الملكيات

أنواع الملكيـّـة

1الملكية الفردية

من فطرة الإنسان أن يندفع لإشباع حاجاته، ولذلك كان من فطرته أن يحوز المال لإشباع هذه الحاجات، ومن فطرته أن يسعى لهذه الحيازة. لأنّ إشباع الإنسان لجوعاته أمر حتمي، لا يمكن أن يقعد عنه. ومن هنا كانت حيازة الإنسان للثروة فوق كونها أمراً فطرياً هي أمر حتمي لا بد منه. ولذلك كانت كل محاولة لمنع الإنسان من حيازة الثروة مخالفة للفطرة، وكانت كل محاولة لتحديد حيازته بمقدار معين أمراً مخالفاً للفطرة كذلك. ولهذا كان من الطبيعي أن لا يحال بين الإنسان وبين حيازة الثروة، ولا بينه وبين السعي لهذه الحيازة. إلا أن هذه الحيازة لا يجوز أن تترك للإنسان ينالها كيف يشاء، ويسعى لها كيف يشاء، ويتصرف بها كما يشاء، لأنّ هذا يؤدي إلى الفوضى والاضطراب، ويسبِّب الشر والفساد؛ لأنّ البشر يتفاوتون في القوى والحاجة إلى الإشباع، فإذا تركوا وشأنهم حاز الثروة الأقوياء وحرم منها الضعفاء، وهلك المرضى والقاصرون، وأُتخِم بها المفرطون في الشهوات. ولذلك كان لا بد من أن يكون تمكين النّاس من حيازة الثروة، ومن السعي لها سائراً على وجه يضمن إشباع الحاجات الأساسية لجميع النّاس، ويضمن تمكينهم من إمكانية الوصول إلى إشباع الحاجات غير الأساسية. ومن أجل ذلك كان لا بد من تحديد هذه الحيازة بكيفية معيَّنة، تتحقق فيها البساطة، بحيث تكون في متناول النّاس جميعاً، على تفاوت قواهم وحاجاتهم، وتتفق مع الفطرة بحيث تشبع الحاجات الأساسية، وتمكن من الوصول إلى إشباع الحاجات غير الأساسية. ومن هنا كان لا بد من الملكية المحددة بالكيف، وكان لا بد من محاربة منع الملكية؛ لأنّها تتناقض مع الفطرة، ومحاربة تحديد الملكية بالكم؛ لأنّها تحدد سعي الإنسان لحيازة الثروة وهو يتناقض مع الفطرة، ومحاربة حرية التملك، لأنّها تؤدي إلى فوضى العلاقات بين النّاس، وتسبب الشر والفساد. وقد جاء الإسلام فأباح الملكية الفردية وحددها بالكيف لا بالكم، فوافق بذلك الفطرة، ونظم العلاقات بين النّاس، وأتاح للإنسان إشباع جوعاته كلها.

تعريف الملكية الفردية

الملكية الفردية هي حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة، يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالشيء، وأخذ العوض عنه. وذلك كملكية الإنسان للرغيف والدار، فإنّه يمكنه بملكيته للرغيف أن يأكله، وأن يبيعَهُ، ويأخذ ثمنه، ويمكنه بملكيته للدار أن يسكنها، وأن يبيعها ويأخذ ثمنها. فالرغيف والدار كل منهما عين، والحكم الشرعي المقدر فيهما هو إذن الشارع للإنسان بالانتفاع بهما استهلاكاً ومنفعة ومبادلة. وهذا الإذن بالانتفاع يستوجب أن يتمكن المالك، وهو من أضيف إليه الإذن، من أكل الرغيف، وسكنى الدار، كما يتمكن من بيعها. فبالنسبة للرغيف، الحكم الشرعي مقدر بالعين، وهو الإذن باستهلاكها. وبالنسبة للدار، الحكم الشرعي مقدر بالمنفعة، وهو الإذن بسكناها. وعلى هذا تكون الملكية هي إذن الشارع بالانتفاع بالعين. وعلى ذلك فلا تثبت الملكية إلاّ بإثبات الشارع لها، وتقريره لأسبابها. وإذن فالحق في ملكية العين ليس ناشئاً عن العين نفسها، وعن طبيعتها، أي عن كونها نافعة أو غير نافعة، وإنما هو ناشئ عن إذن الشارع، وعن جعله السبب الذي يبيح الملك للعين منتجاً المسبَّب، الذي هو تملكها شرعاً. ولهذا أذن في تملك بعض الأعيان، ومنع من تملك بعضها، وأذن في بعض العقود، ومنع بعضها، فمنع تملك الخمر والخنزير للمسلم، كما منع تملك مال الربا، ومال القمار لأي واحد من رعية الدولة الإسلامية، وأذن في البيع فأحله، ومنع الربا فحرمه، وأذن في شركة العنان، ومنع الجمعيات التعاونية. وشركات المساهمة، والتأمين.

والتملك المشروع له شروط. كما أن للتصرف في الملك قيوداً بحيث لا تخرج الملكية عن مصلحة الجماعة، ومصلحة الفرد باعتباره جزءاً من الجماعة، لا فرداً منفصلاً، وباعتباره إنساناً في مجتمع معين. والانتفاع بالعين المملوكة إنما حصل بسلطان من الشارع، أي أن أصل الملكية للشارع، وهو أعطاها للفرد، بترتيب منه على السبب الشرعي. فهي تمليك من الشارع لفرد في الجماعة شيئاً خاصاً، لم يكن ليحق له ملكه لولا هذا التمليك.

على أن الملكية للعين هي ملكية لذات العين، وملكية لمنفعتها، وليست هي ملكية للمنفعة فقط، وإن المقصود الحقيقي من الملكية هو الانتفاع بالعين انتفاعاً معيناً بيَّنه الشرع.

وعلى ضوء هذا التعريف للملكية الفردية يمكن أن يُفهم أن هناك أسباباً مشروعة للتملك، ويمكن أن يفهم أن هناك أحوالاً معينة للتصرف بهذه الملكية، ويمكن أن يفهم أن هناك كيفية معينة للانتفاع بما يمللك، ويمكن أن تفهم الحوادث التي تعتبر اعتداء على حق الملكية الفردية. وهكذا يمكن أن يفهم من التعريف المعنى الحقيقي للحيازة التي أباحها الشارع، ومعنى السعي لهذه الحيازة والانتفاع بما حازه، وبعبارة أخرى يدل التعريف على المعنى الحقيقي للملكية.

معنى الملكية

حق الملكية الفردية حق شرعي للفرد، فله أن يتملك أموالاً منقولة وغير منقولة. وهذا الحق مصون ومحدد بالتشريع والتوجيه. وحق الملكية هذا مع كونه مصلحة ذات قيمة مالية يحددها الشرع، فإنّه يعني أن معنى الملكية الفردية هو أن يكون للفرد سلطان على ما يملك للتصرف فيه، كما له سلطان على أعماله الاختيارية. ولذلك نجد أن تحديد حق الملكية أمر بديهي في حدود أوامر الله ونواهيه.

وقد ظهر تحديد الملكية هذا في أسباب التملك المشروعة، التي بها يتقرر حق الملكية، وفي الأحوال التي تترتب عليها العقوبات، والأحوال التي لا تترتب عليها عقوبات، مثل تعريف السرقة، ومتى تسمى سرقة، وتعريف السلب، وتعريف الغصب .. الخ. كما ظهر هذا التحديد أيضاً في حق التصرف في الملكية، والأحوال التي يباح فيها هذا التصرف، والأحوال التي يُمْنَعُ فيها هذا التصرف، وفي تعريف تلك الأحوال وبيان حوادثها. والإسلام حين يحدد الملكية لا يُحَدِّدها بالكمية، وإنما يحددها بالكيفية ويظهر هذا التحديد بالكيفية بارزاً في الأمور الآتية:

1 – بتحديـدها من حيـث أسـبـاب التملك، وتنميــة الملك، لا في كمية المال المملوك.

2 – بتحديد كيفية التصرف.

3 – بكون رقبة الأرض الخراجية ملكاً للدولة لا للأفراد.

4 – بصيرورة الملكية الفردية ملكاً عاماً جبراً في أحوال معينة.

5 – بإعطاء من قصرت به الوسائل عن الحصول على حاجته ما يفي بتلك الحاجة في حدودها.

وبهذا يظهر أن معنى الملكية الفردية هو إيجاد سلطان للفرد على ما يملك، على كيفية معينة محددة، جعلت الملكية حقاً شرعياً للفرد. وقد جعل التشريع صيانة حق الملكية للفرد واجباً على الدولة، وجعل احترامها وحفظها وعدم الاعتداء عليها أمراً حتمياً. ولذلك وضعت العقوبات الزاجرة لكل من يعبث بهذا الحق، سواء بالسرقة أو السلب، أو أي طريق من الطرق غير المشروعة. فقد وضع التشريع له عقوبة زاجرة، ووضعت التوجيهات التهذيبية لكف النفوس عن التطلع إلى ما ليس لها فيه حق من حقوق الملكية، وما هو داخل في ملك الآخرين. فالمال الحلال هو الذي ينطبق عليه معنى الملكية، والمال الحرام ليس ملكاً، ولا ينطبق عليه معنى الملكية.

2الملكية العامة

الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين. والأعيان التي تتحقق فيها الملكية العامة هي الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركة بينهم، ومنع من أن يحوزها الفرد وحده، وهذه تتحقق في ثلاثة أنواع هي:

1 – ما هو من مرافق الجماعة، بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها.

2 – المعادن التي لا تنقطع.

3 – الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها.

أما ما هو من مرافق الجماعة، فهو كل شيء يعتبر من مرافق النّاس عموماً. وقد بيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث، من حيث صفتها، لا من حيث عددها. فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار» رواه أبو داود ورواه أنس من حديث ابن عباس وزاد فيه «وثمنه حرام» . وروى ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار». وفي هذا دليل على أن النّاس شركة في الماء، والكلأ، والنار، وأن الفرد يمنع من ملكيتها. إلاّ أن الملاحظ أن الحديث ذكرها ثلاثاً، وهي أسماء جامدة، ولم ترد علة للحديث. فالحديث لم يتضمن علّة، وهذا يوهم أن هذه الأشياء الثلاثة هي التي تكون ملكية عامة، لا وصفها من حيث الاحتياج إليها. ولكن المدقق يجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح الماء في الطائف، وخيبر، للأفراد أن يمتلكوه، وامتلكوه بالفعل لسقي زروعهم وبساتينهم، فلو كانت الشركة للماء، من حيث هو، لا من حيث صفة الاحتياج إليه، لما سمح للأفراد أن يمتلكوه. فمن قول الرسول: «المسلمون شركاء في ثلاث في الماء» .. الخ. ومن إباحته عليه الصلاة والسلام للأفراد أن يمتلكوا الماء، تستنبط علّة الشراكة في الماء، والكلأ، والنار، وهي كونه من مرافق الجماعة، التي لا تستغني عنها الجماعة. فيكون الحديث ذكر الثلاثة، ولكنها معللة؛ لكونها من مرافق الجماعة. وعلى ذلك، فإن هذه العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فكل شيء يتحقق فيه كونه من مرافق الجماعة يعتبر ملكاً عاماً، سواء أكان الماء، والكلأ، والنار، أم لا، أي ما ذكر في الحديث وما لم يذكر. وإذا فقد كونه من مرافق الجماعة، ولو كان قد ذكر في الحديث كالماء، فإنّه لا يكون ملكاً عاماً، بل يكون من الأعيان التي تملك ملكاً فردياً. وضابط ما هو من مرافق الجماعة، هو أن كل شيء، إذا لم يتوفر للجماعة، أياً كانت الجماعة، كمجموعة بيوت شَعَر، أو قرية، أو مدينة، أو دولة، تفرقت في طلبه، يعتبر من مرافق الجماعة، كمنابع المياه، وأحراش الاحتطاب، ومراعي الماشية، وما شابه ذلك.

أما المعادن، فهي قسمان: قسم محدود المقدار بكمية لا تعتبر كمية كبيرة بالنسبة للفرد، وقسم غير محدود المقدار. أما القسم المحدود المقدار، فإنّه من الملكية الفردية، ويملك ملكاً فردياً، ويعامل معاملة الركاز، وفيه الخمس. فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: «ما كان منها في طريق الميثاء (أي الطريق المسلوكة) أو القرية الجامعة، فعرفها سنة، فإن جاء طالبها، فادفعها إليه، وإن لم يأت فهي لك، وما كان في الخراب، يعني ففيها وفي الركاز الخمس» . رواه أبو داود.

وأما القسم غير المحدود المقدار، الذي لا يمكن أن يَنْفَد، فإنّه ملكية عامة، ولا يجوز أن يملك فردياً لما روى الترمذي عن أبيض بن حمال: «أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقطعه الملح فقطع له، فلما أن ولّى، قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العِدّ، قال: فانتزعه منه» والماء العِدُّ الذي لا ينقطع. شبه الملح بالماء العدّ لعدم انقطاعه، فهذا الحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقطع ملح الجبل لأبيض بن حمال، مما يدل على أنه يجوز إقطاع معدن الملح. فلما علم أنه من المعدن الدائم الذي لا ينقطع، رجع عن إقطاعه، وأرجعه، ومنع ملكية الفرد له، لأنّه ملكية الجماعة. وليس المراد هنا الملح، وإنما المراد المعدن، بدليل لما علمه أنه لا ينقطع منعه، مع أنه يعلم أنه ملح، وأقطعه من أول الأمر، فالمنع لكونه معدناً لا ينقطع. قال أبو عبيدة:وأما إقطاعه صلى الله عليه وسلم أبيض بن حمال المأربي الملح الذي بمأرب، ثمّ ارتجاعه منه، فإنما أقطعه، وهو عنده أرض موات يحييها أبيض، ويعمرها، فلما تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ماء عد وهو الذي له مادة لا تنقطع مثل ماء العيون والآبار– ارتجعه منه لأنّ سُـنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكلأ، والنار، والماء، أن النّاس جميعاً فيه شركاء، فكره أن يجعله لرجل يحوزه دون النّاس“. ولما كان الملح من المعادن، فإن رجوع الرسول عن إقطاعه لأبيض يعتبر علة لعدم ملكية الفرد، وهو كونه معدناً لا ينقطع، وليس كونه ملحاً لا ينقطع. ومن هذا الحديث يتبين أن علة المنع في عدم إقطاع معدن الملح كونه عداً، أي لا ينقطع. ويتبين من رواية عمرو بن قيس أن الملح هنا معدن، حيث قال “معدن الملح” ويتبين من استقراء كلام الفقهاء، أنهم جعلوا الملح من المعادن، فيكون الحديث متعلقاً بالمعادن لا بالملح خاصّة.

وأما ما روى أبو داود من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وما روى أبو عبيد في الأموال عن أبي عكرمة أنه قال: «أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أرض كذا، من مكان كذا إلى كذا، وما كان فيها من جبل أو معدن» فإنّه لا يعارض حديث أبيض، بل يحمل على أن هذه المعادن، التي أقطعها الرسول لبلال، كانت محدودة فجاز إقطاعها، كما أقطع الرسول أبيض معدن الملح أولاً، ولا يصح أن يحمل على إقطاع المعادن مطلقاً، لأنّه حينئذ يتعارض مع إرجاع الرسول المعدن الذي أقطعه، حين تبين له أنه عد لا ينقطع. فتعين حمل المعادن التي أقطعها الرسول على كونها محدودة تنقطع وتنفد.

وهذا الحكم، وهو كون المعدن الذي لا ينقطع ملكاً عاماً، يشمل المعادن كلها سواء المعادن الظاهرة التي يوصل إليها من غير مؤونة، ينتابها النّاس ينتفعون بها، كالملح، والكحل، والياقوت، وما شابهها، أم كان من المعادن الباطنة، التي لا يوصل إليها إلاّ بالعمل والمؤونة، كمعادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، وما شاكلها. وسواء أكانت جامدة كالبلور أم سائلة كالنفط، فإنها كلها معادن تدخل تحت الحديث.

أما الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها، فهي الأعيان التي تشتمل على المنافع العامة. وهي، وإن كانت تدخل في القسم الأول؛ لأنها من مرافق الجماعة، ولكنها تختلف عن القسم الأول، من حيث أن طبيعتها، أنه لا يتأتى فيها أن يملكها الفرد، بخلاف القسم الأول فإنّه يتأتى أن يملكه الفرد. فعين الماء يمكن أن يملكها الفرد، ولكنه يمنع من ملكيتها إذا كانت الجماعة لا تستغني عنها، بخلاف الطريق، فإنّه لا يمكن أن يملكها الفرد. ولهذا فإن هذا القسم وإن كان دليله انطباق العلة الشرعية عليه، وهي كونه من مرافق الجماعة، فإن حقيقة واقعه تدل على أنه ملكية عامة. وهذا يشمل الطرق، والأنهار، والبحار، والبحيرات، والأقنية العامة، والخلجان، والمضايق، ونحوها، ويلحق بها المساجد، ومدارس الدولة، ومستشفياتها، والملاعب، والملاجئ، ونحوها.


3ملكية الدولة

هناك أموال لا تدخل في الملكية العامة، بل هي داخلة في الملكية الفردية، لأنّها أعيان تقبل الملك الفردي، كالأرض، والأشياء المنقولة، ولكنه قد تعلق فيها حق لعامة المسلمين، فصارت بذلك ليست من الملكية الفردية، وهي لا تدخل في الملكية العامة، فتكون حينئذ ملكاً للدولة. وملك الدولة هو ما كان الحق فيه لعامة المسلمين، والتدبير فيه للخليفة، يخص بعضهم بشيء من ذلك، حسب ما يرى. ومعنى تدبيره هذا هو أن يكون له سلطان عليه يتصرف فيه، وهذه هي الملكية؛ لأنّ معنى الملكية أن يكون للفرد سلطان على ما يملك. وعلى ذلك، فكل ملك مصرفه موقوف على رأي الخليفة واجتهاده يعتبر ملكاً للدولة. وقد جعل الشارع أموالاً معينة ملكاً للدولة، للخليفة أن يصرفها حسب رأيه واجتهاده مثل الفيء، والخراج، والجزية وما شابهها؛ لأنّ الشرع لم يعين الجهة التي تصرف فيها. أما إذا عين الشرع الجهة التي تصرف فيها، ولم يتركها لرأيه واجتهاده لا تكون ملكاً للدولة، وإنما تكون ملكاً للجهة التي عينها الشرع، ولذلك لا تعتبر الزكاة ملكاً للدولة، بل هي ملك للأصناف الثمانية الذين عينهم الشرع، وبيت المال إنما هو محل إحرازها من أجل صرفها على جهاتها.

وإنه، وإن كانت الدولة هي التي تقوم بتدبير الملكية العامة، وتقوم بتدبير ملكية الدولة، إلاّ أن هنالك فرقاً بينهما. وهو أن ما كان داخلاً في الملكية العامة، لا يجوز للدولة أن تعطي أصله لأحد، وإن كان لها أن تبيح للناس أن يأخذوا منه، بناء على تدبير يمكنهم جميعاً من الانتفاع به، بخلاف ملكية الدولة، فإن للدولة أن تعطيها كلها لأفراد معينين، ولا تعطي الآخرين، ولها أن تمنعها عن الأفراد، إذا رأت في ذلك رعاية لشؤونهم من ناحية أخرى غير إعطائهم. فالماء، والملح، والمراعي، وساحات البلدة، لا يجوز أن تعطيها لأفراد مطلقاً، وإن كان يجوز للجميع الانتفاع بها، بحيث يكون النفع لهم جميعاً دون تخصيص أحد دون الآخر. والخراج يجوز أن تنفقه على الزراع فقط دون غيرهم لمعالجة شؤون الزراعة، ويجوز أن تنفقه على شراء السلاح فقط، ولا تعطي أحداً منه شيئاً، فهي تتصرف به كما ترى مصلحة للرعية.

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة