هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – أهم العوامل التي أدت إلى الغشاوة في وضوح الطريقة الإسلامية في تطبيق الفكرة ووضعها في الواقع موضع التطبيق

 

 

هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة الثامنة – أهم العوامل التي أدت إلى الغشاوة في وضوح الطريقة الإسلامية في تطبيق الفكرة ووضعها في الواقع موضع التطبيق)

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

 

أهم العوامل التي أدت إلى الغشاوة في وضوح الطريقة الإسلامية في تطبيق الفكرة ووضعها في الواقع موضع التطبيق:

 

عندما ضعفت الدولة العثمانية؛ ومع الاتصال بالحضارة الغربية في القرن التاسع عشر، ومع وصول البعثات التبشيرية الغربية وانتشار ما عُرف بالغزو الفكري، بدأ الكثير من المسلمين يتلمسون أسباب النهضة، ويحاولون الإجابة على سؤال “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟” فظهر عدد من الحركات الإسلامية لا سيما بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية،  تدعوا إلى الإسلام بشكل مفتوح عام، وتحاول تفسير الإسلام تفسيرا يتفق مع الأوضاع التي كانت قائمة، أو التي يريد البعض أخذها من الأنظمة الأخرى، ثمّ صار المسلمون، بعد أن فقدوا دولتهم – على ما فيها من هزال وتقصير – يرون عودة الإسلام في بناء المساجد، وإصدار المؤلفات، وتربية الأخلاق، ويسكتون عن سيادة الكفر عليهم[1] واستعماره إياهم، لذلك لم ير بعضهم غضاضة في أن يتصور عودة الإسلام للواقع من خلال الأنظمة السياسية القائمة على الكفر والمشاركة فيها، كالتغيير من خلال البرلمانات، والدخول في اللعبة الديمقراطية، وحسبوا ذلك من طريقة التغيير، ولم يفرق بعضهم بين أحكام إصلاح الأفراد وبين أحكام تغيير المجتمعات، فظنوا أن غاية ما هو مطلوب منهم أن يصلح المرء نفسه وأهل بيته فإن بقي لديه متسع من الوقت زار جاره! مما نتج عنه إهمال أحكام تغيير المجتمعات والصراع الفكري بين الحق والباطل، وأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأحكام المتعلقة بطريقة إقامة الدولة الإسلامية! فاستشرى الباطل في المجتمع من حولنا واشرأب النفاق وفسدت الأخلاق، وتمكنت القيم الفكرية الاستعمارية من النفوس، وطغى الطاغوت، جراء سوء فهم الفكرة أو جراء انفصال الفكرة عن الطريقة!

 

ومنهم من رآى التغيير من خلال الجهاد والقتال واستعمال القوة، فأنزل أحكاما متعلقة بفكرة أخرى في الإسلام على فكرة إقامة الدولة، فخلط طريقة بطريقة، وللتقريب نشبه حاله بحال من خلط بين مفهوم الوضوء وبين أحكام الزكاة فقال: لا بد أن يزكي المرء وهو متوضئ، واعتبره فرضا! مع أن الوضوء من أحكام الصلاة، والزكاة لها أحكام أخرى محكمة!

 

ومنهم من رآى التغيير من خلال إنشاء الجمعيات الخيرية، وخلط بين مفهوم عمل الخير على صعيد الفرد، وبين رعاية الشئون التي هي من واجبات الدولة، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». رواه البخاري في كتاب الأحكام. وللحديث حوالي 45 رواية، وقوله ﷺ: «وهو» تفيد الاختصاص، إذن فالرسول ﷺ أناط بالحاكم ـ أي بالإمام أي بالخليفة ـ أي اختصه بمسئوليات رعاية شئون ومصالح الأمة، وبين أنه مسئول عنها، مسئول عن إقامتها، ومسئول عن رعيته وما  صنع في رعايتها، ومسئول هنا بمعنى سيسأله الله تعالى  عن واجبات رعاية شئون الأمة ما فعل فيها، فجعل النبي ﷺ كل ناظر في حق غيره راعياً له. واللفظ مأخوذ من الرعاية والمراعاة. يقول السيوطي رحمه الله في الإتقان في علوم القرآن: النوع الخامس والخمسون في الحصر والاختصاص: أما الحصر، ويقال له: القصر، فهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص،…الخ إ.هـ. وهناك أقسام كثيرة للحصر يقع تحتها قوله ﷺ: «وهو مسئول عن رعيته».[2] 

 

وهكذا أضحت الساحة الإسلامية تضج بالتجارب جراء عدم الربط بين الفكرة وبين الطريقة التي نص الشارع على إقامتها من خلالها!

 

وكأن ثلاثة عشرة سنة من عمل الرسول ﷺ  لم تكن!

 

لذلك كان حتميا أن يفرق الحزب بين الفكرة والطريقة ويُفصّل في أحكامهما ليكون العمل على التغيير عن بينة!

 

“إن الخلط في أحكام الطريقة هو كمن يستخدم دفتر إرشادات لجهاز معين في تشغيل جهاز آخر، فمن يظن مثلا أن الدعاء [وحده] لإقامة الخلافة يمكن أن يحقق شيئاً فهو مخطئ لأن الدعاء لم يشرع طريقة لما وضع له الشرع طريقة معينة خاصة به، وفاعل ذلك إن كان معتقداً به مصراً عليه فقد عصى ربه (إن لم يكن مستهزءاً بشرع الله) وهو كالقائل: نعم يا رب، أنا أعلم أن ثمة طريقة لإقامة الخلافة ولكني لا أقوم بها وأكتفي بالدعاء فأقمها أنت يا رب.[3]

 


 

[1] وذلك لأن مقومات الفرد غير مقومات المجتمع، فإصلاح الفرد غير إصلاح المجتمع، وإصلاح الفرد لا ينتج عنه تغيير العلاقات والأنظمة والمشاعر التي تشكل المجتمع، وامتناع الفرد عن المنكرات لا يفضي إلى إلغاء المنكرات من المجتمع والدولة، وكمثال فإن امتناع شخص عن التعامل مع البنوك لا يفضي إلى إغلاق البنوك وتغيير النظام الإقتصادي في الدولة!

 

[2] أسهبنا في بحث هذا الأمر في كتابنا: “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”: ونأمل من الله تعالى  أن يمكننا من نشره قريباً. 

 

[3] أبو الحارث نور الدين التميمي: الطريقة والأسلوب والوسيلة. بحث على الإنترنت.

 

 

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة