هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – أساس عمل حزب التحرير

هل حدد الرسول ﷺ  طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة السابعة عشرة- أساس عمل حزب التحرير)

 

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

أساس عمل حزب التحرير، وغايته، وطبيعته، وطريقته، ومادته

ولأجل التعمق في فهم ذلك، نقول: إن للحزب غايتين: إحداهما حمل الدعوة، والثانية استئناف الحياة الإسلامية. والأعمال التي يقوم بها إنما هي لتحقيق هاتين الغايتين[1]، فمهمة حزب التحرير الأساسية هي حمل الدعوة الإسلامية. وهذه تجعل من أهم أعماله الأعمال الآتية:

          1- تغيير طريقة التفكير عند العالم بطريقة التفكير الإسلامية.

          2- تغيير القاعدة الفكرية التي يبني الناس عليها أفكارهم بالقاعدة الفكرية الإسلامية.

          3- تغيير الأفكار التي يحملونها بأفكار إسلامية.

          4- ربط جميع الأفكار بالقاعدة الفكرية الإسلامية[2].

وإن أساس عمل الحزب هو التغيير، وأن غاية هذا التغيير هو أمران: استئناف الحياة الإسلامية، وإنهاض الأمة الإسلامية، وأن طبيعة هذا التغيير أنه انقلابي جذري، لا ترقيعي ولا إصلاحي للأنظمة القائمة على غير الإسلام، وأن طريقة إحداث هذا التغيير هو إقامة الدولة الإسلامية، ولذلك فإن مادة هذا التغيير هي الأعمال التي من شأنها هدم الدولة القائمة وإقامة الدولة الإسلامية مكانها، أي تغيير دار الكفر لتغدو دار إسلام، من أعمالٍ تتم عبر مراحل أو أدوار:

أدوار  ونقاط

يقوم الحزب بثلاثة أدوار (مراحل)، وتلتقي تلك الأدوار في نقاط[3]، فأدوار الحزب هي: دور الثقافة، ودور التفاعل، ودور الحكم وتطبيق المبدأ.

وتمر الكتلة بمراحل:

 من نواة إلى خلية إلى حلقة أولى إلى كتلة إلى حزب متكامل،

يتم تنمية النواة لتتحول إلى خلية إلى حلقة حزبية إلى كتلة لها شخصية معنوية، مقوماتها: الفكرة والطريقة، والإنسان،ثم إلى حزب[4]، بعد تثقيف من ينضم للكتلة تثقيفا مركزا بأفكار المبدأ اللازمة لاستئناف الحياة الإسلامية، والحزب  له ضوابط ثلاثة من أجل التنفيذ العملي لأفكاره وهي أمير الحزب، (وهو صاحب الصلاحية في التبني) والتبني (تبني ما يلزم الحزب من أفكار وأحكام وآراء ومن الوسائل والأساليب لتحقيق غايته)، والطاعة، وهي واجبة لعموم لفظ الأمير الذي طاعته واجبة،  في غير معصية، إذا ورد اللفظ غير مخصص[5]   

ثم مرحلة الاستخفاء،

ومن معالمها: الاتصال بمن يأنس بهم الاستعداد، وتثقيفهم وبناء شخصياتهم الإسلامية، كما كان الرسول ﷺ يصنع في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكما كان الصحابة يعطون الحلقات لبعض في بيوتهم كما كان يفعل خباب مع سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب رضي الله عنهم جميعا.

مرحلة الصدع وإبراز الكتلة:

وبالنظر في الآيات التي نزلت قبل قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، نجد حالة دائمة من الصراع بين الحق والباطل، قبل هذه الآية، وهي من سورة الحجر، وقد سبقتها 46 سورة مكية حفلت بالصراع الفكري والكفاح السياسي والصدام مع قادة مجتمع مكة، مما يعني أن مفهوم هذه الآية هي إبراز الكتلة، لا الانتقال من الدعوة السرية إلى الدعوة الجهرية! [6] فالرسول ﷺ  كان يظهر الدعوة من أول يوم، ولكنه كان يخفي التكتل، ولكن حين وجدت عنده قوى، وبدأ إحساس الناس بالدعوة، وبدأ يضرب العلاقات وبالكفاح علناً ومهاجمة الحكام بعنف حين صار الناس يتطلعون إليه وصار له وجود مؤثر يحسب حسابه، أظهر الكتلة،[7] وهذا من مفهوم الصدع، ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ، فانتقلت طبيعة الخطاب بالصدع ليصير إلى مخاطبة الناس جميعاً، فبدأ الإصطدام بين الإيمان والكفر في المجتمع، وبدأت مرحلة التفاعل والكفاح، وبدأ الكفار يقاومون الدعوة ويؤذون الرسول ﷺ  وأصحابه بجميع أنواع الأذى.

معنى الصدع في اللغة الشق والفصل، إذا عرفت هذا فقول ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُأي فرق بين الحق والباطل، وقال الزجاج فاصدع أظهر ما تؤمر به يقال صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً كقولك صرح بها، وهذا في الحقيقة يرجع أيضاً إلى الشق والتفريق، قال الفراء: أراد فٱصدع بالأمر، أي أظهر دينك، فـ «ـما» مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر، أما قوله ﴿بِمَا تُؤْمَرُ ففيه قولان الأول أن يكون «ما» بمعنى الذي، أي بما تؤمر به من الشرائع، فحذف الجار، وقَصْدُ شمول الأمر كلّ ما أمر الرسول ﷺ بتبليغه هو نكتة حذف متعلّق ﴿تُؤْمَرُ﴾، فلم يصرح بنحو بتبليغه أو بالأمر به أو بالدّعوة إليه. وهو إيجاز بديع.

الثاني أن تكون «ما» مصدرية أي فاصدع بأمرك وشأنك.

رُوي عن عبد الله بن مسعود قال: ما زال النبي مستخفياً حتى نزلتْ: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُفخرج هو وأصحابه. ثم قال تعالى  ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ أي لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة.[8]، وهذا الأمر بالصدع وإظهار الكتلة فرض، فيعمل به على وجهه.

الحزب بوتقة صهرية يقوم بعملية صهرية في الأمة بغية إنهاضها:

إن الحزب بعد أن انتقل من نواة إلى خلية، إلى حلقة أولى، إلى كتلة، إلى حزب متكامل، صار فرضاً عليه أن يكون بوتقة [9] تصهر الأمة، فينقيها من الأدران والمفاسد التي أدت إلى انحطاطها، أو تولدت عندها أثناء انحطاطها. وصار يتحتم عليه أن يتولى في الأمة العملية الصهرية التي تسبب النهضة. وإذا لم يستطع أن يكون بوتقة وعجز عن أن يتولى العملية الصهرية، فإنه لا يكون حزباً متكاملاً، بل كتلة لم تستكمل التكوين بعد. أما كيفية أن يكون بوتقة، فهي أنه بمجرد أن أصبح متكاملاً يجب أن يأخذ في النمو الطبيعي في ناحيتين: إحداهما التكاثر في خلاياه، بإيجاد خلايا أخرى تعتنق فكرته عن وعي وإدراك تامين. والثانية إيجاد الوعي العام عند الأمة كلها. فإذا بدأ في العمل في هذين الأمرين معاً: كسْب أشخاص للحزب، وإيجاد وعي عام على أفكاره، فقد أصبح بوتقة، وإذا لم يبدأ لا يكون بوتقة تصهر. وأما العملية الصهرية التي يتولاها في الأمة، فإن كيفية توليه لها هي سعيه لتوحيد الأفكار والآراء والمعتقدات عند الأمة توحيداً جماعياً إن لم يكن توحيداً إجماعياً. فإذا بدأ في هذا السعي للتوحيد فقد تولى العملية الصهرية، وإذا لم يبدأ بالسعي لا يكون قد تولاها بعد.

العملية الصهرية هي توحيد الأفكار والآراء والمعتقدات عند الأمة على وجه يؤدي إلى توحيد هدف الأمة بأنه إقامة الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم. والذي يقوم بذلك هو الحزب، والأفكار والآراء والمعتقدات التي يوحدها الحزب عند الأمة هي الأفكار والآراء والمعتقدات التي يتبناها الحزب، والهدف الذي توحد عند الأمة وصار هو هدفها كلها هو هدف الحزب في شقيه: استئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة إلى العالم. ولذلك كان طبيعياً أن يكون من نتائج العملية الصهرية بناء قاعدة كبرى من جماهير الأمة وسواد الناس. فإن العملية الصهرية هي التي تسبب النهضة وتقيم الدولة وتبني المجتمع وتجعل الأمة صاحبة رسالة تحرص على أدائها أكثر من حرصها على الحياة. فيكون بناء القاعدة الشعبية من أجل إقامة الدولة واستمرارها من بعض ما في العملية الصهرية.[10].

[1] أنظر مجموعة النشرات التكتلية.

[2] نقطة الإنطلاق لحزب التحرير ص 8 راجعه ففيه تفاصيل كيفية تحقيق تلك الأعمال.

[3] يبدأ الحزب بنقطة الإبتداء، تنبثق منها الدعوة الإسلامية ونقاط التقاء الأدوار هي: نقطة الإنطلاق للدعوة إلى الإسلام، أو محاولة المخاطبة، ومخاطبة المجتمع والأمة، وهي بين دور الثقافة ودور التفاعل؛ ونقطة الإرتكاز، وهي بين دور التفاعل ودور الحكم، وهذه لا ضرورة لأن توجد، فقد ينتقل الحزب من دور الثقافة إلى دور التفاعل من غير حاجة إلى نقطة الانطلاق، أي من غير حاجة إلى نقطة التقاء بين دور الثقافة ودور التفاعل، وقد ينتقل من دور التفاعل إلى دور الحكم من غير حاجة إلى نقطة الارتكاز، أي من غير حاجة إلى نقطة التقاء بين دور التفاعل ودور الحكم، أنظر: مجموعة النشرات التكتلية، جواب سؤال: 5 ربيع الثاني 1389هـ ــ 20/6/ 1969م

[4] للتحول من كتلة إلى حزب ينبغي الدخول في صراع فكري مع جميع فئات المجتمع بامتلاك الحزب فكرا شاملا لحميع الأفكار ولا سيما السياسية، وأن يصحب الصراع الفكري تحريك سياسي، بغية إضعاف كيان الأفكار الأخرى التي يراد تغييرها في المجتمع، (الأفكار والآراء غير الإسلامية، السائدة في المجتمع)  ومن ثم الإنتقال إلى التحريك الجماهيري علنا وبجرأة، حتى إذا تتابع هذا التحريك الجماهيري السياسي كان هو مخاطبة للمجتمع وهو نقطة الإنطلاق، أنظر نشرة: التحريك السياسي، صدرت في 1955.

[5] الطريقة الشرعية لاستئناف الحياة الإسلامية، محمد حسين عبد الله.

[6] أنظر كتاب: نهج القرآن الكريم في الدعوة للأستاذ حافظ صالح.

[7] ورد في كتاب كشف المشكل من حديث الصحيحين للإمام ابن الجوزي رحمه الله: «أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أخبرنا أحمد بن أحمد قال حدثنا أبو نعيم الأصبهاني قال حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الحميد بن صالح قال حدثنا محمد بن أبان عن إسحق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: “سألت عمر لأي شيء سميت الفاروق قال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله فقلت أين رسول الله قالت أختي هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة مالكم قالوا عمر بن الخطاب قال فخرج رسول الله فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبتيه فقال ما أنت بمنته يا عمر قال قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد قال فقلت يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا قال بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم قال فقلت ففيم الاختفاء والذي بعثك بالحق فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله ﷺ يومئذ الفاروق وفرق الله بي بين الحق والباطل». وليس في سنده هذا ابن أبي فروة الضعيف،أنظر حلية الأولياء 1/40، وانظر:. الإصابة 2/512، وانظر فتح الباري 7/59.

والرواية في فتح الباري للعلامة ابن حجر: وروى أبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث ابن عباس، وفي آخره «فقلت يا رسول الله ففيم الاختفاء؟ فخرجنا في صفين: أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، فنظرت قريش إلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها».

[8] تفسير الرازي. مفاتيح الغيب. وتفسير القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. والتحرير والتنوير لابن عاشور.

[9] البَوتَقَةُ، والبُوتَقَةُ: الجمع: بَوْتقات، بُوتقات وبواتِقُ، وعاء على شكل قدح تصهر فيه الفلزات وغيرها من المواد أو تسخَّن إلى درجات عالية من الحرارة، ويُصنع عادةً من مواد صامدة للحرارة مثل الخزف أو الجرافيت للصّائغ بوتقة خاصّة لصهر الذَّهب والفضّة. معجم المعاني الجامع، والمعجم الغني، ومعجم الرائد. ولا أصل لها في المعاجم العربية الكبرى مثل اللسان.

[10] قطعة من كتاب أرسل لأحد المسؤولين من شباب الحزب، مجموعة النشرات التكتلية. 12 شعبان 1381هـ ــ 18/1/ 1962م

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة