كيف تحبطُ دولةُ الخلافةِ محاولات إجهاضها حين نشوئها؟

 

في أوائل الخمسينات لم يكن عامة المسلمين يصدقون أن بإمكانهم العودة إلى الخلافة أو إعادة إقامتها، ولم يكونوا يفهمون من عبارة (العودة إلى الإسلام) إلا العودة إلى العبادات والأخلاق.

كان طغيان الأفكار الاشتراكية والقومية والوطنية عارما، وكان يُشاع أن الإسلام رجعية، وما لبثت تلك الأفكار أن اندحرت وتخلص العالم الإسلامي من أوحالها…

وبفضل الله وتوفيقه ثم بفضل العاملين بوضوح وتصميم وُجدت في الأمة فكرة إقامة الدولة الإسلامية، ثم بشكل محدد أكثر (دولة الخلافة الإسلامية). وتقلبت الظروف وتحولت فكرة إعادة الخلافة إلى قناعة فأمل فعمل فحركة جارفة. وحين رفعت الجزائر شعار الدولة الإسلامية في انتخابات سنة 1991 التفّ الشعب الجزائري (الذي كانت فرنسا ظنت أنها حولته إلى ثقافتها حين حكمته 130 سنة) عن بكرة أبيه حول هذا الشعار، ومن ذلك موقف الأمة الإسلامية كلها من الثورة التي رفعت شعار التغيير على أساس الإسلام في إيران سنة 1979، وموقفها من الاستفتاء الذي أجري على الدستور في مصر سنة 1980، وموقفها من الانتخابات النيابية في كل من الأردن سنة 1989 والجزائر سنة 1990، وهكذا في كل مرة وما يكون للمسلمين أن ينتخبوا ويختاروا ما بين “إسلامي” وغيره، في نقابات أو جمعيات أو مؤسسات، أو غيرها إلا فاز “الإسلامي” بدون أدنى عناء، واشرأبت الأعناق نحو صحوة إسلامية، وصارت فرائص الكفار في الغرب ترتعد فَرَقاً من عودة الإسلام إلى حلبة الصراع الدولي، وصاروا يحاربون دُعاةَ الإسلام بأنهم (متطرفون وإرهابيون وأصوليون).

وبلغ من شدة خوف الأنظمة من فكرة الخلافة، ودعوة الخلافة، وحزب التحرير أن أضحى “جرم” توزيع نشرة من نشرات حزب التحرير كفيلاً بوضعك بالسجن لمدة 3 سنوات في الأردن، وأكثر من 10 سنوات في تركيا[1]، وأكثر من 20 سنة في روسيا، ووضعك تحت التراب في أوزبيكستان وقرغيزستان، وكفيلة بإعدامك في ملعب إحدى جامعات ليبيا وأمام الطلاب وأهاليهم في زمن المقبور القذافي (هذا فقط توزيع نشرات، فما بالك بأعمال سياسية أُخرى يقوم بها الحزب؟!)[2]، وبلغ من هلع الأنظمة المارقة من هذا الحزب والدعوة التي يمثلها أن تغلق مدن كاملة بمداخلها ومخارجها لمنع تجمعٍ أو ندوةٍ أو محاضرةٍ يقوم بها الحزب، كما شاهدنا مثلا في ندوات إحياء ذكرى هدم الخلافة في الضفة الغربية، سنة بعد سنة!

في السابق كان أبناء المسلمين الذين يذهبون إلى بلاد الغرب يُفتَنون بحضارة الغرب وأنظمة الغرب، أما اليوم فإنهم صاروا يلمسون خداع الغرب وفساد حضارته وعداوته للإسلام، وهذا جعلهم يتمسكون بإسلامهم وينشطون في العمل من أجل عودة الخلافة الراشدة.

استطلاعات الرأي العام في العالم الإسلامي وتطلع الغالبية الساحقة من الأمة لتطبيق الشريعة:

ثم تواترت وتوالت تصريحات القادة والسياسيين الغربيين، ومراكز الفكر الغربية، محذرين من قرب قيام الخلافة، وقاموا باستطلاعات للرأي العام في العالم الإسلامي[3]، وأرعبهم أن نسب المؤمنين بضرورة تطبيق الشريعة وتوحيد العالم الإسلامي بلغت أكثر من ثلاثة أرباع المسلمين!

ففي نتائج استطلاع آراء مجموعة من رعايا البلاد الإسلامية الذي نفذته منظمة “غالوب” لاستطلاعات الرأي[4]، ضمن مشروعها العالمي في استطلاع آراء العالم – ومنها آراء المسلمين – والمنشورة على موقع مركز “غالوب” لدراسات المسلمين في 25/7/2008:

الخصال موضع السؤال نسبة الإيرانيين الموافقين أن الشريعة تحقق تلك الخصال نسبة المصريين الموافقين أن الشريعة تحقق تلك الخصال نسبة الأتراك الموافقين أن الشريعة تحقق تلك الخصال
تحقيق العدالة للمرأة 76% 97% 69%
تحد من سلطات الحاكم 46 49 23
تحمي الأقليات 65 85 51
تحفظ حقوق الإنسان 76 97 62
تخفض مستوى الجريمة 76 94 68
تخفض من الفساد 77 لم يشمل 70
تجلب العدالة الاقتصادية 78 94 55
تجلب قضاء عادلا 80 96 63
تجلب ازدهارا علميا 59 96 52
تسمح للناس أن يقولوا كلمتهم في حكومتهم 61 لم يشمل 53

 

64% من المصريين المستطلعة آراؤهم رأوا أن تكون الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع،

وفي استطلاع في 10 كانون الأول/ديسمبر 2007[5]، شمل بلدانا مثل إندونيسيا، وباكستان وتركيا وإيران ومصر، وجدنا النتائج التالية:

الخصال موضع السؤال الأتراك المصريون الإيرانيون إندونيسيا باكستان
الشريعة مصدرا من مصادر التشريعات 28 25 62 51 25
الشريعة المصدر الوحيد للتشريع 8 64 13 13 52
الشريعة ليست من مصادر التشريع 41 2 12 8 5

 

وفي استطلاع بتاريخ 8 آذار/مارس 2008[6] نجد النتائج التالية: الغالبية العظمى من المستطلعة آراؤهم رفضوا أخذ النموذج الديمقراطي الغربي، وإنما رأوا نموذجا “ديمقراطيا منبثقا من الإسلام”، لا من القيم الغربية، ثم حين تم الاستطلاع حول الشريعة كمصدر وحيد للتشريع، وجدت النسب التالية: 54% من الرجال و55% من النساء في الأردن، 70% من الرجال و62% من النساء في مصر، في إيران 12% من الرجال و14% من النساء، في إندونيسيا 14% من الرجال و14% من النساء.

من الواضح إذن، أن سؤالهم حول جعل الإسلام مصدرا من مصادر التشريع، إذا ما ضممنا إليه سؤالهم حول مصادر القيم الديمقراطية، ورفض غالبية المجيبين أن تكون من القيم الغربية، فإننا متأكدون أنهم أيضا يرفضون القوانين الفرنسية والرومانية والإنجليزية مصادر للتشريع! فالذي يرفض القيم الغربية أساسا للديمقراطية ويصر على أن تكون القيم الإسلامية هي التي تصوغ شكلها، أشد رفضا للقوانين الفرنسية والإنجليزية! خصوصا في ظل إيمان الغالبية الساحقة من المسلمين أن أنظمة الحكم التي تحكمهم بتلك القوانين الغربية المنشأ، بالغة السوء والفساد وعدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من حقوقهم، إذن، لنا أن نقول بأننا متأكدون تماما أن الغالبية الساحقة من المسلمين تريد الاحتكام إلى الشريعة وحدها، وتريد قيام دولة على أساسها!

عام 2006، أيد – مثلاً – 93% من الأردنيين أن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، وفي مصر أيد 90% من المصريين دور الشريعة بالتشريع، كما أيد ذلك 81% من الباكستانيين، تتشابه هذه النتائج بين البلاد الإسلامية المشمولة في العينة، مثل: بنغلاديش، والمغرب، وإندونيسيا، وإيران، وفي المجمل كان المعدل العام هو 79% للذين يؤيدون أن يكون للشريعة دور في التشريع في الدول العشر التي استَطْلَعت آراءها “غالوب” في ذاك العام.

ولم تختلف هذه النتائج عن استطلاعات الرأي ما بعد الثورات العربية، والتي نفذتها “بيو PEW”[7] في نفس فكرة استطلاعات “غالوب”، حيث سألت في ربيع 2011 عن مدى موافقة بعض الشعوب الإسلامية المشمولة بالعينة على العبارات: “القوانين يجب بشدة أن تتبع تعاليم القرآن”، أو “القوانين يجب أن تتبع قيم ومبادئ القرآن، ولكن بدون تشدد”، حيث أيدت الغالبية العظمى في أكثر البلدان بأن تتبع القوانين تعاليم القرآن سواء بشكل “متشدد “Strictly أو بدون تشدد، فمثلاً: أيد ذلك 98% من الباكستانيين، و95% من الأردنيين، و89% من المصريين، و66% من الفلسطينيين[8]. ولدينا استطلاع من بيو للأبحاث حول فكرة أن يسيطر القرآن على قوانين الدولة بشكل صارم أو أن تستمد القوانين من قيم ومبادئ الإسلام أجرته بيو للأبحاث في 2011 وأرقامه كما في الجدول أدناه[9]:

وفي استطلاع عالمي سأل فيه مركز بيو للأبحاث[10] المسلمين في العالم حول رغبتهم في جعل الشريعة الإسلامية قانون الدولة، جاءت النتائج كما في الصورة أدناه:

وهذه صورة لنتيجة استطلاع الرأي حول من يريد تطبيق الحدود وما فيها من عقوبات بدنية على الجرائم كالسرقة يعني قطع اليد[11]:

وفي سؤال هل من الجيد أم السيئ أن تشريعات البلاد الحالية ليست من الشريعة الإسلامية[12] فوجدنا اعتبار الناس أن ذلك الأمر سيئ، وبنسب كبيرة أيضا: نذكر منها 47% في روسيا، مقابل 10% يرون ذلك جيدا، ونجد مثلا 47% يرونه سيئا في قرغيزستان، مقابل 27% يرونه حسنا. كانت النتائج التالية:

وحين تفتت الاتحاد السوفياتي السابق، كان حزب التحرير يسابق الزمن ليملأ الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه ذلك التفتت، ويتلقف هذه الجموع المسلمة التي خرجت من عقود من الاضطهاد الممنهج ضدها من قبل تلك الدولة المجرمة، وهي تتحرق لإسلامها، فاشتد عود الدعوة، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، وقابلتها حكومات أوزبيكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وغيرها بأشد أنواع البطش والإجرام، وامتلأت السجون بحملة الدعوة لإقامة الخلافة، وألجأ نشاط هذه الدعوة رئيس روسيا بوتين مرات ومرات ليحذر الغرب من الخلافة، وأنها في الحديقة الخلفية لروسيا!

وها أنت ترى نسب من يريدون تطبيق الشريعة وإقامة حدودها في روسيا بعد عقود من القمع وحظر أي أشكال التدين، وممارسة سياسات بالغة الشدة ضد المسلمين في روسيا منذ القيصر إيفان الرهيب إلى يومنا الحاضر! فيا له من دين عظيم يتغلغل في النفوس فلا يبلى مع طول الزمن، مهما ادلهمت الخطوب!

ردة فعل الغرب العدائية للعالم الإسلامي تبين إدراكهم مدى قرب قيام الخلافة:

ومن ثم توالت أعمال الغرب العدوانية ضد العالم الإسلامي مخافة أن تقوم الدولة فتنتشر، فتتعرض مصالح الغرب للخطر الشديد[13]، فالانقلاب الفكري الشعوري الذي يشهده العالم الإسلامي أحدث تأثيراً في الساحة الدولية. وقد ظهر هذا التأثير في ناحيتين:

1- إعلان الغرب الكافر على لسان قادته ومفكريه بأن الإسلام قد أصبح هو العدوّ رقم واحد، فالغرب الكافر ينظر للإسلام، كحضارة وكدولة تقوم على أساسه، مصدر خطر حقيقي عليه وعلى حضارته ونظام حياته.

2- على ضوء إدراك الغرب الكافر لحقيقة الواقع الذي أصبحت عليه الأمة والمجتمع في العالم الإسلامي، قام برسم سياسته ووضع خططه وأساليبه لمواجهة هذا المد الإسلامي المتنامي على النحو التالي:

أ- الاحتلال العسكري لمنطقة الخليج والمياه المحيطة بالمنطقة، وإقامة القواعد المتقدمة في تلك المنطقة.

ب- وضع الخطط الأمنية التي تهدف إلى ما يلي:

1- تقوية وسائل السيطرة والتسلط الغربي على بلاد الإسلام.

2- الحيلولة دون أي تحرك إسلامي في المنطقة.

3- إضعاف المنطقة اقتصادياً وعسكرياً:

  • أ‌- التسريع في عقد معاهدات الاستسلام بين الدول العربية وكيان يهود في فلسطين[14].
  • ب‌- الدخول في الفوضى الخلاقة، وإشعال الحروب، والفتن الطائفية، وتدمير المدن الكبرى في العالم الإسلامي وتدمير البنى التحتية لإضعاف قدرة العالم الإسلامي على النهوض في وجه الغرب الكافر.
  • ت‌- تمييع المجتمع من ناحية الإسلام ليسهل عليه إخراج الإسلام منه، ودور الإعلام والترفيه في ذلك.
  • ث‌- تمييع قضية المسلمين المصيرية عن طريق نماذج الحكم الإسلامي المشوه.
  • ج‌- السيطرة الكاملة على المنطقة ككل في جو من عدم الاستقرار السياسي.
  • ح‌- إعلان الحرب على الإسلام والمسلمين في كل مكان وبمختلف الوسائل والأساليب.

فهذه دلائل على أن الأمة الإسلامية قد قطعت المراحل الأولى في رحلة العودة إلى الخلافة بشكل جيّد، ولا شك أن طريق النهوض والانعتاق من التبعية سيمر بمراحل من المآسي والمخاضات العسيرة. فالأمة الآن بمختلف أحزابها وحركاتها الإسلامية، وبمختلف مذاهبها، وعلى مدى الساحة في البلاد الإسلامية وحيثُ وجدوا في بلاد العالم بأسره، كلهم في غاية التحرّق لرؤية راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ترفرف فوق ربوع العالم الإسلامية بل فوق ربوع العالم. وقد وصل الحال في بعض هذه الحركات أنها قررت إقامة الخلافة والحكم بما أنزل الله ولو باستعمال السلاح ضد الحكام الذين يرفضون ذلك، كما وصل الحال بأمريكا أن تستبق قيام الخلافة بمحاولات استخباراتية بإقامتها عن طريق تنظيمات مخترقة، أو استغلال انعدام الوعي السياسي، والمشروع الفكري الناهض لدى تلك التنظيمات لتشويه صورة الخلافة في أذهان المسلمين!

نجاح باهر في إيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام في العالم الإسلامي

إن المدقق في واقع الأمة والمجتمع في العالم الإسلامي اليوم، يدرك أن حملة الدعوة الإسلامية قد نجحوا بحمد الله تعالى وتوفيقه في إيجاد الرأي العام المنبثق عن وعي عام عند الأمة على الإسلام وفكرة الخلافة وتطبيق الشريعة، وتوحيد العالم الإسلامي في دولة واحدة[15]. لا يستطيع أحد أن يماري في تلك الحقيقة، أي أن عملية الانقلاب الفكري والشعوري في المجتمع تحققت مما سيفضي إلى التمكن من تحقيق الانقلاب السياسي بشكل طبيعي وحتمي بإذن الله.

لذلك فإن الرأي العام المنبثق عن وعي عام يسير بخطا حثيثة نحو تبني الأمة الإسلامية كلها بوصفها أمة قضية الإسلام المصيرية. “إن الرأي العالم المنبثق عن وعي عام له مدلول لا بد من الوعي عليه، لأنها مسألة اختلط على الكثير من الناس أمرها، وتصوره البعض أنه عمل عام وليس رأياً عاماً، أي انضباط بالإسلام من قبل مجموع الناس، والحقيقة أن معنى هذا القول أن تلمس الأمة بمجموعها ضرورة الاحتكام إلى الإسلام ضرورة لا تدفعهم إليها عاطفة عاصفة أو رغبة آنية ملحة وإنما يدفعهم إدراكهم بأن حياتهم وولاءهم يجب أن يكون للإسلام وحده، وهو أمرٌ لا يعني بالضرورة أن يباشر الناس تطبيق الأحكام الشرعية على أنفسهم، وإنما معناه أن يوجد الولاء للإسلام لا لغيره، وهذا لا يظهر أثره ملموساً في الحياة العملية إلا في التطبيق”.[16]

إذن المشكلة الآن ليست غرس فكرة الخلافة في الأمة فالفكرة قد غُرست ونَبتتْ واستغلظتْ. وليست المشكلة إنشاء حزب أو أحزاب إسلامية أو تقوية هذه الأحزاب، فالغرضُ الأساسي من هذه الأحزاب قد تحقق. المشكلة الآن هي: إذا أقامت الأمةُ الإسلامية الخلافة على منهاج النبوة، هل تسمح لها دول الغرب، وعلى رأسها أمريكا، بالاستمرار؟ وهل تملك دولة الخلافة الناشئة القدرة على حماية نفسها من كيد دول الكفر الاستعمارية؟ هذه هي المرحلة التي وصلتها الأمة الآن؛ استغلظ النبت الذي غرسته يد حزب التحرير بحمد الله تعالى، واستوى على سوقه، وأضحى مشروع الأمة وليس مشروع حزب واحد أو حركة واحدة من الأمة، فالأمة لديها الوعي العام عليه، ولديها الرغبة والأمل بقيامه، ولديها الإيمان بأن دينها، وشريعة ربها هي الضامن بحل مشكلاتها، أما التفاصيل لقيام ذلك المشروع، فلدى الحزب الوعي التام على تفاصيله.

هذا النجاح الباهر بفضل الله تعالى، تم على الرغم من ممارسة الأنظمة الحاكمة سياسة التعتيم الإعلامي التام على حزب التحرير، مما أدى إلى الحيلولة بينه وبين الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمعات التي ينشط فيها، وفي ظلال حملات متواصلة تحاول تشويه فكرة الخلافة والانتقاص من قيمتها من قبل “مفكرين” و”مثقفين” و”محللين” والتي تأتي منسجمة تماما مع الحملة التي يقودها ساسة الغرب ومراكز الدراسات والبحوث الداعمة لها من أجل تشويه مفهوم الخلافة وجعل مسألة إحيائها أمرا محظورا.[17]

وللإجابة عن السؤال الأول نقول: الدول الاستعمارية في العالم وعلى رأسها أمريكا لا تسمح بقيام الخلافة، وإن قامت فستعمل جهدها لهدمها من جديد. هذه حقيقة لا يماري فيها إلا مغفّل.

وللإجابة عن السؤال الثاني نقول بالفم بالملآن وبكامل الثقة: نعم إن الأمة الإسلامية مع دولتها الناشئة تملك القدرة وتستطيع رد كيد الكفار الطامعين إلى نحورهم بعون الله وتوفيقه.

الخطوط العريضة لمخطط إحباط محاولات الغرب إحباط قيام الدولة الإسلامية:

نعرض الآن خطوطاً عريضة لتبيان كيفية العمل، علماً أن عقول المشرفين على الخلافة (الخليفة وأعوانه) أكبر من عقل من يكتب هذه الأسطر، والواقع الدولي في حينه يكون أوضح من توقعاتنا له الآن، هذه الخطوط العريضة تتلخص فيما يلي:

  • خير أمة أخرجت للناس لا تستجدي حقها ولا تناله اختلاساً؛ خير أمة لا ترضى أن تكون في ذيل الأمم، مهيضة الجناح، مستباحة البيضة، وهي تحمل للبشرية خير رسالة تؤهلها للوقوف بكل قوة في وجه هيمنة الحضارة الغربية.
  • إن الأفكار في أية أمة من الأمم هي أعظم ثروة تنالها الأمة في حياتها إن كانت أمة ناشئة، وأعظم هبة يتسلمها الجيل من سلفه إذا كانت الأمة عريقة في الفكر المستنير. أما الثروة المادية، والاكتشافات العلمية، والمخترعات الصناعية، وما شاكل ذلك فإن مكانها دون الأفكار بكثير، بل إنه يتوقف الوصول إليها على الأفكار، ويتوقف الاحتفاظ بها على الأفكار. فإذا دُمِّرَتْ ثروة الأمة المادية فسرعان ما يعاد تجديدها، ما دامت الأمة محتفظة بثروتها الفكرية. أما إذا تداعت الثروة الفكرية، وظلت الأمة محتفظة بثروتها المادية فسرعان ما تتضاءل هذه الثروة، وترتدّ الأمّة إلى حالة الفقر. كما أن معظم الحقائق العلمية التي اكتشفتها الأمة يمكن أن تهتدي إليها مرة أخرى إذا فقدتها دون أن تفقد طريقة تفكيرها. أما إذا فقدت طريقة التفكير المنتجة فسرعان ما ترتد إلى الوراء وتفقد ما لديها من مكتشفات ومخترعات. ومن هنا كان لا بد من الحرص على الأفكار أولاً. وعلى أساس هذه الأفكار، وحسب طريقة التفكير المنْتِجَة تُكْسَب الثروة المادية، ويُسعى للوصول إلى المكتشفات العلمية والاختراعات الصناعية وما شاكلها.[18]

لا شك أن الفكر أمضى قوة من السلاح، وأن الاتحاد السوفياتي في أوج قوته وامتلاكه أسلحة كافية لتدمير الأرض كلها سقط في سويعات بسقوط المنظومة الفكرية التي قام عليها بعد أن وهن إيمان الشعب بها، وأن الرسول ﷺ أقام الدولة الإسلامية في المدينة قبل أن ينقل إليها التكنولوجيا والأسلحة، أقامها بالفكر، وما هي إلا عشر سنوات حتى هاجمت أعظم إمبراطوريتين في الأرض وقتها، فقضت على الإمبراطورية الفارسية في زهاء عشر سنوات، وهزمت الإمبراطورية البيزنطية في الشام هزائم نكراء. من هنا، فإن العمود الأهم والركيزة الأقوى في بناء أي دولة هي أساسها الفكري، وهذا الأساس الفكري للدولة الإسلامية بما في الإسلام من قوة فكرية كفيل بضمان انتصارها!

  • وقد فشل الغرب الكافر أيما فشل في أن يبدل دين الأمة، أو يهز ثقتها بدينها، أو أن يقدم لها البديل، فالأمة رفضت اختيار العلمانيين في مصر، وتنظر إليهم بأنهم مصدر الفساد في باكستان وبنغلادش، وكل الأنظمة العلمانية في المنطقة تستند لقوة العسكر أو العمالة، ولم تنجح أمريكا بتسويقهم إلا من خلال النموذج التركي الذي يحاول لبس عباءة الإسلام أو هكذا ينظر إليه من يؤيده من المسلمين ظنا منهم بأنه يتدرج لتطبيق الإسلام، ولكن العلمانية نفسها فشلت أيما فشل، ولا بد للدولة من أساس فكري، وحين فشل الغرب الكافر بتأسيس أساس فكري للدول في العالم الإسلامي، فإنه يكون وضع أهم المسامير في نعش مشروعه لتعطيل قيام الدولة الإسلامية القائمة على فكر راسخ لدى الأمة! “ومن المؤشرات التي تدل على ذلك أن عملية ترويج وتسويق تشريعات الكفر وأفكاره في بلاد المسلمين لا يُكتب لها النجاح إذا لم تصبغ بصبغة إسلامية، وإذا لم تُروِّج لها عمائم إسلامية باعت دينها بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين”[19].
  • ليس ثمة أقوى من فكرة آن أوانها[20]: في مقال نشرته «مؤسسة مناهَـضة الحرب» في 23/6/2006 بقلم باتريك بوشانان المستشار الكبير السابق للرؤساء نيكسون وفورد وريغان، بعنوان «فكرة آن أوانها» تتكلم عن أن عملية إحياء للإسلام تجري اليوم، وأن فكرة الحكم الإسلامي تتوطد عراها بين المسلمين بالرغم من مقاومة الغرب الشديدة… ويدعو أمريكا إلى انتهاج سياسة جديدة في تعاملها مع المسلمين. ومما جاء في المقال: “لقد كان بيلوك متنبئاً، فبينما تبدو (المسيحية) وكأنها في حالة موت في أوروبا، فإن الإسلام ينهض ليزلزل القرن الواحد والعشرين، كما فعل قبل عدة قرون سابقة. فعلاً، عندما نشاهد القوات المسلحة الأمريكية، وهي تحارب السنة الثائرة على السلطة والمجاهدين الشيعة والجهاديين في العراق، وطالبان الخارجة على القانون، وهم يبتهلون إلى الله، تعود إلى أذهاننا كلمات فيكتور هيغو: “إن قوة أي جيش لا تضاهي انبعاث فكرة آن أوانها”.

إن الفكرة التي يعاديها كثير من المناوئين هي فكرة تفرض نفسها، فهم يعتقدون أن هنالك إلهاً واحداً هو الله وأن محمداً رسول الله، وأن الإسلام أو الخضوع للقرآن هو الطريق الوحيد إلى الجنة. وأن المجتمع الرباني يجب أن يحكم بواسطة الشريعة أي قانون الإسلام. وبعد اختبار طرق أخرى أدت إلى الفشل، فقد عادوا مجدداً إلى موطن الإسلام. إن جَلَدَ الإيمان الإسلامي مدهشٌ حقاً.

لقد بقي الإسلام على قيد الحياة، رغم مضـي قرنـين على الهــزيمة والذل الذي أصــاب الخلافة العثمانية والقضاء على الخلافة في عهد مصطفى كمال. كما تحمَّل الإسلام حكم الغرب لعدة أجيال.

ثم يختم الكاتب مقالته بما يلي:

ما يتوجب على أمريكا أن تدركه، هو شيء غير اعتيادي بالنسبة لنا: من المغرب إلى باكستان، لن تنظر لنا الأغلبية بعد الآن على أننا أشخاص طيبون. إذا كان الحكم الإسلامي فكرة تتوطد عراها بين الجماهير المسلمة، فكيف باستطاعة أقوى الجيوش على الأرض أن توقفها؟ ألسنا بحاجة إلى سياسة جديدة؟[21]

  • ومن دلائل ذلك نجد أن جورج بوش الأب، وهو في أوج جنون العظمة الأمريكية، وحين كان يريد قتال العراق، قام صدام بملامسة الإسلام ملامسة خفيفة في بعض تصريحاته، إذ أشار إلى الأماكن المقدسة في السعودية وإلى أن أمريكا تسيطر الآن على هذه الأماكن وحض المسلمين والعرب على التحرك ضد أمريكا، فظهر الارتباك والرعب على بوش. وبرز ذلك في الخطاب الذي ألقاه بوش في 15/08/1990 في وزارة الدفاع الأمريكية. قال بوش: «إن العمل الأمريكي في الخليج لا يتعلق بالدين أو بالطمع أو بالفروقات الثقافية كما يحاول العراق تصويره». وأضاف بوش: «عن صدام ادعى أنها جهاد العرب ضد الكفار… وهو من استعمل الغاز السام ضد الرجال والنساء والأطفال في بلده، وهو الذي غزا إيران في حرب كلّفت أرواح أكثر من نصف مليون مسلم»، وأضاف: «صدام حول الغنى إلى الفقر بسبب الحرب التي شنّها على المسلمين الآخرين»، وأضاف: «صدام يصوّرها صراعاً بين العرب والأمريكيين، والحقيقة أن صدام هو الذي يهدد الآن الأمة العربية في حين إننا نسعى إلى مساعدة أصدقائنا العرب»، وأضاف: «نحن لسنا وحدنا ضد صدام بل تقف معنا الدول العربية و(الإسلامية) المحيطة به».

إن هذه العبارات من بوش تدل على أنه يرتعد خوفاً من تحول المواجهة بين أمريكا والعراق إلى مواجهة بين أمريكا والعرب ويخاف أكثر وأكثر من تحولها إلى مواجهة بين أمريكا والمسلمين. ولذلك كرر كلمة العرب والمسلمين مرات كثيرة وحاول أن يصوّر أمريكا أنها صديقة العرب وصديقة المسلمين وأن العراق هو عدو العرب وهو عدو المسلمين[22].

  • إن الناس الذين دخلوا مع المسلمين في الصراع الدموي على مر العصور، لم يكونوا يدركون مدى ما للعقيدة الإسلامية، أي للفكر، من قوة وتأثير في القوة المادية، ولذلك كانوا يعتمدون على زيادة قوتهم المادية على قوة المسلمين ليهزموا المسلمين، ولكنهم بالرغم من هذه الزيادة في القوة كان المسلمون ينتصرون عليهم رغم ضعف المسلمين وقلة عددهم، ولم تنفع زيادة القوة المادية أصحابها في ميادين الحرب، وظل النصر حليفاً للمسلمين. هكذا كان حال المشركين مع رسول الله ﷺ وأصحابه، وهكذا كان حال الروم والفرس مع الصحابة، يقف ثلاثة آلاف من المسلمين أمام مائتي ألف من الروم في مؤتة، وفي اليرموك كان تعداد المسلمين 36 ألفا مقابل 240 ألفا من الروم، بأسلحتهم ودروعهم وعتادهم الحربي الذي فاق كثيرا ما لدى المسلمين، وكان تعداد جيش الفتح الذي اجتاح فارس 18 ألفا من المسلمين، لم تصمد أمامهم راية، وانهارت مدائن الفرس واحدة تلو الأخرى، وفي القادسية كان المسلمون 30 ألفا، والفرس حوالي 200 ألف، وانتصر المسلمون، وقضوا على الإمبراطورية الفارسية ما بين 11ه، و23ه قضاء تاما. وما خسر المسلمون الحرب إلا مرتين اثنتين ليس غير، إحداهما في الحروب الصليبية قد خسروا الحرب وإن عادوا واستأنفوا الحرب وكسبوها، والثانية في القرن التاسع عشر الميلادي بطوله حتى انتهت بهزيمتهم نهائياً في الحرب العالمية الأولى.
  • هناك حقيقة وهي أن أمريكا خاضت حروبا ضد العالم الإسلامي استنزفتها، وأغرقتها في وحل الديون، لقد بلغت تكلفة الحرب على العراق ثلاثة تريليونات دولار، بحسب جوزيف ستيغلتز الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، قال: “بات من الجلي الآن أن الغزو الأمريكي للعراق كان خطأ فادحا، فثمة نحو من 4000 جندي أمريكي قضوا نحبهم فيه، بالإضافة إلى 58000 آخرين سقطوا ما بين جريح أو متأذ أو مصاب بمرض خطير، ناهيك عن 7300 جندي جرحوا أو تأذوا أو أصيبوا بمرض خطير في أفغانستان، وقد عاد مائة ألف جندي أمريكي من الحرب وهم يعانون من اضطرابات خطيرة في صحتهم العقلية والنفسية، الشطر الأكبر منها ستتحول إلى بلوى مزمنة.[23] وأما الحرب على أفغانستان، فما زالت تكلف الخزينة الأمريكية حوالي 45 مليار دولار سنويا، وبحسب البي بي سي: “وحسب تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية الذي يترأسه أنطوني كوردسمان فإن الكلفة المباشرة للحرب في أفغانستان بما في ذلك المبلغ المخصص لها للعام المقبل قد بلغت 841 مليار دولار. بينما تقول تقديرات أخرى إن هذه الحرب التي دخلت عاما السادس عشر (2017) قد تجاوزت تريليون دولار إذا أخذنا بعين الاعتبار كلفتها غير المباشرة، دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى نهاية قريبة لهذه الحرب. فعلى سبيل المثال ترى نيتا كراوفورد، منسقة مشروع كلفة الحروب في جامعة براون الأمريكية أن كلفة الحروب الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان وباكستان منذ عام 2001 قد قاربت 5 تريليون دولار من بينها 2 تريليون كلفة الحرب الأفغانية بما في ذلك الكلفة المتوقعة مستقبلا”[24].
  • حين أرادت أمريكا خوض حربها ضد العراق قامت بتجنيد كم هائل من المرتزقة، بعد أن يئست من أن يتجاوب الشارع الأمريكي معها فيتطوع لخوض غمار تلك الحرب، فجندت أمريكا 200 ألف مرتزق في حرب العراق[25]، من خلال بضع شركات استفادت من ذلك الوضع مثل شركات: Blackwater USA , DynCorp, Triple Canopy, Erinys and ArmorGroup. وأمريكا لا تملك ضبطا ولا ربطا لجرائمهم، وسلوكهم، وفوق ذلك ولاءهم، خصوصا إذا عرفنا أن قسما كبيرا منهم ليسوا من الأمريكيين، بل من المهاجرين الذين وعدتهم الحكومة وقتها بتحسين أوضاع هجرتهم، وحين رجعوا من تلك الحرب تنكرت لهم، وواجهوا مشاكلهم الصحية والنفسية والمالية بأنفسهم.

هذا، وبحسب بعض التقديرات من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكان، فإن 40% مما ينفق على الحروب الأمريكية تجنيه تلك الشركات الخاصة التي تجند المرتزقة، وهذه تكلفة ضخمة وعبء كبير على كاهل بلد بلغت ديونها أكثر من عشرين تريليون دولار!

إن أي حرب تخوضها أمريكا ضد العالم الإسلامي كفيلة بتقليص قدراتها العسكرية بما يزيد على 20% على أقل تقدير، وهذا يقلص المسافة بينها وبين كل منافسيها في العالم من روسيا والصين، ويضع قدرتها على البقاء مهيمنة عليه على المحك، فهي ولا شك ستخرج خاسرة من الحرب على العالم الإسلامي مهما كانت تلك المحاولة. ولذلك فهي استعانت بإيران وروسيا وتركيا في حربها في الشام، فقامت روسيا بمساعدتها في حربها ضد فصائل وتنظيمات في الشام، وأحرقت الأخضر واليابس فيها، ولكن الوضع مختلف حين تواجه دولة!

  • حين كانت أمريكا تحدث نفسها بضرب إيران إبان البرنامج النووي الإيراني، قام الصحفي المشهور سيمون هيرش[26] بإعداد دراسة عن تلك الحرب، خلص فيها، بعد استشارة خبراء عسكريين واستراتيجيين، أنه لا يمكن حسم نتيجة أي حرب من الجو، ولا بد من المواجهة البرية، وقد استقرأ حروبا كثيرة، لم تحسم بالقصف الجوي مهما بلغت قوته، ومن ثم فإن إرسال الجنود برا في عمق العالم الإسلامي لن يكون مغامرة محسومة النتائج لأمريكا!
  • وحين دخلت أمريكا في حرب ضد العراق، قامت بتجييش 23 دولة معها، واستغرق الإعداد ستة أشهر، ولم يكن لينجح لولا الدعم اللوجستي والانطلاق من قواعد في العالم الإسلامي مثل السعودية والكويت، وهذا كله بفضل عملاء العالم الغربي من حكام المسلمين، ولكن حين تقوم الخلافة إن شاء الله تعالى ستنهار تلك الأنظمة الكرتونية انهيار أحجار الدومينو، فهي أنظمة بالغة الهشاشة، ولا امتداد لها في العالم الإسلامي، ولذلك سيصعب على أمريكا أن تجد لها منطلقا سهلا تنطلق فيه لحرب مصيرية كتلك التي ستحاول من خلالها إجهاض الدولة الإسلامية.
  • لقد أنفقت دويلات الضرار على التسليح مبالغ فلكية، وهناك دول تملك قوة هائلة حقيقية مثل تركيا، وباكستان، ومن طبيعة الجيوش هي أنها تتربى على الطاعة للأوامر، لذلك فإننا إذا استطعنا العمل على إزاحة طبقة العملاء في قيادات الجيوش، والعمل على الاستنصار بالطبقة المخلصة من الضباط المنتمين لهذه الأمة الذين يعتنقون العقيدة الإسلامية، فإن أمر تغير الجيوش لصالح الأمة أسهل من تغير الناس العاديين، لأنهم بطبيعة الحال سيستجيبون للأوامر التي تأتيهم من الطبقة المخلصة، والدولة التي تمتلك مضادات للصواريخ وللطائرات، وضباطا متدربين أصحاب خبرات عسكرية، يصعب الانتصار عليها بقصفها من الجو، ويصعب احتلالها، وإن احتلال المدن الرئيسية في العالم الإسلامي كبغداد والقاهرة وإسطنبول وإسلام أباد ليس برحلة سياحية سهلة! ومرة أخرى لا تصح المقارنة بين ما جرى على الأنظمة المهترئة وبين الدولة الإسلامية المخلصة!
  • تمتلك الأمة الإسلامية ثروات هائلة ليس بمقدور العالم التخلي عنها، من ذلك مثلا المخزون الهائل من الطاقة، وما بين قيام الخلافة ومحاولات القيام بحرب ضدها، تكون الخلافة قد قطعت تلك الإمدادات عن العالم كله، فتستفحل الأزمات الاقتصادية، وتتعطل الحياة في الغرب بحيث تتعرض حكوماته لضغوط شعبية هائلة، فتمد دولة الخلافة يدها لإقامة تحالفات استراتيجية مهمة مقابل تلك الطاقة، فتقسم المعسكر المناوئ قسمين وتجعل مهمة القسم المعادي بالغة الصعوبة. وتتعاقد مع علماء وشركات عابرة للقارات على إنشاء صناعات ومراكز أبحاث أو شراء معدات لازمة، وتبدأ رحلة التصنيع الثقيل ونقل التكنولوجيا.
  • تتحرق الشعوب الإسلامية للخلاص من حكامها وأنظمتها التي سامتها الويلات، وتتحرق للانعتاق من أوضاعها الكارثية التي وصلت إليها، وتتربص بتلك الأنظمة، وتتحرق شوقا للانقضاض عليها، وتنظر إلى التغيير بعين الترقب والأمل، وترى وحدتها مصدر قوتها، وحين تسقط تلك الأنظمة، فإنها لن تجد من يناضل عنها لإعادتها، وستجد الأمة تلتف لمنع الرجوع للوراء تابعة للغرب الكافر، ومع الأخذ بالاعتبار أن تلك الأنظمة بالغة الهشاشة والاهتراء، وسهلة السقوط، لذلك فإن انتشار الدولة الإسلامية وامتدادها حال قيامها سيعطيها مساحات واسعة، وبعداً استراتيجيا هائلا، فلا تكون وقتها مجرد عاصمة في بلد ما يمكن غزوها، بل تصبح دولة مترامية الأطراف، وحرب مثل هذه الدولة ليست نزهة سريعة، ولا حربا خاطفة. والمسلمون لا يتعاطفون الآن مع الأنظمة القائمة في بلادهم، لأنها فُرضت عليهم دون إرادتهم، وهي تناقض عقيدتهم وشريعتهم. وهي بدل أن ترعى شؤونهم تأكلهم، وبدل أن تحافظ عليهم تظلمهم وتذلهم وتكمّ أفواههم. فلا يصح أن نقيس موقف المسلمين من دولتهم الإسلامية على موقفهم من دول الكفر والظلم القائمة الآن. وإذا كان الموقف ليكون وقتها هو هو بعد قيام الدولة، فلا تكون الدولة دولة إسلامية ولو تسمّتْ بهذا الإسلام! وعندئذ ستكون دولة بوليسية تحتاج إلى حماية من شعبها وليس فقط من الدول الخارجية.

إن الدولة التي يحتضنها شعبها لا يمكن إسقاطها بمجرد إسقاط حاكمها، لأن كل فرد فيها يشعر بالمسؤولية ويدافع عنها من الموقف الذي هو فيه تحقيقاً لقول المصطفى ﷺ: «أَنْتَ عَلَى ثَغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الإِسْلَامِ فَلَا يُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ» وذلك كالجند في المعركة إذا سقط حامل الراية فسرعان ما يخف غيره لرفعها كي تستمر مرفوعة. هذا الالتفاف من الأمة حول دولتها، وهذا الشعور بالمسؤولية تجاهها، وهذا التصميم الرائع الراسخ على الدفاع عنها الذي يصل إلى جعلها قضية مصيرية تحيا وتموت من أجلها: هذا هو الذي يجعل الدولة الإسلامية تستمر رغم أنف الخصوم.

الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه «أمريكا والفرصة التاريخية» الصادر في سنة 1992 يلفت نظر الغرب مؤكداً على هذه الحقيقة بقوله: «هناك عنصران مشتركان فقط في العالم الإسلامي: الدين الإسلامي، ومشاكل الاضطراب السياسي، والإسلام ليس ديناً فقط بل هو أيضاً الأساس لحضارة كبرى، ونحن نتحدث عن العالم الإسلامي ككيان واحد ليس لأن هنالك مركزاً سياسياً يوجه سياسته بل لأن الشعوب التي يتكون منها تتشارك في تيارات سياسية وثقافية مصدرها الحضارة الإسلامية. فالتحركات السياسية في مختلف بلاد العالم الإسلامي تجري وفقاً لإيقاع واحد بصرف النظر عن الفوارق بين هذه البلاد. هذه الوحدة في المعتقد وفي السياسة تغذي تضامناً غير متين ولكنه حقيقي: عندما يقع حدث خطير في جزء من العالم الإسلامي يسمع له صدى أكيد في بقية الأجزاء».

  • هناك حقيقة تقول: (إن الشعوب لا تتحرك إلا إذا حُرّكتْ)، وانطلاقاً من ذلك فإن القيّمين على الدولة الناشئة أن يتولوْا تحريك الأمة بأقوى وأسرع ما يمكن. قبل قيام الخلافة لا تكون وسائل الإعلام والتحريك بأيدي دعاة الخلافة ولذلك يكون تأثيرهم في هذا المجال محدوداً. أما حين تقوم الخلافة وتصبح هذه الوسائل بأيدي القيّمين عليها فإن الواجب يحتّم عليهم أن يستثمروا هذه الوسائل وكل الوسائل لتعبئة الأمة وشحن نفوسها. إذ لا نوم ولا راحة بعد اليوم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. الأمة الإسلامية مع دولتها الناشئة في سباق مع الزمن.
  • حين تتدخل أمريكا مع حلفائها وعملائها عسكرياً لهدم الخلافة لا يكون التصدي لها عن طريق الجيش النظامي وحده، بل لا بد أن تشترك الأمة مع الجيش النظامي في صد العدوان. فالجيش النظامي والأمة ستحاربهم بالحرب الشعبية وحرب العصابات.

وهذا التصوّر يوجب على القيّمين على دولة الخلافة أن يبادروا من اللحظة التي تقوم فيها الخلافة إلى:

 

  • استدعاء جميع القادرين على حمل السلاح في الأمة لتدربهم على أساليب الحرب الشعبية وعلى أساليب حرب العصابات، وأن تخضعهم إلى دورات مكثّفة وسريعة تشحنهم خلالها بالإيمان وأفكار الصبر والتضحية والاستشهاد وعدم الفرار، كما تدربهم على مختلف الأساليب والأسلحة اللازمة للحرب الشعبية.
  • توزيع الأسلحة على جميع من تم تدريبهم وأن تربط كل مجموعة بقائد منها من القادة الشعبيين.
  • إخضاع الجيش النظامي كله إلى دورات فكرية – إيمانية – استشهادية قوية وسريعة بحيث تصبح نفسيته واستعداده على المستوى المطلوب من المجاهدين المؤمنين.
  • دعوة أبناء الأمة الذين ليسوا تحت حكم الخلافة لأن يتطوعوا ويأتوا إليها لتقوم بتدريبهم وتأهيلهم للقيام بأعمال لنصرة الخلافة سواء داخل الخلافة أو في أماكن أخرى من العالم.
  • تدريب مجموعات ذات أهلية مناسبة لتنشر فوراً في أنحاء العالم الإسلامي وفي أنحاء العالم للقيام بأعمال الضغط المناسبة لدعم الخلافة.

وفي هذا كله تكون الدولة في سباق حثيث مع الزمن قبل وقوع التدخل العسكري من الأعداء.

  • في هذه الأجواء تكون أنظار العالم مسلّطة على الخلافة وموقف العالم منها. وتكون مشاعر المسلمين في العالم مع خلافتهم وهم مستعدون للتضحية من أجل دعمها وهذا يوجب على دولة الخلافة أن تحسن استغلال هذه الموجة المشاعرية الإسلامية العارمة. وقد رأينا ردود الفعل العنيفة من قبل المسلمين حين كانت أزمة الرسومات الكاريكاتورية من الدنمارك وفرنسا، واشتعال نار الغضب في العالم الإسلامي، وهذا ولا شك يهدد المصالح الغربية في غير بقعة من العالم الإسلامي مما لا يحتمله الغرب.
  • لا يتصور وجود أشخاص أو حركات أو جماعات داخل الدولة الإسلامية تستطيع أن تكون حيادية في هذه المعركة الفاصلة بين الإسلام والكفر. حتى خارج الدولة الإسلامية يصعب تصوّر وجود علماء مسلمين يجهرون بتبعيتهم لأمريكا أو عملاء لأمريكا والغرب كما حصل حين حرب الخليج، لذلك وحين ترى أمريكا وحلفاؤها وقوف الأمة الإسلامية وقفة رجل واحد ومستعدة للموت دفاعاً عن دينها ودولتها فإن أمريكا قد تعدل عن التدخل إلى الحصار الاقتصادي وما شاكله. وليس بالأمر السهل أن تنفذ الحصار في الوقت الذي تتحكم فيه الدولة الإسلامية بموارد طاقة هائلة يحتاجها العالم كله، وبذلك تكون الأمة قد حققت نصراً قبل خوض المعركة العسكرية. وإذا ركبت أمريكا رأسها، فإن الخلافة لا تَسْقط. وصمود الأمة سيغْلِب الدولَ المعتدية ويَغْلِبُ عملاءهم الذين يحاولون تنصيبهم. ولن تتعاون الأمة مع أي عميل ينصبه الكفّار حاكماً للمسلمين، حتى إن حرسه سيقدم على تصفيته. وإذا أرادت أمريكا أن تضع له حرساً من جنودها فإن الأمة ستصطاد العميل وحرسه كما تصطاد العصافير، وسيخرج الكفّار في النهاية مدحورين.
  • ولقد جرت سنة الله تعالى الإلهية بنصر من ينصره، وقد وعد الله تعالى، ووعده حق بنصر المؤمنين واستخلافهم والتمكين لدينه، ومن كان الله تعالى ناصره فلا غالب له!

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ[27]

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ثائر سلامة (أبو مالك)

================

[برنامج  شؤون الأمة]
“كيف تحبط دولة الخلافة محاولات إجهاضها حين نشوئها؟!”
ضيف اللقاء: الباحث والمفكر الإسلامي ثائر سلامة (أبو مالك)
أجرى اللقاء: الشيخ عدنان مزيان

السبت، 09 ربيع الأول 1440هـ الموافق 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2018م

للمزيد اضغط هنا

 


[1] في تركيا مثلا، على مدار عقد ونصف بلغت الأحكام بالسجن على شباب حزب التحرير ما مجموعه 1621 سنة من السجن (انظر: بيان صحفي العقوبات الثقيلة الصادرة بحق شباب حزب التحرير لن تزيدهم إلاَّ إيمانا وتسليما! الجمعة، 08 آذار/مارس 2013م)

[2] محمود ممتاز

[3] (رويترز) – أظهر استطلاع موسع جديد أن أغلبية كبيرة في العالم الإسلامي تريد تعاليم الشريعة الإسلامية قانونا رسميا في بلادهم.

الإسلاميون والحكم.. رؤية من منظور استطلاعات الرأي

[4] https://news.gallup.com/poll/109072/Many-Turks-Iranians-Egyptians-Link-Sharia-Justice.aspx

[5] https://news.gallup.com/poll/103129/Turks-Odds-Over-Islamic-Law.aspx

[6] https://www.gallup.com/press/178982/muslims-democracy-theocracy.aspx

[7] http://www.pewglobal.org

[8] الإسلاميون والحكم.. رؤية من منظور استطلاعات الرأي

[9] http://www.pewglobal.org/2012/07/10/chapter-3-role-of-islam-in-politics/

[10] http://www.pewforum.org/2013/04/30/the-worlds-muslims-religion-politics-society-beliefs-about-sharia/

[11] http://www.pewforum.org/2013/04/30/the-worlds-muslims-religion-politics-society-beliefs-about-sharia/

[12] http://www.pewforum.org/2013/04/30/the-worlds-muslims-religion-politics-society-beliefs-about-sharia/

[13] من ذلك مثلا: تحت عنوان “أوروبا ـ الخلافات الجديدة” نشرت صحيفة (Valeurs Actuelles) الفرنسية مقالاً في 19/11/90 تحدثت فيه عن “مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا” ودوره في مواجهة الإسلام: ومما عبر عنه كانت المقال بكل صراحة “مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا هو رسم تمهيدي لوحدة أوروبية ـ أمريكية من سان فرنسيسكو (San Francisco) إلى فلديفستك (Vladidvostok). آلة تتوافق مع القرن الحادي والعشرين لمواجهة تصاعد آسيا والإسلام”.

[14] اتجاه الرأي العام في العالم الإسلامي د. ماهر عبد الجواد، الوعي العدد 93 كانون الثاني 1994.

[15] الرأي المنبثق عن وعي لا يعني بالضرورة أن يدفع صاحبه إلى حمله أو حتى إلى التقيد به، ألا ترون بأن كثيراً من الواعين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف! لذلك لا يسأل هنا أنه ما دام الرأي العام المنبثق عن وعي عام قد تحقق وجوده فعلاً في الأمة والمجتمع فلماذا لا تتحرك الأمة لإسقاط أنظمة الكفر المفروضة عليها وإقامة دولة الخلافة على أنقاضها، ولماذا لا تتحرك الأمة وهي تشاهد حكامها يسارعون في عقد معاهدات الاستسلام والتنازل عن فلسطين لأعداء الله اليهود؟

نعم لا يُسأل عن ذلك لأن تلبس الأمة بالقيام بالأعمال التي تؤدي إلى حدوث الانقلاب السياسي في المجتمع إنما يكون عندما تتبنّى الأمة قضية الإسلام المصيرية قضية مصيرية لها. فموضوع «الرأي العام» غير موضوع «تبني قضية الإسلام المصيرية» وغير موضوع «انقياد الأمة لحَمَلَة الدعوة نحو تحقيق قضية الإسلام المصيرية» فالموضوع الأول يتعلق بالرأي والثاني يتعلق بالتلبس بالقيام بالعمل، كما أن أعمال حمل الدعوة التي تؤدي إلى إيجاد الرأي تختلف عن الأعمال التي تؤدي إلى احتضان هذه الرأي وإلى الانقياد لحملة هذا الرأي، اتجاه الرأي العام في العالم الإسلامي د. ماهر عبد الجواد، الوعي العدد 93 كانون الثاني 1994.

[16] اتجاه الرأي العام في العالم الإسلامي د. ماهر عبد الجواد، الوعي العدد 93 كانون الثاني 1994.

[17] هل حان الوقت ليقول حزب التحرير كلمته!!؟ حسن الحسن، موقع الجزيرة. بتصرف.

[18] مقدمة كتاب: النظام الاقتصادي في الإسلام لتقي الدين النبهاني.

[19] “فالديمقراطية مثلاً لا يُرَوَّجُ لها «الآن» في بلاد المسلمين على اعتبار أنها تعني: أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ولا أنها تعني أن المشرع هو الإنسان وليس الله تعالى. وإنما يُروَّج لها على اعتبار أنها تعني رفع الأحكام القمعية التي تفرضها أنظمة الحكم البوليسي التي تتحكم في رقاب المسلمين وعلى اعتبار أنها هي الشورى. وعلى ذلك فإن الدعاية لترويج وتسويق الديمقراطية في بلاد المسلمين إنما تكون للّفظ دون المعنى الحقيقي الذي تدل عليه. وبالتالي فإن قبول المسلمين للديمقراطية إن وجد فهو قبولٌ لِلّفظ المقترن بالمدلول الإسلامية ليس غير”

اتجاه الرأي العام في العالم الإسلامي د. ماهر عبد الجواد، الوعي العدد 93 كانون الثاني 1994.

[20] إعرف عدوك: فكرة الحكم الإسلام تتوطد عراها بين المسلمين، مجلة الوعي العدد 234-235

[21] An Idea Whose Time Has Come؟ Patrick J. Buchanan

[22] كلمة الوعي: أمريكا ترتعب من الإسلام العدد 41

[23] حرب الثلاثة تريليونات دولار، الكلفة الحقيقية لحرب العراق، جوزيف ستيغلتز، ص 11

[24] الكلفة الفلكية للحرب الأمريكية في أفغانستان بي بي سي 22- آب – 2017.

[25] The Mercenary Revolution: Flush with Profits from the Iraq War,

[26] The Iran Plans, Our Men in Iran؟, Iran And the Bomb, Shifting Targets, the next act, last stand.

[27] أين وصلت الأمة في رحلة العودة إلى الخلافة؟ الوعي العدد 75، بتصرف كبير.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة