سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة العاشرة: توقف إقامة وتطبيق جل أحكام الشريعة الغراء (الأمر) عليها، وتولي (ولي الأمر) ذلك التطبيق

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة العاشرة: توقف إقامة وتطبيق جل أحكام الشريعة الغراء (الأمر) عليها، وتولي (ولي الأمر) ذلك التطبيق

الخلافة: الإمامة الكبرى، والرئاسة التامة

وإذا تأملنا في واقع الخلافة نرى أنها التجسيد العملي لولاية الأمر، أي أمر تنفيذ الأحكام، كل الأحكام والتي جمعها الشارع تحت مسمى “الأمر” ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18]، وسمى المتصرف بها “ولي الأمر”، ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59]، وجعله مسئولا عن تنفيذ تلك الأحكام، ببيعة الأمة له على ذلك التنفيذ، وطاعتها له، فالخليفة هو الإمام الأكبر، وولي الأمر، والخلافة هي الإمامة الكبرى[1]، والرئاسة التامة الكاملة العامة، فإن هذا يبين لماذا نقول بأنها الفرض الحافظ للفروض، أو تاج الفروض! فجل الواجبات متوقف عليها لا يوجد إلا بوجودها! فإذا كان الخليفة هو الإمام الأكبر، والخلافة هي الإمامة الكبرى فإن فرض إيجادها هو من أعظم الفروض!

وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ:

قال في القاموس المحيط: الأَمْرُ: ضِدُّ النَّهْيِ، وآمَرَه فَأْتَمَرَ، وـ: الحادِثَةُ، ج: أُمورٌ، ومَصْدَرُ أمَرَ علينا، مُثَلَّثَة: إذا وَلِيَ، الإمْرَةُ، بالكسر. وقولُ الجوهريِّ: مَصْدَرٌ، وهَمٌ. وله عَليَّ أَمْرَةٌ مُطاعةٌ، بالفتح للمَرَّةِ منه، أي: له عَلَيَّ أَمْرَةٌ أُطيعُهُ فيها. والأميرُ: المَلِكُ، وهي بِهاءٍ، بَيِّنُ الإمارَةِ، ويفتحُ، ج: أُمَراءُ، والمُؤمَّرُ، كمُعَظَّمٍ: المُمَلَّكُ، والمُحَدَّدُ،.. وأُولُو الأَمْرِ: الرُّؤَساءُ، والعلماءُ. إ.هـ.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وقال الراعي (النميري) يخاطب عبد الملك بن مروان[2]:

أَوَليَّ أمرِ اللَّه إنا مَعشر   حُنفاء نسجد بكرة وأصيلاً   

إ.هـ. 

يؤلف الشرع مجموع الأوامر والنواهي التي نزلت على الأمة لتسوس حياتها بها، وقد أطلق الشارع عليها اسم: الأمر، من باب وجوب الطاعة والانقياد لها، من هنا أمر الرعية بطاعة أولي الأمر والانقياد لهم، وقد يكون الأمر بمعنى الحوادث، فأولو الأمر يستنبطون الأحكام المتعلقة بالحوادث، ويرعون الشؤون بناء على هذه الأوامر والنواهي، فارتباط كلمة أولي الأمر بالسياسة جد وثيق، وأمتن منه عروة، أن السياسة هذه إنما تكون بإنزل أحكام الله على الوقائع والحوادث، ليسوس الناس حياتهم وفق نظام الإسلام، من هنا كان الارتباط بين الدين أي الشرع والسياسة ارتباطا عضويا لا ينفصم إلا عند من جهل.

وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي رواه أحمد: «ثلاثٌ لا يغلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إخلاصُ العَمَلِ لله عَزَّ وَجَلَّ، وَمُناصَحَةُ أولي الأمْرِ، وَلُزُومُ جماعَةِ المُسْلِمِينَ، فإنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: (باب ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ ذوي الأمر، كذا لأبي ذر ولغيره ﴿أُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ ذوي الأمر، وهو تفسير أبي عبيدة قال ذلك في هذه الآية وزاد: والدليل على ذلك أن واحدها ذو أي واحدُ أولي لأنها لا واحد لها من لفظها. إ.هـ. قال ابن منظور في اللسان: قال ابن سيده: ومن خفـيف هذا الباب أُولو بمعنى ذَوو لا يُفْرد له واحد ولا يتكلـم به إِلا مضافاً، كقولك أُولو بأْس شـديـد وأُولو كرم، كأَنَّ واحده أُل، والواو للـجمع، أَلا ترى أَنها تكون فـي الرفع واواً فـي النصب والـجر ياء؟ وقوله عز وجل: ﴿وَأُوْلِي﴾ ﴿الأَمْرِ مِنكُمْ﴾؛… وجملة أُولـي الأَمر من الـمسلمين من يقوم بشأْنهم فـي أَمر دينهم وجميع ما أَدّى إِلـى صلاحهم. إ.هـ.  وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: وفي أولي الأمر تأويلان: أحدهما أنهم الأمراء، وهذا قول ابن عباس رضوان الله عليهما. والثاني أنهم العلماء، وهذا قول جابر بن عبد الله والحسن وعطاء؛ وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ‏ﷺ: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني». إ.هـ. قال ابن حجر: ورجح الشافعي الأول (أي أنهم الحكام) واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، ولذلك قال ‏ﷺ «من أطاع أميري فقد أطاعني» متفق عليه، إ.هـ.  فترتيب الطاعة لأمرهم الذي يصدر عنهم ينبيك أن الأرجح فيها أنهم الحكام، وإن كان اللفظ جاء على الجمع فقال: وأولي الأمر، ولم يقل وولي الأمر، فإن الأمر يليه الخليفة ومن تحته جهاز حكم لكل فيه اختصاصه من الأمر، ومنهم الولاة على الأمصار لهم الطاعة، ومنهم الخلفاء على مر الزمان يتعاقبون، والرسول ﷺ حين أرسل حذيفة على سرية أمرهم بطاعته، على أن آيات أخرى تكلمت في أولي الأمر، والراجح أنهم العلماء في تلك الآية، ولم تقرنها بالطاعة، كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنِبطُونَهُ مِنْهُمْۗ وَلَوْلا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لاتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلا قَلِيلا﴾.


[1] والخليفة يأخذ الزكاة ليضعها في مصارفها، ويحفظ الأمن ويكون جُنَّةً للأمة، ويقيم الأنظمة السياسية التي ترعى شئون الأمة، الاجتماعية والاقتصادية والقضاء والعقوبات والسياسات التعليمية والمالية والإعلامية والحربية وما إلى ذلك،

[2] وقال في قصيدته: “أوَليَّ أمْرِ اللـهِ إنَّ عَشِيرَتِي  أمْسَى سَوَامُهُمُ عِزِينَ فُلُولاَ.”

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة