سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة التاسعة والثلاثون: الإجماع المعتبر

 

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة التاسعة والثلاثون: الإجماع المعتبر

 

والإجماع المعتبر على أنه تشريعٌ هو إجماع الصحابة لا غير، لاتصالهم بالرسول ﷺ ونقلهم لدليل من السنة عاصروه من خلال عيشهم مع نزول الوحي، فالسنة هي الدليل، وهم إنما ينقلون السنة التي عاصروها، فإجماعهم كشف عن دليل، وأما من جاء بعدهم فلم يعاصر، فليس لديهم شبهة الاتصال بالرسول ﷺ.

وأيضا: إجماع الأمة الذي صورته أن تنقل لنا الأمة عمليا جيلا بعد جيل حكما شرعيا كوجوب الحجاب، وعدد ركعات الصلاة، فمرد هذا الإجماع إلى نقل حكمٍ شرعيٍ، أي إلى الوحي، فهو أيضا ليس من باب نقل الأمة لعاداتها[1]، أو لآرائها، وذلك لأنه يكشف عن دليل نقلوه لنا سكوتاً أو قولاً، أو تصرفا عمليا[2]، وذلك أن التشريع لله ولرسوله ﷺ، ليس لأحد من البشر أن يشرع، والصحابة إنما يكشفون بإجماعهم عن دليل من سنة المصطفى ﷺ، من فعل الرسول ﷺ أو قوله أو سكوته “وقد نقلوا الحكم ولم ينقلوا الدليل فكان نقلهم للحكم كاشفاً عن أن هناك دليل على هذا الحكم، فليس معنى إجماعهم هو اتفاق آرائهم الشخصية على رأي واحد فإن آراءهم ليست وحياً وكل واحد منهم ليس معصوماً عن الخطأ فلا يكون رأيه دليلا شرعياً وكذلك لا يكون اتفاقهم على رأي دليلا شرعياً، لأن الدليل الشرعي لا بد أن يكون قد جاء به الوحي حتى يعتبر شرعياً، وآراء الصحابة ليست كذلك فلا تعتبر دليلا شرعياً، لا الآراء التي اختلفوا فيها ولا الآراء التي اتفقوا عليها،.. ومن هنا كان إجماع الصحابة إنما يكشف عن دليل.”[3]، وعنهم نقلت الأمة فيما بعد،

وقد يحصل النقل للحكم إجماعا، وينقل فيه أدلة من الكتاب أو السنة تعضد هذا الإجماع، فليس معنى الإجماع أن يكون في كل مرة خاليا من دليل منقول، أو أن يكون فقط كاشفا عن دليل غير منقول، فأدلة وجوب إقامة الخليفة من الكتاب والسنة كثيرة، ومع ذلك فقد نقلت أيضا بالإجماع وبالتواتر المعنوي فتأمل.

الإِجْمَاعُ نَقْلٌ لِلْحُكْمِ لا إِنْتَاجٌ (لا تَشْرِيْعٌ) لَهُ

فالإجماع بمعنييه هذين: الصحابة أو الأمة، لا يعدو أن يكون نقلا شرعيا، وليس فيه من معنى “إنتاج حكم” لا أصل له من الوحي، ولا ملء “فراغ تشريعي”، ولا جلب “مصلحة مرسلة” من الدليل[4]، إذ أن الشارع لم يترك الناس سدى ولا في قضية من القضايا كما تقرر، وأن العقل ليس بمشرع كما تقرر، سواء أكان عقل واحد من العلماء أم كان اجتماع عقول الأمة!  أو اجتماع عقول علمائها!

مفهوم الإجماع “سلب الخطأ” لا إضفاء “حقّ التشريع”

ومفهوم إجماع الأمة في هذه الحالة مفهومه “سلب الخطأ” عن الصحابة فيما أجمعوا عليه، أو عن الأمة فيما أجمعت عليه من نقلها لحكم شرعي، وليس في مفهومه: “إضفاء حق التشريع” لها بعد انقطاع الوحي[5].


[1] جاء الشرع ليبين للناس الحسن والقبح والخير والشر والثواب والعقاب، فالخلق الكريم حكم شرعي يجب أن يتصف به المسلم لكونه أُمِرَ بالاتصاف به، لا لأنه صفة حسنة في ذاتها، وبالمثل فإن ما اعتاده الناس إنما نزلت الشريعة لضبطه بالأحكام الشرعية، فيستحيل عقلا أن تكون الأمة أجمعت -على اختلاف مشاربها وأصولها وأعراقها وشعوبها- على عادة معينة مستقرة إلا أن يكون أصلها الشرع!

[2] لشدة اشتهار الدليل بينهم وجريانه في حياتهم، سوغ نقله نقلا عمليا منطوقا أو مفهوما، وقد لا يحتاج إلى نقله قولا!

[3] مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له. تقي الدين النبهاني 47-   50 شرح المادة 11 بتصرف،

[4] لا يوجد قطعا أي “فراغ تشريعي” ولا “مصالح مرسلة” من الدليل، ولا يحق للبشر أن يشرعوا أمرا مهما دق، وتجد تفصيلا واسعا لهذا في كتابنا: لا يصلح الإنسان في أي زمان أو مكان إلا بالإسلام وفي كتاب المصالح المرسلة لمحمود عبد الكريم حسن فراجعهما.

[5] أنظر: إشكاليات الإجماع لعلي عقيل الحمروني.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة