هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – الحلقة الثامنة عشرة- القسم الأول

هل حدد الرسول   طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة الثامنة عشرة- القسم الأول)


للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

بناء الرأي العام والوعي العام وبناء القاعدة الشعبية:

الرأي العام اسم على مسمى، إذ أنه الرأي الذي يغلب على مجتمع بمجموعه أو على فئة منه أو جماعة كبيرة، أو الذي يغلب على أمة بمختلف شعوبها، أو على مجموعة أمم.[1] أما جون ستيوارت مل فقد ذهب إلى أن الرأي العام هو ما يريده المجتمع أو الجزء القوي فيه أو ما لا يريده، فيعتبر الأمر الحاسم الذي يقرر بصفة علمية القواعد التي يجب مراعاتها وعدم تعارضها مع القانون أو الرأي. في حين رأي  كوليردج أن الرأي العام هو الحكم الذي تصل إليه الجماعة في مسألة ذات اعتبار عام بعد مناقشات علنية ووافية. أما ليونارد دوب LEONARD DOB فيرى في كتابه (الرأي العام والدعاية) أنه يعني اتجاهات ومواقف الناس إزاء موضوع يشغل بالهم بشرط أن تكون هذه الجماهير في مستوى اجتماعي واحد فالرأي العام في نظر(دوب) هو ثمرة الجدال والنقاش بين الأفراد حيث يسود أحد الآراء على بقية الآراء أو تصل الجماعة إلى رأي جديد كان في بادئ الأمر رأيا فرديا ثم تناولته الجماعة بالتحوير والتبديل.[2] أما تعريف وليام ألبيج WILLIAM ALBIG فقد عرف الرأي العام في كتابة (الرأي العام الحديث) على أنه تعبير عن موضوع معين يكون موضوع مناقشة من جماعة ما ويصفه كنتاج للتفاعل بين جماعات من الأفراد يتناولون بالمناقشة قضية أو موضوعا ما جدليا تتعارض الآراء فيه أو تتساوى و (ألبيج) هنا كما يبدو واضحا يؤكد على عملية التفاعل بين الأفراد والجماعات بوصفها أساسا وشرطا للوصول إلى رأي مشترك يعبر عن الأغلبية ويعرف من خلال وسائل الاتصال وفي ذات اتجاه، (ألبيج) ذهب (بلومر) إلى اتفاقه مع (ألبيج) في تعريف مضيفا إليه أن هذا التفاعل الذي يتم بين الأفراد لا يتم من فراغ وإنما يتم من خلال عملية تحدث داخل مجتمع معين وتعكس تنظيمه وبناءه الوظيفي كما اشترط أن تتم عملية الرأي العام في اتجاه اتخاذ القرار وتصل إلى من بيدهم القدرة على اتخاذ القرارات.[3]

تعريف الدكتور أحمد بدر: الرأي العام هو التعبير الحر عن آراء الناخبين أو من في حكمهم بالنسبة للمسائل العامة المختلف عليها على أن تكون درجة إقناع الناخبين بهذه الآراء وثباتهم عليها كافية للتأثير في السياسية العامة والأمور ذات الصالح العام وبحيث يكون هذا التعبير ممثلا لرأي الأغلبية ولرضا الأقلية.[4] ويعرف الرأي العام: بأنه تصوُّر معلَن، إزاء مسألة أو مشكلة هامة وعامة، يترتب عليه موقف عملي إزاء المسألة موضوع الرأي. فهو تصوُّر عام فارَقَ الشخصية أو الفردية وانتقل ليصبح مسألة عامة تعم غالبية قِطاعات المجتمع المعني بذلك الرأي. والرأي يكون عاماً عندما يتعلق بقضية عامة… والرأي العام يتأثر بدرجة كبيرة بجودة وسائل الاتصال وتشعُّبها ومن ثَمَّ فإن التمكن من وسائل الاتصالات شرط مهم لصناعة الرأي العام، كما أنه يتأثر بالفئة المجتمعية التي تنتج هذا الرأي من حيث مستوى علمها وثقافتها ورشدها؛ فالرأي العام يُعَد في غالبه ابنَ بيئته؛ فالرأي العام الذي يسود هو ما كان متآلفاً أو متجانساً مع النسق الفكري العام للوحدة الاجتماعية المعنية بهذا الرأي، وهذا ما قد يفسر موقف الأمم من دعوات الرسل الذين أرسلهم الله – تعالى – لأقوامهم كي يخرجوهم من الظلمات إلى النور، وقد سجل القرآن الكريم مواقفهم فقال الله تعالى: ﴿وَانطَلَقَ الْـمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ [ص: 6]، والملأ سادة المجتمعات، وهم الأقدر على تكوين الرأي العام وحشد البقية خلفه [5]،

وعليه فلصناعة الرأي العام لا بد من العمل على تغيير مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات لدى المجتمع تجاه قضايا موضع اهتمام الجماعة، حتى تنعكس لديه على صورة رأي عام حول أفكار محددة يراد حمله على أن يتخذها طريقة في العيش.

من جملة هذه التعريفات، نرى أن الرأي العام يتوصل إليه من خلال مناقشات حول قضايا تهم المجتمع، فتحمل الفئة الأقوى في المجتمع هذه الآراء، وتؤثر في السياسة العامة والأمور ذات الصالح العام فتبنى بناء عليها سياسات معينة تسود المجتمع، والعبرة ليست بالأقلية ولا الأكثرية، بل العبرة في قدرة الفئة التي تحمل الآراء على التأثير في المجتمع وسياساته. وقد لا تنعكس الآراء العامة مباشرة في سياسات الدولة، فتحملها الأمة وتنتظر لحظة تغير نظام الحكم لتضعها موضع التطبيق وهي راضية بها، مؤمنة بها، لذلك يحتاج أمر صناعة الرأي العام إلى دوام السقي والتغذية!

“تدرك أهمية وخطورة الرأي العام، حينما ندرك الناحية العملية التي تترتب على وجوده وهي أنه يمكن لمن استطاع أن يوجد رأيا عاما حول غايته أن يسخر الطاقات الفكرية والمادية للمجموعة البشرية التي وجد بينها هذا الرأي العام من أجل إنفاذ خططه وتحقيق غايته، فنجاح الحاكم في سياسة رعيته، أو حكومة في استمرار سياستها، أو حزب في احتضان المجتمع له ولأفكاره، أو دولة في إنجاح مخططاتها، أو استعمار في فرض هيمنته واستمرار نفوذه وإحكام سيطرته على مناطق نفوذه بإنجاح خططه ومشاريعه… كل ذلك يعتمد إلى حد كبير على إيجاد الرأي العام الموالي… ولذلك اهتمت الدول والأحزاب والحكام والساسة بالرأي العام، وأولته عناية فائقة وعملت على صياغته ولو بالكذب والدجل (هذا خاص بالكفار وأذنابهم)”[6].

والرأي العام لا بد أن ينبثق عن وعي عام على القضايا التي يراد أن تسود في المجتمع، ويختلف الوعي العام عن الوعي الخاص، إذ أن الحزب والعلماء وأهل الفكر والرأي يتشكل لديهم الوعي الخاص على تفصيلات الأفكار والتصورات التي يراد حمل الأمة عليها، فيضعون الأفكار التفصيلية مثل تفاصيل أنظمة الحكم والإدارة، وأما الأمة فما يهمنا إيجاده فيها هو الوعي العام على تلك الأفكار، ويتمثل بالخطوط العريضة، والأفكار العامة، ولكن عن إيمان بها، وتصور لها ولأثرها في حياة الأمة، وبربط ذلك الوعي بالإيمان بالله، كي تحمله الأمة على أنه قضيتها المصيرية، قضية حياة أو موت بالنسبة لها، أي أن تلمس الأمة بمجموعها ضرورة الاحتكام إلى الإسلام ضرورة لا تدفعهم إليها عاطفة عاصفة أو رغبة آنية ملحة، وإنما يدفعهم إدراكهم بأن حياتهم وولاءهم يجب أن يكون للإسلام وحده، وهو أمر لا يعني بالضرورة أن يباشر الناس تطبيق الأحكام الشرعية على أنفسهم، وإنما معناه أن يوجد الولاء للإسلام لا لغيره، وهذا لا يظهر أثره ملموساً في الحياة العملية إلا في التطبيق.

وبما أن الغاية إيجاد قاعدة كبرى في الأمة تستعد لتحمل المسؤولية الثقيلة التي ستلقى على عاتقها في مواجهة الأخطار، ومصارعة القوى على المدى الطويل، وبنفس طويل، كان لزاما الاعتماد على إيجاد الوعي العام قبل الرأي العام، والاعتماد على الفكر قبل الاعتماد على المشاعر، (حتى لا يكون الرأي عرضة للتقلب بسرعة تقلب المشاعر، ونفاذ مخزون الغضب)، وإيجاد الإدراك الواقعي والبعد عن الفروض النظرية والتخيلات، فإن الحزب سيقيم الدولة بهذه القاعدة، وسيواجه حرب التدخل بهذه القاعدة، وسيحمل الدعوة دولياً إلى العالم، ويصارع الدول في الموقف الدولي والمجتمع الدولي بهذه القاعدة. ولذلك لا بد أن تكون الأمة كلها أو في مجموعها هي القاعدة، وأن يكون الرأي العام فيها منبثقاً عن الوعي العام مركزاً تمام التركيز وعن إيمان عقلي وتصديق يقيني عن دليل، وأن يكون تأييد الجماهير تأييداً يصل إلى حد الاستعداد للاستشهاد عن رضا واطمئنان، وبشوق لجنات النعيم ورضوان الله. فإن الحزب لا يريد من الأمة لتعطيه أصواتها في الانتخاب، وإنما يريدها لتجاهد الكفار لإعلاء كلمة الله، وفرق بين غاية من يريد أخذ الأصوات للنجاح في أخذ الحكم، وبين غاية من يريد الجهاد في سبيل الله، وخوض المعارك الحاسمة لرفع راية الإسلام[7]. فلا بد أن يكون الفكر عميق الجذور في النفوس.

[1] الرأي العام، محمد عبد القادر، مجلة الوعي الصادرة من بيروت العدد 100.

[2] LEONARD.W. DOOB, PUBLIC OPINION AND PROPAGANDA HAMDEN ARCHON BOOKS,1966, P35

[3] WILLIAM ALBIG MODREN, PUBLIC OPINION MCGRAW, HILL 1956, P31

[4]. احمد بدر، الرأي  العام، ص 25

[5] الرأي العام مفهومه – مكانته – دوره وعلاقته بالسياسة الشرعية، محمد بن شاكر الشريف

[6] الرأي العام، محمد عبد القادر، مجلة الوعي الصادرة من بيروت العدد 100.

[7] بتصرف عن نشرة الخطاب 7/شهر رجب/1381هـ ـــ 29/12/1961م

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة