هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – من معالم مرحلة التفاعل

هل حدد الرسول   طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة الثالثة والعشرون- من معالم مرحلة التفاعل)

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

ومن معالم هذه المرحلة الهامة، مرحلة التفاعل وأساليبها:

          أ‌- تثقيف الناس جماعيًا

         ب‌- الصراع الفكري،

         ت‌- والكفاح السياسي،

وهو مهاجمة الحكام بما يتعلق برعاية الشؤون، أي التصدي لأئمة الكفر وقادة المجتمع وأنظمة الكفر التي يرعون بها شئون المجتمع، ويتجلى في مصارعة الكفار المستعمرين، لتخليص الأمة من سيطرتهم وتحريرها من نفوذهم، واجتثاث جذورهم الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من سائر بلاد المسلمين، كما يتجلى في مقارعة الحكام، وكشف خياناتهم للأمة، ومؤامراتهم عليها، ومحاسبتهم والتغيير عليهم إذا هضموا حقوقها، أو قصروا في آداء واجباتهم نحوها، أو أهملوا شأناً من شؤونها أو خالفوا أحكام الإسلام. [1] وبغرض تقطيع ِكـُـلِّ الوَشائجِ وَالحَبَائِل المَوصُولـَةِ بَينَ النـَّاس وَحُـكـَّامِهمُ الذينَ لا يَستحِقـُّونَ البَقاءَ فِي الحُـكمِ لحظةً وَاحِدَةً لِبُعدِهِمْ عَن مَنهَجِ الله بَـلْ وَمُنـَاقـَضَتِهمْ إيَّاه[2] وبغرض العمل على إزالة حكمهم الذي يقوم على تطبيق أنظمة الكفر وإقامة حكم الإسلام مكانه.

“إن ما يسمى اليوم بالكفاح السياسي هو عينه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام، فيكون القيام بالكفاح السياسي فرضاً على المسلمين قال تعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾ آل عمران 110، وقال تعالى: ﴿ولتكن منكم  أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرآل عمران 104، وقال ﷺ: ‹‹من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان››[3] وما هذا إلا مقاومة المنكر، وقال ﷺ: ‹‹سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله››[4]، وقال ﷺ: ‹‹ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع››[5] وفي رواية: ‹‹فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع››[6] وهذه الرواية تفسر الأولى، وما هذا إلا مقاومة لأعمال الحكام الفاسدة، وذلك كله هو ما يسمى بالكفاح السياسي. فهذه النصوص طلب جازم للقيام بالكفاح السياسي، وهي دليل صريح في أن الكفاح السياسي فرض”[7]. كما أن الآيات التي جاء بها الكفاح السياسي لتعرية رؤوس الكفر والضلالة كثيرة: ﴿هماز مشاء بنميم﴾ القلم 11، ﴿عتل بعد ذلك زنيم﴾ القلم 13، ﴿تبت يدا أبي لهب وتب﴾ المسد 1،﴿إن شانئك  هو الأبتر﴾ الكوثر 3. فهذا كله يدل على أن الرسول ﷺ قد قام بالكفاح السياسي، أي هاجم الكفار بالأسلوب اللاذع وبشدة وقوة. وكون الرسول تحمل الكفاح ولم يتركه، فإن هذا قرينة على أن هذا الكفاح لإقامة دين الإسلام فرض. وقد رافق الكفاح هذا أذى بليغ تحمله الرسول ﷺ وأصحابه، ولم يحيدوا عنه، وهي قرينة على فرضية الكفاح.

إن الكفاح للكفر ولأحكام الكفر، وكذلك للمنكر هو الفرض. أما نوع هذا الكفاح وهو كونه مهاجمة أعمال الحكام من حيث رعاية الشؤون ـ وهو ما يسمى بالكفاح السياسي، أو مهاجمة أعمال الناس، أو أفكار الكفر، أو غير ذلك، فإنه من المباحات، إذ جاء الأمر بالكفاح عاماً، وترك لكل شخص أن يقوم به بالكيفية التي يراها.[8]

ولما كانت هذه الكتلة تقوم على عقيدة سياسية وهدفها إقامة دولة، أي هدفها سياسي، إذن فالكفاح السياسي هو حجر الزاوية في أعمالها. فالكتلة كيان سياسي يستهدف إزالة كيان دولة كافرة، أي إزالة كيان سياسي فاسد وإقامة كيان سياسي صالح. فمن البديهي أن يكون الكفاح السياسي هو الطريق الواجب الاتباع. ثم إن ضرب العلاقات وبيان فسادها يكون ضرباً للقائمين على هذه العلاقات والمنظمين لها، وهذا كذلك قمة العمل السياسي لأنه يؤدي إلى قطع الثقة بين الحاكم والمحكوم، وبالتالي إحراز ثقة المحكوم وأخذ قيادته، وسقوط قيادة ذلك الحاكم الفاجر.[9]

         ث‌- والكشف،

وهو إماطة اللثام عن أمر يُعتقد أن الأمة ينالها ضرر منه فيما لو نفذ عليها.[10]

        

         ج‌- وتبني مصالح الأمة

القائمة سواء أكانت الجزئية منها وهي المتعلقة بفئة معينة من الناس كالتجار مثلاً أو بلد معين كسوريا، أو الكلية وهي المتعلقة بالأمة كلها أو بقطر معين أو في المجال كله، وذلك كبيان الظلم الواقع على الناس في إنفاق أموال طائلة على مشاريع غير منتجة وغير محققة لمصلحة حقيقية[11]، والعمل بكل طاقة كي تستعيد الأمة كافة حقوقها المغصوبة.

وكذلك صارت تنزل آيات تكشف للمسلمين ما خفي عليهم من أمور السياسة مثل قوله﴿غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ۝فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾، الروم 2-4، وما حصل من حِجاج أبي بكر مع كفار قريش. وآيات تبين أن الكفار يمكرون بالمسلمين من مثل قوله تعالى  ﴿ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم﴾ الأنعام 123، وقوله﴿سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون، وقوله: ﴿ومكروا مكرا ومكرنا مكراالأنعام 124، وقوله ﴿ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون﴾ النحل 127، وكلها آيات مكية، ويضاف إليها ما فعله الرسول ﷺ في المدينة، ونحن مطالبون به كذلك، من مثل بيانه للمسلمين في يوم بدر عدد عدوهم وعدته من استئجار الأعراب، كل ذلك يدل على أن الرسول ﷺ بعد أن جهر بالدعوة أي بعد مرحلة الثقافة كان يتبنى مصالح الناس لبيان أحكام الله في العلاقات، وكان يكشف للمسلمين ما خفي عليهم وما بيته لهم عدوهم.

فمن تتبع هذا تبين أن الرسول ﷺ قبل إقامة الدولة كان يقوم بأربعة أعمال هي: الثقافة المركزة، والثقافة الجماعية، وكشف الخطط، وتبني المصالح.

وبناءً على ذلك تأسى الحزب بالرسول ﷺ وقام حسب الحكم الشرعي بأربعة أعمال هي: الثقافة المركزة، والثقافة الجماعية، وكشف الخطط، وتبني المصالح، وكان قيامه بتبني المصالح وكشف الخطط بعد المرحلة الأولى. والتأسي هو القيام بمثل فعله على وجهه. وعلى هذا فإن الكشف والتبني عملان من أعمال الحزب وليس هي الكفاح السياسي، لأن الكفاح هو مهاجمة ما عليه الكفار والمجتمع والحكام. والكفاح السياسي هو نوع من أنواع الكفاح، وهو مهاجمة الحكام بما يتعلق برعاية الشؤون، أي هو مهاجمة أعمال الحكام، وتكون بالأسلوب اللاذع وغير الأسلوب اللاذع، فالكفاح من حيث هو فرض ومن الطريقة، ولكن الكفاح السياسي أسلوب، لأنه كيفية من كيفيات الكفاح، فكفاح الباطل من كفر وظلم وغير ذلك هو عام، وكفاح رعاية الشؤون هو كيفية من كيفيات الكفاح وليس هو كل الكفاح[12].

وكشف الخطط وتبني المصالح يجب أن تصاحبه أعمال التحريك السياسي،بأن تتخذ المادة التي يكشفها،والمصالح التي يتبناها مادة للتحريك السياسي وقيادة الأمة[13]! والحزب يعلم أن من الخطأ الفادح أن يتقدم وحده للكفاح، بل يجب أن يتقدم مع الأمة وأن يتحدث باسم الأمة، وأن يعتمد على الأمة، ولذلك يعمل لإعدادها فكراً ومشاعر، حتى يتقدم لقيادتها والعمل معها.[14]

         ح‌- وكشف خطط الاستعمار، ومكافحة الغرب الكافر المستعمر،

وفضح مؤامراته لتخليص الأمة من سيطرته وتحريرها من نفوذه.

يجب أن يدرك الحزب أن هذا الدور الذي تمر به الأمة الإسلامية هو دور الانقلاب الفكري والشعوري، الذي يؤدي إلى جعل المسلمين يحملون قيادتهم الفكرية دولياً إلى العالم. لتظهر على سائر القيادات الفكرية في جميع الوجود. ويدرك أن عليه أي على حزب التحرير مهمة القيام بهذا الدور. ولذلك كان لا بد أن تظل الناحية الفكرية هي الأساس، وأن يظل اقترانها بالعمل السياسي فقط، هو حجر الزاوية في العمل. ومن هنا كان لزاماً على الحزب أن يظل محيطاً بالأحوال السياسية العالمية، والأحوال السياسية في العالم الإسلامي. ولا سيما الأحوال السياسية في مجال عمله[15].

[1] مجموعة النشرات التكتلية: عمل حزب التحرير

[2]تيسير الوصول إلى طريق الرسول في حمل الدعوة وإقامة الدولة، لمحمد النادي

[3]رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم 49

[4]رواه الحاكم – وصححه – والخطيب، وصححه الألباني.

[5]رواه مسلم في كتاب الإمارة، حديث رقم 1854

[6]شرح النووي على مسلم، شرح الحديث السابق.

[7]مجموعة النشرات التكتلية

[8]مجموعة النشرات التكتلية، أجوبة أسئلة.

[9]مجموعة النشرات التكتلية.

[10]مجموعة النشرات التكتلية

[11]مجموعة النشرات التكتلية

[12]مجموعة النشرات التكتلية أجوبة أسئلة.

[13]لا يصبح الحزب قائداً للأمة إلا إذا انقادت له وأطاعته، ولا يبقى القائد قائداً إذا لم يكن لديه من يقودهم، ولا يكون القائد قائداً إلا إذا كانت القيادة له وحده، لأن فكرة القيادة توجب وجود مقودين، وتنفي إمكان قبول قائدين في آن واحد. وعلى ذلك لا يبقى الحزب قائداً إلا إذا كانت الأمة مقودة له، ولا يتمكن من القيادة إلا إذا كان وحده القائد المطاع. فعلى الحزب أن يقوم بما يجعل الأمة تسير في طاعته عن رضى واطمئنان، وأن يجعل أفكاره تسيطر على المجتمع سيطرة تؤدي إلى حل أو شل القيادات الأخرى، فينفرد بقيادة الأمة. نشرة التحريك السياسي. صدرت في عام 1955م.

[14]نشرة التحريك السياسي. صدرت في عام 1955م

[15]نقطة الإنطلاق لحزب التحرير ص 5.

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة