الأزمة المالية الأمريكية… والخلافة..!!
إن قمة دول البركس التي انعقدت في البرازيل تؤسس مصرفا للتنمية برأسمال 50 مليار دولار وصندوقا بقيمة 100 مليار دولار. وهذا أول تحد من نوعه عالميا يعلن وبعد أكثر من خمس سنين من حلول الأزمة المالية الأمريكية العالمية، من دول البريكس وهي المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع في ييكاتيرينبرغ، روسيا في حزيران 2009 حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، وهذا يعني بداية البحث لإيجاد أول بديل عالمي لمعاهدة بريتون ودز التي عقدت بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م، حيث كان أهم ما نتج عنها هو إعطاء السيادة والمرجعية للدولار الأمريكي أي جعله “العملة العالمية الاحتياطية”، وهذا يعني اقتصاديا تنحية الذهب من موقعه كونه عملة احتياطية عالمية، والذي أنهى وجوده رسميا خطاب الصدمة للرئيس الأمريكي نيكسون عام 1971م، وبالفعل صُدِم العالم، ولكن لا حل ولا بديل عالميا، حيث السيطرة والتفرد العالمي لأمريكا، ولكن وبعد تتالي أزمات الدولار العالمية وصولا إلى الأزمة المالية العالمية والتي فجرت من أمريكا بسبب ما سمي أزمة الرهن العقاري، فإن خسارة العالم لم تكن مليارات بل تريليونات، وما زالت الخسائر تتوالى على العالم بشكل عام، وحيث ما زالت الأزمة تتعمق ولا حل..!!، فقد سارعت الدول التي أدركت أنها تخدم هي وشعوبها الدولار الأمريكي إلى محاولة إيجاد بديل ولو جزئيا، بمعنى أنه ليس عالمي فكان إعلان دول البريكس والذي يعتبر تحديا لأمريكا اقتصاديا والذي أفاد بتأسيس مصرفٍ للتنمية وصندوقٍ ماليٍّ لهم، وكل ذلك خارج المنظومة العالمية التي تسيطر عليها أمريكا بشكل رئيسي وتعطي الفتات لبقية دول العالم، وتلك المؤسسات وأشهرها صندوق النقد الدولي ما هي إلا أداة سيطرة على اقتصاد العالم ومن وراء جدار، رغم علم السياسيين والاقتصاديين في العالم وسمعهم، ولكنها سيطرة المتغلب (أمريكا الاقتصادية) الجشع الرأسمالي وغير المنصف حتى لشركائه في المبدأ الرأسمالي الديمقراطي وهم بخاصة دول الغرب، وهي نتاجات الحرب العالمية الثانية ومقررات مؤتمر بريتون وودز والتي يعلمها القاصي والداني من السياسيين والاقتصاديين في العالم، والتي ما زال العالم مقيداً بها ومنتحرا بها ولا يستطيع إلا حمايتها، لأنه مثل “بالع السكين”، فلا يستطيع هذه ولا تلك.
أما الحل..!!؛ وهو الذي لا بد منه شاء العالم أم أبى..!!، فيكون بإقصاء الدولار الأمريكي عن عرش العملة العالمية ووضع البديل الأصيل وهو الذهب عملة احتياطية للعملة العالمية..!!، وهذا ما كان قبل 69 عاما، أي ليس منذ زمن بعيد، بل قبل مؤتمر بريتون وودز سالف الذكر، والذي أودى بالعالم إلى الأزمات والكوارث الاقتصادية واستعباد العباد في كل العالم بلا عبودية حقيقية كما في العصور السابقة قبل مئات السنين..!!، وهي عبودية بشكل عصري وحديث، وأسميها “عبودية المعاصرة والحداثة” في القرن الواحد والعشرين.
إن العودة إلى ما يسمى قاعدة الذهب اقتصاديا وعالميا هو عينه الحكم الشرعي للتداول النقدي في دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، حيث الأمر رباني أي حكم شرعي لا يستطيع لا المسلمون ولا الخليفة الحيد عنه وتركه، وهو يتلخص بشكل يسير وسهل أن “لا يطبع دينار ولا درهم ولا أي عملة دون غطاء ذهبي له”، وهذا يضمن الحقوق بين الدول وبين الأفراد، واختصارا لكل المعاملات البينية بين البشر، فهو يضمن سيولة اقتصادية حقيقية وتعاملاً حقيقياً بين البشر، ولا يتصرف إنسان بأكثر مما يملك ولا يتعامل كذلك إلا بتعامل حقيقي وغير مبني على اقتصاد وهمي (الأسهم، البورصات، الشيكات…)، وعليه فالاقتصاد العالمي المبني على احتياطية الدولار وهمي ومنتفخ كالورم السرطاني ولا بد من اجتثاثه، شاء العالم أم أبى..!!، وعليه لا زوال له إلا بوجود:
– دولة تحمل مبدأ عالميا تَجرؤ على طرح الحل ووضعه موضع التطبيق، وتتسم هذه الدولة بالعدل وحماية مصالح البشر من كل جوانبها ونواحيها، فلا تنظر للعالم من وجهة نظر مصالحها الخاصة، بل بنظرة عامة لمصلحة البشرية جمعاء، ولا يخفى على السياسي المتابع للوضع الاقتصادي وبعد فشل واندثار الاتحاد السوفياتي سابقا ومبدئه الاشتراكي، أن لا بديل عالمياً مطروحاً الآن إلا المبدأ الإسلامي بدولته دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة.
– دولة الرحمة والعدل التي تهتم بمصالح البشر كما ترعى مصالح رعاياها، وهذا ليس تنظيرا بل واقع عاشته البشرية على مدى ثلاثة عشر قرنا من الزمان.
– دولة يقوم اقتصادها على الاقتصاد العملي والعيني الفعلي.
– دولة تعمل على إسعاد البشرية عقائديا وماديا.
– دولة ليس همها الحروب والفوضى الخلاقة العالمية من أجل بيع السلاح وإنعاش اقتصادها على حساب تقتيل الآخرين والتخلص من ملايين البشر لتقليل عدد سكان العالم للوصول إلى الكفاية الغذائية (الندرة النسبية).
– دولة تسود العالم وتزيل التوترات والتسلط الفردي والدكتاتوري عن البشر أينما كانوا وتنصر المظلوم.
– دولة تهتم بكرامة الإنسان وحياته وآدميته.
– دولة أبعد ما تكون عن الدموية والتقتيل، وما أفغانستان والعراق والشام وغزة عنا ببعيد.
نعم إنها دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة تطبق الإسلام من القرآن والسنة المشرفة ويحاسب خليفتها على أساس أحكام الإسلام، لا ديمقراطية البشر وأحكامهم، تحفظ حقوق الرعايا من كل الأديان كما تحفظ حقوق المسلمين، ولا أقليات ولا طوائف فيها فالكل في ظل الأحكام الشرعية سواسية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وليد حجازي – أبو محمد