المادة -34-

المادة 34 –  طريقة نصب الخليفة هي البيعة. أما الإجراءات العملية لتنصيب الخليفة وبيعته فهي:

أ –  تعلن محكمة المظالم شغور منصب الخلافة.

ب – يتولى الأمير المؤقت مهامه ويعلن فتح باب الترشيح فوراً.

ج – يتم قبول طلبات المرشحين المستوفين لشروط الانعقاد، وتستبعد الطلبات الأخرى، بقرار من محكمة المظالم.

د – المرشحون الذين تقبل محكمة المظالم طلباتهم، يقوم الأعضاء المسلمون في مجلس الأمة بحصرهم مرتين: في الأولى يختارون منهم ستة بأغلبية الأصوات، وفي الثانية يختارون من الستة اثنين بأغلبية الأصوات.

هـ – يعلن اسما الاثنين، ويطلب من المسلمين انتخاب واحد منهما.

و –  تعلن نتيجة الانتخاب ويعرف المسلمون من نال أكثر أصوات المنتخبين.

ز –  يبادر المسلمون بمبايعة من نال أكثر الأصوات خليفة للمسلمين على العمل بكتاب الله وسنة رسول الله r.

ح –  بعد تمام البيعة يعلن من أصبح خليفة للمسلمين للملأ حتى يبلغ خبر نصبه الأمة كافة، مع ذكر اسمه وكونه يحوز الصفات التي تجعله أهلاً لانعقاد الخلافة له.

ط – بعد الفراغ من إجراءات تنصيب الخليفة الجديد تنتهي ولاية الأمير المؤقت.

حين أوجب الشرع على الأُمة نصب خليفة عليها، حدد لها الطريقة التي يجري بها نصب الخليفة، وهذه الطريقة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وتلك الطريقة هي البيعة. فيجري نصب الخليفة ببيعة المسلمين له على العمل بكتاب الله وسنة رسوله. والمقصود بالمسلمين هم الرعايا المسلمون للخليفة السابق إن كانت الخـلافة قائمةً، أو مسلمو أهل القطر الذي تقام الخـلافة فيه إن لَم تكن الخـلافة قائمةً.

أما كون هذه الطريقة هي البيعة فهي ثابتة من بيعة المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لنا ببيعة الإمام. أما بيعة المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها ليست بيعة على النبوة، وإنما هي بيعة على الحكم، إذ هي بيعة على العمل، وليست بيعة على التصديق. فـبُـويع صلى الله عليه وسلم على اعتباره حاكماً، لا على اعتباره نبياً ورسولاً؛ لأن الإقرار بالنبوة والرسالة إيمان وليس بيعة، فلم تبق إلا أن تكون البيعة له باعتباره رئيس الدولة. وقد وردت البيعة في القرآن والحديث. قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ)) [الممتحنة 12]، وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)) [الفتح 10]. وروى البخاري قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن يحـيى بن سعـيد قال: أخبرني عُبادة بن الوليد، أخبرني أبي عن عُبادة بن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ». وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «… وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ». وفي مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْـتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». فالنصوص صريحة من الكتاب والسنة بأن طريقة نصب الخليفة هي البيعة. وقد فَـهِـم ذلك جميع الصحابة، وساروا عليه، وبيعة الخلفاء الراشدين واضحة في ذلك.

وأما الإجراءات العملية، التي تتم بها عملية تنصيب الخليفة، قبل أن يُبايَع، فإنها تفهم مما حصل مع الخلفاء الراشدين، الذين جاءوا عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، رضوان الله عليهم، وقد سكت عنها جميع الصحابة، وأقروها، مع أنها مما ينكر لو كانت مخالفة للشرع؛ لأنها تتعلق بأهم شيء يتوقف عليه كيان المسلمين، وبقاء الحكم بالإسلام. ومن تَتَبُّع ما حصل في نصب هؤلاء الخلفاء، نجد أن بعض المسلمين قد تناقشوا في سقيفة بني ساعدة، وكان المرشحون سعداً، وأبا عبيدة، وعمر، وأبا بكر، إلا أن عمر وأبا عبيدة لَم يرضيا أن يكونا منافسين لأبي بكر، فَكَأَنَّ الأمر كان بين أبي بكر وسعد بن عبادة ليس غير، وبنتيجة المناقشة بُويِع أبو بكر. ثم في اليوم الثاني دعي المسلمون إلى المسجد فبايعوه، فكانت بيعة السقيفة بيعة انعقاد، صار بها خليفة للمسلمين، وكانت بيعة المسجد في اليوم الثاني بيعة طاعة. وحين أحس أبو بكر بأن مرضه مرض موت، وبخاصة وأن جيوش المسلمين كانت في قتال مع الدول الكبرى آنذاك الفرس والروم، دعا المسلمين يستشيرهم فيمن يكون خليفة للمسلمين، ومكث مدة ثلاثة أشهر في هذه الاستشارات. ولما أتمها وعرف رأي أكثر المسلمين، عهد لهم، أي (رشَّح) بلغة اليوم، ليكون عمر الخليفة بعده، ولم يكن هذا العهد أو الترشيح عقداً لعمر بالخلافة من بعده؛ لأن المسلمين بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه حضروا إلى المسجد، وبايعوا عمر بالخـلافة، فصار بهذه البيعة خليفة للمسلمين، وليس بالاستشارات، ولا بعهد أبي بكر؛ لأن ترشيحه من أبي بكر لو كان عقداً للخلافة لعمر لما احتاج إلى بيعة المسلمين، هذا فضلاً عن النصوص التي ذكرناها سابقاً التي تدل صراحة على أنه لا يصبح أحد خليفة إلا بالبيعة من المسلمين. وحين طُعن عمر، طلب منه المسلمون أن يستخلف فأبى، فألحوا عليه فجعلها في ستة، أي (رشَّح) لهم ستة، ثم عيّن صهيباً ليصلي بالناس، وليقوم على من رشحهم عمر حتى يختاروا من بينهم الخليفة خلال الأيام الثلاثة التي عينها لهم، وقد قال لصهيب: «… فإن اجتمع خمسة، ورضوا رجلاً، وأبى واحد، فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف …» كما نقل ذلك الطبري في تاريخه، وابن قتيبة صاحب كتاب الإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء، وابن سعد في الطبقات الكبرى، ثم عيّن أبا طلحة الأنصاري مع خمسين رجلاً لحراستهم، وكلَّف المقداد بن الأسود أن يختار للمرشحين مكان اجتماعهم، ثم بعد وفاته رضي الله عنه، وبعد أن استقر المجلس بالمرشحين، قال عبد الرحمن بن عوف: أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم فسكت الجميع، فقال عبد الرحمن أنا أخلع نفسي ثم أخذ يستشيرهم واحداً واحداً يسألهم أنه لو صرف النظر عنه من كان يرى فيهم أحق بها، فكان جوابهم محصوراً في اثنين: علي وعثمان. بعد ذلك رجع عبد الرحمن لرأي المسلمين يسألهم أي الاثنين يريدون: يسأل الرجال والنساء، يستطلع رأي الناس، ولَم يكن رضي الله عنه يعمل في النهار فحسب بل في الليل كذلك. أخرج البخاري من طريق المِسْوَر بن مخرمة قال: «طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ أَرَاكَ نَائِمًا، فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ». فلما صلى الناس الصبح تمت بيعة عثمان. فصار خليفة ببيعة المسلمين، لا بجعلها عمر في ستة. ثم قُتل عثمان، فبايع جمهرةُ المسلمين في المدينة والكوفة عليّ بن أبي طالب، فصار خليفة ببيعة المسلمين.

وبالتدقيق في كيفية مبايعتهم، رضوان الله عليهم، يتبين أن المرشَّحين للخـلافة كانوا يُعلَنون للناس، وأن شروط الانعقاد تتوفر في كلٍّ منهم، ثم يؤخذ رأي أهل الحل والعقد من المسلمين، الممثلين للأمة، وكان الممثِّلون معروفين في عصر الخلفاء الراشدين، حيث هم كانوا الصحابة، رضوان الله عليهم، أو أهل المدينة. ومَنْ كان الصحابة أو أكثريتهم يريدونه بويع بيعة الانعقاد، وأصبح الخليفة، ووجبت له الطاعة، فيبايعه المسلمون بيعة الطاعة. وهكذا يوجد الخليفة، ويصبح نائباً عن الأمة في الحكم والسلطان.

أما حصر المرشحين، فمن تتبع كيفية تنصيب الخلفاء الراشدين، يتبين أن هناك حصراً للمرشحين كان يتم، ففي سقيفة بني ساعدة كان المرشحون أبا بكر، وعمر، وأبا عبيدة، وسعد بن عبادة، واكتفي بهم، لكن عمر وأبا عبيدة لَم يكونا يعدلان بأبي بكر فلم ينافساه عليها، وأصبح الترشيح عملياً بين أبي بكر وسعد بن عبادة، ثم انتخب أهل الحل والعقد في السقيفة أبا بكر خليفةً وبايعوه بيعة الانعقاد، ثم في اليوم التالي بايع المسلمون أبا بكر في المسجد بيعة الطاعة.

ورشح أبو بكر للمسلمين عمر خليفةً ولَم يكن معه مرشح آخر، ثم بايعه المسلمون بيعة الانعقاد ثم بيعة الطاعة.

ورشـح عـمـر للمسلمين ستةً وحصرها فيهم ينتخبون من بينهم خليفةً، ثم ناقش عبد الرحمن بن عوف الخمسة الباقين وحـصـرهم في اثنين: علي وعـثـمـان، بعد أن وكله الباقون. وبعد ذلك استطلع رأي الناس واستقر الرأي على عثمان خليفةً.

وأما علي رضي الله عنه فلم يكن معه مرشح آخر للخـلافة فبايعته جمهرة المسلمين في المدينة والكوفة وصار الخليفة الرابع.

ولأن بيعة عثمان رضي الله عنه قد تحقق فيها: أقصى المدة المسموح بها لانتخاب الخليفة أي ثلاثة أيام بلياليها، وكذلك حصر المرشحين بستة، ثم من بعـدُ باثنين، فإننا سـنذكـر كيفية حدوثها بشيء من التفصيل لفائدتها فيما نحن بصدده:

1 –  توفي عمر رضي الله عنه يوم الأحد صباحاً مستهل المحرم سنة 24 هجرية على أثر طعنه من أبي لؤلؤة لعنه الله، حيث كان عمر رضي الله عنه قائماً يصلي في المحراب فجر الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة 23 هجرية. وقد صلى عليه صهيب رضي الله عنه وفق ما أوصى به عمر رضي الله عنه.

2 –  فلما فـرغ من شأن عمر، جمع المقداد أهل الشورى الستة الذين أوصى لهم عـمـر في أحـد البيوت، وقـام أبو طلـحـة بحجبهم، فجـلسـوا يتشـاورون، ثم وكلوا عبد الرحمن بـن عـوف أن يختار منهم خليفةً وهم راضون.

3 –  بدأ عبد الرحمن نقاشهم وسؤال كل منهم: إن لَم يكن هو الخليفة فمن يرى الخليفة من الباقين؟ وكان جوابهم لا يعدو علياً وعثمان. وبالتالي حصر عبد الرحمن الأمر باثنين من ستة.

4 –  بعد ذلك أخذ عبد الرحمن يستشير الناس كما هو معروف.

5 –  في ليلة الأربعاء أي ليلة اليوم الثالث بعد يوم وفاة عمر رضي الله عنه (الأحد)، ذهب عبد الرحمن إلى دار ابن أخته المسور بن مخرمة، وهنا أنقل من البداية والنهاية لابن كثير:

(فلما كانت الليلة التي يسـفـر صباحها عن اليوم الرابع من موت عمر، جـاء – أي عبد الرحمن بن عـوف – إلى منزل ابن أخته المسـور بن مخرمة فقال: أنائم يا مسـور؟ والله لَم أغتمض بكثير نـوم منذ ثلاث …) أي الليالي الثلاث بعد وفـاة عمر الأحـد صباحاً، أي ليلة الاثنين، وليلة الثلاثاء، وليلة الأربعاء، إلى أن قال: (إذهب فادع إليَّ علياً وعثمان … ثم خرج بهما إلى المسجد … ونودي في الناس عامةً: الصلاة جامعة …) وكان ذلك فجر الأربعاء، ثم أخذ بيد علي، رضي الله عنه وكرم الله وجهه، وسأله عن المبايعة على كتاب الله وسنة رسوله وفعل أبي بكر وعمر، فأجابه علي رضي الله عنه الجواب المعروف: على الكتاب والسنة نعم، أما فعل أبي بكر وعمر فإنه يجتهد رأيه، فأرسـل يده، ثم أخذ بيد عثمان وسأله السؤال نفسه فقال: اللهم نعم، وتمت البيعة لعثمان رضي الله عنه.

وصلى صهيب بالناس الصبح وصلى الظهر من ذلك اليوم، ثم صلى عثمان رضي الله عنه بالناس العصر خليفةً للمسلمين. أي أنه على الرغم من بدء بيعة الانعقاد لعثمان رضي الله عنه عند صلاة الصبح، إلا أن إمرة صهيب لَم تنتهِ إلا بعد بيعة أهل الحل والعقد في المدينة لعثمان، وقد اكتملت قبيل العصر حيث كان الصحابة يتداعون لبيعة عثمان إلى ما بعد منتصف ذلك النهار وقبيل العصر، وقد اكتمل الأمر قبيل العصر، فانتهت إمرة صهيب وصلى عثمان بالناس العصر خليفةً لهم.

ويفسر صاحب البداية والنهاية لماذا صلى صهيب بالناس الظهر علماً بان أمر البيعة لعثمان قد تم عند الفجر فيقول: (… بايعه الناس في المسجد، ثم ذُهِبَ به إلى دار الشورى «أي البيت الذي اجتمع فيه أهل الشورى» فبايعه بقية الناس، وكأنه لَم يُتم البيعة إلا بعد الظهر، وصلى صهيب يومئذٍ الظهر في المسجد النبوي، وكان أول صلاة صلاها الخليفة أمير المؤمنين عثمان بالمسلمين هي صلاة العصر …).

وعليه فإن الأمور التالية يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند الترشيح للخـلافة بعد شغورها (بالوفاة أو العزل …) وهي:

1 –  العـمـل في موضوع الترشيح يكون في الليل والنهار طيلة أيام المهلة.

2 –  حصْـر المرشـحـين من حيث توفر شروط الانعقاد، وهذه تقوم بها محكمة المظالم.

3 –  حصْر المرشحين المؤهلين مرتين: الأولى بستة، والثانية باثنين، والذي يقوم بهاتين هو مجلس الأمة باعتباره ممثلاً للأمة؛ لأن الأمة فوضت عمر فجعلها ستةً، والستة فوضوا من بينهم عبد الرحمن فجعلها بعد النقاش في اثنين، ومرجع كل هذا كما هو واضح هي الأمة أي ممثلوها.

4 –  بعد إتمام الانتخابات والبيعة يُعلن على الملأ من أصبح خليفة للمسلمين حتى يبلغ خبر نصبه الأمّة كافة، مع ذكر اسمه وكونه يحوز الصفات التي تجعله أهلاً لانعقاد الخلافة له.

5 –  تنتهي صلاحية الأمير المؤقت باكتمال إجراءات البيعة التي يديرها، وتنصيب الخليفة، وليس بإعلان نتيجة الانتخاب، فصهيب لَم تنتهِ إمرته بانتخاب عثمان بل باكتمال بيعته.

هذا إذا كان هنالك خليفة مات أو عزل … ويُراد إيجاد خليفة مكانه.

أما إذا لم يكن هنالك خليفة مطلقاً، وأصبح فرضاً على المسلمين أن يقيموا خليفة لهم؛ لتنفيذ أحكام الشرع، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، كما هي الحال منذ زوال الخـلافة الإسلامية في اسطنبول، بتاريخ الثامن والعشرين من رجب 1342هـ، الموافق 3 آذار 1924م، فإن كل قطر من الأقطار الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي أهل لأن يُبايع خليفة، وتنعقد به الخـلافة، فإذا بايع قطر ما من هذه الأقطار الإسلامية خليفة، وانعقدت الخـلافة له، فإنه يصبح فرضاً على المسلمين في الأقطار الأخرى أن يبايعوه بيعة طاعة، أي بيعة انقياد، بعد أن انعقدت الخـلافة له ببيعة أهل قطره، على شرط أن تتوفر في هذا القطر أربعة أمور:

أحدها: أن يكون سلطان ذلك القطر سلطاناً ذاتياً، يستند إلى المسلمين وحدهم، لا إلى دولة كافرة، أو نفوذ كافر.

ثانيها: أن يكون أمان المسلمين في ذلك القطر بأمان الإسلام، لا بأمان الكفر، أي أن تكون حمايته من الداخل والخارج حماية إسلام، من قوة المسلمين، باعتبارها قوة إسلامية بحتة.

ثالثها: أن يبدأ حالاً بمباشرة تطبيق الإسلام كاملاً تطبيقاً انقلابياً شاملاً، وأن يكون متلبساً بحمل الدعوة الإسلامية.

رابعها: أن يكون الخليفة المُبايَع مستكملاً شروط انعقاد الخـلافة، وإن لم يكن مستوفياً شروط الأفضلية؛ لأن العبرة بشروط الانعقاد.

فإذا استوفى ذلك القطر هذه الأمور الأربعة، فقد وجدت الخـلافة بمبايعة ذلك القطر وحده، وانعقدت به وحده، وأصبح الخليفة الذي بايعوه انعقاداً على الوجه الصحيح هو الخليفة الشرعي، ولا تصح بيعة لسواه.

فأي قطر آخر يبايِع خليفةً آخر بعد ذلك، تكون بيعتُه باطلةً ولا تصح؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «… فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَـفْـقَـةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَـلْـيُطِـعْـهُ إِنِ اسْـتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ».

كيفية البيعة

لقد سبق أن بيّـنّا أدلة البيعة وأنها الطريقة في الإسلام لتنصيب الخليفة. وأما كيف تكون، فإنها تكون مصافحةً بالأيدي، وقد تكون بالكتابة. فقد حدّث عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر، حيث اجتمع الناس على عبد الملك، قال: «كتب أني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على كتاب الله وسنة رسوله ما استطعت». ويصح أن تكون البيعة بأية وسيلة من الوسائل.

إلا أنه يشترط في البيعة أن تصدر من البالغ، فلا تصح البيعة من الصغار. فقد حدّث أبو عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وذهبت به أُمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله بايعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هُوَ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ» رواه البخاري.

أما ألفاظ البيعة فإنها غير مقيدة بألفاظ معينة. ولكن لا بد من أن تشتمل على العمل بكتاب الله وسنة رسوله بالنسبة للخليفة، وعلى الطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره بالنسبة للذي يُعطي البيعة. ويصدر قانون بتحديد هذه الصيغة وفق المعطيات السابقة.

ومتى أعطى المبايِـع البيعة للخليفة، فقد أصبحت البيعة أمانة في عنق المبايِـع، لا يَحِلّ له الرجوع عنها، فهي حق باعتبار انعقاد الخـلافة حتى يعطيها، فإن أعطاها أُلزِم بها. ولو أراد أن يرجع عن ذلك لا يجوز. ففي البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن أعرابياً بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصابه وعك فقال: «أَقِلْنِي بَيْعَتِي» فأبى، ثم جاء فقال: «أَقِلْنِي بَيْعَتِي» فأبى، فخرج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا». وعن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ» رواه مسلم. ونقضُ بيعة الخليفة خَلْعٌ لليد من طاعة الله. غير أن هذا إذا كانت بيعته للخليفة بيعة انعقاد، أو بيعة طاعة لخليفة صحَّت بيعة الانعقاد له. أما لو بايع خليفةً ابتداءً، ثم لم تتمّ البيعة له، فإن له أن يتحلل من تلك البيعة، على اعتبار أن بيعة الانعقاد لم تتم له من المسلمين. فالنهي في الحديث مُنصَبّ على الرجوع عن بيعة خليفة، لا عن بيعة رجل لم تتمّ له الخـلافة.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة