مارس 1924: اليوم الذي تم فيه إلغاء الدولة التي أسسها رسول الله

مارس 1924: اليوم الذي تم فيه إلغاء الدولة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم! (مترجم)

     

“كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، ولكن ستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمرنا: قال: فوا ببيعة الأول فالأول. “[صحيح مسلم]

كانت الدولة التي أقامها النبي (صلى الله عليه وسلم) في المدينة المنورة تمثل أعلى نموذج للحكم عُرِف من قبل- تلتها الخلافة الراشدة، على منهاج النبوة. كان الخلفاء الذين أتوا بعد الخلفاء الراشدين يتفاوتون في مكانتهم. وكان من أبرزهم عمر بن عبد العزيز ومحمد الفاتح وسليمان القانوني وعبد الحميد الثاني – كانوا حكاماً عظاماً. وقد كان أقلهم شأناً أفضل من الحكام المجرمين الذين يحكمون العالم الإسلامي اليوم. حتى في العهد العثماني، عندما كانت الخلافة ضعيفة تثقلها الديون، كانت لا تزال قوة كبرى على الساحة الدولية. لم يكن ذلك لأنها لم تحكم ولم تفكر أن تحكم بغير نظام الإسلام فحسب، بل لأنها كافحت أيضاً للحفاظ على وحدة الدولة ووحدة الأمة.

قبل 89 عاماً، وفي 3 مارس 1924، بعد بضع سنوات من تقطيع أوصالها  (بعد الحرب العالمية الأولى)، وبعد فترة طويلة من الانحدار الفكري- ألغى المجرم مصطفى كمال في أنقرة دولة الخلافة، نموذج الحكم الذي أقامه حبيبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكانت ردة فعل العالم الإسلامي على إلغائها صدمة كبيرة، وقد وصف إلغاء الخلافة بأنه “كارثة على كلٍّ من الإسلام والحضارة”. وتوقع الواعون يومها أن يقع العالم الإسلامي بعد ذلك فريسة ” للاضطراب والفوضى”. وللأسف، ثبتت صحة هذه التنبؤات. فقد قسمت الأمة، واستُعمِرت وقهرت واستغلت واحتُلَّت منذ ذلك الحين. ولا يزال المسلمون حتى الآن يبحثون عن طريق للتغلب على البؤس الذي يعيشونه.

ظل المسلمون على مدى عقود بعد زوال الخلافة يتطلعون إلى النظام الرأسمالي الغربي ونموذج الدولة الوطنية- يتناوب على حكمهم طغاة ظالمون وساسة ديمقراطيون فاسدون. ومنذ هدم دولة الخلافة، حصرت ممارسة الإسلام في الاعتقاد الفردي والصلاة والصوم في رمضان وفريضة الحج. نتّبع السنة النبوية في هذه العبادات الفردية، ولكننا تخلينا عن سنته في السياسة والحكم! مع أنه من خلال هذه المؤسسة العظيمة، دولة الخلافة، علم النبي (صلى الله عليه وسلم) هذه الأمة كيف تمارس السياسة وتدير شؤون المجتمع والدولة لصالح المسلمين وغير المسلمين على السواء.

تمثل دولة الخلافة وحدة الأمة. فالخليفة هو أمير هذه الأمة. قال الله سبحانه وتعالى: ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)) [سورة آل عمران :103 ]. الخلافة هي الطريقة العملية التي تضمن بها الشريعة هذه الوحدة. حيث أن العلاقة التي تربط الناس ببعضهم في دولة الخلافة هي التابعية. فكل من يحمل تابعية الدولة الإسلامية- مسلمون وغير مسلمين- لديهم الحق الكامل في رعايتها دون خوف من التمييز، مثلما يجب عليهم جميعاً مراعاة كافة القوانين، وفقاً للقاعدة الشرعية العامة القائلة: “لهم ما للمسلمين من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف “. فدولة الخلافة ترعى شؤون جميع الرعايا بغض النظر عن الانتماء القبلي والعرقي- التزاماً بقول الله تعالى في القرآن الكريم: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)). [سورة الحجرات:13].

في غياب نظام الإسلام الوحدويّ تم تقسيم الأمة إلى دويلات وطنية، ولم يجلب خطر القومية والطائفية سوى الحرب والصراع والانقسام والفتنة في بلداننا وبين شعوبنا.

دولة الخلافة نظام سياسي تكون الأمة فيه صاحبة السلطان، وعليها واجب محاسبة الخليفة حسب أحكام الإسلام. فعند تولي سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) منصبه كخليفة خطب المسلمين قائلاً: “أيها الناس! وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني … أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”.

تكرس الخلافة محاسبة الحكومة لأن الله سبحانه وتعالى أوجب على الأمة الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكن الله عز وجل أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم.” (الترمذي)  لذلك يُعنَى أحد فروع السلطة القضائية في الشريعة بالقضاء بين الحكام والرعية، وهو ما يسمى بقضاء المظالم – الذي لديه صلاحية عزل الخليفة إذا خالف شروط عقده في الحكم. ويشجع الإسلام الأحزاب السياسية على محاسبة الحاكم؛ ثم إن واجب مجلس الأمة المكون من ممثلين منتخبين من الأمة أن يحاسب الحاكم، كما أن من حقه على الحاكم أن يشاوره؛ ووسائل الإعلام المستقلة تحاسب أيضاً الحكومة على أعمالها وتدقق فيها. في الوقت الذي يزعمون فيه بأن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لضمان محاسبة الحكومة، فإن واقع ما يسمى بالنظام الديمقراطي في بلدان مثل باكستان وبنغلاديش والعراق وأفغانستان… قد أوجد سياسيين فاسدين حتى النخاع، ابتلعوا الملايين والمليارات من ثروة الأمة، وفتحوا بلادنا على مصراعيها لخطط الاستعمار البشعة.

وعلى الصعيد الاقتصادي تغرق بلادنا في مستنقع من الديون والفقر وعدم المساواة والاستعمار الاقتصادي. يحدث هذا في وقت تنعم فيه أمتنا بكثير من الموارد الطبيعية، والأراضي الزراعية الخصبة الشاسعة، والقوى البشرية الوفيرة. سبب هذه الحال هو أن الساسة العلمانيين الذين يتولون أمر هذه الأمة اليوم إنما قلدوا هذا الأمر من أجل سرقة هذه الثروة ومساعدة القوى الاستعمارية في تنفيذ سياساتها في صندوق النقد الدولي/ البنك الدولي لضمان بقاء مواردنا في يد الغرب.

لا يستطيع أحد إخراج الأمة من هذا الوضع الراهن سوى قيادة إسلامية صادقة تطبق الأحكام الاقتصادية الإسلامية الواضحة. فدور الخليفة هو جمع أي إيرادات يسمح بها الإسلام – كالزكاة، والعُشر، والخراج، والجزية، وكذلك إيرادات الممتلكات العامة وممتلكات الدولة – وإنفاقها على الشؤون اللازمة. فعلى سبيل المثال، يحتاج كل مواطن الغذاء والملابس والمأوى، كما يجب توفير التعليم لكل طفل من ذكرا كان أو أنثى، وعلى الدولة أن تنفق أيضا على الصحة وعلى التجهيز العسكري.

إن العالم الإسلامي يئن تحت وطأة مشاكله، ويحتاج إلى بديل- وهذا البديل هو دولة الخلافة الإسلامية. فبعد ثورات الربيع العربي، لا تزال مصر وتونس غارقتين في أزمة سياسية وسوء إدارة، لأن النظام الوضعي أساساً لا يزال قائماً. نظام الخلافة وحده القادر على إيجاد حكومة تقوم على عقيدتنا، وتتفق مع هويتنا وتاريخنا وثقافتنا، ولديها حلول عملية لمختلف مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأهم من ذلك، فإنه من خلالها وحدها يمكننا أن ننال رضوان الله سبحانه وتعالى.

لم يعد النظام الرأسمالي الغربي اليوم، الذي حكم العالم على مدى عقود طويلة، معجباً بنفسه كما كان من قبل. فقد أوجد أزمة اقتصادية عالمية أخرى. وتجاوزت القوى الغربية حدود قدرتها في الحروب الإمبريالية التي شنتها على أفغانستان والعراق. وتمتلئ مجتمعاتهم بالتفكك الأسري والمشاكل الاجتماعية. وينظر الناس إلى السياسيين عندهم بأنهم فاسدون على نحو متزايد، وأنهم يخضعون للبنوك والشركات التجارية الكبرى.

في ظل اليأس من قدرة نظامهم، يشهِّر السياسيون ووسائل إعلامهم المدعومة من قبل الشركات الكبرى بنبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) ويصورون نظام الخلافة في الحكم بالتخلف وأنه أحلام متطرفين، لا لسبب سوى لمعرفتهم بأنه يتحدى هيمنتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم الإسلامي.

أيها الإخوة والأخوات:

إن علينا كمسلمين يعيشون في بريطانيا واجب التصدّي لهذه الأكاذيب عن الإسلام، وعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعن نظامه في الحكم، وعن الشريعة الإسلامية. بل يجب علينا في الواقع، أن نقدم للناس- الذين يشككون في الطريقة التي يعيشها العالم اليوم- البديل لذلك، من خلال دعوة جيراننا وزملائنا وغيرهم إلى الإسلام- فنبين لهم كيف تقنع العقيدة الإسلامية العقل وتتفق مع فطرة الإنسان ولديها القدرة على حل المشاكل البشرية.

لقد وعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الخلافة على منهاج النبوة ستعود- بعد أن ألغيت. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنه بعد فترة الحكم الجبريّ “ثمّ تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة، ثم سكت. “[مسند الإمام أحمد]

وانتظاراً لهذه العودة، أليس حقّاً علينا أن نفنّد التحريف الفظيع لنظام الحكم النبوي الذي نراه اليوم. أليس من واجبنا كمسلمين أن نعرف هذا النموذج من الحكم ونخبر الآخرين عن حقيقته، بدل أن ندع وسائل الإعلام التي تثير الذعر تشوش صورته عندهم.

أيها الإخوة والأخوات:

إن الخلافة وعد ربكم وبشرى نبيكم بل إنها تاج الفروض.

     
19 من ربيع الثاني 1434          حزب التحرير
 الموافق 2013/03/01م   بريطانيا

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة