حتمية عودة الخلافة
الحديث اليوم عن عودة الخلافة قد يصطدم بعقول بعدت الشقة بينها وبين رؤية الإسلام مطبقًا في واقع الحياة من خلال النظام السياسي الممثل في دولة الخلافة تلك، ولذلك فإن مشكلة مسلمي اليوم تكمن في فَهمِهم لطريقة ممارسة هذا النظام السياسي في حياتِهم، إذ التبس عليهم أمرُها من خلال نظرتِهم في تاريخها، وتحوُّلِها من الممارسة على منهج النبوة إلى العمل بِها على منهج الملك العضُوض، ثم قويت هذه المشكلة في وعيِهم على حقيقتِها وإدراكهم لها في حركة التاريخ، ولا سيما بعد حصُولِ المعاناة من ظلم بعض الحكام وجَورهم، فاختلط مفهوم طَاعة وَلِي الأمر مع مفهوم الاستكانة للظلم والرضُوخ للجور، وصولًا بعد الغزو الفكري والثقافي الرأسمالي الذي تقصَّد تشويهَ صورةِ الخلافة وشَكل السلطة في الإسلام، واستغلال المظالم ليُعطي صورةً أخرى غيرَ صورة الخلافةِ على منهاجِ النبوَّة، بالإضافة إلى التشويه الذي سببه تنظيم الدولة وخلافته المزعومة.
إن منصبَ الخلافةِ يشغله الإمامُ المبايَع نيابةً عن الأمةِ، لتنفيذ أحكامِ الشريعة الغراء، وتتجسدُ هذه النيابة في شخص الخليفة أو الإمام بعد مشُورة الأمة، وأخذ البيعة بالعهد بالطاعة له على أساسِ ما تفرضهُ العقيدة الإسلامية فيه، فتُعطَى الخلافة لمن يَستَحِقها بعد مَشُورَة الأمة. وعلى هذا كان واقع الخلافة أنها شُورى على البداهة والسجية في حياة المسلمين، فضلًا عن النُّصوصِ الشرعية التي تؤكد ذلك وتثبته.
وإننا وإن عانينا في دعوتنا للعمل لإقامة الخلافة على منهاج النبوة من الاصطدام بمثل هذه العقول، واحتاج الأمر منا لبذل جهد مضاعف قد لا يثمر في تحول من نناقشه عن اقتناعه التام باستحالة عودة الخلافة، إلا أننا مطمئنون بتحقيق هذه العودة للخلافة بإذن الله، يطمئننا إلى ذلك وقائع الصراع في أرجاء العالم، والوعي المتنامي في الأمة في شتى بلدانها، كما وتبشر بها نصوص القرآن والسنة. قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]. وقال أيضًا: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف: 9]. والقادم من الزمان هو إن شاء الله عودة الإسلام والظهور على الرأسمالية التي تسود العالم اليوم، والتي هي في طريقها إلى الزوال بعد أن اكتوى العالم بنار ظلمها وبان عوارها وانكشف غيها. روى الإمام أحمد في مسنده، قال ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ،ُثمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُون، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ». [رواه الإمام أحمد]
في هذا الحديث يبين لنا رسول الله ﷺ المراحل التي ستمر بها الأمة الإسلامية منذ بعثته ﷺ، وحتى آخر الزمان. فكانت المرحلة الأولى، هي مرحلة النبوة والرحمة التي بدأت بنزول الوحي على رسول الله ﷺ، واستمرت ثلاثة وعشرين عامًا، قضى منها الرسول ﷺ ثلاثة عشر عامًا في مكة، قام فيها بأعمال معينة، كان من شأنها أن تؤدي إلى قيام الدولة الإسلامية في المدينة. هذه المرحلة هي محل القدوة والأسوة لنا ولكل من يعمل لإقامة الدولة الإسلامية اليوم. فقد سلك الرسول ﷺ طريق دعوة من يأنس فيه قبول الإسلام، ثم قام بتكتيل من آمن منهم سرًا في دار الأرقم بن أبي الأرقم لمدة ثلاث سنين، وهذا ما نسميه مرحلة التثقيف، ولما نزل قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، خرج رسول الله ﷺ وجعل من آمن به في صفين على رأس الأول حمزة، وعلى رأس الثاني عمر. فأظهر الكتلة وخاض بها ما نسميه صراعًا فكريًا وكفاحًا سياسيًا، وهذه هي مرحلة التفاعل مع المجتمع. ثم تأتي المرحلة الثالثة التي هي مرحلة استلام الحكم عن طريق طلب النصرة من أهل القوة والمنعة التي تتم في نهاية مرحلة التفاعل. وقد رأينا في كتب السيرة النبوية كيف أن الرسول ﷺ قد أصر عليها وطلبها من العديد من القبائل. فلما أراد الله إعزاز دينه ونصرة نبيه ساق له هذا الحي من الأنصار، فبايعوه بيعة العقبة الأولى ثم الثانية، ثم بعد ذلك هاجر الرسول ﷺ إلى المدينة لتبدأ الفترة المدنية التي كان يتصرف فيها الرسول كرئيس دولة هو الحاكم فيها بجانب كونه رسولًا. ومن هذه المرحلة استنبطنا الأحكام الشرعية المنظمة لشكل الدولة، وصلاحيات الحاكم، وعلاقات الدولة الخارجية، ونظام العقوبات، والنظام الاقتصادي، والنظام الاجتماعي، وهي ولا شك في ذلك أحكامٌ شرعيةٌ يجب التقيد بها باعتبارها أحكامًا شرعية واجبة الاتباع.
وبوفاة النبي ﷺ بدأت المرحلة الثانية في حياة الأمة الإسلامية، وهي كما سماها رسول الله ﷺ، خلافة على منهاج النبوة، كما سماها أيضًا خلافة راشدة، والتي بدأت بخلافة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وقد استمرت هذه المرحلة ثلاثين عامًا، بإضافة الستة أشهر التي قضاها الحسن بن علي رضي الله عنهما في الحكم قبل أن يتنازل عنها لمعاوية، كما أخبر المصطفى ﷺ: «الخلافة ثلاثون عامًا ثم تكون ملكًا عضوضًا». وغني عن البيان كيف كانت هذه الفترة من أعظم الفترات التي حكم فيها المسلمون، ولن أستعرض الآن نماذج مشرقة من سيرة الخلفاء الأربعة، فهو أمر غني عن البيان، وقد ملأ سمع العالم وبصره.
نأتي على ذكر المرحلة الثالثة وهي فترة الملك العاض، ووصف النبي ﷺ لهذه المرحلة بالملك يعني أنه بعد أن كان السلطان للأمة تنيب عنها من تشاء بمحض اختيارها ليطبق عليها الإسلام، فتبايعه الأمة على السمع والطاعة، على أن يحكمها بالإسلام، تحولت الخلافة إلى ملك بمعنى أن الخليفة بدأ يأخذ البيعة لابنه أو أخيه في حياته، وهذا يعد إساءة لنظام البيعة في أخذ الحكم في الإسلام، ولكنه لا يعد خروجًا على الإسلام، ففي تلك المرحلة والتي بدأت بالخلافة الأموية، ثم العباسية، وانتهاء بالخلافة العثمانية، لم يكن يطبق فيها شيء سوى الإسلام. وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك إساءة في تطبيق بعض الأحكام، وقد خاطب الرسول ﷺ الأنصار قائلًا لهم: «ستجدون بعدي أثرة»، قالوا فما تأمرنا، قال: «اصبروا». فكون الرسول ﷺ يأمرهم بالصبر ولا يأمرهم بالخروج بالسيف يعني أن الحكام ما زالوا يحكمون بالإسلام لكن مع وجود بعض الظلم، قال ﷺ: «من خلع يدًا من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
والملاحظُ أنه إذا كانت النِّزاعات كثيرةً في عصرِ بني أمية، فإنَّها كانت لتركيزِ مفهوم فكرة الخلافةِ على منهج الملك العضوض؛ التي أنبتَت جذورَها في ذهنِ معاوية, وسقَا زرعَها بنو أُمية حتى قبِلَتها الأمَّة مكرهةً وبعد نزاعاتٍ دموية أخذت من الأُمة أبناءَها، وحَرَمَتها كثيرًا من معطياتِها الخارجية للانشغالِ بالمشكلات الداخلية، لتكون أوَّل حكومة إسلامية بنظامِ الخلافة على منهج الملك العضوض، ليأتِي من بعدهم بنُو العبَّاس، ثم بنو عُثمان. هذا هو الفهمُ المتاح لواقعِ الملك العضوض بالضرورة التاريخيَّة.
وفي هذه الفترة كانت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم، وكانت الأمة الإسلامية هي الأمة الأولى في العالم، وإن مرت الأمة والدولة الإسلامية بفترات انحطاط في تلك المرحلة، إلا أنها ما كانت تلبث أن تعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس، فاستطاعت أن تهزم الصليبيين وتخرجهم من بلاد الشام وإن طالت فترة احتلالهم لها. كما أن الأمة والدولة استطاعت أن توقف زحف التتار، وأن تؤخر ذلك. فالأمة كانت لا تزال تعتز بإسلامها، ولم تصب – برغم الهزيمة العسكرية القاسية التي حلت بها – بهزيمة فكرية كتلك التي أصيبت بها بعد فقدان دولتها وهيمنة الغرب الكافر على مقدراتها.
ولقد انتهت هذه المرحلة بهدم الخلافة على يد مجرم العصر مصطفى كمال بالتعاون مع أعداء الأمة الإنجليز، الذين كانوا يرون أنه لا يمكن أن تقوم للمسلمين قائمة بعد هدم دولتهم، التي كان يخاطبها ملكهم في وقت عزها موقعًا على رسالته بخادمكم المطيع. وقد حصل هدم الخلافة والأمة مصابة بحالة شديدة من الانحطاط الفكري، فلم تكن مدركة أن قضية الحكم بالإسلام واستمرار دولة الخلافة قضية مصيرية يجب عليها أن تتخذ حيالها إجراء الحياة أو الموت. وبعد القضاء على الدولة الإسلامية تم تفتيت الأمة الإسلامية باتفاقية “سايكس-بيكو” إلى ما يقارب الخمسين مزقة، وأوجدوا بين الأمة تلك الحدود المصطنعة، وكان هذا إيذانًا بدخول الأمة في مرحلة الحكم الجبري.
ومنذُ أن أعلنَ الكفَّار المتآمِرون على المسلمين إلغاءَ الخلافةِ، بدأت المرحلةُ الرابعة بتحول النظامِ السياسي من الحكومةِ الإسلامية إلى حكوماتِ الأنظمة الجبرية التي تُعَطِّل إقامةَ كتاب الله وتحكم بشريعةِ الطاغوت، فنُقضَت آخرُ عُرى الإسلام عروةُ الحكم. وبنَقضِ هذه العُروة ينقطعُ أمر الإسلامِ من النظامِ السياسي في بلادِ المسلمين، وتتحوَّلُ دارُهم إلى إقامة النظم الكفريَّة والقهرية، وتعطيلِ الشرائعِ الإسلامية لا محالةَ. وهذا معنى حديثِ الأُمراء «ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيّاً».
أما أنَّ معنى الملكِ الجبريِّ: هو إقامةُ شرائعِ الكفر في بلادِ المسلمين، فهذا ظاهرٌ من دلالةِ النصوصِ الشرعيَّة في تعريفِ الملك الجبريِّ، فَضلاً عن مُشاهدتهِ في الواقعِ المحسوسِ تَفسيرًا لنُبوءَةِ الرسولِ ﷺ، وتحقيقًا لمنَاطِ الأنظمةِ الجبرية، وبَيانًا للمسلمين المطلوبَ الشرعيَّ. حيث أُقْصِي نظام الخلافة عن الممارسة السياسيَّة، وأُعلِن عن سُقوط دولة الإسلام ذات الملك العضوض، وإقصاءِ آخرِ خليفةٍ للمسلمين الخليفة العثمانِي (عبد الحميد الثانِي رحمه الله)، وتعيِين مكانه أَميرًا ضَعيفًا لحين الإعلان عن إلغاءِ الخلافة عام 1924م. فحلَّت الأنظمةُ الرأسمالية بطريقتِها العنفية الاستعمارية مكانَ نظام الإسلام، وصار الحكام لبلاد المسلمين يدُورون في فلك الدول الاستعمارية.
أما النصوصُ الشرعية الدالَّة على أنَّ الملكَ الجبريَّ هذا معناهُ، فعن ابن فيروزَ الدَّيلَمي عن أبيهِ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيُنْقَضَ الإسْلاَمُ عُرْوَةً عُرْوَةً، كَمَا يُنْقَضُ الْحَبْلُ قُوَّةً قُوَّةً». وعن أبِي أُمَامة البَاهِليِّ – رضي الله عنه – عن رَسولِ اللهِ ﷺ قاَلَ: «لَيَنْقضَنَّ عُرَى الإسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيْهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ؛ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ»، أي أوَّلُهن نقضاً الخلافةُ بتحوِّلها بينَ المسلمين من شُورى إلى مُلك. «وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ» أي آخرهن نقضًا تطبيق الكتاب وإقامة أحكامه وحدوده؛ بتمكن الكفار على رقاب المسلمين وتسلطهم على أعراضهم ودمائهم وأموالهم. وعلى هذا فإن الحديث من قبل من يدعي أنه يعمل للإسلام في المرحلة الراهنة عن دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية هو تأكيد لاستمرارية مرحلة الملك الجبري وابتعاد عن العمل لتمكين شرع الله بعودة الخلافة على منهاج النبوة.
إن الملك الجبري هو هذه المرحلة التي نعيشها اليوم من بعد هدم الخلافة، والتي تسلط فيها على الأمة حكام عملاء للغرب الكافر أبوا إلا أن يبيعوا أمتهم ودينهم بثمن بخس، هو أن يرضى عنهم أسيادهم في بلاد الكفر، أعداء الله ورسوله والمؤمنين، ولكن الأمة الإسلامية بدورها أبت إلا أن تستفيق من غفوتها، وبدأت في خلع الظالمين، وهي تقترب اليوم أكثر من أي وقت مضى من قيام دولة الخلافة على منهاج النبوة، وبزوغ نور الإسلام من جديد، كما بشرنا الرسول ﷺ، فنحن اليوم نرى إرهاصات المرحلة الخامسة التي بينها رسول الله ﷺ في الحديث السابق، وهي الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وإن محاولة الغرب الكافر الالتفاف على الثورات المباركة التي تكتنف بلاد المسلمين اليوم، ستبوء بالفشل، إذ إن أساس حياة المسلمين يقوم على عقيدتهم، وأسمى أمانيهم أن يرضى عنهم رب العالمين، الذي لن يرضى عنهم إلا إذا أعادوا الثقة بأحكام دينه، وشمروا عن سواعد الجد ليطبقوا شرعه سبحانه وتعالى في واقع حياتهم، من خلال إعادة الخلافة الإسلامية، التي بها عزهم ورضا ربهم.
وإن مبشرات عودة الخلافة لا تقتصر على هذا الحديث الذي ذكرناه سابقًا، بل لقد بشرنا الرسول ﷺ بفتح روما؟ نعم روما… روما معقل الكنيسة الغربية، فقد سُئل رسول الله ﷺ أي المدينتين تفتح أولًا؟ القسطنطينية.. أم رومية؟ فقال الرسول ﷺ: «مدينة هرقل تفتح أولًا»، ومفهوم الحديث أن الثانية تفتح ثانيًا. وانظروا معي كيف أنها كانت بديهية عند الصحابة من أن المدينتين ستفتحان، ولكن السؤال الذي كان يشغل بالهم هو أيهما ستفتح أولًا؟ وقد تم فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح فكان نعم الأمير، وكان جيشه نعم الجيش. والسؤال الآن هل يمكن أن تفتح روما على أيدي أمثال هؤلاء الحكام؟ الذين أمثلهم طريقة يعلن بكل فخر أنه ملتزم بالاتفاقات الدولية، وأنه حتى لا يجرؤ على أن يعلن أنه سيعمل على تحرير بيت المقدس، فأين هو من فتح روما؟
وهناك حديث آخر يزرع الأمل في نفوسنا، ويجعلنا على يقين تام بأن هذه الأمة ستعود لتمتلك زمام أمرها وتسود بدينها على الأمم، فقد قال رسول الله ﷺ: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مذر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز به الإسلام وذلا يذل به الكفر» ويقول أيضًا: «لقد زوى لي الله الأرض من مشارقها إلى مغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» وانظروا لقوله ﷺ «ملك» لتعرفوا أن هذا لا يعني أن المسلمين سينتشرون في جميع بقاع الأرض كما يحلو للبعض أن يفسر قول الرسول هذا، فكلمة «ملك أمتي» تعني أن الحكم سيكون للمسلمين في تلك البقاع، كما أن ذل الذليل يعني الخضوع لأحكام الإسلام. إن الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة قائمة قريبا بإذن الله فقد آن أوانها، وأظل زمانها وما هي إلا صبر ساعة فاعملوا لها حتى تفوزوا في الدنيا والآخرة.
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر