دولة الإسلام الخلافة هي من تطبق الإسلام حصريا وليس سواها من أشباه الدول يا خطباء هذا الزمان

جاء على لسان مساعد رئيس جمهورية السودان إبراهيم غندور قوله: (إصرار قطاع الشمال على إلغاء الشريعة الإسلامية، كان السبب في تعليق المفاوضات في أديس أبابا)، وبعده ضجت الصحف بالردود المقحمة المفحمة لما سمي بقطاع الشمال، نأخذ منها على سبيل المثال لا الحصر:

شن إمام وخطيب مسجد الشهيد بالخرطوم، الشيخ عبد الجليل الكاروري هجوماً لاذعاً علی قادة الحركة الشعبية/ قطاع الشمال واتهمهم بالرغبة في معاقرة الخمر من خلال مطالبتهم بإلغاء الشريعة الإسلامية بولايتي “جنوب كردفان” و”النيل الأزرق”، وقال ساخراً خلال خطبة الجمعة 19 كانون أول/ديسمبر 2014م: “إن أرادوا أن يسكروا فهم موجودون في أديس أبابا أو فليذهبوا إلی جوبا ليسكروا هناك”.

وقطع الكاروري بأن “الخرطوم” لن تعود إلی عهد انتشار (البارات)، مشيراً إلی أن العاصمة كان بها (114) باراً. وانتقد طرح إلغاء الشريعة ضمن أجندة مفاوضات أديس أبابا، وقال “هذا دين الأغلبية ولا تصلح فيه المزايدات”.

وأشاد الكاروري بتحطيم الشرطة ثلاثة آلاف زجاجة خمر خلال الأيام الماضية، وقال “هذا لا يحدث إلا في بلد تطبق الشريعة وهو أمر يشفي الصدور”.

البلد التي تطبق الإسلام في شرع الإسلام هي الدولة الإسلامية؛ وهي دولة لها أسسها وقواعدها ولكي تكون دولة إسلامية يجب أن تكون كدولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ التي أقامها اتباعاً له، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [سورة الأحزاب: 21].

أصبحت المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها في السادس عشر من ربيع الأول معقل الإسلام، ومشعل الهداية، ومنطلق الدعوة إلى الله، وعندما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان يسكنها المهاجرون والأنصار واليهود، والمنافقون ولم ينقل أبداً أن الإسلام طبق باعتباره دين الأغلبية! لكن الإسلام يجب تطبيقه لعدالته وإنصافه تقرباً إلى الله منا نحن المسلمين، وكل من دخل تحت سلطانه مسلماً كان أو كافراً له من الحقوق وعليه من الواجبات ما شرعه الحكيم الخبير، وليس أهواء البشر وعقولهم التي لا تحيط بالوجود؛ أي لو كانت الأغلبية مسلمة أو غير مسلمة فلا يؤثر ذلك، بل هنالك بلاد بأكملها حكمت بالإسلام رغم أنها غير مسلمة وتحولت للإسلام مباشرة بعد حكمها به فرأت سماحته وعدله وإنصافه ماثلاً للعيان، فأصبح الإسلام دينها، فإذن ليس شرطاً أن يكون الإسلام دين الأغلبية ليطبق يا ورثة الأنبياء!!! قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. [سورة سبأ: 28]

كما أن الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة ليست هي التي تحطم الآلاف من زجاجات الخمر فقط، بل هي التي تضع الاحتياط عبر قوانينها وسياساتها منع تصنيعها أصلاً، وتحريم وتجريم ذلك، كما تربي أجيالاً عبر مناهج الدراسة والإعلام بأن يكون الامتناع عن الخمر هو الوازع الداخلي، الدافع له تقوى الله سبحانه وتعالى.

أما شفاء الصدور فهو أن دولة الإسلام (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة) هي من يطبق الإسلام حصرياً وليس سواها من أشباه الدول وما هي بدول، والخلافة هي دولة تقوم على الآتي:

1. الدولة الإسلامية دولة مبدئية قائمة على أساس العقيدة الإسلامية في كل شأن داخلي من شؤونها، ولا تخالف هذه العقيدة في أية جزئية. أما دولة السودان (الجمهورية) فهي تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة، والعبرة ليست بالأشخاص في هرم قمة السلطة فحسب، بل بالدستور والقوانين التي نُحكم بها، فهي قوانين تخالف الإسلام جملة وتفصيلاً، ولا أحد يدعي أنها من الإسلام، بل الرجل الثاني في حكومة الإنقاذ؛ النائب الأول للرئيس، علي عثمان محمد طه قالها بكل صراحة وجرأة يجب أن نعيد النظر في شعار (الإسلام هو الحل) كما نقلت صحيفة آخر لحظة. ﴿أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون﴾.

كما أن الدولة الإسلامية يكون أمانها بأمان الإسلام، أي بأيدي المسلمين، هكذا كانت المدينة المنورة؛ دولة الإسلام الأولى، فالقوة كانت متمثلة في الأوس والخزرج، جاء في كتب السيرة عن البيعة في العقبة الثانية أنهم عاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم على حرب الأبيض والأسود من الناس. أما اليوم فإن السودان دولة ليس فيها أمن ولا أمان، فالحروب تشتعل، والقوات الأجنبية تحتل أكبر إقليم وهو دارفور بقوات اليوناميد، وهذا يوقع دارفور ضمن أمان بعثة الأمم المتحدة، وفي ردها على طلب الحكومة لقوات اليوناميد بمغادرة دارفور قالت إنها لن ترضخ على الأرجح لطلب السودان بمغادرة المنطقة قريباً، وسط تصاعد أعمال العنف في الإقليم، وقال رئيس عمليات حفظ السلام هيرفيه لادسو لرويترز (لقد طلبت منا الحكومة وضع استراتيجية للانسحاب)، وتابع (ولكن لن يحدث هذا غداً ونحن نرى الكثير من المعاناة وهذا العام شهد نزوح 430 ألف نازح والخرطوم تعلم أننا لن نغادر قريباً)!
فليكن هناك رد على رئيس عمليات حفظ السلام، رد من صلب عقيدة الإسلام يا شيخ الإسلام.

2. السيادة للشرع والسلطان للأمة، بمعنى أن يكون الشرع الإسلامي وحده هو المطبق على جميع أفراد الرعية وفي كافة مؤسسات الدولة ومرافقها العامة والخاصة، هذه من ناحية السيادة للشرع التي طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعده خير سلف لهذه الأمة نقية بيضاء، وسيطبقها إلى يوم القيامة الرجال الرجال من هذه الأمة، الذين عاهدوا الله على إفراده بالعبودية، والخضوع والتذلل، مطبقين ما يرضيه ويغيظ الكفار والمنافقين، مما أوجد فريقين لا ثالث لهما؛ إما الإسلام أو الجاهلية، إما النور أو الظلام، ولا ضبابية إلا وتنضوي تحت الجاهلية صغرت أم كبرت. وعلى الشيخ أن يتذكر أن الرئيس قد اعترف بنفسه أن الدغمسة هي ما طبق طوال حكم الإنقاذ.

أما ناحية السلطان، فإن الخليفة ينتخبه المسلمون، ثم يبايعونه، لأن السلطان لا يكون إلا بالبيعة، ولا يكون جبراً عنهم، وكانت الانتخابات وسيلة لاختيار الحاكم عند المسلمين منذ بزوغ فجره، وقتها لم يكن يعرف الغربيون ملوكهم إلا آلهة تعبد وتخضع لها الرقاب، فقد تم اختيار الخلفاء الراشدين بحصر ترشيح عدد منهم، ثم يجري التصويت لهم، وليس أدل على ذلك من حادثة تنصيب سيدنا عثمان رضي الله عنه المشهورة، التي لم يكتحل فيها جفن عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بكثير نوم، وهو يطوف على الناس في المدينة رجالهم ونسائهم، أتريدون علياً أم عثمان خليفة.

أما في السودان فقد عمرت حكومة الإنقاذ ربع قرن من الزمان، وفي كل انتخابات يبدون عدم رغبة ترشح عمر البشير، ثم يترشح ويفوز بعد كل الواقع السيئ الذي تبع حكمه لا ندري من يصوت له لعلهم الأشباح!

3. العلاقة بين الحاكم والمحكوم تقوم على الرعاية الكاملة من قبل الخليفة، وعلى الرحمة والمشورة، وعلى التعاون والمساندة من قبل الرعية، وعلى المحاسبة والتصويب إن حصل الخطأ، والسياسة الداخلية في دولة الخلافة هي رعاية شؤون الناس الداخلية؛ المسلمين وغير المسلمين ممن يحملون التابعية، وذلك بأحكام الإسلام العملية؛ التي توفر العدل وحسن الرعاية والكفاية. ومنذ أن هدمت الخلافة وطبقت أنظمة الكفر السياسية في البلاد الإسلامية، انتهى الإسلام من كونه سياسياً، وحل محله الفكر السياسي الغربي المنبثق عن عقيدة المبدأ الرأسمالي، عقيدة فصل الدين عن الحياة. ومما يجب أن تدركه الأمة الإسلامية، أن رعاية شؤونها بالإسلام لا تكون إلاّ بدولة الخلافة على منهاج النبوة، وأن فصل الإسلام السياسي عن الحياة وعن الدين، هو وأد للإسلام وأنظمته وأحكامه، وسحق للأمة وقيمها وحضارتها ورسالتها.

على سبيل المثال دولة السودان، فإننا نسمع جعجة ولا نرى طحناً، فالبشائر بواقع أفضل هي شعارات لا تجد طريقا للتطبيق، بل النتيجة هي تهكمات من المسؤولين على الشعب وأصبحت النظرة المادية هي السائدة، فالمواطن هو رقم في الانتخابات وتحصيل الضرائب، ولا أهمية له ولا رحمة ولا شفقة، وعندما خرجت الجموع لترفض الظلم دُهست وقتلت تقتيلا.

4. المسلمون كلهم في نظر الشرع سواء، فلا يوجد تمييز بين فقير وغني، أو بين شريف ووضيع، ولا يوجد تمييز بين المسلمين وغير المسلمين ممن يحملون التابعية إلا في أمور خاصة ذكرها الإسلام، أما في جمهورية السودان فأفراد الحزب الحاكم هم فوق القانون، بل محميون بالقانون، ولو قدر لأحد أن يملك بطاقة المؤتمر الوطني فقد ملك الدنيا ولكن بغير حقها، أما غير المسلمين فقد فُصلوا باعتبارهم شعباً له ما يميزه، ومن يومها وهم يقتتلون بشراسة الذئاب، فالأولى بدل فصلهم حكمُهم بالإسلام الحق، حتى يعقلوه، فمن دخل فيه نجا من غضب الله وعقابه ومن بقي على دينه لا يفتن عنه: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.

5- تمكين المسلمين جميعاً من كافة الحقوق، وتمكينهم من الانتفاع بالثروة وحيازتها دون تمييز، ومن جميع مرافق الدولة العامة، ومحاسبتهم على واجباتهم تجاه هذه الدولة في كافة الشؤون. أما الحقوق في دولة السودان فمهضومة، والثروة في أيدي حفنة من الناس استحوذت على الثروات المعلن منها؛ 70 مليار عائدات النفط لم يُر لها أثر في حياة الناس.

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


أم أواب / غادة عبد الجبار

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة