هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – هل كان الرسول يسعى لإقامة دولة؟

هل حدد الرسول ﷺ  طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة السادسة والعشرون – هل كان الرسول يسعى لإقامة دولة؟)

 للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

فهل كان الرسول ﷺ  يسعى لإقامة دولة؟

نعم، وبكل بساطة، ومن خلال تتبع أعمال الرسول ﷺ في المرحلة المكية؛ يمكننا الاستدلال على ذلك.

أولا: في مرحلة ما قبل طلب النصرة:

ثانيا: في مرحلة طلب النصرة.

أما أن غاية الرسول كانت النصرة والسلطان لأخذ الحكم، فقد وردت دلائل عليها من سورة الإسراء حيث أرشد الله محمدا ﷺ بقوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً﴾ الإسراء 80، جاءت هذه الآية عقيب قوله تعالى: ﴿وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزُّونَكَ مِن الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وإذاً لا يَـلْبَثُونَ خِلاَفَكَ إلاَّ قَلِـيلا۝سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾ الإسراء 76، أي لما همَّ كفار مكة بإخراج الرسول ﷺ من مكة، علم رسول الله ﷺ أنه لن يستطيع القيام بأمر هذا الدين من غير سلطان نصير، فسأل الله أن يخرجه من مكة مخرج صدق، وأن يدخله البلد الذي ينصره مدخل صدق، وأن يجعل له في ذلك البلد ملكاً ناصراً ينصره، قال الإمام الطبري في تفسيره: وقوله: ﴿وَاجْعَلْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً﴾، اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: واجعل لـي ملكاً ناصراً ينصرنـي علـى من ناوأنـي، وعِزّا أقـيـم به دينك، وأدفع به عنه من أراده بسوء. ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: ﴿وَاجْعَلْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً﴾، وإن نبـيّ الله علـم أن لا طاقةَ له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله عزّ وجلّ، ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، وإن السلطان رحمة من الله جعلها بـين أظهر عبـاده، لولا ذلك لأغار بعضهم علـى بعض، فأكل شديدُهم ضعيفَهم. ثم قال الطبري: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: ذلك أمر من الله تعالى  نبـيه بـالرغبة إلـيه فـي أن يؤتـيه سلطاناً نصيراً له علـى من بغاه وكاده، وحاول منعه من إقامته فرائض الله فـي نفسه وعبـاده. وإنـما قلت (أي الطبري) ذلك أولـى بـالصواب، لأن ذلك عقـيب خبر الله عما كان الـمشركون هموا به من إخراجه من مكة، فأعلـمه عزّ وجلّ أنهم لو فعلوا ذلك عوجلوا بـالعذاب عن قريب، ثم أمره بـالرغبة إلـيه فـي إخراجه من بـين أظهرهم إخراج صدق يحاوله علـيهم، ويدخـله بلدة غيرها، بـمدخـل صدق يحاوله علـيهم ولأهلها فـي دخولها إلـيها، وأن يجعل له سلطاناً نصيراً علـى أهل البلدة التـي أخرجه أهلها منها، وعلـى كلّ من كان لهم شبـيها، وإذا أوتـي ذلك، فقد أوتـي لا شكّ حجة بـينة. انتهى قول الطبري رحمه الله. 

إذن: فحين حصل الاستفزاز من أهل مكة والحصار في الشعب، من ليلة هلال المحرم من السنة السابعة للبعثة كما في الرحيق المختوم ولمدة ثلاث سنوات، بدأ رسول الله ﷺ بعدها يسأل الله مُلكا ناصراً يعينه على إقامة دينه. فكان أول طلب له للنصرة في شهر شوال من السنة العاشرة للبعثة، حين خرج إلى الطائف.

  فهذا يدل على أنه ﷺ إنما كان يقوم بأعمال طلب النصرة في ظل دعائه لله تعالى أن يؤتيه مُلكاً ناصراً.

قال ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير “أمره الله… بسؤال التوفيق في الخروج من مكان والدخول إلى مكان؛ كيلا يضره أن يستفزه أعداؤه من الأرض ليخرجوه منها… وفي هذا التلقين إشارة إلهية أن الله تعالى مخرجه من مكة إلى مهاجر، والظاهر أن هذه الآية نزلت قبيل العقبة الأولى التي كانت مقدمة للهجرة إلى المدينة”،ثم اضاف “والنصير: مبالغة في الناصر، أي سلطانا ينصرني، وإذا قد كان العمل القائم به النبيء هو الدعوة إلى الإسلام كان نصره تأييدا له فيما هو قائم به، فصار هذا الوصف تقييدا للسلطان بأنه لم يسأل سلطانا للاستعلاء على الناس، وإنما سأل سلطانا لنصره فيما يطلب النصرة، وهو التبليغ وبث الإسلام في الناس”.

“وخلاصة الكلام أن سنة الله التي لا تتحول بأن إخراج النبي ﷺ من أرضه لها عقوبة ربانية، فيعاقب الله المخرجين بعدم لبثهم خلفه إلا قليلا، وبما أن الآيات نزلت قبيل بيعة العقبة الأولى ففيها إشارة إلى خروج الرسول ﷺ من مكة بصدق وهجرته إلى المدينة بصدق وتأييد الله له بالسلطان النصير، وهذا يعني إقامة الدولة في مدخل الصدق أي المكان الذي سيدخله بعد النصرة وهو يثرب ليكون له السلطان فيه، وهذا الدعاء إرشاد من الله للرسول ﷺ للقيام بالأعمال الموصلة إلى الهدف القادم وهو النصرة والسلطان.

والمتتبع لترتيب نزول سور القرآن يرى قرائن وأدلة على اقتراب النصرة والسلطان والحكم للرسول ﷺ وللمسلمين، فسورة الإسراء نزلت بعد عام الحزن وبعد رفض أهل الطائف لنصرته ﷺ ثم رحلة الإسراء والمعراج في العام العاشر للبعثة، ثم تلتها سورة يوسف وفيها المثال للحاكم المسلم، وفي آخر سورة يوسف ذكر للطريقة المبصرة للرسول في الدعوة. وكذلك تزامن مع نزول هذه السور سورة النمل وسورة الأنبياء واللتان فيهما ذكر لأنبياء حكموا وكانوا خلفاء وملوكا وهما داود وسيلمان عليهما سلام الله، وذكر القرآن نماذج من كيفية قضائهم وحكمهم في الرعية وكيفية حملهم للدعوة إلى الناس، كما في قصة بلقيس ملكة سبأ باليمن مع سيدنا سليمان عليه سلام الله. وبتدبر هذه السور وغيرها نجد فيها إشارات ومضامين لقرب النصر والتمكين والحكم بالإسلام وتهيئة للرسول ﷺ ولكتلته لاستلام الحكم”[1].

قال البيهقي في دلائل النبوة:

قال موسى بن عقبة: فلما أفسد الله عز وجل صحيفة مكرهم خرج النبي ﷺ ورهطه فعاشوا وخالطوا الناس.

وقال البيهقي في موضع آخر متما الرواية:

عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب وهذا لفظ حديث القطان قال: كان رسول الله في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف قوم لا يسلهم مع ذلك إلا أن يؤوه ويمنعوه ويقول: «لا أكره أحدا منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذلك، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي وحتى يقضي الله عز وجل لي ولمن صحبني بما شاء الله» فلم يقبله أحد منهم، ولم يأت أحد من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه؟ انتهى

فالشاهد هنا أن طلب النصرة بدأ بعد الحصار مباشرة.

قال الألوسي في تفسيره:

﴿وَإِن كَادُواْ﴾ أي أهل مكة كما روي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ ليزعجونك ويستخفونك بعداوتهم ومكرهم ﴿مِنَ ٱلأَرْضِ﴾ أي الأرض التي أنت فيها وهي أرض مكة ﴿لِيُخْرِجُوكَ﴾ أي ليتسببوا إلى خروجك ﴿مِنْهَا﴾ وكان هذا الاستفزاز بما فعلوا من حصره ﷺ في الشعب والتضييق عليه ﷺ ووقع ذلك بعد نزول الآية كما في «البحر» وصار سبباً لخروجه ﷺ مهاجراً. ﴿وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ﴾ أي إن استفزوك فخرجت لا يبقون ﴿خِلَـٰفَكَ﴾ أي بعدك. انتهى

إذن: فحين حصل الاستفزاز من أهل مكة والحصار في الشعب، من ليلة هلال المحرم من السنة السابعة للبعثة كما في الرحيق المختوم ولمدة ثلاث سنوات، بدأ رسول الله ﷺ بعدها يسأل الله ملكا ناصرا يعينه على إقامة دينه.

فكان أول طلب له للنصرة في شهر شوال من السنة العاشرة للبعثة، حين خرج إلى الطائف.

فهذا يدل على أنه ﷺ إنما كان يقوم بأعمال طلب النصرة في ظل دعائه لله تعالى أن يؤتيه ملكا ناصرا.

وأما من أول السلطان النصير بالحجة القاطعة، فتأويله ضعيف لأن حجة الرسول ﷺ قاطعة من أول آية نزلت عليه.


[1] الأستاذ المفكر: يوسف الساريسي.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة