السحق والمعس والتفكير بالخلافة
أينما أدرت نظرك ترى السَّحق والمعس في بلاد المسلمين، ترى الدماء والأشلاء، ترى الذل والهوان، ترى البطش والقهر… ترى ذلك في فلسطين وسوريا والعراق ومصر وبورما وتركستان وأفغانستان… أفلا يكفي كل هذا؟! وإلى متى سيستمر هذا الحال؟!
إن الجواب على مثل هذه الأسئلة موجود في كتاب التفكير للشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله. فلقد ألّف الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله كتاب “التفكير” عام 1973، وكل من قرأ هذا الكتاب يلمس قوة وعمق محتواه ومع ذلك فالشيخ تقي الدين رحمه الله يقول في نهاية الكتاب “إن ملايين الكتب مثل هذا الكتاب لا تضمن أن تحرك الأمة للتفكير وأن تسوقها لأن تجعل التفكير سجية من سجاياها. ولكن الأحداث الموجعة التي تسحق الأمة سحقاً وتمعسها معساً، فإنها صارت تبعث الأمل في أن يجد التفكير سبيله للأمة. لا سيما بعد أن وجد فيها جماعات تفكر وجماعات تحاول التفكير”.
وبمعنى آخر، إن هذا السحق والمعس في بلاد المسلمين هو لتتحرك الأمة للتفكير، قال تعالى ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾…
ومن جملة ما يجب التفكير به هو التفكير بفرض إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وهذا يقتضي التفكير بطريقة إقامة الخلافة بالطريقة الصحيحة والتفكير بالقائد الذي أعد عدة الخلافة ولم يبدل ولم يغير وأثبتت الأيام صدق نهجه… ويقتضي التفكير بإسقاط ما تبقى من طرق تغيير فاسدة، كاللعبة الديمقراطية، والتفكير بإسقاط ما تبقى من قيادات غير واعية، كالتي لا تزال تأمل خيرا في حلول وأموال بعض حكام المسلمين…
إن الأمة الإسلامية وبكل أسف لم تعِ بعدُ الدرس كاملا، فكان هذا السحق والمعس ليدعّ المسلمين دعّاً للتفكير السليم ﴿لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَايَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾.
إنه لا بد للخلافة من ميلاد ولا بد لميلادها من مخاض ولا بد للمخاض من آلام، فيا رب ﴿آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو عيسى