هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – انطباق طريقة الرسول على الواقع مسألة اجتهادية ويجوز الاختلاف فيها

هل حدد الرسول ﷺ  طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة الأربعون – انطباق طريقة الرسول على الواقع مسألة اجتهادية ويجوز الاختلاف فيها)

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

 

انطباق طريقة الرسول على الواقع مسألة اجتهادية ويجوز الاختلاف فيها:

 لقد ثبت لدينا أن رسول الله ﷺ  قد سار على طريقة واضحة المعالم لإقامة الدولة، فثبوت وجود الطريقة أمر لا يصح المراء فيه بعد أن ثبت بعشرات الآيات والأحاديث والمواقف التي بلغت التواتر المعنوي، ومع هذا فإنه ينبغي لنا أن نوضح الأمور التالية بشأن انطباق طريقة الرسول على الواقع، وأن هذه الناحية اجتهادية ويجوز الاختلاف فيها:

  • طريقة الرسول ﷺ ثابتة وقطعية ولكن انطباقها على واقعنا اليوم هو محل اجتهاد كما قام بذلك الشيخ تقي الدين رحمه الله.
  • على أن هذا لا يعني إدخال ما ليس منها فيها، فليس من الاجتهاد الدخول في الأنظمة، وليس من الاجتهاد القول بأن طريقة التغيير هي بإصلاح الفرد ليصلح المجتمع. فإن الاجتهاد هو بذل الوسع في تحصيل غلبة الظن بأن الحكم الشرعي هو كذا، وهذا يعني دراسة الأدلة والأمارات واستنباط الأحكام منها فيما تحتمله دلالتها لغة وأصولا، لا أن تكون جراء جعل الواقع مصدرا للتفكير!
  • القول بعدم جواز الاجتهاد في الطريقة فهم خاطئ، فمن فهم حديث «إلا أن تروا كفرا بواحا»[1] بأنه ينطبق على الواقع اليوم فله أن يستنبط ذلك ويعمل بناء عليه!
  • مناط الحكم الشرعي لانطباق طريقة الرسول هو واقع الدار وواقع المجتمع.
  • يجب عدم الخلط بين إقامة الدولة وبين دفع العدو المحتل فلا نسعى لإقامة الدولة في فلسطين مثلا لأن الأولوية هو تحريرها. ونضع ذلك قبل السعي لإقامة الدولة الإسلامية.

فهل يمكن إحداث تغيير منكر الدولة باليد؟

ناقش الحزب بعض أعضاء الجماعات الإسلامية في مصر سنة 1989 حول هذه القضية بعد أن توجهت تلك الجماعات إليه بالسؤال حول شرعية أعمالها في التغيير باستعمال القوة؟ وأصدر نشرة رسمية بعنوان “إنكار المنكر فرض” وقال فيها بأن لهذه الجماعات شبهة دليل، وبالتالي فاجتهادهم هذا وإن كان مرجوحا- في رأي الحزب- ولكنهم ليسوا آثمين ولم ينكر عليهم اتخاذ طريقة في التغيير غير طريقة الحزب ما داموا استندوا إلى أدلة من السنة على وجوب تغيير المنكر بالسيف.

  • قال الحزب في نشرة “تغيير المنكر فرض” أنه يجب على الجماعات المؤثرة والقبائل الكبيرة تغيير الحكام إذا غلب على ظنهم الاستطاعة.
  • إن نتائج بعض الأعمال المفروضة شرعا قد تتقاطع، فحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، وحديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ، حَتَّى تُؤَدِّيَهُ»[2].رواه أهل السنن إلا النسائي، يفضي إلى أن تغيير المنكر بالقوة حين حصول الاستطاعة فرض عين، وهذا الفرض يمكن أن يجتمع لتحقيقه جماعة، فلو رأى خمسة من المسلمين جماعة تريد السطو على محل، وكان ردعهم يحتاج لقوة الخمسة لتحقيق الاستطاعة، فإن الفرض يقع على مجموعهم ليقوموا بمنع المنكر، فلا غضاضة في التجمع لإقامة الفرض، وعليه فإن الأمة لو اجتمعت في بعضها قوة قادرة على التغيير باليد فإنها مخاطبة بأن تقوم بتغيير منكر الحاكم الذي يحكم بالكفر باليد، وهذا منوط بغلبة الظن عند تلك المجموعة بحصول الاستطاعة لديها، وقد يظن ظان أن هذا يعني أنه بالإمكان حصول التغيير بهذه الطريقة، وأن نتيجتها تتقاطع مع نتيجة العمل على التغيير وفق طريقة الرسول ﷺ  لإقامة الدولة،

على أننا بالنظر المتفحص في طبيعة تغيير منكر الحكام وإزالة سلطانهم وقد امتلكوا قوة الجيش وقوة الشرطة، وشوكة الحكم، نرى أن الاستطاعة لا تتحقق إلا إذا سارت تلك الجماعة الساعية لتغيير المنكر باليد إلى أن تعمل في الأمة ابتداء لتأخذ الكيان المجتمعي لصفها، ومن ثم تعمل على تحييد أو أخذ القوة والمنعة من الدولة لصفها لتستطيع مجابهتها وأخذ الحكم منها، وأن مثل هذا العمل الضخم يرجع إلى طريقة الرسول ﷺ  لا العكس، وبالتالي فإن الاستطاعة لا تتحقق فعليا إلا بالسير وفق طريقة الرسول ﷺ، وبما أن طريقة الرسول ﷺ  تمنع أن تستعمل الكتلةُ القوةَ طريقة للتغيير، بل تطلب القوة من أهل القوة والمنعة، فإن مرد الأمر كله هو لطريقة الرسول ﷺ، لذلك غلب على ظننا أن الاستطاعة لا تتحقق في مثل هذه الحالة وأن استعمال القوة من قبل الجماعة لا يفضي للتغيير، ومع ذلك فمن غلب على ظنه إمكانية حصول التغيير فله شبهة دليله، وعمله مشروع.

ثم إن بعض الحركات التي سلكت هذا المسلك لم تجيش الأمة معها في حربها تلك ضد الحكومات القائمة بالكفر، فظنت القوة متحققة بميليشيات صغيرة تجابه بها جيوش تلك الدويلات وعتادها، وقامت بأعمال لا تفضي عند التحقيق إلى حصول التغيير، كتفجير المنشئات وقتل الرؤساء، وما شابه، وهذه أعمال لا تفضي في العادة إلى إزالة أنظمة، فالنظام ليس مجرد شخص الرئيس حتى إذا قتل زال النظام، هذا، وقد قامت تلك الجماعات بمراجعات وتراجعات لخطة سيرها، وبقيت طريقة الرسول ﷺ هي الطريقة الصحيحة لتغيير أنظمة الحكم، ولا يتصور أن يحصل التغيير باليد إلا بأن تسير الأمة خلف تلك الجماعات بما فيه طاقات وقدرات كافية لمجابهة النظام وجيشه والغرب الذي يقف خلفه!

استقراء طريقة إقامة الخلافة لدى مؤتمر الأمة

وباستقراء الطريقة التي يراها الدكتور المطيري لإقامة الخلافة لدى مؤتمر الأمة [3] في مقالته تلك نجدها طريقة ارتجالية

  • يعتبر د. حاكم أن عمل الإصلاح والتغيير يخضع لسنن المغالبة والمنازعة، وهو الطريقة لتحويل الفكرة إلى  مشروع سياسي، فكيف تتحول الفكرة إلى عمل بالخضوع لسنن المغالبة والمنازعة؟! فهذا كلام غير مترابط فكريا ولا ينسجم مع السببية والأخذ بالأسباب المذكورة في المقدمة، فما هي خطة العمل الفعلية في المنازعة والمغالبة؟
  • ليس لدى مؤتمر الأمة برنامج ولا طريقة محددة، بل مشاعر وأعمال ارتجالية تمليها الظروف والأوضاع والفرص التاريخية والمفاجآت التي تأتي من عالم الغيب. هذا غريب فعلا على حركة تحسب نفسها واعية، وليس لديها خطة عمل ولا طريقة سير محددة في خطوات ولا برنامج زمني للوصول إلى الغاية، فليس هناك بلورة لطريقة حركية توصل للأهداف إنما أمور فضفاضة وتمنيات، ويلاحظ وجود ارتباك فكري وشعوري هنا وليس كلاما رصينا وجديا يسعى للتغيير الفعلي.
  • آلية عمل مؤتمر الأمة ارتجالي وليس هناك طريقة محددة وإنما تمليها الظروف والأوضاع حيث هناك إما نضال سلمي أو نضال ثوري لتغيير الحكومات وبعد تغيير الحكومات –وليس تغيير حكومة واحدة – تتعاون لتوحيد هذه الحكومات وإقامة الخلافة!
  • لا يوجد مراعاة لسنن ونواميس التغيير فهو لا يمكن أن يتحقق في كل هذه الدول دفعة واحدة ثم توحيدها ثم إقامة الخلافة، وكأنما هو عمل في فراغ يسهل ملؤه!
  • مقتضيات ظروف المكان والزمان يكون في المباحات أما الاحكام الشرعية فجاءت لتغيير الظروف القائمة وليس للإقرار  بها.
  • ما نفع الكلام الوارد في المقدمة حول سنن التغيير  والوصول للأهداف والذي يظهر بأنه كلام تنظيري فقط وليس له واقع مطبق في سير الجماعة!.
  • هناك تناقض بين الحكم على الحكومات بالردة لأنها من الطواغيت، وبين إباحة العمل السياسي السلمي،
  • القول بإباحة العمل السياسي السلمي غير محدد، قد يعني جواز الدخول معهم في البرلمانات والحكومات والتحالفات كما يفعل “الإخوان المسلمين” وغيرهم من الحركات، وقد رأينا ما حصل للإخوان في مصر والأردن وغيرها وكذلك ما حصل في الجزائر في 1992 فأين العبرة؟!
  • أما اتهام الحكومات بالردة فمشكلة، فالردة تتعلق بالأفراد وليس بنظام الحكم، وهذا خلط وسوء فهم في كيفية الحكم على الأفراد والدولة، فلا يقال دولة مرتدة بل يقال فرد مرتد، وكذلك إذا كانت الدولة تحكم بنظام الكفر فلا يعني بالضرورة أن حكامها من الكفار المرتدين. وهذا منزلق خطير في التفكير والتكفير إن كان مقصودا.
  • يعتبر الدكتور المطيري أحكام إنكار المنكر وتغيير الحاكم بالكفر باليد هي الأساس والمستند ولا يحسم أمره بتبني هذه الطريقة كما فعلت الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي في مصر بل يترك الأمر ارتجاليا حسب الظروف وهذه مشكلة بحاجة إلى علاج جذري لديه!

 


[1] جزء من حديث رواه البخاري في كتاب الفتن برقم 6647

[2] ويقع تحته اغتصاب السلطان من الأمة، إذا كان المطلوب استرداد سلطان الأمة الذي اغتصبه منها الحكام المارقون، اليوم، فإن لها أن تقوم بذلك باستعمال القوة، عملا بالدليل: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. وهذا الحكم برأيي بحاجة لاستفراغ وسع من قبل مجتهدين حقيقيين، لإنزال أحكامه على الواقع، وبيان الطريقة التي يمكن إقامته من خلالها، وأقصد هنا إنزاله على واقع اغتصاب الحاكم للسلطان من الأمة وهي في دار كفر، كيف تسترد منه سلطانها، وقد أنزله الفقهاء كثيرا في شؤون أخرى كثيرة فيها اغتصاب شيء ما من أحد ما.

[3]مؤتمر الأمة: هو اتحاد بين تنظيمات سياسية في المنطقة العربية بفكر أن الأزمة التي تعيشها المنطقة كلها هي أزمة أمة ولا يمكن مواجهتها إلا بمشروع أمة يقوم على الخطاب السياسي القرآني والحديث النبوي والراشدي بعد أن ثبت فشل المشاريع القُطْرِية الوطنية، تم تأسيس المؤتمر سنة 2008.(موسوعة ويكيبيديا).

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة