فلتكن “ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم” دافعا للعمل ووحدة الصف ووحدة فصائل الشام وعملا لميلاد دولة الخلافة
يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾.
إن الأمم العريقة صاحبة المبدأ تدأب دائما لتصحيح أوضاعها وتجديد أمورها وبث الحياة في شبابها، فتلجأ باستمرار للمراجعة في مدى التزامها بالمبدأ الذي تحمله والتذكير بما جاء بها وعبر توجيه الناس لشخصيات عظيمة ومهمة من أبنائها أو مؤسسيها، فتقوم بلفت الناس إلى ما سار عليه عظماؤها ليكونوا قدوة وأسوة يحتذى بها لتعود الأمة كما كانت.
فأمة الإسلام بل سائر الأمم قد جعلت الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم أعظم شخصية مرت على الأرض لِما تحلّى به الرسول صلى الله عليه وسلم من صفات، إضافة لما يتعلق بجعله قدوة من أحكام كثيرة تحث على التقيد بما جاء به، فجعلته الأمة الإسلامية قدوة للناس بضرورة العودة إلى ما جاء به كي يتحلى بها المرء ليسير في طريق الكمال والعدل والعمل الدءوب لعبادة الله على أكمل وجه، ولإنقاذ الأمة مما هي فيه لأن غياب القدوة وغياب الأسوة عند المسلمين يدفعهم إلى التماس قدوات أخرى غير إسلامية أو عميلة، خاصة في ظل الحرب المعلنة من قبل أعداء الأمة التي تسعى جاهدة لاغتيال الأمة الإسلامية بكل الطرق، وبجعل قدوات وشخصيات غربية أو كافرة عميلة مثلا أعلى للمسلمين مكان الشخصيات الإسلامية التي يرضى عنها الله سبحانه.
وفي ظل هذه الحرب المعلنة فإن الأمة في هذا الزمان أحوج ما تكون إلى الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه لتعود كما كانت سيدة الأمم. فما أحوجها كذلك إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله للخلاص مما نحن فيه، حيث أصبحت الأمة الإسلامية مرتعا لكل طامع وتباعدت الشقة بين المسلمين، وشاعت بينهم الخلافات والنزاعات واستشرى بينهم القتل ونهب الثروات وانتهاك الأعراض، وغُذيت الفُرقة وابتعدت الوحدة على أساس الإسلام المتمثلة بالخلافة الراشدة.
وفي هذا الخضم وهذه الأحداث الجسام، وفي ظل فهمنا لهذا الدين القويم، وفي هذه الذكرى حريّ بنا أن نتذكر أن لا حل لنا إلا بالإسلام والعودة لتطبيق شريعته وبكل ما جاء به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .
فمولد الرسول صلى الله عليه وسلم يُعدّ نقطة بداية لأمة إسلامية عريقة حملت مبدأ إلهيًّا صحيحا أوكلت لها مهمة تخليص الإنسانية من العبودية وتغيير وجه العالم برحمة مهداة حيث النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان رحمة للعالمين ومشعل هداية للناس أجمعين، والله عزَّ وجل يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
إن الذكرى بهذه المناسبة ليست هي من أجل الاحتفال، فلم يحتفل بها من هو أفضل منا، ولكنها ذكرى نستغلها لإعادة ربط المسلمين بدينهم وتذكيرهم بأهمية إعادة الثقة بأحكام الإسلام التي لا حل لنا بغيرها؛ فهي فرصة لتقييم المرء لنفسه حيث يتذكر فيها ما قدمه من أعمال تنفعه عند الله عزّ َوجل، ويشحذ فيها الهمة من جديد لمواصلة السير والعمل حتى يلقى الله عز وجل وهو راض عنه؛ فهي فرصة لمحاسبة النفس في مدى تمسكها بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته في التغيير وإقامة الدولة الإسلامية وإنقاذ أمة الإسلام، فإن الله جعل لنا في محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة كما قال سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا..﴾.
** إن ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يعني ميلاد أمة عريقة، حملت رسالة هداية إلى البشرية جميعاً، وميلاد الرسول الذي يعتبر مخرجا آمنا لها من الظلم والظلام وخلاصا من الظالمين، ولقد كان ميلاد النبي الأكرم مجمِّعا ومؤلفا لشعوب وقبائل متفرقة متشرذمة متناحرة، لا يجمعها جامع، ولا يربطها أي رابط، فميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطى للعرب وغيرهم قيمة ووزنا ورفع البشرية من البهيمية المنحطة إلى أعلى الدرجات.
** إن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن أصبح للناس حضارة ومدنية بعد أن لم يكن، فسبقوا الأمم جميعها وأصبحت محط أنظار العالم أمة متميزةً من دون الناس.
** إن ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يعني أمة موحدة واحدة، لهم ربٌّ واحدٌ ودينٌ واحدٌ وخليفة واحدٌ وجيشٌ واحدٌ وراية واحدة.
** إن ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يعني حدود دولة من المحيط الهادي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، وإلى أواسط أفريقيا جنوباً، وإلى سيبيريا شمالاً.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني أن الشمس لا تغيب عن أملاك الخلافة الإسلامية تدور الغيوم فيها حاملة الخير لا تخرج منها!
** إن ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يعني دولة حديثة متقدمة سباقة في البحث العلمي والعملي والعمراني تحكمها تقوى الله.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني العمل لتطبيق الإسلام كاملا بدولة خلافة راشدة، حيث غاب حكم الإسلام وألغيت الخلافة؛ فكان ما نحن فيه من البلاء، وكانت المشاكل لأمة الإسلام حيث تولى أمر المسلمين شرذمة حكام أقزامٌ صغار، لا يعرفون لدينهم وزناً ولا قدراً، ولا يقيمون لأمتهم أيّ اعتبار، أذلة على الكافرين، وأسودٌ ضارية على المسلمين، يغرقون في الملذات والشهوات والمجون..، لا يعصون لدول الكفر أوروبا وأمريكا وكيان يهود أمراً ولا نهياً، ويفعلون ما يؤمرون..!! سرقوا أموال المسلمين وأودعوها لحسابهم الخاص في بنوك الغرب، والأمة تتلوّى من شدة الجوع في فقر مدقع.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني نظاما عادلا سيطبق على الأرض؛ فلا ديمقراطية ولا مدنية ولا قومية ولا طائفية، بل منهاجٌ نبوي.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني حكاما أتقياء، يرعون أمتهم حقّ الرعاية، ويطبقون أحكام هذا الدين تطبيقاً صحيحاً كاملاً غير منقوص.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يحرّك في عروق المسلمين دماء العزّة والكرامة والعمل الدءوب المخلص للخلاص من هؤلاء الرويبضات الأقزام، الذين كرهتهم السماء والأرض وسئمت منهم، وسبّهم الشجر والحجر والدواب والبهائم العجماء والطيور في السماء والحيتان في البحار.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني وقفة الأمة وقفة رجلٍ واحد ضد حكام الجور تهزمهم الأمة وتدوسهم، فهم ليسوا من جنسها، ولتكن الميادين لدفعهم للرحيل دفعاً، وانتصارات عظيمة لأمة الإسلام على هؤلاء الرويبضات من أعوان الكفار وعلى كافة أعدائها.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني إنهاء المعاهدات الجائرة الخيانية التي أورثت الأمة الذل والصغار والخذلان ونهب الخيرات.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني إنقاذ الأمة من المهالك ورفعها لأعلى الدرجات بعد أن أذلها الحكام وأصبحت بأفعالهم ذيل الأمم في كل المجالات؛ أفسدوا كل شيء بمؤامرة خيانية كبرى مع أعداء هذه الأمة ولقد صدق المصطفى صلى الله عليه وسلم : «سيأتي على الناس سنوات خداعات يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين، ويُصدّق فيها الكاذب، ويكذّب فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة»، قالوا: وما الرويبضة؟!، قال: «الرجل التافه ينطق في أمر العامة».. وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيلي عليكم أمراء تعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد سلم، ومن أنكر فقد برئ ولكن من رضي وتابع»وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : «سيلي عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، فإن أطعتموهم أذلّوكم وإن عصيتموهم قتلوكم»، قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال: «كونوا كأصحاب عيسى عليه السلام نُشّروا بالمناشير وحمّلوا على الخشب، فوالذي نفسي بيده لموتة في سبيل الله خير من حياة في معصية».
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني انتهاء الحكم الجبري الذي ضاقت به الأمة ذرعاً من هؤلاء المجرمين الذين يقتلون ويهجرون ويدمرون ويذلون ويخونون…
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني نزع الدساتير العفنة هي ومن يضعها ورميه رمي النواة، ووضع مكانها دستور الله “الكتاب والسنة”، دستور العزة والرفعة والإيمان والتقرب إلى الله.
** وإن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني أن تتّحد جيوش هذه الأمة الكريمة، تحت راية “لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشعار “الله أكبر والعزة للإسلام”.
** وإن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني أن تسير هذه الجيوش تفتح البلاد وتحرر العباد ويدخل الناس في دين الله أفواجا كما كان سلفها في عهد الخلفاء.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني الانتصار الحقيقي والاحتفال في ساحات المسجد الأقصى المبارك بعد تحريره، وهي تهتف بأعلى صوتها “الله أكبر والعزة للإسلام”، ﴿وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا﴾.
** إن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني الانتصار على أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وروسيا وتحرير كافة بلاد الإسلام المحتلة وكنس كل أشكال الاستعمار.
** وإن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني أن أحداثا عظيمة ستجري في ميادين وساحات عواصم بلاد المسلمين يتلوها انتصارات وعزة ورفعة لا تقف عند حدود خلع هؤلاء الحكام الرويبضات فقط بل تلاحق أسيادهم ليتحولوا إلى عبيد.
فلتكن “ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ” دافعًا للعمل والوحدة والعمل المشترك بين فصائل الشام يتبعه ميلاد دولة الخلافة عندها تفرح الأمة جميعاً بنصر الله: ﴿ … وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو محمود