(السعي نحو نموذج تعليمي من الطراز العالمي – الجزء 2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(السعي نحو نموذج تعليمي من الطراز العالمي – الجزء 2)

 

الخلافة على منهاج النبوة ستحمي التعليم من أن يكون سلعة استعمارية في بلاد المسلمين

 

(مترجم)

 

حدد الله سبحانه وتعالى الجودة التي ستنتج من عملية التعليم في الإسلام، بحيث يصبح الأفراد مؤهلين كأولي الألباب وجيلاً يصبح خير أمة. في المستقبل، سيصبح هذا الجيل قادرا على قيادة أمته لتصبح أمة عظيمة وقوية ورائدة، بل إلى درجة أنها ستصبح رائدة العالم في الحضارة وفي التطور التكنولوجي. هذا المقال هو الجزء الأخير من النقاش حول المفهوم الإسلامي للجامعة ذات المستوى العالمي.

 

التعليم هو استثمار كبير لحضارة

 

 

قبل فترة طويلة من الصحوة في أوروبا وأمريكا، كانت الأمة الإسلامية وحضارتها تقودان العالم بنجاح في الحضارة والتطور التكنولوجي لمدة 13 قرنا. لم تغلبها أية أمة أخرى في الصمود هذا القدر الطويل من الزمن. وقد وصف هونكي والفاروقي جيدا خلفية المجتمع الإسلامي في عهد الخلافة، حيث إنهما أسندا سببين رئيسيين لنجاحها في حيازة وتطوير العلوم والتكنولوجيا.

 

أولا، النموذج الفكري الذي نشأ في المجتمع الإسلامي، والذي ولد من العقيدة الإسلامية. والذي يصرح بأن العلم والإيمان “توأمان”، وأن التعلم هو شكل من أشكال العبادة – كطريقة لمعرفة الله – وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، في حين إن الخرافة هي شكل من أشكال الشرك. هذا النموذج حل محل النموذج الجاهلي، والذي كان أيضا النموذج الفكري لروما وبلاد فارس والهند، والذي جعل العلم امتيازا طبقيا محجوبا عن عامة الناس. وعلى العكس من ذلك، استخدم هونك مصطلح “أمة واحدة تذهب إلى المدرسة” لتوضيح أن هذا النموذج الفكري كان ثوريا جدا بحيث كانت هناك صحوة علمية وتكنولوجية. وظهر الدافع في السعي وراء طلب العلم من خلال الأحاديث الشريفة مثل «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، و«اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، و«اطلبوا العلم، ولو في الصين»، و«طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة»، الخ. وحتى الأثرياء كانوا متحمسين وفخورين جدا للقيام بالأمور التي من شأنها رفع مستوى العلم والتعليم في المجتمع، مثل بناء مكتبة عامة، وإنشاء مرصد، أو مختبر، فضلا عن التعاقد مع الخبراء.

 

ثانيا، كان دور الدولة قويا في توفير المحفزات الإيجابية لتطوير العلوم. وعلى الرغم من أن الأوضاع السياسية كانت متغيرة، إلا أن موقف الحكام المسلمين في الماضي نحو العلم كان أكثر إيجابية من الحكام الحاليين. لقد أظهرت الدولة احتراما كبيرا تجاه المعلمين والباحثين والعلماء ووفرت احتياجاتهم، ومكّنتهم بجدية في دورهم بل وشجعتهم على التمكن من أعلى المستويات من العلوم وكانت دوافعهم إلى ذلك مستندة إلى القرآن والسنة.

 

والنقطة الثانية هي محور هذه الورقة. لا جدال في أن استقلال الدولة وقوة رؤيتها هي أهم العوامل في التمكن المعرفي/العلمي وتوجيه تخطيط نظام تعليم متميز. وذلك لأن النظام السياسي للدولة سوف يقوم بتوجيه إدارة مواردها (الطبيعية والبشرية) كاملة لتحقيق أهدافها السياسية.

 

السياسة في الإسلام تعني رعاية شؤون الأمة داخليا وخارجيا بأحكام الإسلام. وتنفيذ النشاط السياسي يكون من قبل الأمة والدولة. الدولة هي المؤسسة التي تباشر هذه الرعاية عملياً. والأمة تقوم بمحاسبة الدولة في قيامها بواجباتها. وفي الوقت نفسه، فإن الهدف السياسي للإسلام هو الحفاظ على حياة الرعية بالشريعة الإسلامية في جوانب مهمة من حياتهم، وهي: المحافظة على النسل، والعقل، والشرف، والحياة البشرية والممتلكات، والدين، والأمن، والبلاد.

 

في مجال التعليم، من أجل تحقيق الهدف السياسي للإسلام في الحفاظ على العقل، تلتزم الدولة بتشجيع الأفراد على طلب العلم، والتفكير والاجتهاد، وكذلك الحالات المختلفة التي يمكن فيها تطوير قدرات العقل البشري، وهو أيضا يشيد بوجود العلماء (انظر: سورة المائدة: 90-91؛ سورة الزمر: 9؛ وسورة المجادلة: 11). ستقوم سياسة الدولة في نظام الإسلام بتخطيط النظام التعليمي جنبا إلى جنب مع أنظمة الدعم كاملة. ليس فقط من حيث الميزانية، ولكن أيضا فيما يتعلق بوسائل الإعلام، والبحث والعمل والصناعة، صعودا إلى مستوى السياسة الخارجية. الحكومة الإسلامية تدرك حقا بأن التعليم هو استثمار المستقبل من أجل بقاء الإسلام.

  1. I.  السياسة الداخلية في الإسلام: ضمان عدم تحويل التعليم إلى سلعة

يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، أنزل الله سبحانه وتعالى الإسلام رحمة للعالمين. وتتحقق رحمة الإسلام هذه من خلال تحقيق الخير للجميع من خلال قدرة أحكام الإسلام على حل جميع مشاكل الحياة لجميع البشر في العالم. وينطبق الشيء نفسه في التعليم. لن تقوم الخلافة بالتمييز عند توفير التعليم. وسيتم توفير التعليم الجيد المجاني من المستوى الابتدائي إلى المستوى الثانوي لجميع الرعايا بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العرق، أو الطائفة، أو الجنس. وبالنسبة للتعليم العالي، فإن الخلافة ستقوم بتوفيره وفقا لقدراتها.

 

في عهد الدولة الإسلامية التي نشأت في المدينة المنورة بقيادة النبي ﷺ، بدأ نمط توفير التعليم، وكان النبي ﷺ بصفته رئيس الدولة يشيد بالعلم. وفي الفترة اللاحقة للخلافة الإسلامية، تم توفير التعليم مجانا لجميع الرعايا. وبالتالي، لم يحصل طوال التاريخ الإسلامي، أن سعت الدولة للربح أو فرضت رسوما على الرعية مقابل التعليم. ويرجع ذلك إلى أن النموذج الفكري للدولة قد أعدّ التعليم باعتباره حاجة أساسية للشعب يجب أن تتحقق. ثم أصبح التعليم في جوهر السياسة الاقتصادية في الإسلام، أي ضمان إشباع جميع الحاجات الأساسية. والحاجات الأساسية لكل فرد من أفراد الرعية هي ثلاثة المأكل والملبس، والمسكن. أما بالنسبة لحاجات المجتمع الأساسية، فهي الأمن، والطب، والتعليم.

 

تضمن السياسة الداخلية للإسلام منع التعليم من أن يصبح تجارة أو سلعة اقتصادية. وعلاوة على ذلك، إذا فرضت رسوم معينة على الأفراد مقابل التعليم، فإن ذلك سوف يؤدي إلى التمييز بين الأفراد، لأنه سيؤدي إلى وجود نوعين من التعليم، تعليم للأثرياء وتعليم لعامة الناس. وبناء على ذلك، كان من الضروري أن نفهم المبادئ الأساسية للتمكن المعرفي عبر النظام التعليمي، والتي هي على النحو التالي:

 

  1. التمكن العلمي والتكنولوجي يجب أن يتم بشكل منهجي من قبل الدولة.
  2. التمكن العلمي والتكنولوجي يجب أن يكون فقط على أساس سياسات الدولة، وألا يكون مدفوعا من قبل المصالح الخاصة، ناهيك عن الأجانب.
  3. يجب أن تعيش الأمة الإسلامية في ظل نظام دولة الخلافة، التي هي الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام وتحمل الدعوة للإسلام في جميع أنحاء العالم بحيث يتم تطبيق الإسلام ليكون رحمة للعالمين.

هذه هي المبادئ الأساسية الثلاثة التي يجب أن تلتزم بها الأمة الإسلامية التي وصفها الله سبحانه وتعالى بأمها “خير أمة”. يجب أن نتذكر، أن ذروة التمكن في العلوم والتكنولوجيا أيام مجد الأمة الإسلامية في الماضي لا يمكن فصلها عن إقامة نظام الخلافة، حيث إن للخلافة نظام قيادة متكاملة على الصعيد العالمي ويتم تنفيذ الدور السياسي بمحاذاة الدور الديني. كما يدلنا التاريخ على أن الأعلام والقادة السابقين كانوا أفرادا أتقياء ورجال دولة مؤهلين وموثوقاً بهم، فضلا عن علماء ورعين يخشون ربهم، ويحبون المعرفة، ويحبون أمتهم. من هذا الجانب يمكن أن نرى التكامل بين الركائز الثلاث الرئيسية في تشكيل الحضارة الإسلامية، أي الدين والسياسة، والمعرفة، مندمجة تحت حكم واحد لنظام الخلافة وبقيادة الخليفة.

 

وفي الوقت نفسه، فإن المعيار لقياس قدرة دولة ما في التمكن العلمي والتكنولوجي بشكل منتظم، هو ما إذا كانت الدولة:

  1. قادرة على تشكيل نظام التعليم وفقا لنظرة الدولة للحياة والمشاكل التي تواجهها الدولة
  2. قادرة على تشكيل قدرة بحثية تؤدي إلى حل المشاكل التي تواجهها الدولة
  3. قادرة على تشكيل نظام صناعي يطبق نتائج البحوث
  4. قادرة على تشكيل نظام صناعي قادر على تحقيق منافع اقتصادية إلى حد ما
  5. قادرة على توجيه النظام الصناعي من أجل حل المشاكل التي تواجهها الدولة، منطلقا من رؤية الدولة ورسالتها.

وبناء على هذه المبادئ الأساسية، يتبين أن دولة قوية ومستقلة سوف تضافر كل المكونات الاستراتيجية من أجل التمكن العلمي، بدءا من النظام التعليمي، وبما في ذلك القدرات البحثية، ونظامها الصناعي، وأنماط تعيين العمالة، وصولا إلى السياسة الدبلوماسية والعلاقات الدولية مع الدول الأخرى. وقد صممت جميعا بتعاون انطلاقا من المسار السياسي للدولة.

 

  1. السياسة الخارجية في الإسلام: تحول دون أن يصبح التعليم أداة للإمبريالية

بالنسبة للدول التي تأسست على الأيديولوجية الرأسمالية فإن العلوم والتكنولوجيا هي العوامل الاقتصادية الأكثر أهمية، بجانب السياسة والقانون، والتغييرات الاجتماعية والثقافية. ولذلك، من أجل إنعاش الاقتصاد، فإنها تحتاج إلى تطوير العلوم والتكنولوجيا. انظروا إلى المراكز الصناعية للتعليم العالي واسعة الانتشار في جميع أنحاء العالم والمثيرة للاهتمام، مثل بوسطن، ونيويورك، وكاليفورنيا، أو تورنتو، وكولومبيا البريطانية، أو لندن، ومانشستر، وكامبريدج، أو سيدني، وملبورن، وكانبرا. هذه المدن الصناعية بدأت عملية رسملة القرن الـ21 للعلوم والتكنولوجيا، وخصوصا عندما يفهم بداهة بأن المعرفة هي المحرك للنمو الاقتصادي – اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا.

 

وبالتالي فإن تحليل سوزان سترينج صحيح، من حيث إن العلم والتكنولوجيا هي واحدة من نقاط القوة في العالم؛ “المعرفة هي القوة، فمن كان قادرا على التطوير أو الحصول عليه ومنع وصول الآخرين إلى نوع من المعرفة التي يحترمها ويسعى إليها الآخرون، سوف يمارس نوعا خاصا جدا من القوة الهيكلية”. وهكذا أصبحت ممارسات احتكار المعرفة اليوم نوعا من متطلبات وجود أية دولة تسعى لتكون قادرة على قيادة العالم. وهذا ما قام به الغرب ضد البلاد الإسلامية، مما أدى إلى تزايد ارتفاع مستوى الاعتماد على الغرب من حيث التطور العلمي.

 

هذا الاعتماد هو محل للسخرية حقا، ذلك لأن الأمة الإسلامية كانت في الحقيقة في طليعة التمكن العلمي. وقد قدم العلماء المسلمون العديد من الاكتشافات التي تم جمعها في كتب المعرفة، ثم تطورت باستمرار من خلال البحوث. وأثبت علماء كبار مثل ابن سينا، والفارابي، وابن خلدون، والخوارزمي، وغيرهم، بأن الإسلام قد قاد يوما مجد العلم.

 

جنبا إلى جنب مع تراجع الإسلام، تناقص عدد العلماء المسلمين، وحتى إن مصادر المعرفة التي وجدت في آلاف الكتب إما أن تكون قد دمرت أو أخذها الغرب لتطويرها. وأخيرا، أصبح الغرب هو الذي ينجز التطورات السريعة في العلم، وليس الإسلام. وذلك لأن الدراسة والبحث، وتطوير العلوم يتم بنشاط في الغرب. وفي الوقت نفسه فإن الأنظمة في البلاد الإسلامية ليست جادة في هذه الأنشطة، لذلك فهي ما زالت متأخرة باستمرار من التمكن العلمي.

 

لمعالجة مشكلة اعتماد البلاد الإسلامية على الدول الغربية فيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا، سيستعرض هذا الجزء من الورقة تحديداً كيف تتناول السياسة الخارجية في الإسلام مسألة التمكن العلمي والتكنولوجي. السياسة الخارجية في الإسلام لديها مسار سياسي يمنع استخدام التعليم كأداة للإمبريالية، سواء أكانت الدولة الإسلامية هي الفاعل أم المفعول به. وبعبارة أخرى، فإن الدولة الإسلامية سوف لن تستعمِر بلدا آخر باسم التعليم أو تسمح لنفسها بأن تُستعمَر بسبب الحاجة للمعرفة.

 

سوف تُلغي دولة الخلافة السياسات الخارجية للدول القائمة في العالم الإسلامي اليوم، والتي تتميز بالضعف والخنوع للغرب، لتُحل محلها نموذجا جديداً على أساس الإسلام. واستنادا إلى الشريعة الإسلامية، فإن الخلافة سوف تبني العلاقات مع الدول الأخرى في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة، والتعليم. وفي كل الشؤون الخارجية، وسوف تضمن الخلافة نشر الدعوة للإسلام للبشرية جمعاء في أفضل طريقة. قال النبي ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوْا أَنْ لاَاِلَهَ إِلاَّاللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَّسُوْلُ اللهِ وَيُقِيْمُوْا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوْا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوْا ذَلِكَ عَصَمُوْا مِنِّيْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ اْلإِسْلاَمِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ»

 

ستقوم دولة الخلافة الإسلامية بتنفيذ سياسة خارجية قائمة على طريقة ثابتة معينة، هي الدعوة والجهاد. هذه الطريقة لم تتغير على الرغم من أن حكام الدولة الإسلامية قد تغيروا. لم تتغير هذه الطريقة منذ تأسيس النبي ﷺ الدولة في المدينة المنورة، إلى أن هدمت الخلافة العثمانية. وعندما كان النبي ﷺ يحكم في المدينة المنورة، كان دائما يعد الجيوش، كما أنه بدأ الجهاد للقضاء على أشكال مختلفة من الحواجز المادية التي أعاقت الدعوة للإسلام. كانت قريش إحدى تلك الحواجز المادية التي حالت دون انتشار الإسلام، وبالتالي كان لا بد من محاربتها. لقد قضى رسول الله ﷺ بنجاح على الحواجز المادية للمؤسسات الحكومية لقريش وغيرها من القبائل في شبه الجزيرة العربية، حتى انتشر الإسلام في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، سيتم بناء العلاقات بين دولة الخلافة والدول الأخرى استنادا إلى المبادئ التالية:

هناك فرق جوهري جدا بين المعرفة (العلوم والتكنولوجيا) والثقافة. المعرفة – ومنها العلوم والتكنولوجيا – هي عالمية، وليست مملوكة ولا حكرا على أمة بعينها. فأي شخص لديه الحق في تحصيلها ودراستها. دولة الخلافة – باعتبارها دولة أيديولوجية يتوجب عليها الحفاظ على ثقافة أجيالها، بحيث تصبح للأمة الإسلامية شخصية إسلامية نموذجية ونبيلة. وبذلك، تلزم دولة الخلافة جميع الأنظمة والبرامج ومناهج التعليم التي يتم تطبيقها في جميع أنحاء المؤسسات التعليمية القائمة تحت رعاية دولة الخلافة الإسلامية، تلزمها الرجوع إلى النظام والبرامج والمناهج الدراسية لدولة الخلافة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الدولة أن تضمن أن نظام التعليم الذي يجري في البلاد خالٍ من تأثير أي من الأيديولوجيات أو الأفهام التي تتعارض مع العقيدة الإسلامية، وكذلك خال من الثقافات الأجنبية.

 

في مجال التعليم، فإن الخلافة وفق مسار سياستها الخارجية واستراتيجيتها الدبلوماسية ستتعاون بشكل استباقي مع الدول الأخرى غير المعادية، أما المبادئ التي تحكم الاتفاقيات الدولية لدولة الخلافة في التعليم فهي كما يلي:

  1. تطبق الدولة الإسلامية المناهج الدراسية في التعليم وفق سياسة معينة لتشكيل الشخصية الإسلامية
  2. تسمح الشريعة الإسلامية بتعليم وتعلم أنشطة في إطار تنمية المعرفة التي تعود بالفائدة على الأمة والعالم
  3. يجوز للدولة الإسلامية إبرام اتفاقات لجلب مدرسين ومحاضرين في مجال العلوم التجريبية من الخارج، لأن المعلم مرتبط بمنهج الدولة، وينبغي منه ألا يحيد عنه
  4. لا يجوز إبرام اتفاق يتضمن محتواه السماح للدول الأخرى بنشر الأفكار والعقائد الخاطئة، أو فتح المدارس الخاصة بين أبناء الأمة
  5. لا يجوز إبرام اتفاق يتطلب محتواه أن تكون الدولة الإسلامية ملزمة بأي برنامج لا يتفق مع سياسات التعليم التي يجب التقيد بها بقوة

يضمن الإسلام بمبادئه النبيلة بأن تكون جميع العلاقات والاتفاقيات مع الدول الأخرى دائما على أساس التناظر وليس التلاعب، لأن منهجية السياسة الخارجية في الإسلام ليست استعمارية مثلما هي الحال في النظام الرأسمالي، وإنما هي الدعوة والجهاد لإعلاء القيم الإنسانية. وعلاوة على ذلك، فإن الأصل في العلاقات الدبلوماسية في الإسلام هو الاهتمام بالمصالح الداخلية دون تجاهل لمصالح الدول الأخرى.

 

خطوات تكتيكية لدولة الخلافة في سياسة التمكن المعرفي

 

ا. استراتيجية بناء قدرة الدولة في التمكن المعرفي

 

الاستراتيجية الأولى مرتبطة ببناء ثلاثة نظم فرعية تدعم قدرة الدولة في التمكن من أعلى مستويات المعرفة.

 

أولا: بناء نظام تعليم يقوم على رؤية من المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية إلى التعليم العالي بحيث تكون العقيدة الإسلامية المصدر الوحيد للفلسفة والأعراف العلمية، وبذلك يولد جيل يحمل صفات عقلية القيادة وإخلاص المؤمن، ولديه مجموعة متنوعة من المهارات ومجالات الخبرة.

 

ثانيا: بناء نظام البحث والتطوير، الذي لديه القدرة على إجراء بحوث متكاملة سواء من معاهد ومؤسسات البحوث في الدولة، أو من الجامعات. بحيث تكون كلها تحت التحكم والتشجيع والتمويل الكامل من قبل الدولة.

 

ثالثا: بناء نظام صناعي استراتيجي مملوك ويدار بشكل مستقل من قبل الدولة، ويستند إلى متطلباتها العسكرية الحديثة وإشباع الحاجات الأساسية للأفراد. ولضمان استقلال الصناعة بما في ذلك القدرة على التحكم والإدارة وضمان أمن الإمدادات من العناصر المهمة في هذه الصناعة، وهي: المواد الخام، والتكنولوجيا، والخبرة، والهندسة، والتمويل، والقدرة على تشكيل سلسلة صناعية كاملة.

 

ب. استراتيجية أخذ المعرفة من الحضارات الأخرى

 

أولا: التعاون المعرفي والعلمي، والتكنولوجي مع دول الكفر المعاهدة

 

الاتفاق في مجال العلوم والتكنولوجيا جائز على الإطلاق، وذلك لأن الشريعة الإسلامية تسمح بذلك. وبالتالي، يسمح بهذا التعاون تبعا لشكل هذا التعاون، مع الاستمرار في مراقبة الموقف السياسي الدولي، ويسمح للخليفة قبول أو رفض مثل هذا الاتفاق من أجل الإسلام.

 

ثانيا: ترسل الدولة وفوداً من العلماء لطلب العلم في بلد معين. وسوف ترسل الدولة بمسارها السياسي وفوداً من العلماء للدراسة في الخارج لصالح المصالح الاستراتيجية لدولة الخلافة. فمثلا عندما رأى الخليفة الحاجة إلى قوة بحرية قوية لتعزيز الجهاد ضد القوة العظمى روما، بعث وفوداً من الأمة لتعلم تقنيات بناء السفن والملاحة باستخدام علم الفلك والبوصلة والبارود، وهلم جرا. وكان لا بد لدراسة ذلك في الصين – الذي كان أول من وضع علم البوصلة أو البارود، لذلك ذهبوا إلى هناك، رغم صعوبة الرحلة، وكان عليهم أن يتعلموا لغات أجنبية عدة. وهذا خلاف ما يحدث اليوم، حيث إن المنح الدراسية للعلماء المسلمين للدراسة في الخارج يتم تمويلها في الغالب من قبل أطراف خارجية، وليس من قبل الدولة. في الواقع، فإن الدول الأجنبية هي التي تقوم بتمويلهم، بينما تعمل الحكومة كمجرد ميسر فقط.

ثالثا: توظيف علماء أجانب لتعليم “الأمة الإسلامية”

 

في حالات سياسية معينة، يجوز اتخاذ بعض التدابير المخابراتية، خاصة عند التعامل مع الدول المعادية لدولة الخلافة، كما هي الحال في زمن السلطان محمد الفاتح (1453م) حيث جرت محاولات لإطلاق سراح السجين أوربان، المهندس البارع في صناعة المدافع، من سجن القسطنطينية. وكان الإمبراطور قسطنطين قد سجنه حتى يمنع توظيفه من قبل القوة العسكرية العثمانية. وبعد أن تم اتخاذ خطوات جادة تم إطلاق سراحه حضر أوربان إلى السلطان الفاتح، وتم توظيفه براتب يزيد عشرات أضعاف راتبه عندما كان يعمل في القسطنطينية. وأخيرا، صنع المدفع الضخم، الذي كان الأكثر تقدما في ذلك الوقت.

 

نستنتج من هذه القصة، أنه لو كانت هناك جدية لدى إحدى بلدان المسلمين نحو التمكن من العلوم واستقلال الرؤية، فإنه يجب بذل محاولات لتوظيف مشاهير العلماء من مراكز التعليم المشهورة عالميا اليوم مع دفع أجور عالية لهم. ليقوموا بتعليم أبناء وبنات البلاد، على بعض المعارف التي لم تتقن بعد، والذي يهدف إلى التنافس مع قدرة البلدان المتقدمة. أستاذ من جامعة هارفارد على سبيل المثال، يجب أن تدفع له عشرات المرات راتبه في الولايات المتحدة لتدريس أحدث تكنولوجيا التعدين في العالم الإسلامي، وعليه أن يدرس وفقا لمنهج الدولة، ويجب ألا ينحرف عنه.

 

من الممكن إعادة بناء مجد الإسلام للعالم الإسلامي إذا تم توحده كحضارة ليصبح “قوة جديدة” على الساحة السياسية العالمية. ستعود الأمة الإسلامية قريبا لقيادة العالم في الحضارة والتطور التكنولوجي، إذا تم إعادة توجيه نوعية الجيل الحالي فورا ليصبح جيلا من القادة. لأن البلاد الإسلامية لديها قوة هائلة فيما يتعلق بالموارد البشرية والموارد الطبيعية، والتي إذا توحدت تحت ظل دولة الخلافة، فإنه لن يكون هناك أي دولة أو أمة تستطيع أن تضاهيها.

 

وهذا سوف يحل بالضرورة اعتماد الأمة الإسلامية على التكنولوجيا من دول الغرب. وستواجه سياسة احتكار المعرفة التي يقوم بها الغرب من قبل أبناء الأمة الإسلامية بالاستقلال وقوة إبصار مبدئهم. وببطء ولكن بثبات، سيتغير الموقف، وسيصبح الغرب هو الذي يعتمد على الخلافة الإسلامية إن شاء الله.

 

والله أعلم بالصواب

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فيكا قمارة

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة