سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الحادية والسبعون: الفصل بين السلطات في النظام الغربي، وهو مبدأ لا وجود له في الواقع!

 

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

 الحلقة الحادية والسبعون: الفصل بين السلطات في النظام الغربي، وهو مبدأ لا وجود له في الواقع!

 

تتشكل السلطة في النظام الغربي بوجود ثلاثة أنواع من السلطات: السلطة التشريعية، والتي تتمثل بالبرلمان، والسلطة التنفيذية، المتمثلة بالدولة وأجهزتها ووزاراتها، والسلطة القضائية، ويشكل مبدأ فصل السلطات أساسا من الأسس التي ينظِّرون لها للدولة القانونية. وإن من أكبر الخدع التي يمارسها النظام الديمقراطي: ما يسمى بفصل السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية،

وليس المجال هنا للإسهاب في نقضه، وليس الغرض من هذا الكتاب استقصاء كل أوجه الخطأ في هذا النظام الغربي، وإنما الإشارة لأهم ما فيه من التناقضات، وبدراسة الواقع نجد أن السلطة التشريعية فيه تقوم بناء على الانتخابات التي توصل للبرلمان أعضاء يختارهم الناس ممثلين عنهم، وهؤلاء في الدول الغربية دائما يمثلون أحزابا سياسية رئيسية تتصارع على السلطة، فالحزب الذي يحصل على أكثرية برلمانية يقوم بتشكيل السلطة التنفيذية، وهنا يبدأ التداخل الأول بين السلطات، فالتشريعية اختلطت بالتنفيذية!، ومن ثم فإن للحزب الحاكم أن يسن القوانين التي يراها متوافقة مع برنامجه، فيضع مشروع القانون ثم يصوت عليه في البرلمان، وهو يملك أغلبية في البرلمان، فيمر القانون بسهولة، محققا للقيم التي يريد الحزب الحاكم فرضها، فهنا تداخلت السلطة التنفيذية مع التشريعية، ومن أشكال تداخل السلطات أن السلطة التنفيذية الدور الكبير للرئيس في تعين قضاة المحكمة العليا، وعزلهم، وبالتالي فالقضاء الذي يتعين ويتغير بقرار السلطة التنفيذية غير مستقل استقلالا تاما، وكذلك فإن المحكمة الدستورية تراجع القوانين وتمنع القوانين التي تتعارض مع الدستور، وغني عن القول أن الدستور من وضع مجموعة من القانونيين والقضاة وهؤلاء إن قيل يرجع البرلمان للإقرار بدستورهم فهو تجسيد لتداخل السلطات، وعلى كل فتدخل القضاة بسن الدساتير تدخل في السلطة التشريعية، والمشرعون في الحقيقة هم قضاة ومحامون، يصوغون مشاريع القوانين وتعرض على البرلمان للتصويت، فالسلطة التشريعية دورها تصويت لا تقنين، ثم إن القضاء حين يبت في القضايا فإنه ينظر في قضايا مشابهة حكم بها قضاة (كما في النظام الكندي، ينظر هل حكم قضاة في محاكم كندية أو إنجليزية بقضايا مشابهة؟)، وهكذا فالقانون يسري بناء على ما في المحاكم، إلا أن يسن البرلمان قانونا لا يخالف الدستور،

وكذلك تشكل مسألة ثقة السلطة التشريعية بالحكومة أي بالسلطة التنفيذية أو سحب الثقة فتسقط الحكومة، تداخلا بين السلطتين، فالحكومة التي تتعرض للثقة من السلطة التشريعية غير مستقلة،

فإن كان للحزب الحاكم أغلبية بسيطة وارتكز على أحزاب صغيرة ليشكل الحكومة ارتهمت قراراته بها وبإرادتها وفجأة يصبح الحزب الصغير الذي له بضعة نواب يتحكم في قرارات الحكومة لأنه لو انسحب من الائتلاف سقطت الحكومة وهذا شكل آخر من استغلال السلطة وتركزها بيد القلة، وهكذا يمكن ضرب عشرات الأمثلة التي تبين تداخل السلطات وتركيزها بيد القلة. وهكذا تجد السلطات تتداخل ولا يمكن فصلها عمليا.

وسنجد ثلاثة أنواع من التجاوزات لمفهوم الديمقراطية[1]،

الأول: حين يسن الحزب الحاكم قوانين تمثل ما تعهد به في برنامجه الانتخابي، فهذه القوانين قد يقال بأنها تمثل بشكل ما الأغلبية التي أوصلت الحزب للحكم، وهي بالتالي تمثل رأي الشعب، ولها قوة مستندة لهذا التمثيل، إلا أن النظر المتفحص يجد أن الديمقراطية لا تحقق وصول أي من الأحزاب أو الشخصيات للحكم بناء على رأي الأغلبية بل دائما يمثل رأي الأقلية، وبالتالي فالقوانين هذه التي توافقت مع البرنامج الانتخابي لا تمثل رأي الأغلبية،[2]

والنوع الثاني من القوانين تلك التي يسنها الحزب الحاكم نتاج وجوده في السلطة مما لم يكن ضمن برنامجه الانتخابي، وهذا يمثل أغلبية القوانين، والحزب بهذا يستغل ثقله البرلماني وقدرته على فرض القوانين، ولا يرجع في أي من هذه القوانين لرأي الناس، ولا يشكل انتخابهم له معنى موافقتهم على تلك القوانين! وهذا هو عين تجاوز الديمقراطية وسوء استغلال السلطة، والتحكم في الناس، وكمثال على هذا، فإن الحزب الحاكم في بعض الدول الغربية المتقدمة ديمقراطيا قام بفرض قانون يقضي بإنشاء نواد للمثليين في كل المدارس (الإعدادية والثانوية) في الولاية بحيث يدخله الطالب باختياره ولا يحق للمدرسة أن تبلغ الأهل عن توجهات ابنهم أو ابنتهم الجنسية، ولا ممارساتهم فيها، وفي ولاية أخرى قام بفرض إدخال التعليم الجنسي بشكل قذر للمدارس من المراحل الابتدائية الدنيا، رغم المعارضة الشديدة من قطاعات واسعة من المجتمع ومن المدارس الدينية، وهذه القوانين لم تكن ضمن البرنامج الانتخابي، ولم تخضع لأي استفتاء شعبي عليها، فهذا مثال على استغلال السلطة، وعلى تداخل السلطة التنفيذية مع التشريعية بشكل فج.

والنوع الثالث: كذلك فإنك ترى أن الأحزاب السياسية تضع برامجها وتصوراتها، وتمنع أعضاءها ومن يدخلون حمأة الانتخابات ممثلين لها، تمنعهم من تبني أي رأي مخالف لتلك التصورات، فمثلا في الحزب الليبرالي الكندي نجد أن بعض المرشحين في الانتخابات حين سألتهم الصحافة عن رأيهم في المثلية الجنسية، وأبدوا آراء مخالفة لرأي الحزب قام الحزب بطردهم، وهكذا، فالنواب الذين يدخلون البرلمان، والذين سيصوتون على مشاريع القوانين لا يملكون أن يخرجوا عن تصورات الأحزاب التي يمثلونها (إلا فيما ندر وفيما هو من الدرجة الثانية من الأهمية من القوانين)، فإن الناظر المتفحص يجد أن القوانين التي تسنها الأحزاب إنما تمثل رأي قلة مسيطرة على تلك الأحزاب تضع تصوراتها، وتضع القوانين التي تحقق هذه التصورات في الواقع، وهذا يمثل قمة الاستبداد التشريعي في ثياب دولة قانونية!


[1] تذكر أننا قلنا ما يلي: الديمقراطية تقوم على ثلاثة أسس رئيسة: أولها: تحكيم رأي الأغلبية في المجتمع، وثانيها: منع تركز السلطات بيد الأقلية، أو استغلالها، وثالثها: تمثيل السلطات لرأي الشعب،

[2] يرصد موقع:  http://www.electionresources.org  نتائج الانتخابات حول العالم، ونسبة المصوتين، والنسبة التي فاز بها المرشح، وكانت أكبر نسبة مشاركة في انتخاباتٍ هي تلك التي في قبرص، شارك أكثر من 83 بالمائة من الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات، وإليك جدول يبين النسبة التي فاز المرشح نيكوس أناستاسيدس بها بالانتخابات الرئاسية، وهي نسبة الذين زُعم بأنهم أغلبية، لكنها في الواقع تمثل 36.7% من نسبة أصوات الناخبين، فهي قطعا ليست بأغلبية كما يزعم النظام الديمقراطي، وبناء على هذه النسبة فاز المرشح:

الانتخابات التاريخ الناخبون: المصوتون نسبة التصويت الفائز عدد الأصوات نسبة لأصوات المصوتين نسبة لأصوات الناخبين
الانتخابات الرئاسية القبرصية 17 فبراير 2013 545،491 453،534 83.1% Nikos Anastasiadis 200،591 45.5%

36.7%

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة