البيعة لخليفة المسلمين على ضـوء الكتاب والسنة وإجماع الصحابة – ح1

 

روى مُسلمٌ عَن نافع قالَ: قالَ لي عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ

رَضِيَ اللهُ عَـنهُمَا:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يـَقـُولُ:

«مَنْ خـَـلــَعَ يـَدا مِنْ طاعَةٍ لـَقـِيَ اللهَ يَومَ القيامَةِ لا

حُجَّـة لـَه, وَمَـنْ مَاتَ وَليسَ في عـُنـُـقِهِ بَيعَـةٌ مَاتَ مـِيتـَةً جَاهِـليــَّـة».

 

البيعة لخليفة المسلمين

على ضـوء الكتاب والسنة وإجماع الصحابة

ح1

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعه وسار على دربه, واهتدى بهديه, واستن بسنته, ودعا بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين, واجعلنا معهم واحشرنا في زمرتهم, برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا سهل إلا َّ ما جعلته سهلا , وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلا . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

ربِّ اشرح لي صدري, ويسِّر لي أمري, واحلل عقدة من لساني, يفقهوا قولي.

أحبتنا الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير, أحييكم بتحية الإسلام, فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:

الحمد لله القائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}الفتح10

وَأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ القائل : {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19)}الفتح

وَالصَّلاة وَالسَّلامُ عَلى رَسُول اللهِ القائل: “مَنْ خـَـلــَعَ يـَداً مِنْ طاعَةٍ لـَقـِيَ اللهَ يَومَ القيامَةِ لا حُجَّةَ لـَهُ, وَمَنْ مَاتَ وَليسَ في عـُنـُـقِهِ بَيعَةٌ مَاتَ مـِيتـَةً جَاهِـليـَّة”.

وَالقائل: “…وَمَنْ بَايَعَ إمَاماً فأعطاهُ صَفقة يَدِهِ وَثــَمَرَةَ قلبـِهِ فليُطعْـهُ إنِ استطاع. فإنْ جَاءَ آخـَرُ يُـنازعُهُ فاضربُوا عُـنـُق الآخـَر”.

أمَّا بَعد:

فإنَّ الخِلافةَ قـَدْ آنَ أوَانُ ظـُهُورهَا, وَحَانَ مَوعِدُ قـِيامِها, وَهَا هِيَ بَشائرُهَا بحَمدِ اللهِ تـَـلوحُ بالأفـُـق, يَشهَدُ بذلكَ العَدُوُّ قـَبلَ الصَّدِيق, وَنحنُ حَمَـلةُ الدَّعوَةِ نرَاهَا قابَ قوسينِ أو أدنى, وَاثـقينَ بوَعـدِ اللهِ, مُستبشرينَ بـِبـِشَارَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لـَـنـَا بالاستخلافِ فِي الأرض, وَالتـَّمكينِ لدِينِ الإسلامِ الذي ارتضَاهُ اللهُ لعباده.

وَفـي هَـذهِ الأجــوَاءِ الإيمَانيَّة, وَنـَحْـنُ نـَعْمـَـلُ لاستئنافِ الحَيَاةِ الإسلاميَّة, وَنترقـَّبُ لحظةَ النـَّصر, وَنعيشُ مَعَ أمـَّـتِنـَا الإسلاميَّةِ حَالةَ المَخاضِ لِعودة دَولةِ الخلافة, أحبَبْتُ أن أعرض هذا الموضوع ( البيعة لخليفة المسلمين) على مسامعكم وأنْ أضَعَه بَينَ أيدِيكم، سَائلاً المَولى عَـزَّ وَجَـلَّ أنْ يَعُمَّ نـَفـْعَهُ عليكم والنـَّاس أجمَعين, وَأنْ يَجعَـلَ فيهِ خـَيراً كثيرا, وَأنْ يُعَجـِّـلَ بإكرَام المُسلمينَ بإقامَةِ دَولةِ الخِلافـَةِ حَتـَّى تـُوضَعَ أحْـكـَامُ اللهِ تعَالى الواردة في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مَوضِعَ التـَّطبيق وَالتـَّـنفيذِ وَمَا ذلكَ عَـلى اللهِ بعَزيز {…… وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)} (الروم)

إخوة الإيمان:

إقامَةُ خليفـَةٍ فـَرضٌ عَلى المُسلِمينَ كافـَّةً فِي جَميعِ أقطارِ العَالم, وَالقيَامُ بـِهِ كالقيَامِ بأيِّ فرْضٍ مِنَ الفـُرُوضِ التي فرَضَهَا اللهُ عَلى المُسلمين. فهُوَ أمرٌ مُحَتـَّـم, لا تخييرَ فيه, وَلا هَوَادَة َ فِي شأنِه, وَالتـَّـقصيرُ فِي القيَامِ بـِهِ مَعصِـيَةٌ مِنْ أكبَرِ المَعَاصِي, يُعَذبُ اللهُ عَـليهَا أشَدَّ العَذاب, وَالبَيعَةُ لِلخليفـَةِ هِيَ أيضاً فرضٌ عَلى المُسلِمينَ جَمـِيعا. وَهِيَ حَقٌّ لِكـُـلِّ مُسلم, رَجُلاً كانَ أو امرَأة. أمَّا كونـُها فرْضاً فالدَّليلُ عَليهِ الكِتابُ وَالسُنـَّةُ وَإجمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَالقاعِدَةُ الشـَّرعيـَّةُ المُستنبـَطـَةُ مِنَ الكِتـَابِ وَالسُنـَّةِ باجتهَادٍ شَرعِيّ.

أولا الكتاب: أمَّا الكتابُ فـَقـَدْ خـَاطـَبَ اللهُ رَسُولـَهُ صلى الله عليه وسلم خطاباً جازما, آمِـراً إيـَّاهُ أنْ يُطبـِّقَ عَلى المُسلِمِينَ حُـكمَ اللهِ تـَعَالى, وَنـَهاهُ عَن اتـِّباعِ أهوَائـَهُم, مُحذرَاً إيـَّاهُ مِنْ أنْ يَـفتِنـُوهُ عَن بَعضِ مَا أنزَلَ اللهُ إليه, وَقـَدْ نـَصَّ عِلمُ الأصُولِ عَلى أنَّ خِطابَ اللهِ للرَّسُولِ هُوَ خطابٌ لأمَّـتِه, مَا لمْ يَردْ دَليلٌ يُخَصِّصُهُ بـِه, وَهُنا لم يَرد دَليلٌ مُخـَصَّص, فـَيَكونُ الخِطابُ خِطاباً للمُسلِمِينَ بإقامة الحُـكمِ وَهَذا يَعني إقامَةَ الخليفة, وَمُبَايعَتــَهُ عَلى الحُـكمِ بمَا أنزلَ الله. قـَالَ جَلَّ شأنـُه:

{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} المائدة49

عَلى أنَّ اللهَ تعَالى فرَضَ عَلى المُسلمينَ إطاعَةَ وَليِّ الأمر, مِمَّا يَدُلُّ عَلى وُجُوبِ وُجُودِ وَليِّ الأمر عَلى المُسلمين, قالَ تعَالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء59

وَلا يَأمُرُ اللهُ بطاعَةِ مَنْ لا وُجُودَ لـَه, وَلا يـَفرضُ طاعَةَ مَنْ وُجُودُهُ مَندُوب, فـَدَلَّ عَلى أنَّ إيجَادَ وَليِّ الأمرِ وَاجب. فاللهُ تعَالى حِينَ أمَرَ بطاعَةِ وَليِّ الأمر, فإنَّه يَكـُونُ قـَدْ أمَرَ بإيجَـادِهِ فإنَّ وُجُودَ وَليِّ الأمرِ يَترتـَّبُ عَليهِ إقامَةُ الحُـكمِ الشَّرعِيّ, وَتركَ إيجَادِهِ يترتـَّبُ عَـليهِ تـَضييعُ الحُـكم الشَّرعِيّ, فيَـكونُ إيجَادُهُ وَاجبا, لِمَا يَترتـَّبُ عَلى عَدَمِ إيجَادِهِ مِنْ حُرمَة, وَهِيَ تـَضييعُ الحُـكمِ الشَّرعِيّ.

ثانيا ًالسنة: وَأمَّا السُنـَّةُ فـَقـَدْ وَرَدَتْ أحَادِيثُ كثيرَةٌ مِنهَا مَا رَوَاهُ مُسلمٌ عَنْ نافع قال: قالَ لِي عَبدُ اللهِ بنُ عُمَر: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: “مَنْ خـَلـَعَ يَداً مِنْ طاعَةٍ لـَقِيَ اللهَ يَومَ القيَامَةِ لا حُجَّةَ لـَه, وَمَنْ مَاتَ وَليسَ في عُنـُـقِهِ بَيعَةٌ مَاتَ مـِيتـَةً جَاهِـليَّـة”.

فالنـَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فرَضَ عَلى كـُـلِّ مُسلِمٍ أنْ تكـُونَ فِي عُـنـُـقِهِ بَيعَة, وَوَصَفَ مَنْ يَمُوتُ وَليسَ فِي عُـنـُـقِهِ بَيعَةٌ بأنـَّهُ مَاتَ مـِيتةً جَاهليـَّة, وَالبيعَةُ على الحكم المنصوص عليها في الحديث الشريف لا تكـُونُ إلاّ لِلخليفـَةِ ليسَ غـَير. فالوَاجـِبُ هُوَ وُجُودُ بَيعَةٍ فِي عُنـُقِ كـُـلِّ مُسلِم, أي وُجُودُ خليفـَةٍ يَستحِـقُّ فِي عُـنـُـقِ كـُـلِّ مُسلِمٍ بَيعَةً بوُجُودِه, فوُجُودُ الخليفـَةِ هُوَ الذي يُوجـِدُ فِي عـُنـُقِ كـُـلِّ مُسلِمٍ بَيعَة.

وَأيضاً فإنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، وَصَفَ الإمَامَ بأنـَّهُ جُنـَّةٌ أيْ وقايَة, فـَوَصْـفُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بأنَّ الإمَامَ جُنـَّةٌ هُوَ إخبَارٌ عَنْ فـَوَائِدِ وُجُودِه, فهُوَ طـَلـَب؛ لأنَّ الإخبَارَ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إنْ كانَ يَتضمـَّنُ الذمَّ فهُوَ طـَلـَبُ تـَركٍ ــ أي نهي ــ وَإنْ كانَ يَتضمـَّنُ المَدحَ فهُوَ طـَلـَبُ فِعْـل, فإنْ كانَ الفِعلُ المَطلوبُ يَترتـَّبُ عَلى فِعلِهِ إقامَةُ الحُـكم الشَّرعِيّ, أو يَترتـَّبُ عَلى تركِهِ تضييعُهُ كانَ ذلكَ الطـَّـلبُ جَازمَا. وَقد رَوَى مُسلمٌ عَن الأعرَج عَنْ أبي هُريرَةَ عَنِ النـَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “إنـَّما الإمَامُ جُنـَّة, يُـقاتـَـل مِنْ وَرَائِه, ويتـَّـقى بـِهِ”.

ثالثا إجماع الصحابة: وَأمَّا إجمَاعُ الصَّحَابَة, فإنـَّهُمْ رضوَانُ اللهِ عَليهمْ أجمَعُوا عَلى لـُزُوم إقامَةِ خليفـَةٍ لرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعدَ مَوتِه, وأجمعوا عَلى إقامَةِ خليفـَةٍ لأبي بَكر, ثـُمَّ لِعُمَر, ثـُمَّ لِعُـثمَانَ بَعدَ وَفاةِ كـُـلٍّ مِنهُمْ.

وَقد ظهَرَ تأكيدُ إجمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلى إقامَةِ خليفةٍ مِنْ تأخيرهِمْ دَفنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَقِبَ وَفاتِه, وَاشتغالِِهمْ بنـَصْبِ خليفةٍ لـَهُ مَعَ أنَّ دَفنَ المَيـِّتِ عَقِبَ وَفاتِهِ فرْض, وَيَحرُمُ عَلى مَنْ يَجبُ عَليهمُ الاشتغالَ فِي تجهيزهِ وَدَفنِه, الاشتغالُ فِي شَيءٍ غـَيرهِ حَتـَّى يَتـِمَّ دَفنـُه. وَالصَّحَابَةُ الذينَ كانَ يَجبُ عَليهـِمُ الاشتغـَالُ فِي تجهيز الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَدَفنِه, اشتغـَـلَ قِسمٌ كـَبيرٌ مِنهُمْ بنـَصْبِ الخليفـَة, وَسَكـَتَ قِسمٌ مِنهُمْ عَنْ هَذا الاشتغال, وَشَارَكـُوا فِي تأخِيرِ الدَّفـنِ ليلتينِ مَعَ قـُدرَتهـِمْ عَـلى الإنكار, وَقـُدرَتِهمْ عَـلى الدَّفـن, فكانَ ذلكَ إجمَاعاً عـَلى جَوَاز الاشتغالِ بنـَصبِ الخليفـَةِ عَنْ دَفنِ المَيـِّت, وَلا يَكونُ ذلكَ إلاّ إذا كانَ نـَصْبُ الخليفةِ أوجَبَ مِنْ دَفـنِ المَيـِّت.

رابعا القاعـدة الشرعـية: عَـلى أنَّ إقامَةَ الدِّين, وَتنفيذَ أحكام الشـَّرعِ فِي جَميعِ شـُؤونِ الحَيَاةِ الدُنيـَا وَالأخرَى فرْضٌ عَلى المُسلمينَ بالدَّليل ِالقطعِيِّ الثــُّبـُوتِ القطعِيِّ الدَّلالـَة, وَلا يُمكِنُ أنْ يـَتـِمَّ ذلكَ إلاّ بحَاكِمٍ ذِي سُـلطان. وَالقاعـِــــدَةُ الشـَّرعـيـَّـــةُ تـَنـُصُ علــى أنَّ: {مَا لا يـَتـِمُّ الوَاجبُ إلاّ بـِهِ فـَهُوَ وَاجبٌ} فكانَ نـَصْبُ الخليفـَةِ فـَرضاً مِنْ هَذِهِ الجهَةِ أيضا.

وَأمَّا كونـُهَا حَقـَّـاً لِلمُسلمين, فإنَّ البيعَةَ مِن حَيثُ هِيَ تـَدُلُّ عَلى ذلك, لأنَّ البَيعَةَ هِيَ مِنْ قـِبـَـلِ المُسلمينَ للخليفـَة, وَليسَتْ مِنْ قـِبـَلِ الخـَـليفـَةِ لِلمُسلمين. وَقـَدْ ثبتتْ بَيعَةُ المُسلمينَ لِلرَّسُولِ فِي الأحَادِيثِ الصَّحيحَة, ففي البُخـَاريِّ عَـن عُبـَادَةَ بنِ الصَّامِتِ قَـال: “بَايَعْـنا رَسُولَ اللهِ عَلى السَّمع وَالطـَّاعَةِ فِي المَنشَطِ وَالمَكرَه, وَأنْ لا نـُنازعَ الأمرَ أهلـَه, وَأنْ نـَقومَ أو نقولَ بالحَقِّ حَيثـُمَا كـُنـَّا, لا نخافُ فِي اللهِ لومَةَ لائِم”.

وَأمَّا كونـُهَا حَقـَّاً لِلمَرأةِ كمَا هِيَ حَقٌ لِلرَّجُـلِ فالدَّليلُ عَليه قـَولـُهُ تعَالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الممتحنة12

وَأيضاً لِمَا ثبَتَ فِي البُخاريِِّ عَنْ أيـُّوبَ عَنْ حَفصَةَ عَنْ أمِّ عَطيـَّةَ الأنصَاريَّةَ قالـَتْ: “بَايعَنـَا النـَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقرَأ عَـليَّ: ألاَّ يُشركـْنَ باللهِ شـَيئا, وَنهَانـَا عَنِ النـِّيـَاحَة, فقبَضَتْ امرَأةٌ مِنـَّا يَدَهَا فقالـَتْ: فـُلانـَةٌ أسعَدَتـْـنـِي, وَأنـَا أريدُ أنْ أجزيَهَا, فـَـلـَمْ يـَقـُـلْ شـَيئا, فـَذهَبَتْ ثـُمَّ رَجَعَتْ”.

إخوة الإيمان:

المسلمون أمة واحدة, يجب أن يكونوا جميعاً في دولة واحدة, وأن يكون لهم خليفة واحد لا غير, ويحرم شرعاً أن يكونوا متفرقين, وأن يكون لهم أكثر من دولة, وأكثر من خليفة واحد في وقت واحد. كما يجب أن يكون نظام الحكم في دولة الخلافة نظام وحدة, ويحرم أن يكون نظاماً اتحاديا, والأدلة على ذلك من القرآن والسنة كثيرة:

فمن القرآن الكريم:

قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ……} آل عمران103

وقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} الأنبياء92

وقوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} المؤمنون52

أما من السنة النبوية:

ما روى مسلم في صحيحه أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن بايع إماما, فأعطاه صفقة يده, وثمرة قلبه, فليطعه إن استطاع, فإن جاء آخر ينازعه, فاضربوا عنق الآخر».

ومن السنة أيضاً ما روى مسلم في صحيحه عن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد, يريد أن يشق عصاكم, أو يفرق جماعتكم فاقتلوه».

ومن السنة ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما».

ومن السنة كذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن أبا حازم قال: قاعدت أبا هريرة رضي الله عنه خمس سنين, فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء, كلما هلك نبي خلفه نبي, وإنه لا نبي بعدي, وستكون خلفاء فتكثر, قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فـُوا ببيعة الأول فالأول, وأعطوهم حقهم, فإن الله سائلهم عما استرعاهم».

ومن السنة الفعلية ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لإقامة الدولة, فقد كتب ميثاقاً ينظم فيه العلاقة بين أهل المدينة من المهاجرين والأنصار, ومن كان يعيش معهم من اليهود, وكان من بين نصوص هذا الميثاق ما نصه: «هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب, ومن تبعهم فلحق بهم, وجاهد معهم. إنهم أمة واحدة من دون الناس».

فالحديث الأول بين في حالة إعطاء الإمامة, أي الخلافة لواحد, وجبت طاعته، فإن جاء شخص آخر ينازعه الخلافة, وجب قتاله وقتله إن لم يرجع عن هذه المنازعة.

والحديث الثاني يبين أنه عندما يكون المسلمون جماعة واحدة تحت إمرة خليفة واحد, وجاء شخص يشق وحدة المسلمين, ويفرق جماعتهم وجب قتله.

والحديثان يدلان بمفهومهما على منع تجزئة الدولة والحث على عدم السماح بتقسيمها, ومنع الانفصال عنها, ولو بقوة السيف.

والحديث الثالث يدل على أنه في حالة خلو الدولة من الخليفة بموته أو عزله أو اعتزاله, ومبايعة شخصين للخلافة يجب قتل الآخر منهما, أي يكون الخليفة هو الذي بويع بيعة صحيحة أولا, ويقتل الذي بويع بعد ذلك إن لم يعلن تركه للخلافة. ومن باب أولى إذا أعطيت الخلافة لأكثر من اثنين, وهذا كناية عن منع تقسيم الدولة. ويعني تحريم جعل الدولة دولا, بل يجب أن تبقى دولة واحدة.

والحديث الرابع يدل على أن الخلفاء سيكثرون بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأن الصحابة رضي الله عنه سألوه بماذا يأمرهم عندما يكثر الخلفاء, فأجابهم بأنه يجب عليهم أن يـَفـُوا للخليفة الذي بايعوه أولا؛ لأنه هو الخليفة الشرعي, وهو وحده الذي له الطاعة, وأما الآخرون فلا طاعة لهم؛ لأن بيعتهم باطلة, وغير شرعية؛ لأنه لا يجوز أن يبايع لخليفة آخر مع وجود خليفة للمسلمين. وهذا الحديث كذلك يدل على وجوب أن تكون الطاعة لخليفة واحد, وبالتالي يدل على أنه لا يجوز أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة, وأكثر من دولة.

فالبيعَةُ لِخـَـليفةٍ هِيَ بـِيَدِ المُسلمين, وَهِيَ حَقـُّهُمْ, وَهُمُ الذينَ يُبـَايعُون, وَبَيعتـُهُمْ هِيَ التي تجْعَـلُ الخلافـَةَ تـنعَقِدُ لِلخليفـَة, وَالخلافـَةُ عَـقدُ مُرَاضَاةٍ وَاختيَارٍ لأنـَّهَا بَيعَةٌ بالطـَّاعَةِ لِمَنْ لـَهُ حَقُّ الطـَّاعَةِ مِنْ ولايَةِ الأمر, فلا بُدَّ فيهَا مِنْ رضَا مَنْ يُبـَايَعُ لـِيتوَلاهَا, وَرضَا المُبايعينَ لـَه, وَلهَذا كانَ لا بُدَّ لانعقادِ الخِلافـَةِ مِنْ بَيعَةِ المُسلمين.

أحبتنا الكرام: نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة وإلى أن نلتقي معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله، نستودع الله دينكم وإيمانكم وخواتيم أعمالكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأستاذ أبي إبراهيم

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة