هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – الحلقة الثامنة عشرة- القسم الثاني

هل حدد الرسول   طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة الثامنة عشرة- القسم الثاني)

 

 

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

طريقة صناعة الرأي العام:

 

إنه يلاحظ أن الحكومات تسلط عملها في مقاومة الأفكار والآراء من أن تصير رأياً عاماً على منعها التحدث بها في الأمكنة العامة سواء كان حديثاً مباشراً كالخطابة والحديث العادي، أو كان حديثاً غير مباشر كالكتابة في الصحف والمجلات والنشرات والكتب. فعملها كله مسلط على منع الحديث في الأمكنة العامة. وأما الحديث في غير الأمكنة العامة فإنها لا تجعله محل عنايتها ولا تهتم به… وبالنسبة للحزب فإن الحكومات تسلط عملها على منع الحزب من التحدث في الأمكنة العامة، فتمنع المنشورات والصحف والكتب والخطابة والحديث العام في الشارع والمسجد والمقهى وغير ذلك.

وهذا أيضاً يشاهد في السيرة النبوية، فإن قريشاً كانت حريصة على منع الرسول عليه السلام من التحدث في الأمكنة العامة، فكانوا أولاً يأتون بمن يجلس إليه ليحدث الناس ضد حديثه، ثم أخذوا ينالونه بالأذى ليمنعوه من أن يحدث الناس في الأمكنة العامة، قال أحمد: حدثنا عبد الله حدثني أبو سليمان الضبي داود بن عمرو بن زهير المسيبي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن ربيعة بن عباد الديلي وكان جاهليا أسلم فقال: [رأيت رسول الله ﷺ بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا!»، ويدخل في فجاجها، والناس متقصفون عليه، فما رأيت أحدا يقول شيئا، وهو لا يسكت يقول: «أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا!»، إلا أن وراءه رجلا أحول وضيء الوجه ذا غديرتين يقول إنه صابئ كاذب! فقلت: من هذا؟! قالوا: محمد بن عبد الله وهو يذكر النبوة، قلت: من هذا الذي يكذبه؟! قالوا: عمه أبو لهب! قلت (القائل هو أبو الزناد): إنك كنت يومئذ صغيرا؟! قال: لا والله! إني يومئذ لأعقل]، عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه ببغداد، ولكن القصة، في مجملها، صحيحة ثابتة[1]

وكانوا يمنعون أبا بكر من أن يصلي في مسجده الذي بناه في باب بيته، ويطلبون إليه أن يصلي في بيته. ومن هذا كله يتبين أن طريقة منع الأفكار التي سلكها الحكام في كل زمان ومكان هي منع التحدث في الأمكنة العامة، وهذا يدل على أن التحدث إلى الناس في الأمكنة العامة هو الذي يؤثر ويوجد الرأي العام. وعليه فإن الرأي العام إنما يتكون من التحدث إلى الناس في الأمكنة العامة. وبناء على هذا فإن كيفية إيجاد الرأي العام هو التحدث إلى الناس في الأمكنة العامة. ولا بد أن يكون التحدث جهراً بحيث يتأتى سماع الحديث لكل من يريد سماعه. وعلى ذلك فإن كيفية إيجاد الرأي العام هي التحدث جهراً إلى الناس في الأمكنة العامة حديثاً صريحاً ليس فيه تحفظ، إلا أن هذا التحدث على هذا الوجه يشمل أمرين:

أحدهما الحديث غير المباشر كالصحف والمنشورات والكتب، والثاني الحديث المباشر كالخطابة والحديث العادي. والحديث غير المباشر يوجد رأياً عاماً، ولكنه لا يوجد وعياً عاماً، ولا تبنى به قاعدة شعبية. والرأي العام الذي نريد إيجاده إنما نريده أن يكون منبعثاً عن وعي عام، ونريد أن نبني به قاعدة شعبية، وهذا لا يتأتى إلا بالإتصال الحي، فلا يتأتى إلا بالحديث المباشر أي بالتحدث الشخصي. وعلى ذلك فإن كيفية إيجاد الرأي العام المطلوب إيجاده هي: التحدث الشخصي جهراً إلى الناس في الأمكنة العامة حديثاً صريحاً ليس فيه تحفظ. وهذا هو الذي يسمى الاتصال الجماهيري. فتكون كيفية إيجاد الرأي العام المطلوب هي القيام بالاتصال الجماهيري. والغاية هي التحدث إلى الناس لتحملهم أفكاراً أو آراءً أو أخباراً يتحدثون بها، فالغاية حملهم على الحديث بهذه الأفكار والآراء[2]،

حين يتكون لدى القاعدة الشعبية المؤيدة للحزب رأي عام منبثق عن وعي عام، نتيجة توحيد الأفكار والآراء والمعتقدات عند الأمة توحيداً جماعياً إن لم يكن توحيداً إجماعياً، وهي تتكون من الرأي العام المنبثق عن الوعي العام بشكل يطغى على المجتمع وعلى الجماعة طغياناً تاماً، ومن الأفراد الذين يعتبرون أركاناً في المجتمع وفي الجماعة كالتجار ورجال الأعمال والمفكرين والوجهاء وكل من له رجال يقولون بقوله. أما إيجاد القاعدة الشعبية فإنه وإن كان يحصل نتيجة للعملية الصهرية، وإن كان من أهم أعمال إيجادها السير بالخطين المعروفين: كسب الأشخاص من أجل أن تتجسد الدعوة فيهم وإيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام، فإنه لا بد أن يعمل عن تقصد لإيجادها، وذلك بالمواظبة على الحديث الجماهيري مهما كلف ذلك من تضحيات ويتقصد الأشخاص الذين يعتبرون أركاناً في المجتمع لكسب تأييدهم للحزب ولأفكار الحزب وللإسلام وللدولة تأييداً يتجاوز العواطف ولغة الكلام إلى التضحيات والأفعال، فالقاعدة الشعبية واقع يتجاوز آثار الدعاية وإيجاد الثناء وكسب التأييد، إلى الاحتضان والإسناد والاستعداد للتضحيات وخوض الغمرات.

إذن: ثمة فرق بين طلب النصرة وبين القاعدة الشعبية، علاوة على أن طلب النصرة طريقة مؤقتة تنتهي بوجود الدولة، واستغنائها عن النصرة بنصرة الأمة كلها كما حصل بالنسبة للأنصار، وأما القاعدة الشعبية فإنها وإن كانت طريقة مؤقتة لتمكين الحزب من استلام الحكم ولكنها طريقة دائمة لحفظ الأمة وحفظ الدولة وصيانة الإسلام وضمان تطبيق أحكام الشرع وإيجاد أفكار الإسلام وتركيزها، لذلك كان الفرق شاسعاً جداً بين طلب النصرة وبناء القاعدة الشعبية وبين النصرة والقاعدة الشعبية، ومن هنا كانت القاعدة الشعبية هي العمل اليومي لكل شاب، وللحزب كله، وكان لزومها للحزب وللأمة وللدولة الإسلامية لزوم الماء لبني الإنسان….. فالعملية الصهرية ومنها بناء القاعدة الشعبية هي فوق كونها الأساس الضروري الذي لا بد منه لإيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام فإنها هي التي تحفظ الأمة وتحفظ الدولة وتصون الإسلام وتضمن تطبيق أحكام الشرع وإحسان تطبيقه وإيجاد أفكار الإسلام وتركيزها في المجتمع، لذلك كان القيام بهذه العملية أي العملية الصهرية ومنها بناء المجتمع أمراً لازماً لكل شاب وأمراً حتمياً على الحزب أن يقوم بها، سواء أكان ذلك قبل قيام الدولة أو بعد قيام الدولة لا فرق في ذلك ولا بحال من الأحوال،[3].

لإيجاد رأي عام منبثق عن وعي عام على الإسلام يجب:

  1. إحسان تبليغ الأفكار
  2. إفرادها بالصحة وهذا يقتضي: هدم كل فكر مخالف لها.
  3. القوامة على فكر و شعور المجتمع.
  4. تركيزها وهذا يقتضي: ــ دوام سقي الأمة بها، إعطائها من زوايا مختلفة.

لقياس الرأي العام يجب:

  1. تتبع ما يقال و ينشر في المجتمع لقياس أفكاره.
  2. تتبع اهتمامات عموم الناس لقياس مشاعر الإقبال و الإحجام عندهم.
  3. تتبع ردات فعل عموم الناس تجاه الأحداث والوقائع السياسية لقياس مشاعر الرضى والسخط عندهم.
  4. تتبع مواقف عموم الناس من الأنظمة القائمة والمعالجات المطبقة عليهم لقياس مشاعر الرضى والسخط على الأنظمة المطبقة عليهم وبالتالي قياس مفاهيمهم[4]

[1] الدكتور محمد المسعري: المنعة وطلب النصرة.

[2] جواب سؤال 6 ربيع الثاني 1383هـ ــ 25 / 8 / 1963م

[3] جواب سؤال: 5 ربيع الثاني 1389هـ ــ 20/6/ 1969م

[4] من مقالة للأستاذ أبي علي في منتدى العقاب: وقفة في طريق إقامة دولة الخلافة

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة