هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – فما هي الفكرة والطريقة؟

 

هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة الخامسة: فما هي الفكرة والطريقة؟)

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

فما هي الفكرة والطريقة؟

الفكر هو الحكم على واقع، وبدراسة الإسلام دراسةً مستنيرةً نجدُ الإسلام عقيدةً، (أي مطالبَ خَبَرِيَّةً خاطبَ العقلَ بفهمها والتدليل عليها واعتقادها)، فالعقيدة أفكارٌ قابلةٌ للاعتقادِ،[1] والتي أمر الشارع الإيمان بها- أي التصديق بها تصديقا جازما-، وسنجد في الإسلام قصصاً عن الأمم السابقة وأخبارهم، وسنجد في الإسلام معالجاتٍ لمشاكل الإنسان، أي أحكاماً شرعيةً، قصدت ضبط سلوك الناس بالأوامر والنواهي، والأمر والنهي أفكار، وقد خاطب الشرعُ الناسَ بالأحكام الشرعية خطابا يفهمه العقل ليدرك ما طلب منه الشارع القيام به، لذلك كان الإجتهاد بذل الوسع في تحصيل غلبة الظن بالحكم الشرعي، فالمجتهد يُعمِلُ عقله في النصوص لفهمها واستنباط الحكم الشرعي منها، فهذه العمليةُ عمليةٌ عقليةٌ وينتج عنها أفكارٌ قابلةٌ للتنفيذِ، لذلك فالعقيدة والأحكام الشرعية وهما قوام الإسلام أفكار، منها ما هو مقصود لنفسه فكرة، ومنها ما هو مقصود لغيره: طريقة لتنفيذ الفكرة.

أمَّا العقيدةُ اصطلاحا، فهيَ فكرةٌ كلِّيَةٌ عنِ الكونِ والإنسانِ والحياةِ، وعمَّا قبلَ هذهِ الحياةِ الدُنْيا، وعمَّا بعدَهَا وعنْ علاقَتِهَا بما قبلَهَا وما بعدَهَا[2]. وأمَّا النظامُ المنبثقُ عنْ هذهِ العقيدةِ، أو المبني عليها، فهوَ مُعالجاتٌ لمشاكلِ الإنسانِ، وبيانٌ لكيفِيَّةِ تَنْفِيذِ المعالجاتِ، وبيان لكيفية المحافظةِ على العقيدةِ، وبيان لكيفية حملِ المبدأِ. فكانَ بيانُ الكيفيَّةِ للتنفيذِ وللمحافظةِ ولحملِ الدعوةِ: طريقةً، وما عدا ذلكَ وهوَ العقيدةُ والمعالجاتُ: فكرةً، ومِنْ هُنا كانَ المبدأُ فِكرةً وطريقةً”.[3]

فمن الفكرة: الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات (ما عدا الجهاد، وما عدا كيفية إقامة العبادات ومناسكها، فذلك كله من الطريقة)، والأحكام المتعلقة بالأخلاق والمطعومات والملبوسات والمعاملات، فهذا كله من الفكرة، لأن من طبيعته أن الموقف منه موقف فكري، فهو هدى للناس، فحين يأمر الله تعالى ب﴿وأقيموا الصلاة﴾ فهو هدى أي فكرة، تأمر الإنسان بالصلاة، فيتخذ حيالها موقف أنه يجب عليه الإيمان بهذا الأمر أنه من الله، فإن أنكر فرضية الصلاة كفر، إذ أن الأمر والنهي ما هي إلا أفكار، (يعمل المجتهد فكره فيها لاستنباطها) فالأمر طلب الفعل على وجه الاستعلاء، والنهي طلب الترك على وجه الاستعلاء،

ثم إن الشارع لم يترك الناس هملا فيأمرهم بإقامة الصلاة ولا يبين لهم الكيفية، فهذه الكيفية هي الطريقة، فقوله ﷺ «صلوا كما رأيتموني أصلي» طريقة تنفيذ قوله تعالى ﴿وأقيموا الصلاة﴾، وقوله ﷺ «خذوا عني مناسككم» طريقة لتطبيق الحكم المتعلق بالحج حتى لا نبتدع في الدين، والله تعالى لم ينزل أحكاما شرعية لمعالجة المشاكل وترك للإنسان أن ينفذ هذه الاحكام بما يراه، فلم يقل له لا تسرق، لا تزن، لا تأكل مال غيرك، لا تشرب الخمر… الخ وتركه سُدىً في هذه الأحكام وفي طرق إقامتها، وفي تطبيق النظام الذي يمنع وقوعها ويبين أحكامها، وعقوبات من يقترفها، بل قال له لا تسرق، ووضع أحكاماً تفصيلية تبين كيفية تنفيذ هذا النهي: وهي أحكام السرقة، والنهب والسلب والغصب الخ… وأمر بالعفة ونهى عن الزنا، ووضع أحكاما تبين كيفية تنفيذ هذا النهي أي تبين طريقة إقامة هذه الأحكام: وهي أحكام الجلد والرجم وأحكام التعزير، وغض البصر، والنهي عن المنكر.

وهكذا فأحكام الإسلام مفروضة لذاتها أو لغيرها، فالأولى هي النظام والثانية أحكام طريقة تنفيذ الأولى، أو أحكام إيجاد الأولى في معترك الحياة، وهي كلها منصوص عليها قامت عليها أدلة دلت على مشروعيتها وعلى الغاية منها، ومتى يصار إليها،

فالطريقة بها تقام الأعمال، وتتحقق الغايات. وغني عن القول بعد هذا أن الطريقة من جنس الفكرة، أي أن طريقة إخراج الفكرة عملياً ـ أي تنفيذ الأحكام الشرعية ـ لا بد أن يكون من مصدر الفكرة نفسها، أي من الإسلام وحده.

مثال:

الحكم الشرعي:

فرض، مندوب، مباح، مكروه، حرام…

الفكرة:

أي: مجموعة الأحكام التي تبين الحكم الشرعي، أو المطلب العقدي

الطريقة:

أي: مجموعة الأحكام الشرعية التي تجعل تنفيذ هذا الحكم ممكناً، أو التي تبين طريقة تطبيق الحكم الشرعي عمليا، أو التي تبين طريقة حماية العقيدة أو نشرها.

مثال:

السرقة 

حفظ المال.

الحكم:

الحرمة.

الفكرة:

حرمة السرقة.

الطريقة:

نصاب السرقة، وعقوبة القطع ومكان القطع…الخ

المثال:

إقامة الصلاة.

الحكم:

فرض عين.

الفكرة:

إقامة الصلاة.

الصلة بالله.

الطريقة:

شعائر الصلاة، أوقاتها، سجود السهو،… الخ

المثال:

الحج

الحكم:

الفرض العيني.

الفكرة:

حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.

الطريقة:

مناسك الحج.

المثال:

طريقة إقامة الدولة الإسلامية

الحكم:

فرض كفاية.

الفكرة:

إقامة الحياة أو الحضارة الإسلامية (الحضارة هي أسلوب العيش)،

تطبيق الأحكام الشرعية من خلال دولة،

إقامة سلطان الإسلام،

 إقامة دار الإسلام.

الطريقة:

التكتل، التثقيف، التفاعل مع المجتمع، أخذ الحكم.

 

 


 

[1] قد ينصرف ذهن البعض عن سماعه أن (الإسلام أفكار) إلى ما يتبادر للذهن من أن الأفكار هي نتاج العملية العقلية البشرية، وليس هذا مقصودنا هنا، بل نقصد هنا أن ما في العقيدة من مفاهيم ونقاط معينة يمكن أن نطلق عليها لفظ “فكرة” كأن نقول: فكرة الإيمان بوجود الخالق، أو فكرة الإيمان بيوم القيامة، فمن المؤكد أننا لا نقصد أن (أركان الإيمان) هذه وأمثالها نتاج جهد عقلي بشري مثل فكرة (العدالة الإجتماعية) مثلاً، أو فكرة (الحياة مادة) كما يقول الشيوعيون، بل نقصد أنها مفاهيم محددة من الإسلام، وإطلاق لفظ (فكرة) عليها من باب تقارب الألفاظ واستخدام أحدها مكان الآخر، والأمر ينصرف كذلك إلى الأحكام الشرعية، فإقامة الصلاة مع أنها مفهوم شرعي وحكم شرعي إلا اننا قد نقول (فكرة الصلاة) من ذلك الباب أيضاً.

[2] صالح ذياب هندي: دراسات في الثقافة الإسلاميَّة: ص 43، الطبعة التاسعة 1413 هـ – 1993 م، دار الفكر للنشر – عمان؛ دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه، إسحاق بن عبد الله السعدي؛ مفاهيم حزب التحرير، نظام الإسلام لتقي الدين النبهاني.

[3] تقي الدين النبهاني: نظام الإسلام، ط6، 1422هـ – 2001م، ص 24

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة