الشروق اون لاين: الخلافة الراشدة.. والملك العضوض

 

 

shorrok

2015-03-31

كانت موقعة “صفين” حالة بدء الانشقاق في المسيرة الاسلامية.. انها انفصال البعد الروحي عن البعد المادي في تسيير الحكم والعلاقات.. انها تكدس المصالح الشخصية والقبلية في مواجهة معيار التقوى والانتماء للرسالة.. انها الحرب بين البغي والرشاد كما أخبر محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. بين عصبة الإيمان وعصبية القبيلة.. بين معيار الأسبقية في الإيمان والجهاد والهجرة ومعيار التوارث والتحكم والتملك بالقوة.

وفي الخلافة الراشدة تتجلى عدة مبادئ التزم بها النظام السياسي الإسلامي لتكون هي السمات الأقرب لهدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. ولتكون هي مرجعية اي نظام سياسي يريد ان يسير على هدي النبوة.. ومن المهم هنا ان نسجل ان هذه الخلافة هي إجماع المسلمين وفي البعد السياسي من الشخصية الاسلامية هي العنصر الأكثر وضوحا.. ولئن اختلف التقدير من فئة إلى اخرى حول اشخاص الخلفاء الا انه لا يمكن ان يحال ذلك على رفض هذا الخليفة او ذاك فضلا عن رفض الخلافة.. لأن مثل هذا السلوك لا يستند إلى قول او فعل معتد به في صدر الاسلام والجيل القرآني الفريد.. لقد كانت الخلافة بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليهم رضوان الله وبركاته.. وعمل الأربعة معا ومتتالين لتثبيت معالم الدين والنظام السياسي الذي يقام على قاعدة الإيمان والولاء للرسالة ولعصبية.. الإيمان كما جاء في رد الإمام علي على أبي سفيان عندما جاء ليحرضه على ابي بكر: “أخرج منها يا أبا سفيان ان المؤمنين للمؤمنين أولياء وان المنافقين للمنافقين اولياء”.

كما انه لا يهم كثيرا هنا الإنشغال بفوارق بين الخلفاء بمقدار ما يهم ان نؤكد على طبيعة النظام الذي اسسوه وحافظوا على ترسيخه.. ومن هنا ينبغي لفت النظر إلى التجانس والحرص على وحدة النواة ووحدة الأمة الذي بذله الخلفاء والجيل السابق كله فيما يخص حماية النظام السياسي.. حيث كان أهل الحل والعقد هم ممن بقي حيا من المهاجرين الأولين والأنصار الأولين وأهل بدر.. وكان ذلك يعني اننا ازاء التحرك داخل دائرة الهدى والرشاد.

كان الإمام علي جامعا للصفات والشروط كأرقى ما يكون الحاكم المسلم، ولقد سبق له ان شارك بقوة ومن موقع سام في توجيه الخلافة، حيث كان هو الوحيد الملقب بين الخلفاء بالإمام وكانت القرارات الحاسمة التي تحدد وجهة الخلافة السياسية او القضايا الفقهية المعقدة لا يتم البت فيها الا بعد ان يقرر الإمام علي كرم الله وجهه ولقد تجلى ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه.. جاء إلى الحلقة الأخيرة من الخلافة الراشدة وقد كان شاهدا على مسيرتها وما فيها من تدفق وعظمة وتنام وانسياح في العالمين وما فيها من هنات ومحاولات لم تكتمل وما نشأ اثناء المسيرة من إفرازات غير محسوبة.. فكان عليه وهو العالم الذي تربى في حجر الرسول الفارس الحكيم والشجاع الذي لا يشق له غبار ان يقوم بعملية تقويم لاسيما ما شاب السنوات الأخيرة من خلافة ذي النورين، الا ان انبعاث الخروج على الخلافة صرفه إلى التحرك نحو انهاء التمرد وهو يعرف حقيقة دوافعه كما فعل سيدنا أبوبكر رضي الله عنه عندما ارجع المتمردين المنشقين بقوة السيف إلى دائرة الأمة..

وأول سمات الخلافة الراشدة كيفية تنصيب الحاكم وهنا يتجلى الأمر ان تنصيب الخليفة حق ثابت للأمة تمنحه لمن ترى فيه الخير والقدرة والصلاح لها، وان أهل الحل والعقد هم من يختارون الخليفة لترشيحه للأمة وان هناك عقدا بين الخليفة والأمة: “اطيعوني ما اطعت الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الله”.. “الأمر أمركم ان شئتم قعدت وان شئتم انصرفت”.. وإن اهل الحل والعقد يلتقون على معيار الدين وسابقة الجهاد الإيمان فلا عصبية لهم سوى الدين..

السمة الثانية ان بيت المال هو بيت مال المسلمين يجمع زكواتهم وخراجهم وصدقاتهم وسوى ذلك مما يدخله ولا يخرج منه شيء الا حسب وجهات شرعية في الصرف، وعلى الخليفة التدقيق في ذلك وليس له ان يحرم أحدا او ان يتصرف بهوى في تقديم الأموال.. وان له من بيت المال ما يتم تحديده له دونما توسع.. فكما قال سيدنا عثمان ردا على معاوية عندما اقترح عليه ان يرسل له اربعة آلاف فارس يحرسونه وان يتلقوا رواتبهم من بيت المال، قال عثمان: “لا والله لن احرز دمي بأن انفق على اربعة آلاف رجل من بيت مال المسلمين”.

السمة الثالثة: حماية الحق الثابت للناس في الاعتراض والنصح وقول الحق والاهتمام بالفئات الفقيرة والمحرومة والإحسان لأهل الكتاب والمخالفين وبسط العدل.. قد تم تعميم ذلك على اوسع نطاق في الخلافة الراشدة.

على العكس من ذلك، كان الملك العضوض، حيث تركزت العصبيات الجاهلية واجتراح بدعة التوريث في الحكم والخروج بالسلاح على الخلافة الراشدة الشرعية وجعل بيت المال ملكا خالصا للحاكم وتكميم الأفواه والقتل بالمظنة كما حصل مع حجر بن عدي وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وسواهم والتنكيل بالخصوم والتشنيع وارتكاب جرائم بحق الإنسانية كما حصل بحق عبدالله بن الزبير وأهل المدينة المنورة والإمام الحسين وآل بيته..

لا يمكن ان يقبل اي من المسلمين ما انكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فالملك العضوض مستنكر وهو بغي بلا شك كما اخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في اشارته إلى كيفية موت عمار بن ياسر رضي الله عنهما.. ولا يظل المؤمن مؤمنا إن هو استمرأ قتل الصالحين في الأمة واغتصاب الحكم الاسلامي ببدعة التوريث وتملك مال الأمة لصرفها في اتجاهات منحرفة إشباعا للنزوات والرغبات.. ولا يمكن ان يختلف مسلمان على رفض هذا النموذج في تنصيب الحاكم او في الإقرار بأن ما حصل انما هو انحراف عن سيرة الخلافة الراشدة.. وهذه قاعدة التقاء مهمة بين المسلمين جميعا.

هنا يلتقي المسلمون جميعا وليس لأحد ان يتزيد او ان ينتقص.. فالخلافة الراشدة جامعة الهدى بعد رسول الله وهي جهد الجيل القرآني الأول.. وليس لمسلم غيور وحريص على وحدة الأمة إلا ان يرضى بما رضي به قادة ذلك الجيل القرآني من حرص على وحدة الأمة ووحدة نواتها وان ذلك أولى واه ومقدم على اي تفسير او تأويل او حق يعتقده أحد دون غيره، فحق الأمة أولى لاسيما والخلافة الراشدة حافظت على معالم الدين والحكم بالاسلام في خاصة أمرها وعامته.

والملك العضوض مرفوض في حس المسلم الغيور على شرف الاسلام وجوهر الرسالة التي جاءت لكي يقوم الناس بالقسط.. الملك العضوض بما أسس له من بدعة التوريث وتملك بيت المال وقتل المخالفين وسجنهم وإيذائهم وهتك الحرمات انما هو ليس من مبادئ النظام السياسي الاسلامي انه سلوك منحرف.. وليس لمسلم غيور على أمة محمد والصالحين فيها الا رفض هذا النمط المنحرف الذي حكم عليه الرسول صلى الله عليه واله وسلم بالبغي.

اجل، هنا صياغة جملة من مستويين.. المستوى الأول الالتزام على الأقل بعدم الاعتراض على الخلافة الراشدة وفي المقابل الالتزام على الأقل بعدم الدفاع عن الملك العضوض.. اما المستوى الآخر الأفضل والأرقى والأصح و المطلوب فهو الإكرام والتعظيم من شأن الخلافة الراشدة مع رفض واضح وجلي للملك العضوض.

في محاولتي القراءة في مسيرة الأمة سأتوقف إن شاء الله في الحلقة القادمة امام مواقف علماء الأمة السابقين من وحدة الأمة ووحدة مرجعيتها ورفض اي منهج لتفسيخها.. تولانا الله برحمته.

المصدر: الشروق اون لاين

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة