المادة -142-

المادة 142 –  يمنع كنـز المال ولو أخرجت زكاته.

دليلها قول الله تعالى: ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )) [التوبة 34] فإنها دليل على تحريم كنـز المال مطلقاً. وهي أي الآية وإن كانت نزلت في أهل الكتاب فإن لفظها عام، ونحن مخاطبون بها كما يظهر ذلك في أول الآية إذ قــال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)) [التوبة 34]. والدليل على أن الآية قد حرمت كنـز الذهب والفضة تحريماً عاماً سواء أخرجت زكاته أم لم تخرج هو:

أولاً: عموم هذه الآية، فنص الآية منطوقاً ومفهوماً دليل على منع كنـز المال من الذهب والفضة منعاً باتاً. فالمصير إلى أن الكنـز مباح بعد إخراج الزكاة ترك لحكم الآية الذي دلت عليه دلالة قطعية. وهذا لا يصار إليه إلا بدليل يصرفها عن معناها أو ينسخها، ولم يرد أي نص صحيح يصرفها عن معناها، ولا يحتمل أن يكون هناك دليل يصرفها عن معناها لأنها قطعية الدلالة، فلم يبقَ إلا الدليل الذي ينسخها، ولا يوجد دليل ينسخها فيبقى حكمها ثابتاً وهو تحريم كنـز المال ولو أخرجت زكاته، أي تحريم كنـز المال مطلقاً.

ثانياً: روى أحمد بإسناد صحيح عن أبي أمامة قال: «تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيَّةٌ، قَالَ: ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَرُ فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيَّتَانِ»، وأسند الطبري نحوه إلى أبي أمامة الباهلي. وهذا يعني تحريم كنـز الذهب والفضة مطلقاً ولو كان دينارين، ولو كان ديناراً واحداً، ما دام يكون كنـزاً، أي خزناً للمال لغير حاجة يراد إنفاقه عليها. والرسول قال ذلك بالنسبة لهذين الرجلين لأنهما كانا يعيشان من الصدقة وعندهما التبر، فقال: «كية» وقال: «كيتان» يشير إلى  قوله  تعالى: ((يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ)) [التوبة 35] التي هي قسم من آية الكنـز، أي يشير إلى آية الكنـز. فهذا دليل على تحريم الكنـز تحريماً مطلقاً، سواء أبلغ نصاب الزكاة أم لم يبلغ، وسواء أزكي أم لم يزكَّ، فالكنـز كله حرام.

ثالثاً: إن العطف في قوله تعالى: ((وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [التوبة 34] مغاير لقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)) [التوبة 34] فتكون الآية بمقتضى ذلك تشتمل على حكمين اثنين: أحدهما كنـز المال، والثاني عدم الإنفاق في سبيل الله. فنص الآية يدل على أن الوعيد بالعذاب الأليم منصب على هذين الأمرين. أي الذين يكنـزون الذهب والفضة، والذين لا ينفقونها في سبيل الله، فبشرهم بالعذاب الأليم. ومن ذلك يتبين أن من لم يكنـز، ولكن لم ينفق في سبيل الله يشمله الوعيد، وكذلك من أنفق في سبيل الله ولكنه كنـز المال فإنه يشمله الوعيد أيضاً. قال القرطبي: “فإن من لم يكنـز ومنع الإنفاق في سبيل الله فلا بد وأن يكون كذلك”. والمراد بالآية من قوله: ((فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) الجهاد لأنها مقترنة بالإنفاق. وكلمة في سبيل الله إذا قرنت بالإنفاق كان معناها الجهاد إلا إن وجدت قرينة تصرفها عنه. وعلى هذا فإن كلمـــة ((وَلَا يُنْفِقُونَهَا)) لا تصلح دليلاً على أنه إذا كنـزوها وأنفقوا منها في سبيل الله لا يشملهم العذاب. فإنه ليس معنى الآية ومن كنـز المال بأن لم ينفق منه في سبيل الله فبشره بالعذاب، بمعنى أن العطف عطف تفسيري، فيكون المال المكنوز إذا أنفق منه في سبيل الله لا يعذب كانزه، بل معناها من كنـز فبشره بالعذاب ومن لم ينفق في سبيل الله فبشره بالعذاب. فالعطف عطف مغايرة وليس عطفاً تفسيرياً. وبهذا يكون تحريم الكنـز تحريماً مطلقاً سواء أنفق منه في سبيل الله أم لم ينفق، ويكون تحريم الكنـز شيئاً وتحريم عدم الإنفاق في سبيل الله شيئاً آخر. وبذلك يظهر للعيان أن الآية قد حرمت كنـز المال ولو أخرجت زكاته ولو أنفق منه في سبيل الله.

رابعاً: روى البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلكَ هَذَا؟ قَالَ: ” كُنْتُ بِالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي: ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [التوبة: 34] ” قَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الكِتَابِ، فَقُلْتُ:     ” نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ: أَنِ اقْدَمِ المَدِينَةَ فَقَدِمْتُهَا، فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ ” فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ، فَكُنْتَ قَرِيبًا، «فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا المَنْزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ». فخلاف أبي ذر ومعاوية إنما كان في حق من نزلت الآية لا في معناها، فلو كان لدى معاوية أو لدى عثمان حديث صحيح بأن ما أخرجت زكاته ليس بكنـز، أي خلاف رأي أبي ذر لاحتج به معاوية ولأسكت أبا ذر به أو لاحتج به عثمان، مما يدل على أن عموم الآية وإطلاقها لم يكن فيه خلاف بين معاوية وأبي ذر أو بين عثمان وأبي ذر، وأنه لم يثبت عندهما حديث خلاف ذلك.

ومن ذلك كله يتبين أن الآية عامة جاءت لجميع الذهب والفضة سواء أكانت مضروبة أم غير مضروبة، وسواء أخرجت زكاتهما أم لم تُخرج، وسواء أبلغت نصاباً أم لم تبلغ. وعليه فالكنـز كله حرام.

والذين أحلوا الكنـز إذا أخرجت زكاته لم يجدوا ولا دليلاً صحيحاً لهم، وجميع أدلتهم أحاديث ساقطة عن درجة الاعتبار لضعفها وانهيار أسانيدها، حتى إن البخاري قد وضع باباً عنوانه “باب لا كنـز فيما أخرجت زكاته” ولكنه لم يأت في الباب ولا بحديث واحد يدل عليه، لأنه لم يصح عنده ولا حديث. وجميع الأحاديث التي استدل بها على جواز الكنـز إذا أخرجت زكاته لم يصح منها شيء بعد أن جرى تتبعها جميعها في مظانها، فهي أحاديث لا تخلو من مقال روايةً ودرايةً، أي سنداً ومتناً.

أما حديث أم سلمة الذي يستدلون به على جواز كنـز الذهب والفضة إذا أخرجت زكاتهما وهو: أخرج أبو داود من رواية عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت: «كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» والأوضاح: نوع من الحلي. قال في القاموس المحيط: «الوضح محركة بياض الصبح والقمر» إلى أن قال: «وحلي من الفضة جمعه أوضاح والخلخال»، فإن هذا الحديث ضعيف لأن ثابت بن عجلان فيه مقال حيث تفرد في الحديث وقال الذهبي في ترجمة ثابت: (مما أُنكِرَ على ثابت حديثُ عتاب عنه عن عطاء عن أم سلمة رضي الله عنها)، ومع ذلك، وحتى لو صح الحديث، فإنه خاص بالحلي التي تلبسها النساء فإن هذه لا تعد كنـزاً إذا بلغت النصاب وأخرجت زكاتها فهو تخصيص لعموم الآية أي أن الكنـز كله حرام سواء أكان سبائك أم مضروباً أم غير ذلك إلا الحلي فإنه يجوز كنـزها إذا أخرجت زكاتها، فهو دليل على إخراج زكاة الحلي ومستثنى من عموم الكنـز. وهو أي هذا الحديث لا يصلح دليلاً على جواز الكنـز إذا أخرجت زكاته من وجهين:

أحدهما: إن هذا الحديث جاء جواباً لسؤال، وكل نص جاء جواباً لسؤال، أو جاء في موضوع معين فإنه يجب قصره على ما خرج عليه السؤال، وعلى الموضوع المعين، ولا يكون عاماً لكل شيء، لأن لفظه متعلق بالسؤال، أو متعلق بالموضوع المعين، فيكون خاصاً بهما ومقصوراً عليهما فلا يتعداهما، ولذلك يكون الحديث خاصاً بالحلي فتكون الحلي إذا أخرجت زكاتها جاز كنـزها وما عداها فيحرم كنـزه. ولا يقال أن القاعدة الشرعية هي العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهنا اللفظ عام فلا يكون خاصاً بالأوضاح بل يشمل الأوضاح وغيرها، لا يقال ذلك لأن هذه القاعدة هي للسبب وليست هي لجواب السؤال ولا لموضوع معين. وهي قاعدة صحيحة ونصها يدل على أنها قاعدة للسبب لا لغيره إذ قالت: (لا بخصوص السبب) وهنالك فرق بين السبب وبين الموضوع المعين، وبين السبب وبين جواب السؤال: فالسبب هو أن يحصل أمر فينـزل فيه حكم شرعي، مثل سبب نزول آية: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) [الأحزاب 36] فإن سبب نزولها كما ورد في مسند أبي عوانة عن أنس بن مالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب زينب ابنة عمته على مولاه زيد فكأنها أبت، فأنزل الله هذه الآية. فهذا سبب نزول فتنطبق عليه قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) ومثل «سبب نزول آية الميراث، فإن جابر بن عبد الله حين جاء رسول الله يعوده وهو مريض سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: “كيف أقضي في مالي؟ كيف أصنع في مالي؟” فلم يجبه الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء حتى نزلت آية الميراث» متفق عليه عن جابر واللفظ للبخاري، فهذا سبب نزول، وهكذا جميع أسباب النـزول هي من هذا النوع وهي التي تنطبق عليها القاعدة المذكورة، وهذا خلاف جواب السؤال، وخلاف الموضوع المعين. إذ الموضوع المعين يكون الكلام فيه ويكون هو محل البحث فيأتي الحكم له، ولا يأتي الحكم ابتداء ولذلك يقتصر على ذلك الموضوع. وكذلك السؤال المعين يكون لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم معلقاً به، فالكلام يكون في جواب السؤال فيقتصر عليه. فمثلاً أخرج البخاري من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا، فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ، أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»

فجواب الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل خاص بما سأل عنه، فيكون قول الرسول أعتق رقبة معلقاً بسؤال الأعرابي. ومثلاً روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه سئل عن جواز بيع الرطب إذا يبس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: فَلاَ إِذاً» أخرجه أبو يعلى بهذا اللفظ عن سعد بن أبي وقاص وصححه الحاكم وابن حبان فجواب الرسول صلى الله عليه وسلم خاص بما سئل عنه أي ببيع الرطب بالتمر، فيكون قوله: «فَلا إِذاً» معلقاً بالسؤال. فهذا ليس سبباً للحكم وإنما هو جواب لسؤال، وهناك فرق كبير بينه وبين سبب الحكم. فاللفظ العام إن جاء جواباً لسؤال لم يكن سبباً للحكم، وإنما هو بيان لما جرى السؤال عنه، واللفظ العام إذا جاء تشريعاً لحكم جديد لأمر قد حصل، فإن تشريع الحكم يكون عاماً ويكون حصول الأمر سبباً لتشريع الحكم. وبهذا يظهر الفرق الشاسع بين السبب وبين جواب السؤال. فالسبب يكون الحكم عاماً يشمله ويشمل غيره، أما جواب السؤال فيكون خاصاً بالسؤال لأن لفظ الرسول معلق به. وأما سؤال الرسول عن ماء البحر وإجابته عليه بقوله: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» أخرجه الترمذي من طريق أبي هريرة، وقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فإن هذا الحديث كذلك خاص بالمسؤول عنه وهو ماء البحر ولكن الرسول بين للسائل أكثر مما سأل عنه، غير أنه ظل جواب الرسول خاصاً بما سئل عنه وهو ماء البحر ومحصوراً به. وكذلك سؤال الرسول عن بئر بضاعة، فإنه حين سئل عنه قال: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ» أخرجه الترمذي من طريق أبي سعيد الخدري وقال حسن وصححه أحمد، فإنه كذلك متعلق بالسؤال، فأجاب عن ماء بئر بضاعة، ولكنه أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه، غير أنه ظل جواب الرسول متعلقاً بالسؤال، فقد سألوه عن الوضوء من ماء البحر، فأجابهم بما هو أعم من الوضوء ومن الغسل وغيره. قال في الإمام شرح الإلمام: «لم لم يجبهم بنعم حين قالوا (أفنتوضأ به؟)؟ قلنا: لأنه يصير مقيداً بحال الضرورة وليس كذلك. وأيضاً فإنه يفهم من الاقتصار على الجواب بنعم أنه إنما يتوضأ به فقط ولا يتطهر به لبقية الأحداث والأنجاس» فيكون جواب الرسول عن ماء البحر وعن بئر بضاعة محصوراً فيما سئل عنه وليس عاماً في كل شيء، إلا أنه أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه ولكن في موضوع سؤاله، والكلام ليس في مطابقة الجواب للسؤال حتى يقال إن جواب الرسول أعم من سؤال السائل، بل الكلام في حصر الجواب في موضوع السؤال واقتصاره عليه وكونه لا يتعداه إلى غيره وليس في مطابقة الجواب للسؤال. قال الشوكاني في نيل الأوطار: «ومن فوائد الحديث مشروعية الزيادة في الجواب على سؤال السائل لقصر الفائدة وعدم لزوم الاقتصار. وقد عقد البخاري لذلك باباً فقال: باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله. وذكر حديث ابن عمر: «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: لا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلاَ الْعِمَامَةَ وَلاَ السَّرَاوِيلَ وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ» فكأنه سأله عن حالة الاختيار فأجابه عنها وزاد حالة الاضطرار وليست أجنبية عن السؤال لأن حالة السفر تقتضي ذلك. انتهى ما جاء في نيل الأوطار». وهذا كله يدل على أن الجواب محصور بالسؤال، لاحظ قوله: “وليست أجنبية عن السؤال” سواء أكان الجواب مطابقاً لما سأل السائل أم كان أكثر مما سأل فكله يكون الجواب خاصاً بالسؤال. ولهذا فإن سؤال أم سلمة رضي الله عنها هو عن الأوضاح، فيكون جواب الرسول صلى الله عليه وسلم خاصاً بالأوضاح ومقتصراً عليها ولا يتعداها إلى غيرها، لأنه جواب سؤال وليس سبب نزول حكم. وبذلك يسقط الاستدلال بهذا الحديث على جواز الكنـز إذا أخرجت زكاته. لأن الحديث خاص بالحلي.

ثاني الوجهين: إن آية الزكاة عامة لكل كنـز وحديث أم سلمة خاص بالأوضاح فيكون الحديث مخصصاً لعموم الآية، بأن الكنـز الممنوع إنما هو في غير الحلي، أما الحلي فلا يمنع كنـزها إذا أخرجت زكاتها، ولا يمكن أن يكون الحديث عاماً لكل كنـز ولا بوجه من الوجوه، وأبسط دليل على عدم جعله عاماً هو أنه لو جعل عاماً لكان ناسخاً للآية، لأن الآية عامة والحديث عام فيكون ناسخاً لها، والحديث خبر آحاد فهو ظني والآية قطعية، والحديث من حيث هو لا ينسخ القرآن ولو كان متواتراً لأن القرآن قطعي الثبوت ولفظه ومعناه جاء بهما الوحي ونحن متعبدون بلفظه ومعناه، بخلاف الحديث المتواتر فهو قطعي الثبوت ولكن الوحي جاء بمعناه ولم يأت بلفظه ولسنا متعبدين بلفظه فلا ينسخ القرآن فكيف بحديث الآحاد.. وعليه يسقط الاستدلال بهذا الحديث، حتى لو كان صحيحاً، على جواز الكنـز إذا أخرجت زكاته، لعدم جواز نسخ القرآن بالحديث.

ويقول الذين يجيزون كنـز الذهب والفضة إذا أخرجت زكاتهما إن الدليل على جوازه أن آية تحريم الكنـز منسوخة بالآيات التي فرضت فيها الزكاة. فإن تلك الآيات نسخت آية تحريم الكنـز بفرض الصدقة أي الزكاة عليها. والجواب على ذلك أن الزكاة قد فرضت على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، وهذه الآية أي آية تحريم الكنـز نزلت في السنة التاسعة للهجرة ولا ينسخ المتقدم المتأخر في النـزول. وفوق هذا فإن نسخ آية لآية أخرى لا بد من دليل يدل على أن هذه الآية ناسخة لتلك الآية حتى يكون النسخ فإن لم يوجد دليل يدل على النسخ فلا يكون هناك نسخ. فالنسخ هو إبطال الحكم المستفاد من النص السابق بنص لاحق ورفعه، وإبطال الحكم السابق بنص لاحق يشترط فيه أن ينص اللاحق على أنه ناسخ للسابق مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» أخرجه مسلم من طريق بريدة ومثل قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) [المجادلة 12] فهذه الآية تحتم تقديم الصدقات بين يدي النجوى إن وجدت فجاءت آية أخرى ونسخت ذلك قال تعالى: ((أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) [المجادلة 13] فرفع بهذه الآية التحتيم في تقديم الصدقة بين يدي النجوى. فالحديث بين فيه النسخ صراحة، والآية بين فيها النسخ إشارة بقوله: ((أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ)) فالنسخ لا بد أن يكون في النص ما يدل على أنه ناسخ لنص سابق إما صراحة وإما دلالة. ولا يكفي في النسخ أن يكون ظاهر النصّين أن بينهما تناقضاً لأن التناقض بين آيات القرآن غير موجود، وما أورده بعض العلماء من آيات توهم وجود التناقض بينها وادعوا أنها منسوخة فإن نصوص تلك الآيات نفسها صريح بعدم وجود التناقض والجمع بينهما واضح وليس فيها أية دلالة على النسخ. ولهذا فإن النسخ لا بد أن يكون في النص اللاحق الذي يدعى أنه ناسخ لما قبله ما يدل على النسخ إما صراحة أو دلالة. وآيات الزكاة لا يوجد فيها ما يدل على أنها ناسخة لآية الكنـز لا صراحة ولا دلالة، لا من قريب ولا من بعيد فلا تكون ناسخة لها. وحتى عند الذين يقولون إن وجود التناقض يجعل النص اللاحق ناسخاً للسابق لا تنسخ آيات الزكاة آية الكنـز لأنه لا يوجد ما يوهم التناقض بينهما فآيات الزكاة ينص الخطاب فيها على إخراج الزكاة، وآية الكنـز ينص الخطاب فيها على عدم الكنـز، ولا تناقض بين هذين الأمرين فيوجد كنـز وإخراج الزكاة، ويوجد عدم كنـز وإخراج الزكاة، ويوجد عدم كنـز وعدم إخراج الزكاة. ولذلك أيضاً لا يوجد نسخ حتى على هذا القول فمن أين يُدَّعى النسخ. ولهذا فإن كون الزكاة شُرعت في السنة الثانية للهجرة والكنـز نزلت آيته في السنة التاسعة للهجرة أي بعد فرض الزكاة بسبع سنين، وكون آيات الزكاة ليس فيها ما يدل على أنها ناسخة لآية الكنـز لا صراحة ولا دلالة، وفوق ذلك فهي لا تناقضها أي لا تتناقض آيات الزكاة مع آية الكنـز، لذلك كان ادعاء أن آية الكنـز منسوخة بالزكاة ادعاءً باطلاً فيُردّ.

ويقول الذين يجيزون كنـز الذهب والفضة إذا أخرجت زكاته إن الدليل على جوازه ما رواه البخاري: “عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لأعرابي سأله عن آية: ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ)) [التوبة 34]: من كنـزها فلم يؤد زكاتها فويل له إنما كان هذا قبل أن تنـزل الزكاة فلما نزلت جعلها الله طهراً للأموال” وخبر ابن عمر هذا لا يقال إنه تخصيص للقرآن بالسنة أو نسخ للقرآن بالسنة، ولكن هذا الخبر هو إخبار صحيح عن ذلك النسخ، فهو من باب نسخ القرآن بالقرآن، لأن الذي نسخ القرآن هو القرآن لأن الزكاة فرضت بالقرآن وليس بالسنة، فالواجب أخذه لأنه خبر صحيح يروي أن الآية منسوخة بأخرى. فيكون تحريم الكنـز منسوخاً. فما أخرجت زكاته جاز كنـزه. والجواب على ذلك من أربعة أوجه:

أحدها: إن هذا خبر آحاد يروي أن الآية قد نسخت، فينطبق عليه ما ينطبق على أي خبر آحاد من أنه ظني وما جاء في الآية قطعي، والقطعي مرجح على الظني فيكون نص الآية مرجحاً لعدم نسخها على نسخها، فيعمل بعدم النسخ لأنه الأرجح ويرد ادعاء النسخ.

ثانيها: إن الإخبار بنسخ الآية هو مثل رواية الحديث الذي يتضمن حكماً ينسخ حكماً آخر جاء في آية من القرآن، فكما أن الحديث لا ينسخ الآية إذا تضمن ما ينسخها أو ما يفيد نسخها. فكذلك خبر ابن عمر لا ينسخ آية من القرآن بمجرد إخباره أنها نسخت.

ثالثها: إن ابن عمر لا يخبر عن الآية بأنها نسخت إخباراً عن الرسول، أي لا يروي ابن عمر عن الرسول بأنه عليه الصلاة والسلام قال إن الآية نسخت، وإنما هو يعطي رأيه بأن الآية قد نسخت. إذ قد سأله الأعرابي عن الآية فأجاب من عنده أنها نسخت، ولم يسند ذلك للرسول بأنه عليه الصلاة والسلام أخبره أنها نسخت، فيكون رأياً لابن عمر بأن الآية نسخت بالزكاة، أي فهماً لابن عمر بأن الزكاة نسخت هذه الآية، وليس حديثاً عن الرسول، ورأي ابن عمر وفهمه لا يعتبر دليلاً شرعياً، لأن رأي الصحابي لا يعتبر دليلاً شرعياً على حكم شرعي فكيف يعتبر ناسخاً للقرآن؟!

رابعها: إن الزكاة فرضت في السنة الثانية للهجرة، وآية تحريم الكنـز نزلت في السنة التاسعة للهجرة، فكيف ينسخ حكم الزكاة المتقدم الآية التي نزلت بعده بسبع سنين. ولذلك يرد هذا الخبر دراية.

فهذه الأوجه الأربعة لا شك أنها كافية لإسقاط الاستدلال بهذا الحديث ولإبطال ادعاء أن الآية منسوخة، وعليه لا يصلح هذا الحديث دليلاً على جواز الكنـز إذا أخرجت زكاته.

ويقول الذين يجيزون الكنـز إذا أخرجت زكاته إن الدليل على جواز ذلك أن المسلم ليس مكلفاً مالياً بغير الزكاة، والأدلة على ذلك كثيرة، فمن ذلك ما ورد في الحديث المتفق عليه جواباً لسؤال الأعرابي، «… فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الإِسْلامِ ... إلى أن قال: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ» وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» أخرجه ابن ماجه من طريق فاطمة بنت قيس. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» أخرجه الترمذي من طريق أبي هريرة وحسنه، فهذه الأحاديث تدل على أنه ليس على المسلم في ماله سوى الزكاة. فقول الرسول «لَيْسَ عَلَيْكَ» وقوله «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ» وقوله «فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» عام فيشمل كل ما يجب نحو المال. وهذا يدل على جواز الكنـز إذا أخرج منه ما يجب على المسلم وهو الزكاة.

والجواب على ذلك أن حرمة الكنـز أمر مستقل عن الزكاة، والأخبار المذكورة تمنع وجوب حقوق إضافية على الزكاة. وهذا لا يمنع من وجود أحكام إضافية تتعلق بالمال. والكنـز من أحكام المال وليس من الحقوق الواجبة في المال. فالله تعالى لم يفرض على المال المملوك للمسلم حقاً في المال من حيث هو مال سوى الزكاة. ولكنه شرع أحكاماً أخرى للمال غير أحكام الزكاة. منها أحكام الربا في الذهب والفضة، ومنها أحكام الصرف في الذهب والفضة، ومنها أحكام الكنز في الذهب والفضة وكلها من أحكام المال، والكنز من أحكام المال كسائر الأحكام، وليس هو من الحقوق الواجبة في المال، ولذلك لا دخل لهذه الأحاديث في كنـز المال، وعليه فإن هذه الأحاديث لا تدل على عدم حرمة الكنـز إذا أخرجت زكاته، ولذلك يسقط الاستدلال بها. مع العلم أن الحديثين الأخيرين فيهما مقال حيث ضعفهما الحافظ في التلخيص، وبخاصة حديث ابن ماجه، فهو ضعيف الإسناد مضطرب المتن:  

فقد رواه ابن ماجه في سننه قال: حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنْهَا سَمِعَتْهُ تَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ».

ولكن رواه الترمذي في سننه قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَدُّوَيْهِ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الزَّكَاةِ فَقَالَ «إِنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ».

فإسناده إثباتاً ونفياً للحق سوى الزكاة ضعيف، والضعف من شريك وهو ثقة إلا أنه سيئ الحفظ، ومن أبي حمزة ميمون الأعور وهو ضعيف باتفاق لكثرة مخالفته وسوء حفظه. ولسوء حفظهما ذكرا الحديث مرة إثباتاً ومرة نفياً.

هذه جميع أدلة القائلين بجواز الكنـز إذا أخرجت زكاته، أي جميع الأدلة التي يمكن أن توجد شبهة في جواز الكنـز عند إخراج الزكاة منه، ويمكن القول إنه لا يوجد ما يبرر الاستدلال بها. ودليل أن آية الكنـز نزلت بعد فرض الزكاة بسبع سنوات كاف لبيان بطلان الاستدلال بهذه الأدلة. ومن هذا يتبين أن الآية صريحة وأن الكنـز حرام مطلقاً وإن أخرجت زكاته.

بقيت مسألة واحدة وهي: ما المقصود بكلمة الكنـز في الآية؟ والجواب على ذلك أن المراد من الكنـز في الآية هو جمع المال بعضه فوق بعض لغير حاجة. فالكنـز في اللغة جمع المال بعضه على بعض وحفظه، ومال مكنوز أي مجموع، والكنـز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرض أو على ظهرها. قال في القاموس المحيط: “الكنـز: المال المدفون وقد كنـزه يكنـزه والذهب والفضة وما يحرز به المال” وقال الإمام أبو جعفر الطبري: “الكنـز: كل شيء مجموع بعضه على بعض سواء كان في باطن الأرض أو في ظهرها” وقال صاحب العين: “وكان مخزوناً”. هذا هو معنى الكنـز لغة، والقرآن تفسر كلماته بمعناها اللغوي وحده، إلا أن يرد من الشرع معنى شرعي لها فتفسر حينئذ بالمعنى الشرعي. وكلمة الكنـز لم يصح أنه ورد معنى شرعي وضع لها، فيجب أن تفسر بمعناها اللغوي فقط. وهو أنه مجرد جمع المال بعضه إلى بعض لغير حاجة جمع من أجلها يعتبر من الكنـز المذموم الذي أوعد الله فاعله بالعذاب الأليم. فإن دفن المال يعني حفظه لعدم الحاجة إليه، وخزن المال يعني عدم الحاجة إليه. إذ وضع المال موضع الإنفاق يجعل دفنه غير وارد ويجعل خزنه غير وارد. فيكون المراد بكنـز المال في الآية هو خزنه لغير حاجة يراد إنفاقه عليها، فيصدق على كل خزن للذهب والفضة لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة ينفق عليها فليس من باب الكنز المذموم.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة