إقامة الدولة في ظل قانون السببية: لا بد لتفعيل الطاقة السببية، من كيان فاعل، وكيان منفعل

إقامة الدولة في ظل قانون السببية

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

(الجزء السادس عشر: لا بد لتفعيل الطاقة السببية، من كيان فاعل، وكيان منفعل)

ولإدراك واقع السنن لا بد من التذكير بطريقة عمل الأنظمة السببية الحية، والأنظمة السببية إما أن تكون فاعلة بوجود إرادة، أو أن تكون منفعلة بغياب الإرادة الكيانية وبالتالي تحدث النتائج بدون عقلٍ واعٍ مخطط سلفا للأمور، فالحزب والشخص، والعلماء هي كيانات فاعلة لها إرادة، أما الدولة والمجتمع والأمة فهي في الغالب كيانات منفعلة تتأثر بغيرها. ونستطيع تلخيص طريقة عمل الأنظمة السببية الحية الفاعلة بالإرادة بالقول إن بنية الأنظمة تميل عادة إلى الاستقرار وتقاوم التغيير. ولكل نظام هدف يسعى لتحقيقه كالحفاظ على بقاء النظام مثلا أو إشباع حاجاته، ولأجل الوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه هذا النظام فهناك حاجة إلى طاقة سببية دافعة، فالحزب يصمم النظام السببي ويفعله فيتفاعل مع الكيان المجتمعي وكيان الدولة فيحدث التغيير.

“والحزب بوصفه كياناً يصبح يتصارع مع كيان الدولة ومع كيان الأمة ليصرعهما معاً، لأن فيه خاصية الفاعلية لا خاصية الانفعالية. بعكس كيان الدولة أو كيان الأمة فإن في كل منهما خاصية الانفعالية لا خاصية الفاعلية، وعلى قدر تمسك الحزب بكيانه الفكري تطول أو تقصر فترة صراعه، إذ إن تمسكه الفكري ككيان يقصر فترة صراعه، وتساهله فيه يطيل مدة هذه الفترة.

وما لم يتحول الحزب عن مفاهيمه ومقاييسه وقناعاته فإنه ولا شك سيصرع الكيانين: كيان الأمة وكيان الدولة معاً. إذ سيصرع كيان الفئة القوية في الناس، ويصبح وإياها كياناً واحداً يأخذ فيه كيانه البارز ضمن كيان الأمة مركز القيادة، وبهذا الكيان الجديد يصرع كيان الدولة. وبالكيانين الفكري والتنفيذي يستولي على باقي الفئات، ويصهرها كلها في كيان واحد هو كيان الأمة.

والصراع الذي يحصل مع كونه صراعاً فكرياً فهو صراع مفاهيم ومقاييس وقناعات، وليس صراع أفكار مجردة، ولذلك يتناول العلاقات العامة، والمصالح العامة، لأنه يريد أن يحطم الصفة الكيانية الفاسدة للأمة، بتحطيم المفاهيم والمقاييس والقناعات التي يتكون عليها الكيان، لا تحطيم الأمة، ولا أي فرد منها، إذ إنه يسعى لأخذ الأمة، ورفع شأنها، واستبدال كيانها الحالي بإعطائها كياناً أفضل منه، يصبح كيانها المتميز بالرفعة والسمو.

ويريد أن يحطم الصفة الكيانية للدولة بتحطيم المفاهيم والمقاييس والقناعات التي يتكون عليها، لا تحطيم السلطان. إذ إنه يسعى لأخذه واستبدال كيانه الحالي بإعطائه كياناً جديداً على أساس المفاهيم والمقاييس والقناعات الجديدة.

ولهذا فصراع الحزب ككيان فكري يكون للكيانين التنفيذي والمجتمعي. فالعمل مسلط على الكيانين لا على غيرهما، وتسليطه إنما يكون بتسليط كيان على كيان.

وبما أن كيان الدولة هو الذي يملك السلطان، وهو الذي يتولى إدارة كيان الأمة، فإن مظهر الصراع يكون واضحاً أنه لكيان الدولة فحسب، وإن كان هو في حقيقته مسلطاً على الكيانين.

وعلى ذلك فلا بد أن يدخل الحزب المجتمع بوصفه كياناً فكرياً، تبرز فيه الصفة الكيانية وحدها بشكل واضح، لأن الصفة الكيانية هي التي يجب أن تعمل وحدها، ولا يجوز فيها أي إشراك بأية صفة أخرى. إذ هو كيان يصارع كيانين، وأي حالة يحصل فيها أي عمل حزبي على غير الصفة الكيانية، أو بإشراك صفة أخرى معها، فإن هذا العمل لا يقتصر على الإخفاق، بل يضعف الحزب في الصراع، ويضعف الصفة الكيانية.

وكيان الحزب لا يعني جهازه، بل هو أشمل من ذلك. نعم إن الأعمال الحزبية تصدر عن أجهزة الحزب، وإن المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقوم عليها هذه الأجهزة جزء من كيان الحزب، ولكنها ليست كيانه. بل كيانه هو هذه المجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات المتجسدة في مجموعة من الناس بوصفهم ناساً لا بصفتهم الفردية.”[1]


[1] دخول المجتمع لحزب التحرير

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة