فصل في مشروع الخلافة المرتقبة

عندما تأسس حزب التحرير سنة 1953م، على يد العالم الجليل تقي الدين النبهاني رحمه الله، وحدد قضية المسلمين المصيرية بأنها هي استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الإسلامية، كان الحزب لدى الكثير من المراقبين حينها كأنه ينفخ في رماد، أو أنه يحلم في زمن ليس زمنا للمعجزات، فعن أي خلافة يتحدث الحزب وقد تم تشويهها في أذهان الأمة، ولأي وحدة يسعى حزب التحرير وقد مزق مبضع (سايكس – بيكو) الأمة إلى مزقٍ تسمى دولاً وإمارات ومشيخات، ترسخت حدودها في عقول وقلوب الأمة بعد أن ترسخت على الأرض وأصبحت واقعا لا يمكن تجاهله.

ولكن الحزب ظل مثابرا يصل ليله بنهاره يعمل بين الأمة ومعها، يخوض صراعا فكريا وكفاحا سياسيا وكأنه ينحت في الصخر، وبرغم وعورة الطريق وصعوبته، إلا أن الحزب بتوفيق الله وعونه شق طريقه ونجح نجاحا منقطع النظير ليعيد للخلافة رونقها، ويجعل منها مطلبا تسعى له الأمة، وتتمنى اليوم الذي تصحو فيه على البيان الأول الذي يتلوه خليفة المسلمين، لينهي عقودا من الفرقة والتشرذم، ويهيل التراب على فترات الضعف والتخلف، ويقطع دابر الكافر المستعمر من بلاد المسلمين.

ومع اندلاع ثورات الربيع العربي تساءل البعض في خبث شديد، أين حزب التحرير من تلك الثورات؟! بل تصور البعض أن الأمة قد سبقت الحزب وتقدمت عليه، ونحن نقول لهؤلاء كيف تنكرون دور الحزب في انفجار حالة الغضب الشعبي في وجه حكومات ظل الحزب طوال عقود يردد على مسامع الأمة؛ أن تلك الحكومات وهؤلاء الحكام ما هم إلا صنائع الغرب الكافر وعملاؤه الذين نصبهم الغرب على رقابنا ليكونوا أحجار عثرة في طريق سعي الأمة نحو نهضتها، وإنا نتساءل مَنْ مِن الحركات والأحزاب تصدى لهؤلاء الحكام وفضحهم للأمة وأبرز خيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين، فبينما كان الحزب يخوض هذا الكفاح السياسي مع هؤلاء الرويبضات كان البعض ينظر إليهم باعتبارهم ولاة أمر شرعيين تجب طاعتهم، بل هناك من وصفهم أو بعضهم بأنهم أمراء المؤمنين.

لقد طوى الحزب فصولا عدة في مشروع الخلافة المرتقبة، منذ تأسيسه وحتى الآن، فحسم مسألة فرضيتها بأن استخرج للأمة تلك الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه، وإجماع الصحابة، وبين للأمة طريقة إقامتها بعد أن درس سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فحدد مراحل إقامتها، فأدركت الأمة ذلك واقتنعت به، وبدأت تتوق ليوم عزتها بإقامة فرض ربها، وها هو الحزب اليوم بصدد طي الفصل الأخير في مشروع الخلافة العظيم.

لقد أعلن الحزب موقفه من الخلافة التي أعلنها (تنظيم الدولة)، وهو موقف شرعي يستند إلى دليل شرعي، إذ هناك شروط يجب أن تتوفر في الخلافة حتى تصح، ولو كانت توفرت تلك الشروط في تلك الخلافة التي أعلنها (تنظيم الدولة)، لكان حزب التحرير أول من بايع. وبرغم أن هذا الإعلان بهذا الشكل، قد يراه البعض ضرباً لفكرة الخلافة في أذهان الأمة ومحاولة يائسة لتشويهها، إذ يظهر للمراقب أنها دولة تهدد بفلق هامات مخالفيها من التنظيمات والحركات بالرصاص. إلا أن هذا الإعلان جعل الحزب ينتقل مع الأمة للفصل الأخير نحو مشروع الخلافة العظيم، إذا أصبح الحديث اليوم عن تفاصيل التفاصيل، عن الشروط التي يجب أن تتوفر في المكان الذي تقام فيه الخلافة، من كونه يجب أن يكون أمانه بأمان المسلمين، وأن يكون للتنظيم الذي يقيم الخلافة سلطان ظاهر في هذا المكان يحفظ فيه أمنه في الداخل والخارج، وأن يكون هذا المكان فيه مقومات الدولة في المنطقة التي تعلن فيها الخلافة…، فهذا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، فقد كان السلطان فيها للرسول صلى الله عليه وسلم والأمان الداخلي والخارجي بأمان سلطان الإسلام، وكان لها مقومات الدولة في المنطقة المحيطة.

نعم هو الفصل الأخير نحو إقامة الخلافة الإسلامية، التي وعد الله بها، وبشر بها نبيه صلى الله عليه وسلم، خلافة على منهاج النبوة، خلافة حقيقية تجمع ولا تفرق، تؤمّن الخائف وابن السبيل، تبسط سلطانها الذاتي على الأراضي التي تحكمها، يعيش في ظلها المسلم وغير المسلم آمنا على نفسه وماله وعرضه، إذ تنظر الدولة للجميع نظرة الرعوية فلا تفرق بين مسلم وغير مسلم، فالكل أمام القضاء سواء. لم يبق سوى وقت قصير لتطوي الأمة هذا الفصل الأخير فتدرك كيف هي خلافتها، لتصطف خلفها وتدفع عنها غائلة أعداءها وتبذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ عليها.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة