هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – المشاركة في الحكومات القائمة، والإصلاح مقابل التغيير

هل حدد الرسول ﷺ  طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة التاسعة والثلاثون – المشاركة في الحكومات القائمة، والإصلاح مقابل التغيير)

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

المشاركة في الحكومات القائمة، والإصلاح مقابل التغيير:

 ومن طرق الوصول للحكم ـ كما قد يتوهم البعض ـ المشاركة في الحكومات القائمة، سواء الاشتراك في المجالس الوزارية أو المجالس النيابية، أو حتى الوصول لرأس السلطة كما فعل الإخوان المسلمون في مصر، حيث أوصلوا محمد مرسي لمنصب الرئاسة، وبدهي أن الشركاء الآخرين في الحكم (القوى السياسية الأخرى) لن تسمح للقوى الإسلامية بأن تتقدم خطوة واحدة نحو الإسلام في ظل تقاسمهم السلطة، وليس أدل على ذلك من عدم تمكين مرسي من العمل حتى وفق دستورهم الذي وضعوه، ثم كانت نتيجة الأمر الإطاحة بمرسي وإقصاء حركته عن الحكم إقصاء تاماً، وَمَنْ قَبِلَ من الحركات الإسلامية الأخرى [ مثل حزب النور السلفي] بالوقوف إلى جانب السلطة التي أطاحت بمرسي إنما كان وفق شروط هؤلاء الآخرين.

إنه من الواضح أن التكتلات القائمة على أساس هذه المنهجية (المشاركة في الحكم، والتغيير من داخل النظام) تعتبر عقدة من عقد المجتمع وعائقا من عوائق النهضة، لذلك كان لا بد من تبيان حقيقة هذه المنهجية وخطورة الانقياد لها فكراً وعملاً.

والملاحظ في العالم الإسلامي أن جل التكتلات التي تسير على تلك المنهجية تفتقر إلى تصور سياسي لطبيعة الكيان السياسي أي الدولة المراد طرحها كبديل واضح ومبلور وجل الأحزاب إن جاز تسميتها بالأحزاب لا تسعى إلى تغير النظام بل تسعى الى إصلاحه (بتقديم اليد النظيفة مكان السارق، والخدمات بدلا من المشاريع الوهمية، مع الإبقاء على النظام العلماني هو هو، أي أنها تقدم وصولا للإسلاميين للحكم لا وصولا للإسلام للحكم، وشتان بينهما، وهذه أهم أعمال وأسس منهجيتها والرد عليها:

  1. إن عملها سيفضي إلى التكيف مع الواقع ومتغيراته فالأوضاع والمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية هي التي تملي على تلك التكتلات كل المواقف السياسية.
  2. وبذلك تقل خاصية الفاعلية والتأثير والتغير في الحزب ويصبح “الحزب” منفعلاً، لا فاعلا، ويفقد قدرته على إحداث التغيير، ويغدو متأثراً بالموقف الدولي والسياسة الدولية والصراعات الحاصلة بين الدول الكبرى التي بدورها ترسم الخطط والأساليب والمناورات والفخاخ السياسية والأصل في الحزب أن يؤثر في السياسة والسياسة الدولية.
  3. ولا يقال هذه هي السياسة ويجب اقتناص الفرص، وهذا هو المتاح، وهذا أفضل من ترك العمل لمن يخرب ويفسد، ويقال بأننا سننجز منجزات اقتصادية وخدماتية تسهل على الناس معيشتهم، فلماذا نضيع الامتيازات المتحققة لأن هذا القول فيه خطورة مسمومة، إذ يجعل قضية وصول الإسلام للحكم ثانوية، بل من الدرجة العاشرة من الأهمية، ويدخل في حمأة ومستنقع الواقع الآسنة، ويفقد هويته وفاعليته
  4. هذا من جانب أما من جانب واقع المبدأ الإسلامي فإن ديننا الحنيف هو أساس التحرك وليس الواقع، فإسلامنا يواجه الواقع ليزنه بميزانه فيلغي منه ما يلغي وينشئ واقعا جديداً فلا يحق لنا أن نقر الواقع أو نكتفي بتفسيره ثم نبحث عن حكم شرعي كسند لتبرير واقعنا نعلقه كاللافته المستعارة
  5. ومن يدخل داخل تركيبة النظام يصبح جزءًا منه أي عضوا فيه فيصبح داخل التركيبة العضوية للنظام ولا يمكن له أن يهدم شيئا هو جزء منه، بل يريد إصلاح أجزاء منه، وسيسير حتما وطبيعيا سواء طوعا أو كرها بوعي أو بغير وعي مع أهداف النظام المستمدة من الخارج، وسيستفيد النظام من ذلك بدخول خلايا حية إلى جسده الميت، تحل محل الخلايا المتعفنة تمده بعناصر البقاء والإمتداد نظرا للامتداد الجماهيري الذي يحظى به الحزب أو الحركة والتي يفتقدها النظام وهنا تحصل العملية الجراحية التجميلية وتتحقق المعادلة السياسية، ويطول عمر النظام بدلا من أن يهوي بالسكتة القلبية، ويظن الناس أن النظام في طريق الإصلاح! فتكون الحركة قد أمدته بأجهزة التنفس الاصطناعي بدلا من إخماد أنفاسه وإراحة الأمة من شروره!
  6. ومن يتحالف مع النظام أو مع حركات غير قائمة على أساس الإسلام (سواء العلمانية أو القومية أو اليسارية) فإنه يرتكب مخالفة شرعية عقدية خطيرة، لأن أفكارهم (سواء النظام أو الحركات غير الإسلامية) هي الأفكار الفاسدة الهدامة المراد إزالتها، فكيف يتم التحالف معها؟ ولا يقال المصلحة تقتضي ذلك، لأن أساس التحرك نحو تحقيق المصلحة هي وجهة النظر في الحياة، أي العقيدة،إذ هي التي تحدد المصلحة والمفسدة لا العقل ولا الواقع بل الشرع،أي الوحي، هذا من جانب،أما من جانب آخر فإن التحالف أو الحلف لغة يعني العهد والصداقة،أي الاتفاق، فعلى ماذا يتفق الحزب الإسلامي مع الحزب العلماني أو اليساري؟ ولكل منهما نظرته الخاصة على مجريات الأمور والأحداث، ولكل منهما فلسفة للتغيير تناقض الآخر؟ فكيف يتم الالتقاء بين الكفر والإيمان وهما نقيضان لا يجتمعان، بل إن في اجتماعهما خلل تكتلي سياسي عقدي خطير!.
  7. إن الدراسة العميقة والمستنيرة لسيرة سيد الخلق والمرسلين سيد الأنام وخير من حملت الأرض سيدنا محمد ﷺ يرى أنه قد سار بالطريقة الانقلابية [ التغيير الجذري] في عملية التغيير وتحقيق النهضة ولم يقم بأي عمل من الأعمال التي تنص عليها المنهجية الإصلاحية! لم يكن جزءا من النظام، ولا دخل معه في مساومات ولم يحد عن طريقته قيد شعرة! [أي أنه رفض نظرية الحل الوسط].
  8. وقد تجد تلك الحركات شيئا من النجاح في مسعاها لأسباب منها:

أ‌- واقع النظام نفسه سيئ الصيت في كافة الأوساط سواء السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية.

ب‌- أعمال النظام التابعة لخدمة الغرب بلا خجل ولا استحياء، وحربه على المسلمين.

ت‌- رغبة الناس في التحرر من القمع وتكميم الأفواه وقطع الأرزاق وحز الأعناق التي تمارسها الدولة البوليسية

ث‌- بساطة الناس في التفكير المنسجمة والمتطابقة مع تلك التكتلات التي لم ترتفع من الناحية الفكرية والسياسية عن مستوى عامة الناس.[1].

وقد يكون الوصول للحكم عن طريقة الدول الاستعمارية، بأن تفرض نفوذها والحاكم الذي يحكم باسمها كما هو حال جل الحكام في العالم الإسلامي اليوم.

إن الطريق الوحيد الصحيح لإنشاء الدولة نشوءا طبيعيا هو طريقة رسول الله ﷺ، فلم يصحبها إراقة قطرة دم واحدة، ولم يسلك طريق الحل الوسط، ولم يقم بتقديم تنازلات مبدئية أو مؤقتة، ولم يهادن الأعداء في شيء لكسب ودهم أو توقيف عدائهم، أو شاركهم في بعض السلطة، بل استلم ﷺ السلطان بسلطان ذاتي، واستلم فيها السلطان بسلطان ذاتي، لذلك فهي الطريقة الصحيحة للوصول للحكم.

على أن العدول عن طريقة الرسول ﷺ إلى غيرها وقد نهض الدليل على أنها فرض من غير دليل على صحة العمل بالطريقة الأخرى هو الخطأ بعينه، وصاحب هذه الدعوى عليه أن يقيم الدليل على جواز العدول عن طريقة شرعية ثابتة بالدليل إلى غيرها وترك ما سنه الحبيب المصطفى ﷺ ونزل به القرآن من هدى، فإن الطريقة ثابتة بمئات الآيات التي عضدتها ونزلت على الوقائع خلال الفترة المكية لتجادل الكفار وتفضح رؤوسهم، وتهدم علاقاتهم، وتبين الإسلام بديلا لأنظمتهم، وهكذا، فهذه الآيات وهذه الأقوال والأفعال والمواقف من الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الثابتة في سيرته العطرة، وهديه الذي هو تشريع، كلها دليل على الطريقة، فكيف يقال: نأتي بطريقة أخرى؟

يقول الدكتور المطيري: “ثم إنه على فرض وجود طريقة نبوية محددة لإقامة الخلافة، فإن وجود (حزب التحرير) مشكل في حد ذاته، إذ تأسيس حزب التحرير، وترخيصه، واختيار أميره، وتأسيس فروعه، وعقد مؤتمراته..الخ كلها اجتهادات لا أحد يستطيع القول بأنها سنة توقيفية عن النبي ﷺ!” انتهى

التعقيب: واضح الخلط في الفهم بين أحكام الطريقة، وبين الأساليب المباحة، ففي أحكام الطريقة هناك ما كان فرضا واجبا من أعمال، وهناك الأساليب والأمور الإدارية في الحزب وهذه الأمور الأخيرة من المباحات وليست من الاجتهادات الشرعية، علاوة على أن من مقتضيات العمل الجماعي الذي يهدف إلى أعمال معينة شرعية أن يقوم بالأمور الإدارية التي تضمن إنجاحه، وإلا كان العمل عبثيا.

هذا، وقد كان عمل الرسول ﷺ في مكة في كتلة هي كتلة الصحابة، وأساس التكتل فيها كان على صحبة الرسول ﷺ لإظهار الإسلام، فسارت معه صفين لإظهار قوة الكتلة[2]،وأما حزب التحرير فإنه قام إجابة لقوله تعالى  ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ، وسار على طريقة كتلة الصحابة، وقام على أفكارٍ في فهم الإسلام، وفيما نعلم هو التكتل الوحيد في تاريخ المسلمين الذي استوفى العناصر الثلاثة، فقام على كتلة الصحابة في الطريقة، وحسب أساليب العصر الحديث بالانضباط، وقام على فكرة، وقام استجابة لآية ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ، فجمع

العناصر الثلاثة إلى جانب الانضباط.[3]

أما نشوء الحزب ووجوب قيامه، فكان استجابة لأمر الله تعالى  ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وهذه الآية، وإن كانت مدنية إلا أن هذا الأمر لا ينحصر في وقت وجود الدولة الإسلامية، بل يبقى على عمومه في كل عصر وفي كل مصر، وسواء أكان للمسلمين دولة أم لم يكن، فالله سبحانه قد أمر المسلمين في هذه الآية أن تكون منهم جماعة متكتلة تقوم بأمرين اثنين:

1-الدعوة إلى الخير، أي الدعوة إلى الإسلام.

2-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذا الأمر بالإقامة هو لمجرد الطلب، ولكن وجدت قرينة تدل على أنه طلب جازم. فالعمل الذي حددته الآية لتقوم به هذه الجماعة المتكتلةـ من الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ هو فرض على المسلمين أن يقوموا به، كما هو ثابت في كثير من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، قال ﷺ: ‹‹وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ››[4]، فيكون ذلك قرينة على أن الطلب هو طلب جازم، والأمر فيه للوجوب.

أما كون هذه الجماعة المتكتلة تكون حزباً سياسياً، فجاء من ناحية أن الآية طلبت من المسلمين أن يقيموا منهم جماعة، ومن ناحية تحديد عمل هذه الجماعة بأنه الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وعمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل لأمر الحكام بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، بل هو من أهم أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو محاسبة الحكام، وتقديم النصح لهم، وهذا عمل سياسي، بل هو من أهم الأعمال السياسية، وهو من أبرز أعمال الأحزاب السياسية.

وبذلك تكون الآية دالة على وجوب قيام أحزاب سياسية. غير أن الآية حصرت أن تكون التكتلات أحزاباً إسلامية، لأن المهمة التي حددتها الآية والتي هي الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق أحكام الإسلام، لا يقوم بها إلا تكتلات وأحزاب إسلامية[5].والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام، وهذا الأمر من فروض الكفاية، إذا أقامه البعض سقط عن الباقين، فإن لم يقمه هؤلاء الناس، أي لم يحققوا فعلاً الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام، فإن الأمة تبقى آثمة جميعها حتى يتحقق هذا الأمر.

ولذلك فإنه لا يجوز للمجتمع الإسلامي أن يخلو من مثل هذه الجماعة في زمن من الأزمان، لأن ذلك تعطيل لأحكام الله وحدوده[6]،


[1] بتصرف عن مقالة للأستاذ أبي سعدي، في منتدى العقاب بعنوان: الحزب الإنقلابي والنظام، شبهات حول الإصلاح مقارنة بسيطة مع السيرة.

[2] في هذا إشارة إلى ما قام به المسلمون عند إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد خرج المسلمون من دار الأرقم مكبرين. ففي الطبقات الكبرى لابن سعد: قال:… عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم قال: سمعت جدي عثمان بن الأرقم يقول: “أنا ابن سبعة في الإسلام، أسلم أبي سابع سبعة، وكانت داره بمكة على الصفا، وهي الدار التي كان النبي ﷺ يكون فيها أول الإسلام، وفيها دعا الناس إلى الإسلام وأسلم فيها قوم كثير، وقال ليلة الاثنين فيها: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام” فجاء عمر بن الخطاب من الغد بكرة فأسلم في دار الأرقم، وخرجوا منها فكبروا وطافوا البيت ظاهرين ودعيت دار الأرقم دار الإسلام»،… قال ابن إسحاق في السيرة النبوية: (قال عمر عند ذلك: والله لنحن بالإسلام أحق أن ننادي… فليظهرن بمكة دين الله، فإن أراد قومنا بغياً علينا ناجزناهم، وإن قومنا أنصفونا قبلنا منهم، فخرج عمر وأصحابه، فجلسوا في المسجد، فلما رأت قريش إسلام عمر سقط في أيديهم (- وقد ورد أيضا موضوع الصفين عند تقي الدين المقريزي في “إمتاع الأسماع”، وحسين بن محمد الدِّيار بكري في “تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس”، ومحمد أبو شهبة في “السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة”، وصفي الرحمن المباركفوري في “الرحيق المختوم”… وغيرهم [ ورد في الرحيق المختوم في الصفحة 93 و 94 نقلاً عن تاريخ عمر لابن الجوزي ص 6و7 و13 وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر؛ صحيح البخاري، باب إسلام عمر بن الخطاب، حديث رقم 3684ـ فتح الباري ج7 ص 53].

[3]مجموعة النشرات التكتلية

[4]رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، رقم 2196

[5]دوسية النشرات التكتلية

[6]دوسية النشرات التكتلية

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة