تتعلق باستغلال ثروات البلاد وحرمان الجماعة من طاقات الأفراد، ومن حيث الفساد الذي يطرأ على علاقات الناس بعضهم ببعض من سرقة ونهب وحسد وتباغض مما يترك آثاراً سلبية على الأمن والاستقرار، وهكذا نرى أن الفقر هو مشكلة أفراد يعيشون في مجتمع معين له طراز خاص من العيش، فكان علاجه يتراوح بين العلاج المباشر وبين السياسة الاقتصادية التي هي أحكام شرعية تضمن الوقاية من الفقر والعلاج غير المباشر له. فهَاكُمُوها مختصرة:

 

المعالجة المباشرة:

وتكون من جانبين، الجانب الأول: فيما يتعلق بالفرد نفسه، حيث حثَّ الإسلامُ الفردَ على الكسب وعلى طلب الرزق، بل جعل السعي لكسب الرزق فرضاً على القادر المحتاج، روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صافح سعد بن معاذ، رضي الله عنه، فإذا يداه قد اكتبتا، فسأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فقال: أضربُ بالمر (الحبل) والمسحاةِ لأنفقَ على عيالي، فقبَّلَ (صلى الله عليه وآله وسلم) يدَه، وقال: كفان يحبهما الله تعالى.

أما الجانب الثاني: فقد جعل الشرع إعانةَ الفقير على غيره، حتى يتوفرَ له ما يشبع هذه الحاجات الأساسية، وقد فصلها على النحو التالي:

أ – أوجبها على الأقارب الذين يكونون رَحِماً محرّماً له، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ [البقرة 233]، أي على الوارث مثل المولود له من حيث الرزق والكسوة.

ب – إن لم يكنْ له أقارب ممن أوجب الله عليهم نفقة قريبهم انتقلت إلى بيت المال في باب الزكاة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاًّ فإلينا» والكـــلّ الضـــعيف الذي لا ولدَ له ولا والد، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة 60].

ج – إنْ لم يَفِ قسمُ الزكاة من بيت المال في حاجات الفقراء والمساكين كان واجباً على الدولة أن تنفق عليهم من أبواب أخرى من بيت المال.

د – إن لم يوجد في بيت المال مالٌ يجب على الدولة أن تفرضَ ضريبة على أموال الأغنياء وتحصلها لتنفقَ على الفقراء والمساكين منها، فسدُّ حاجات الفقراء فرض على جميع المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام: «أيُّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤٌ جائع فقد برئتْ منهم ذمةُ الله تبارك وتعالى» رواه أحمد. وقد ألزم الرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) الأنصـارَ بإعالة المهـاجرين الفقـراء، وقال تعـالى: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات]، فكل ذلك يدل على أنه فرض على جميع المسلمين، وما كان فرضاً على جميع المسلمين كان على الخليفة بما عليه من واجب رعاية شؤونهم أن يحصل المال منهم؛ ليقوم بما هو فرض عليهم. والذين تجب عليهم النفقة من أقارب الفقير ويدفعون الضريبة من المسلمين هم من كانوا في حالة غناء، أي من استغنوا عن غيرهم، ويعتبر الشخص في غَناء إذا كان ممن تُطلَب منه الصدقة، أما من نهي عن الصدقة فلا؛ لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى»، والغنى كما حدده الفقهاء هو ما يقوم بقوت المرء من قوت مثله، وبكسوتهم كذلك وسكناهم وبمثل حاله من مركب وزي، روى مسلم عن جابر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك» ونفقة الإنسان عن نفسه هي سده لكفاية حاجاته التي تتطلب إشباعاً، وليست كفاية حاجاته الأساسية فحسب؛ وذلك لأن الشرع أوجب عليه نفقة زوجته بالمعروف، وقد فسر بأنه حسب حالها وأمثالها، قال تعالى: ﴿ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة 233] فتكون نفقته على نفسه أيضاً بالمعروف.

 

النفط ملكية عامة لجميع المسلمين، وليس للغرب وحفنة من حكام المسلمين

– على أثر ظهور موجة الغلاء وتوقع استشرائها، أوصى أعضاء لجنة البحوث الفقهية بمجمعِ البحوث الإسلامية في 26/5/2008م بضرورة تحصيل قيمة الزكاة على منتجات ومشتقات البترول بنسبة 20% لصرفها في مصارف الزكاة الشرعية، على اعتبار أنه من الركاز، والركاز يشمل كل ما يخرج من باطن الأرض، مؤكداً أنه ليس ما يمنع من تحصيلها من الدولة كونها المالك الوحيد لكل آبار البترول.

– يقول الشيخ القرضاوي إنه لا خلاف في أن الزكاة تجب في النفط وعائداته إذا كان مملوكاً ملكية خاصة. ويقول: إذا كان ملك الدولة، فشأنه شأن كل أموال الدولة، وهذه لا زكاة فيها بالإجماع. ويقول: إن الدافع لهذه الفتوى هو محاولة التغلب على أوضاع التجزئة الحالية للأمة الإسلامية، بحيث ترى دولاً ودويلات قليلة السكان قد منّ الله عليها بالنفط وبالمليارات في حين ترى أخرى كثيفة السكان قليلة الموارد ينشب فيها الفقر أنيابه، وهذا ما دفع بعض الإخوة الباحثين إلى أن يحتالوا على هذه الأوضاع، فذهبوا إلى وجوب الزكاة في النفط لتؤخذ من أغنياء ذلك البلد وترد على فقراء الأقاليم الأخرى. ويقول: لو كانت الخلافة الإسلامية قائمة، والبلاد الإسلامية موحدة تحت رايتها، لما كانت هناك حاجة لمثل هذا الاجتهاد أصلاً. ويقول: أولى من هذا برأيي أن تعلن الحقائق الإسلامية واضحة، وهي أن المسلمين أمة واحدة، وهم يتكافلون في العسر واليسر… ولا يجوز أن يعاني بلد إسلامي الفقر بينما تنفق أخرى آلاف الملايين على الكماليات.

– أما نحن فنقول: إن واقع النفط من حيث تعلقه بأحكام الملكية عندما يكون مستخرجاً من آبار ينطبق عليه أنه ملكية عامة؛ لأنه ينطبق عليه أنه بمنزلة الماء العد الذي لا ينقطع، وهو لجميع المسلمين، غنيهم وفقيرهم، لا فرق بين من يعيش في الخليج أو في أفريقيا أو في آسيا.

– ونقول: إن حكم الله في البترول أنه ملكية عامة يجب تطبيقه شرعاً، وليس فقط إعطاء الحكم فيه. وهذه الفتوى علمية، ولن يجعلها عملية ويضعها موضع التطبيق إلا إقامة الخلافة.

– ونقول: إن الخلافة الإسلامية التي تشمل بحكمها جميع المسلمين في جميع أقطارهم هي التي تشرف على هذه الملكية: تنقيباً واستخراجاً، وبيعاً، وتوزيعاً لعائداته… ومن باب (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) يصبح العمل لإقامة الخلافة واجباً لأنها وحدها هي مناط تطبيقه.

– ونقول: إن التجزئة الحالية للأمة الإسلامية هي من صنع الغرب الكافر ليستفيد هو وحفنة من الحكام من النفط، ويحرم المسلمين حقهم منه، وهو لن يسمح بغير ذلك، ولا يعيد الأمر إلى نصابه إلا الخلافة.

– وأخيراً نسأل الله مخلصين أن يهدي علماء المسلمين إلى العمل لإقامة الخلافة ليكتمل بعملهم علمهم، فلا يحتالون على النصوص مع حكام لا ينفع معهم إلا خلعهم.

 

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة