دور القومية والدستور في هدم الخلافة الإسلامية

مضى على سقوط الخلافة الإسلامية ثلاثة وتسعون عاما هجرية، وما تزال الأمة الإسلامية في صراع مصيري مع أعدائها، وما زالت تقبع تحت تأثير الغزو الفكري والثقافي للغرب.

والنخبة الحاكمة وما يتبعها من المتعلمين في بلاد المسلميين أقرب للغرب الكافر ونظرته للحياة، منهم للإسلام والمسلمين.

وبمراجعة أحداث القرن العشرين، نجد أن القرن كان قد جاء، وهناك دولة إسلامية ضعيفة، لكنها كانت تمثل المسلمين وتحافظ على رقعة واسعة نسبيا من أراضي المسلمين تحت حكمها، والشريعة الإسلامية مرجعيتها القانونية، بالرغم مما أدخل عليها من القوانين التي لا تمت للإسلام بصلة في مطلع القرن التاسع عشر.

تقلد السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، مسؤولية الحكم في الربع الرابع من القرن التاسع عشر، وحمل الدولة طيلة فترة حكمه باذلا ما استطاع من الجهد في المحافظة عليها، لكن الولاء للغرب كان قد أفسد الوسط السياسي للدولة، ويكفي هروب الدامادا محمود باشا – وهو زوج أخت السلطان – وولديه إلى فرنسا وانحيازه إلى المعارضة دليلا على ذلك، وقبل ذلك تآمر مدحت باشا على قتل السلطان عبد العزيز، وكتابة الدستور (المشروطية) والسعي للعمل به، وظهور تركيا الفتاة المفعمة بالقومية الطورانية والولاء للغرب الكافر، ورمي السلطان بالاستبداد، والزعم أن الدستور هو المنقذ العظيم.

خرج المسلمون من الحرب العالمية الأولى وهم أعظم الناس خسارة، سقطت دولتهم وذهبت خلافتهم وخرجوا يروجون لأفكار أعدائهم، رغم أنها هي التي أوردتهم موارد حتفهم وهلاكهم، وكانت هذه نتيجة لأعمالٍ قام بها بعض أبناء الأمة الإسلامية، حين ظنوا أن الخير باتباع عدوهم اللدود، وأخذوا منهم القومية النتنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».

حين أدرك الغرب أن أوثق العرى التي تربط المسلمين ببعض هي رابطة العقيدة، ومعلوم أن رابطة العقيدة هي أوثق رابطة يمكن أن يتخذها الإنسان، فهي تنطلق من الفكر وتجعله أساسا لها، والفكر أغلى ما يملك الإنسان ويختاره بمحض إرادته، ولا أثر في هذه الرابطة للون ولا لجنس ولا لمكان ولادة، فتوجه الغرب الكافر لخلخلة الولاء للعقيدة، وتبعه مُريدوه وارتكسوا في حمأة القومية، تلك الذي يبذل الغرب في عقر داره التنصل منها ومن تراثها بعدما فعلت فيهم ما فعلت!.

ورد في كتاب تركيا الفتاة: لقد استطاعت أفكار القومية الغربية الدخول (إلى العالم الإسلامي) وإرساء قواعد لها، وتجسدت هذه الأفكار بمؤسسات سياسية جديدة (دولٍ وطنيةٍ) والزعماء في هذه الأقاليم كانوا يتحايلون بدرجات متفاوتة من النجاح لكسب المعارضة المحلية لمؤازرتهم، ولتثبيت أنفسهم “وقضاياهم”، على مسرح سياستهم المحلية وفي مجال علاقاتهم الدولية. ص 3.

وجاء في صفحة 9 و 10: وفكرة الدستور، كانت قد ملكت على الفئات الواعية في الإمبراطورية نفوسها (والفئات الواعية هم المتصلون بالغرب والمضبوعون به)، ممن درسوا وعاشوا في الغرب أو وقعوا تحت تأثيره. (وكانوا يظنون أن) الدستور هو الذي ينقذ البلد من الحكم المطلق، ويعين مسؤولية الحكم والحكام، ويؤدي إلى مشاركة الشعب عن طريق نوابه في شؤون بلاده. والأسقام التي تنخر الجسم السياسي للدولة ستزول بسبب الدستور، ص11.

وقد كثر اختلاط الزعماء (زعماء تركيا الفتاة ومن تبعهم) بالغرب،لما كانت مراكزهم باريس وجنيف وتشعبت أمامهم الطرق، وانتهى إلى نهاية لم يكن يحبها الأصدقاء، خلقت الأحداث التي تلت عودة الدستور “سنة 1908” شيئا من الانقسام بين عرب الإمبراطورية وأتراكها (وهذا كان من أهداف الغرب الكافر العدو اللدود لكل ما يمت للإسلام بصلة)، ومن الجهة الأخرى لعله مسؤول عن خسارات مادية للإمبراطورية، تلك التي توالت عليها (منذ الانقلاب سنة 1908 إلى 1924) والتي انتهت بالحرب العالمية الأولى (وسقطت الدولة كما أراد الغرب لها).

يصل نقولا زيادة في حزيران 1960 في خاتمة تقديمه للكتاب “تركيا الفتاة” إلى القول: كل ما يمكن أن يقال في الخاتمة أن حركة تركيا الفتاة وثورتها أطلقت طاقات كبيرة من عقالها، بين العرب وبين الأتراك وفي تركيا وأوروبا. أما في هذه (أوروبا) فقد انتهى الأمر بأن خرجت بلغاريا والبوسنة والهرسك وجزيرة كريت من الإمبراطورية نهائيا. (أول الغيث قطرة)، فلم يتعظ الاتحاديون من خسارة هذه البلاد والتأكد من فشل توجههم، بل زادوا الطين بلة، ودخلوا الحرب العالمية الأولى وكان التصرف الحكيم ألا يدخلوا في الحرب أبدا لحفظ مصالح الأمة ويتركوا الطامعين في دولتهم يتقاتلون ويبقوا على ما لديهم من قوة للحفاظ على بلادهم وأنفسهم). أما في المحيط العربي فقد اشتد “الوعي” القومي وحاول التعبير عن نفسه قولا وفعلا، وطالب العرب بحقوقهم ضمن الإطار الإمبراطوري، كما أخذ البعض يحاول الانفصال عن الدولة العثمانية اعتقادا منهم أن الاتحاديين على ما بدا من تصرفهم لم يكونوا يخلصون النية نحو العرب (وكيف يخلص الطرفان لبعضهم وهم يتلقون النصح من عدوهم الذي يحارب أحدهم بالآخر ويسعى لإسقاط دولتهم وتفريق شملهم؟). والذي يمكن قوله هو أن الثورة العربية الكبرى في سنة 1916 إنما كانت نتيجة للانطلاقة الأولى في عاصمة الدولة العثمانية سنة 1908. ص36 وص37 (والجدير بالذكر أن الاتحاديين هم من نصَّب الشريف حسين شريفا على مكة المكرمة).

يقول يوشكا فيشر “وزير خارجية ألمانيا من سنة 1998 إلى 2005” في مقالة نشرت في جريدة الغد الأردنية في 7 حزيران 2014 تحت عنوان القوميون في أوروبا يتقدمون: كانت القومية وما تزال المبدأ الذي يهدم أوروبا فمن الواضح أن شعوب أوروبا خاضت حروب القرن العشرين تحت راية القومية، وفي خطاب الوداع الذي ألقاه أمام البرلمان الأوروبي أوجز فرانسوا ميتران خلاصة خبراته السياسية على مدى حياته في جملة واحدة “إن القومية تعني الحرب”.

إذن القومية كما جاء بها الغرب وتلقفها مريدوه والدستور كما أراده الغرب من عوامل الهدم التي عملت ولا تزال تعمل على هدم الأمة الإسلامية باعترافهم ومكابرة أعوانهم من العلمانيين.

قد يرد سؤال هنا ما هو الدستور؟ وبماذا كانت تحكم الدول الإسلامية والدولة العثمانية على وجه الخصوص، وقد استمر حكمها لأكثر من ستة قرون؟. واتسعت بلادها لتضم ثلاث قارات بمساحة تزيد عن أربعة وعشرين مليون كيلومتر مربع، والإسلام انتشر في أرجاء المعمورة ولا يخفى وجوده وأثره، وعمره أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان وهو التحدي الحقيقي لحضارة الغرب.

الدستور يجب أن يكون منبثقا عن عقيدة الأمة، معبرا عن أفكارها وقيمها ومفاهيمها ومقاييسها، موضحا وجهة نظرها في الحياة ومبينا الهدف والغاية التي تسعى إليها، ومحددا شكل الحكم وحقوق الحاكم والمحكومين ومسؤولية كل منهم وإقرار العدل والإنصاف بين الناس، فهل كانت الدساتير من دستور مدحت باشا إلى دساتير عهد الاستعمار والدول القومية والقطرية والوطنية في بلاد المسلمين تعمل لصالح المسلمين؟ أو تكتب لصالح المسلمين وتنبثق عن عقيدتهم من قريب أو بعيد؟.

حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة أنشأ المجتمع الإسلامي، فقد جمعت العقيدة الإسلامية المهاجرين والأنصار وألفت بين قلوبهم وصهرتهم في بوتقة الإسلام وأصبحوا خلقا جديدا، أفكارهم واحدة ومشاعرهم واحدة تجمعهم العقيدة الإسلامية، والأحكام المنبثقة عنها تنظم شؤون حياتهم وأصبحت الدولة الإسلامية ضرورة دينية ودنيوية.

فشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم – حين وصوله المدينة المنورة – ببناء المسجد النبوي وآخى بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وأصدر كتابا للمهاجرين والأنصار يعين فيه وينظم القانون الأساس الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية في المدينة المنورة موضحا فيه حقوق وواجبات رعاياها ومبينا المرجعية القانونية للدولة وتنظيم علاقاتها بمن حولها من الكيانات الأخرى، وخط سوقا للمسلمين لتنظيم شؤنهم الاقتصادية.

فالدولة كيان تنفيذي يتولى رعاية مصالح الناس ويشرف على تنظيمها وتسيير أمرها بمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبلها الناس وآمنوا بصحتها، حيث أنها تنبثق عن عقيدتهم. فكانت العقيدة الإسلامية هي الأساس الفكري الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية والالتزام بها وما ينبثق عنها من أحكام وأفكار ومعالجات لمشاكل الحياة هو سر قوتها وباني مجدها واستمرار عزها.

كانت صحيفة المدينة هي – الدستور – القانون الرئيس لدولة المدينة المنورة ولجميع الدول التي حكمت بالإسلام، وقد استلهم الخلفاء والأمراء والسلاطين روح تلك النصوص القانونية المستمدة من القرآن الكريم والسنة الشريفة وما دلا عليه، فكانت السيادة للشرع أي أن التشريع من الله تبارك وتعالى، ودور الفقيه هو فهم واستنباط الحكم الشرعي من الأدلة التفصيلية، القرآن الكريم والسنة الشريفة وما دلا عليه. والسلطان للأمه أي أن الأمة هي التي تنتخب من يحكمها وتبايعه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا حكم قبل ورود النص والناس عيال الله كلهم سواء أمام الشرع لا حظوة لأحد حتى لو كان سيدتنا فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم السبطين رضي الله عنهما وزوج علي بن أبي طالب كرم الله وجه، والحاكم ينفذ الشرع فقط وليس له أن يشرع هو أو غيره أو يخالف عقدَهُ مع الأمة الإسلامية، كأن يحكمها بشيء غير الإسلام مثلا، عندها يفقد شرعيته في الحكم. فكان المسلمون ورعايا الدولة من أهل الذمة يحكمون بالشريعة الإسلامية بأحكام وقوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية تحقق العدل والإنصاف لمن يعيش ضمن سلطانها بغض النظر عن دينه ولونه.

يقول الكاتب أحمد قائد الشعبي في كتابه وثيقة المدينة المضمون والدلالة صفحة 35 و36. (لكن إذا ما عدنا إلى ما قبل أحد عشر قرنا تقريبا من ظهور هذه الدساتير – دستور الولايات المتحدة سنة 1776م والدستورالفرنسي سنة 1789م – 1791م -، يتبين لنا أن هناك من الحقائق ما لا يستطيع أحد أن ينكره ذلك أنه على أثر التعاقد السياسي بين النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار في بيعة العقبة الثانية وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تكونت دولة جديدة – متنوعة الأديان والأعراق – على أساس دستوري مكتوب – وهو “الصحيفة”، لها ذاتية مستقلة تميزها عن غيرها يحكمها قانون واحد وتسير حياتها وفقا لنظام واحد وتهدف إلى غايات مشتركة بين جميع طوائفها). وفي صفحة 79 يقول (استطاعت الدولة الجديدة أن تجعل من المدينة التي تضم عددا كبيرا من الأحياء العربية واليهودية المختلفة المتنافرة التي حكمتها الفوضى وأنهكتها العصبية القبلية مدينة موحدة وحدت السكان جميعا على اختلاف دياناتهم وخصائصهم وأعرافهم حول إعلان دستوري مركزي هو “الأول من نوعه في تاريخ الإنسانية” يخضع له الجميع تسهر على تنفيذه حكومة مركزية تملك السلطة العليا في المدينة للحاكم فيها حقوقه ومسؤولياته وللمواطنين – رعايا الدولة – حقوقهم ومسؤولياتهم وللقانون كلمته وسيادته).

وهنا استعراض لبعض النصوص التي وردت في وثيقة المدينة. مع التعليق عليها. قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار… ابتدأه بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس. [العقيدة الإسلامية تجمعهم وتربط بينهم فهم جسد واحد والعقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من نظام ينظم حياتهم ويحدد أفكارهم ومقاييسهم ومفاهيمهم عن الحياة، ويميز الشخصية الإسلامية والحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات والثقافات] من آمن بما آمن به المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وعمل عملهم والتزم بدينهم فهو منهم [من ذلك اليوم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مهما كان لونه أو جنسه، فهم أمة من دون الناس تربطهم العقيدة والفكرة الإسلامية التي تطبع العقلية والنفسية بطابع الإسلام المميز وتجده أينما ذهبْتَ أو حللْتَ في بلاد المسلمين. وكان هذا الفهم فهم الملة – الأمة – الإسلامية في عهد الدولة العثمانية كما كان في عهد غيرها من الدول الإسلامية التي سبقتها، إلى أن جاء الغرب الكافر وتقيأ علينا القومية التي ينعاها منذ أن اصطلى بنارها.

إذن فقد قامت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة على أساس العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أفكار ومشاعر وأنظمة ومقاييس ومفاهيم عن الحياة اعتنقتها الأمة الإسلامية وآمنت بها، بمعنى أنها دولة مبدئية تحدد سماتها الفكرة الإسلامية ولا يحددها مكان ولا جنس أو لغة، إنما تجمعها العقيدة الإسلامية فهم أمة من دون الناس.]

– إن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل… [أي أن من أثقله الدين والغرم فأزال فرحه من جراء دين أو فداء أسير أو كثرة عيال، فإن المسلمين يكفلون حاجته، وهنا تكفل الدولة إن لم تستطع عاقلته الإيفاء بذلك وكذلك تكفل الدولة الإسلامية حاجة رعاياها من غير المسلمين، الدولة تكفل ما لا تستطيع العاقلة التكفل به وجماعة المؤمنين تكفل ذلك إن لم يكن موارد كافية لدى الدولة.]

– إن المؤمنين المتقين، أيديهم على كل من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثما أو عدوانا أو فسادا بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم. [إنها مسؤولية المؤمنين جميعا بدفع الظلم عن بعضهم والأخذ على يد الظالم والمفسد ولو كان ولد أحدهم، وهذا من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك ما جاء في الحديث الشريف «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» وتمكين الدولة من الظالم والمفسد بعدم نصرته أو إيوائه أو التستر عليه، فهو يأخذ جزاءه في الحياة الدنيا ليسقط عنه في الآخرة، الكل يتفهم ويسعى لتطبيق الشرع على نفسه وعلى غيره إيمانا واحتسابا عند الله، والبعض خوفا من القصاص والعقاب في الدنيا من سلطان الدولة. التكافل والتضامن بين المؤمنين على الخير ودفع الشر، بسد حاجة المحتاج، وتمكين الدولة من الإمساك ومعاقبة الظالم والجاني وعدم مساندته أو إيوائه.]

– أنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا أو يؤويه وأن من نصره أو أواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل… [بمعنى لا يجوز إيواء المجرمين أو إخفاؤهم عن أعين الدولة وتمكينهم من الفرار من وجه العدالة وحمايتهم، فإن ذلك ينشر الظلم ويشجع على انتهاك حقوق الناس ويشجع على انتشار الفساد والتظالم بين الرعية، ومن يفعل ذلك فإنه معرض لغضب الله وسخطه وينتظره العذاب الشديد يوم القيامة والدولة تعاقبه بحسب جرمه.]

– إنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم… [أي أن مصدر التشريع الوحيد العقيدة الإسلامية وما ينبثق منها من أحكام، أي أن السيادة للشرع بمعنى أن المشرع هو الله تبارك وتعالى والرسول صلى الله عليه وسلم. والرد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو يحكم بما أنزل الله ويشرع للمسلمين وبعد وفاته يكون الرجوع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لاستنباط الحكم من النصوص الشرعية التفصيلية لتطبيقها على واقع الحياة والحاكم ينفذ هذه الأحكام على الوجه الصحيح، بدون زيادة أو نقصان، إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع ولا يجوز لأحد من الناس أو أي فئة أن تزعم أو تدعي أن لها حق التشريع ويطيعها أحد من المسلمين، ودور الفقيه فهم النصوص الشرعية وانطباقها على الواقع، وقد امتلك ملكة الاجتهاد وحاز على العلوم الشرعية واللغوية وفهم الواقع مما يؤهله للاجتهاد وليس له دور في الحكم والسياسة بصفته فقيه أو عالم دين]

– إنه لا ينحجز على ثأر جرح وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا… [قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]، هذا هو المبدأ العام الذي يحدد أن المرء لا يحاسب إلا على ما اقترف من الجرائم والأفعال التي تحاسب عليها الشريعة الإسلامية وبصفته الشخصية، ولا يتعدى العقاب إلى غيره عن فعله (ولا ينحجر على آثار جرح بمعنى أنه لا يمنع أحد من أخذ ثأره فالجروح قصاص) والعقوبة عقوبة شخصية لا تطال إلا المذنب وإن كانت تطال أهل بيته بطريقة غير مباشرة مما يمنعه عن ارتكاب أي مخالفة للقانون قد تربك أهله وتوقعهم في الاستحياء والشعور بالذنب ولو معنويا.]

يلاحظ عدم نزاهة العلمانيين من أولاد المسلمين وإيغالهم في تبعيتهم للغرب الكافر على عماها حين مقارنتهم بالشيوعيين، فبرغم مما حققته الشيوعية للروس من قوة ونهضة بالنسبة لحكم القياصرة إلا أن الشيوعيين أنفسهم تخلوا عنها وأسقطوها بعد أن تبين عوارها ونكوصها عن الاقتراب من الرفاهية ويسر الحياة التي حققتها الرأسمالية بالمعسكر الغربي. وذلك يعود لأن حكام الإتحاد السوفييتي، لم يكونوا تبعا لقوى خارجية – كما هم حكام بلاد المسلمين – وكانوا يرون أن الصلاح والخير في الأفكار الشيوعية وحين تبين قصورها تم التخلي عنها. أما العلمانيون من أبناء المسلمين، بالرغم ما جلبت لهم تبعية الغرب من هوان، وفرقة وتشرذم وفقر واستبداد وظلم وضياع البلاد وهلاك العباد فهم ما زالوا على أبوابه أمواتا يتسولون الحياة.

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو موسى

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة