هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟ – هل تنسخ الأحكام الخاصة برعاية الشئون أحكام الطريقة؟

هل حدد الرسول ﷺ  طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الحلقة الرابعة والأربعون –هل تنسخ الأحكام الخاصة برعاية الشئون أحكام الطريقة؟)

للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا

أثر الأحكام التي شُرِعتْ في المدينة المنورة بعد قيام الدولة في أحكام الطريقة التي شُرِعَتْ في مكة المكرمة قبل قيام الدولة

  

هل تنسخ الأحكام الخاصة برعاية الشئون أحكام الطريقة؟

هذا بالنسبة لأحكام القتال، أما النوع الثاني من الأحكام المدنية والتي يشتبه تأثيرها على أحكام الطريقة في مكة فهي الأحكام المتعلقة برعاية الشئون وإليك تفصيلها:

جاءت أحكام رعاية الشئون متصلة بالحاكم من حيث وجوب رعايته ومسئوليته في ذلك أمام الله وترتب الإثم عليه إن قصر في هذه الرعاية، أو لم يقم بها أصلاً فالله سبحانه قد أوجب على الحاكم النصح للأمة في دينها ودنياها، وأن يَجتهد لها في تحقيق مصالحها، وحفظها، ودرء الأخطار عنها، فإن هو وفّى لها بذلك نال عند الله سبحانه الدرجات العلا. وأما من قَصّر في شيء من ذلك فإن الله سيحاسبه أشد الحساب، ويحرم عليه دخول الجنة. فعن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة» وفي رواية أخرى «ما من أمير يَلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل الجنة معهم» رواهما مسلم. وجاء عند البخاري «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يُحِطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة».

وجاءت أحكام أخرى تحث المسلمين على التعاون، والتضحية والإيثار فيما بينهم، والشرع قد حث أفراد المسلمين على القيام بها في العديد من النصوص، فقال تعالى في سورة المائدة: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾ وهو خطاب عام للمسلمين وليس خطاباً خاصاً بالدولة. وعن عبد الله بن عمر ويرفعه إلى النبي قال: «الراحمون يرحمهم الله، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء…» رواه الحاكم والطبراني بسند صحيح، وهذا خطاب للمسلمين، وليس خطاباً مقصوراً على الحاكم، وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله  قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» رواه البخاري ورواه مسلم وجاء في آخره «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». وهذا خطاب من الله لكل مسلم تجاه كل مسلم محتاج للمساعدة والعون. وعن ابن عمر عن النبي ﷺ:«… وأيُّما أهل عَرَصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد بَرِئت منهم ذمة الله تعالى» رواه أحمد، وهذا خطاب لمجموعة أفراد أو لقطاع من الناس تجاه فرد من المسلمين.

كما ورد ما يستدل به دوماً أصحاب اللجان الخيرية وأعمال رعاية الشئون في زماننا هذا وهو حديث الأشعريين أذكر لكم ما ورد عنهم فيه:

حديث: «الأشعريون في الناس كصرة فيها مسك» رواه ابن سعد في الطبقات عن الحسن البصري عن الزهري مرسلاً، وقال فيه المناوي في فيض القدير: «بتشديد الياء هم قبيلة ينسبون إلى الأشعر بن أدد بن زيد بن يخشب نزلوا غور تهامة من اليمن فيما بين جبال السروات وما يليها من جبال اليمن إلى أسياف البحر ولما قدموا على المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لهم: أنتم مهاجرة اليمن من ولد إسماعيل ثم ذكره، وكان المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم يحبهم وقال في حديث الشيخين: إنهم مني وأنا منهم وسياقه أن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أي فرغ زادهم أو قل طعام عيالهم جمعوا ما عندهم في ثوب ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم وفيه تنبيه على مكارم أخلاقهم ومواساتهم لإخوانهم وحث على التأسي بهم والاقتداء بأفعالهم وفيه منقبة عظيمة للأشاعرة وكذا قيل فإن عنى قائله ما هو المتبادر من هذا اللفظ وهم أهل السنة المنسوبون إلى شيخ السنة أبي الحسن الأشعري ففساده بين وإن أراد تلك القبيلة فصحيح».

والحديث كما أخرجه البخاري: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم»

والأحكام السالفة نزلت في المدينة، وقد يفهم تأثيرها على الأحكام المكية من حيث الطريقة فيستلزم قيام الكتلة برعاية الشئون خلافاً لما كان عليه الحال في كتلة الرسول ﷺ في مكة، والحق أن هناك أحكاماً وردت في مكة تحث على عمل الخير والإنفاق منها:

قال الطبري حدثنيها رون بن إدريس الأصم، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: كان أبو بكر الصديق يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بني، أراك تعتق أناساً ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالاً جُلداً يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت، إنما أريد “أظنه قال”: ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: ﴿فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى﴾ وقوله: ﴿وأما من بخل واستغنى﴾ يقول تعالى ذكره: وأما من بخل بالنفقة في سبيل الله، ومنع ما وهب الله له من فضله، من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها، واستغنى عن ربه، فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته.

قال ابن إسحاق ثم إنهم عدوا على من أسلم واتبع رسول الله ﷺ من أصحابه فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر من استضعفوه منهم يفتنونهم عن دينهم فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبهم ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم فكان بلال مولىً من مواليهم وهو بلال بن رباح واسم أمه حمامة وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ﷺ وتعبد اللات والعزى فيقول وهو في ذلك: أحد أحد، ثم ذكر ابن إسحاق مرور أبي بكر ببلال وهو يعذب، فاشتراه من أمية بعبد له أسود فأعتقه وأراحه من العذاب. وذكر مشتراه لجماعة ممن أسلم من العبيد والإماء منهم بلال وعامر بن فهيرة وأم عميس التي أصيب بصرها ثم رده الله تعالى لها والنهدية وابنتها اشتراها من بني عبد الدار بعثتهما سيدتهما تطحنان لها فسمعها وهي تقول لهما: والله لا أعتقكما أبداً، فقال أبو بكر: حل يا أم فلان فقالت: حل، أنت أفسدتهما فاعتقهما. قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا؟ قال: قد أخذتهما وهما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها، قال: ذلك إن شئتما، واشترى جارية بني مؤمل حي من بني عدي كان عمر يضربها على الإسلام.

وقال تعالى في سورة الرعد: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ وقال جل وعلا في سورة إبراهيم: ﴿قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ ءامَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَينفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَل﴾ وقال جل ثناؤه في سورة سبأ: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ وهذه الآيات كلها مكية.

فأحكام التصدق والإنفاق وبذل الخير شرعت في مكة وسار عليها الصحابة ولكن الرسول ﷺ لم يجعلها من أعمال الكتلة، ولم يطلب من الصحابة جمع الأموال لفك أسر العبيد، أو لإنقاذ الفقراء، والأحكام الشرعية في هذا الأمر والتي نزلت في المدينة توسعت في أعمال الخير وصوره، ولكنها لم تنسخ ما كان عليه شأن الكتلة في مكة في هذه الناحية، فضلاً عن أن قيام الكتلة بمثل هذه الأعمال يحتاج إلى دليل خاص بها ولا دليل.

أما الأشعريون فإنهم لم يتكتلوا على أساس رعاية الشئون، ولم يكونوا حزباً ذلك شأنه، بل إن من طبيعتهم أنهم يتعاونون فيما بينهم، وإذا ما ألمت بهم الملمات فإنهم يقتسمون أرزاقهم فيصيب كل واحد منهم نزر يسير من الرزق وهو عندهم أفضل من أن يستأثر قوم بالأرزاق دون غيرهم، وهذه الأحكام هي شأن الأفراد ويقوم بها الأفراد بشكل دائم.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة