هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – القسم الأول: المقدمة

 

هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة الأولى – القسم الأول: المقدمة)

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

بعد دخول الصراع بين الإسلام والكفر خندقه الأخير، إذ شارف فجر الخلافة على البزوغ، وأضحى الحديث عن قيام دولة الخلافة على منهاج النبوة حديث الساعة، سواء على مستوى الساسة الغربيين، أو بين أبناء الأمة وأحزابها، وجدنا تساؤلا لدى كثير من المسلمين عن طريقة إقامة تلك الدولة، وهل حدد الرسول -بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه صلاةً وسلاماً متصلين تامين لا ينقطعان- طريقة لاقامة الدولة الإسلامية، ومن ذلك ما ورد في مقال نشر على موقع عربي 21، حيث تساءل الكاتب بسام ناصر: هل حدد الرسول طريقة لإقامة “الدولة الإسلامية”؟ وقد أورد مقتطفات من بحث للدكتور حاكم المطيري، ثم إنني رجعت إلى مقالة الدكتور المطيري -بارك الله به- ورأيت أن أحرر فيها هذه المجموعة من المقالات التي تجيب على التساؤلات المطروحة، وتقيم الأدلة على الآراء موضع الخلاف، وأتوسع فيها بحثا وتدليلا على طريقة إقامة الدولة الإسلامية، لشدة أهمية الموضوع، والله أسأل أن يهدينا سواء السبيل، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا، ويرزقنا اجتنابه، إي والله إنه لرزق من الله أن يهدي المرء للحق، وأن يرزقه اتباعه!

قال الدكتور المطيري -نافياً وجود طريقةٍ محددةٍ لإقامةِ الدولةِ-:

“والجواب:

أقول وبالله التوفيق هذا هو محل النزاع وسبب الخلاف بين حزب التحرير وفقه الله لما يحبه ويرضاه، وبين كل من يدعو لإقامة الخلافة منذ سقوطها، بل هو الخلاف بينه وبين فقهاء الأمة كلهم سلفا وخلفا، إذ لم يقل أحد فيما أعلم بأن هناك طريقة محددة لإقامة الخلافة، وأنها عبادة تؤدى كما تؤدى الصلوات والحج وسائر العبادات، وهو قول خطأ بلا شك، لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس، وذلك من وجوه:

1- إنه لا دليل على أن النبي ﷺ قد حدد طريقة معينة لإقامة الخلافة من بعده، وإنما أوجب النبي ﷺ إقامة الخلافة، وحدد طبيعة النظام السياسي في الإسلام وأنه خلافة نبوة، وأنها تقوم على الشورى، وأنها لا يسوغ فيها التعدد، إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، والتي أجمع عليها الصحابة من بعده رضي الله عنهم، أما الطريقة والكيفية فلم يحددها الشارع، ولهذا اجتهد فيها الصحابة.”

جوابي:

أولاً: حتى نضع النقاط على الحروف سنبدا بتعريف (الدولة) بشكل عام، فنقول بأن الدولة ” كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبلتها مجموعة من الناس”، جاء في موقع موسوعة الحقوق العالمي: تعريف الدولة “على أنها هي مجموعة من البشر يرتبطون فيما بينهم بروابط معينة، ويقيمون على إقليم معين و يخضعون لنظام وسلطة معينين”. وجاء في تعريف للدولة على أنها: “مؤسسة (كيان) سياسي له سيادة فعالة على رقعة من الأرض، عادة تتضمن مجموعة مؤسسات لها السلطة لتشريع القوانين التي تحكم من خلالها الناس في المجتمع في تلك البلد”

ويمكن لنا تعريف الدولة الإسلامية تحديداً بأنها “كيان سياسي مرجعيته الوحيدة الشريعة الإسلامية، ولهذا الكيان السلطة والسيادة على الناس والأرض الواقعة تحت سيطرته، مهمته رعاية مصالح كل رعاياه” ولا يُعتبر هذا الكيان دولة إسلامية حتى تطبق الإسلام تطبيقاً عاماً يتمثل في خمسة أمور هي: النظام الاقتصادي والإجتماعي والتعليم والسياسة الخارجية ونظام الحكم”

وفي الواقع فإن التأكيد بأن مكوِّنات الدولة الأربعة: الشعب، والإقليم، والحكومة، والسيادة تَصلُح لتفسير واقع الدولة الإسلامية – يُعَد مغالطةً كبرى؛ وذلك لأنه ليست هناك علاقة مباشرة بين دين السكان وإسلامية الدولة.

فقد تتكوَّن دولة ما من أغلبية مسلمة أو يكون كل سكانها من المسلمين، ولكنها لا تُسمَّى دولة إسلامية؛ لأن تلك التسمية تقتضي أن تُقيم الدولة نظامَها السياسي والاقتصادي والاجتماعي على الأسس الإسلامية، وأن تدمج هذه المبادئ في دستورها.
ونستدلُّ على ذلك – أي على عدم ارتباط إسلاميَّة الدولة بالعنصر السكاني ودين السكان – من تعريف فقهاء المسلمين لدار الإسلام ودار الحرب؛ حيث جعل الفقهاء ركيزة التمييز بينهما إقامة أحكام الإسلام؛ ولذلك يؤكِّد مجتهدو الفقهاء – مثل الكاساني وغيره – أن الدار تُسمَّى دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها، وكذلك الحال بالنسبة لدار الكفر “وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما، فإذا ظهرت أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر” ، فدار الإسلام ودار الكفر إضافة إلى الإسلام والكفر، كما تُسمَّى الجنة دار السلام وتُسمَّى النار دار البوار؛ ولذلك أصبح ظهور أحكام الإسلام شرطًا كافيًا لتصير الدار دار إسلام، وكذلك الحال بالنسبة لدار الكفر.

وإذا كانت الدولة الإسلامية تعترف بأهمية عنصر السكان والحكومة كأداة لتنظيم المجتمع وبغيرها من الأسس السابقة، إلا أن المرتكَز الإقليمي، أو اللُّغوي، أو العنصري لا يُمثِّل الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الدولة الإسلامية، فالعامل أو العنصر الذي يربِط شعب هذه الدولة، هو خضوعهم للفكرة الإسلامية المُتمثِّلة في العقيدة، أي سيادة الشرع في المجتمع، والذي بدوره يعامل الرعايا مسلمين وذميين على قاعدة لهم ما لنا من الإنصاف وعليهم ما علينا من الإنتصاف، وكذلك الحال بالنسبة للإقليم، فالإسلام لا يعترف بالحدود الطبيعيَّة والصناعية؛ لأن هدفه الأساسي هو نشْر الفكر الإسلامي وإحداث انقلاب إسلامي يقضي على الأنظمة المخالِفة له، ويُزيلها تمامًا من الوجود، وحتى إذا كانت الدولة الإسلامية محدودة جغرافيًّا لفترة ما، اضطرارًا، فإن الهدف يجب أن يتجاوز الحدود بغرض تكوين الدولة العالمية؛ وعليه: فإن التعريف الدقيق للدولة: هو أنها كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبلتها مجموعة من الناس.

وأما الخلافة، أو الإمامة الكبرى فتعني في الاصطلاح: “رئاسة عامة في الدين والدنيا؛ خلافة عن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وسميت كبرى تمييزاً لها عن الإمامة الصغرى وهي إمامة الصلاة”. الخلافة أصلٌ استقرت عليه قواعد الملة، وهي رئاسة تامة، وزعامة عامة، وخلافة للنبوة لحراسة الدين وإقامته، وحفظ الحوزة، وإقامة العدل، ورفع الظلم، والقضاء في الخصومات، وسياسة الرعية ورعاية شئونها، والقيام على مصالحها، وحمل الدعوة، وإقامة الميزان بالقسط، وسياسة الدنيا بتطبيق الشريعة، وإظهار شرائع الدين، وإقامة حدوده، والإئتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، والتزام أحكامه، وتطبيق أنظمته في الحكم والقضاء والإدارة، والاقتصاد، والتعليم والاجتماع، والعقوبات.

على اعتبار أن الخلافة هي الكيان التنفيذي لتطبيق الأحكام الشرعية الذي عرفه المسلمون منذ تأسيس الدولة الإسلامية عند وصول الرسول ﷺ المدينة المنورة في السنة الأولى للهجرة، وحتى هدمها وانهيارها في الثامن والعشرين من رجب 1342 للهجرة المواقف للثالث من آذار / مارس 1924، وما القول بوجود أشكال أخرى للحكم في الإسلام أو أن الرسول ﷺ لم يترك شكلاً محدداً للحكم إن هو إلا قول محدَث، وفي هذا البحث سنفحص هذه المقولة.

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة