سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الواحدة والأربعون: إجماع الصحابة على وجوب إقامة الخلافة ونصب خليفة! – ج1

 

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة الواحدة والأربعون: إجماع الصحابة على وجوب إقامة الخلافة ونصب خليفة! – ج1

 

وقد حصل إجماعهم على وجوب إقامة الخلافة لم يشذ عن ذلك أحد، وهذا النقل عن حصول هذا الإجماع في هذه المسألة نقل إلينا نقلا متواترا، فهو قطعي، هذا وسنضرب قليلا من الأمثلة مما قرره بعض العلماء:

أ- قال ابن خلدون (في المقدمة): “إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأن أصحاب رسول الله ﷺ عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك ولم يترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام“. أي أن الأمة نقلت هذا الإجماع واستقر لديها كابرا عن كابر، وطبقة عن طبقة، فوجود الإجماع متواتر.

ب- قال الخطيب البغدادي – رحمه الله – أجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر قالوا له: يا خليفة رسول الله ولم يسمَّ أحدٌ بعده خليفة، وقيل: إنه قبض النبي ﷺ عن ثلاثين ألف مسلم كُلٌ قال لأبي بكر: يا خليفة رسول الله ورضوا به من بعده رضي الله عنهم[1]. انتهى

الصور التي تثبت حصول الإجماع وتحققه:

أقول: أولا: فهذه صورة من صور تحقق الإجماع، فقد بويع أبو بكر رضي الله عنه بالخلافة، ولم يرد عن أحدهم ما يدل على أنه منصب محدث في الدين مثلا (بدعة، بدليلٍ يُبَيِّنُ بدعية المنصب)، أو أنه يعارِضُ أدلة شرعية، أو أن ترد أدلة حول طريقة أخرى لخلافة الرسول ﷺ، وانقادَ الصحابةُ لأبي بكر رضي الله عنه وعنهم، وأطاعوه، وصدروا عن رأيه حتى فيما “رأوا رأيا غيره، مثل بدء المرتدين بالقتال”، وهذا كله يبين أنهم مجمعون على أن ما يجب لرئيس الدولة، وولي الأمر من طاعة وحقوق ومسئوليات، وجبت لأبي بكر رضي الله عنه بصفته خليفة، فأجمعوا على صحة إنزال الأحكام المتعلقة برئيس الدولة، ولي الأمر وعلاقتهم به، وعلاقته بهم على من قلدوه هذا المنصب، فهذا كله دليل تحقق الإجماع على منصب الخليفة! بل وأن يصار إليه ما كان لرسول الله ﷺ من الأحكام الشرعية المتعلقة برئيس الدولة، كأن يُعْطَى الزكاةَ، فكان أن قاتل مانعيها، بوصفه خليفة لرسول الله ﷺ في رئاسة الدولة تجب له مثل هذه الأمور مثل ما وجبت للرسول ﷺ، وقاتلَ الصَّحَابةُ مِنْ خَلْفِهِ المرتدينَ ومانعي الزكاةِ على ذلك الحق، وبهذه الصفة، أي صفة الخليفة، فكان هذا دليلا على انعقاد الإجماع باستحقاق صاحب هذا المنصب ما يحق لرئيس الدولة شرعا!

ثانيا: وليست العبرة ببيعة آحاد المسلمين كلهم له[2]، بل العبرة بإجماعهم على حرمة خلو العصر من إمام، وعلى فرضية خلافة رسول الله ﷺ، فالرسول ﷺ إذ قال: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، يفهم من هذا أن المطلوب هو وجود خليفة له في الأعناق بيعة لا أن يبايعه كل مسلم، وبالتالي فلو كان عدد المسلمين ملياراً فليس المطلوب أن يبايع المليار، بل أن يكون على المليارِ خليفةٌ أخذ البيعة بالتراضي من الأمة أو ممن يمثل الأمة!.


[1] تاريخ بغداد (10/130-131).

[2] فمثلا لم تبايع السيدة فاطمة الزهراء، عليها سلام الله، لا لإنكارها وجوب إقامة الخليفة، ولا لقولها بجواز خلو الأرض من خليفة، فلا يقال بأنها خرمت الإجماع رضي الله عنها  وأرضاها، ولم تمت ميتة جاهلية، لأن الزمان وقتها لم يخل من إمام مستحق البيعة، وهو مفهوم حديث «ومن مات وليس في عنقه بيعة»، أي ليس المطلوب أن يبايع بشخصه، بل المطلوب أن يُوجَدَ في زمانه خليفةٌ يستحقُّ البيعَةَ في الأعناق، ومن المعلوم أن الإسلام انتشر في أسقاع الأرض أيام الخلفاء الراشدين، فلم نسمع أنهم فهموا من الحديث أن على كل مسلم من المغرب إلى خراسان أن يقدم لبيعتهم بشخصه! بل مفهوم الحديث وجود خليفة في الأرض يستحق البيعة في الأعناق.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة