سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الخامسة والأربعون: طرق التواتر المعنوي – ج2

 

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة الخامسة والأربعون: طرق التواتر المعنوي – ج2

 

وأما الضرب الثاني: وأما النقل العملي، فيتحصل باستقراء وقائع وعادات[1] مستقرة عند الأمة، ومثاله اللغات: إذ أن مما يدخل في التواتر المعنوي استعمال العرب للغات، فإنها تعارفت على ألفاظ معينة تؤدي معان معينة، فاللفظ حتى يعتبر لفظا عربيا لا بد أن يُروى عن العرب الرواية الصحيحة إما بنقل الأشعار، أو من خلال استعمال من تقوم بهم الحجة من العرب للغات (وهذا شكل يتراوح ما بين التواتر المعنوي واللفظي).

ومن الأمثلة الأخرى: استقراء ما وصل إلينا من إجماع المسلمين على أمر يرجع أصله لإجماع الصحابة، ثم نقل في العصور التالية إجماعا على حكم ما، كثبوت أن الصلوات خمس، وركعاتها، وسنة الفجر، وانعقاد الخلافة.

وأما الضرب الثالث: فأن يستفاد التواتر المعنوي من خلال النظر واستقراء اشتراك النصوص، والوقائع والألفاظ والقرائن والأدلة والأمارات والأحكام الكلية والقواعد واتفاقها على “معنى كلي” من خلال عملية استقراء، والنظر في إمكان الإفادة منها في تأكيد معنى واحد مشترك، وقاطع،

فمثلا: باستقراء العلاقات بين الرجال والنساء في الإسلام نجد: تحريم النظر للعورات، وغض البصر، وحرمة السفر للمرأة مسيرة معينة دون مَحْرَمٍ، ‎وجعل صفوف النساء في الصلاة في المسجد العام خلف صفوف الرجال منفصلة عنهم، وقالت النساء للرسول قد غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما، ولم يجز شهادة المرأة في الجنايات،‎ وأدلة هذه الأحكام تدل دلالة التزام على فصل النساء عن الرجال، وأن الرجال لا يجتمعون بالنساء. ثم إن واقع حياة المسلمين في عهد الرسول هي فصل النساء عن الرجال، ‎وهذا الفصل معناه منع اجتماع الرجال بالنساء، والشرع جعل البيوت حياة خاصة، وجعل الاستئذان دليلاً على كونها حياة خاصة، فلا تدخل إلا باستئذان، فمنع الدخول ومنع ما يترتب عليه إلا وفق أحكام معينة، فالأدلة العامة للأحكام الشرعية المتعلق بالمرأة تجاه الرجل تدل دلالة قاطعة وليست ظنية على فصل النساء عن الرجال، لأنها جاءت بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة من آيات قرآنية وأحاديث متواترة[2]، فهذا الاستقراء للأحكام الشرعية يفضي إلى تواتر معنى‎ فصل الرجال عن النساء عند المسلمين في الحياة الخاصة وأضحى هذا مما هو معلوم من الدين بالضرورة، لقوة ثبوته وبداهته.

ومن الأمثلة الأخرى: استقراء ما وصل إلينا من النظر في الآيات والأدلة الدالة على وجوب الخلافة! وهو ما سنفعله في هذا الفصل ان شاء الله تعالى.


[1] جاء الشرع ليبين للناس الحسن والقبح والخير والشر والثواب والعقاب، فالخلق الكريم حكم شرعي يجب أن يتصف به المسلم لكونه أمر بالاتصاف به، لا لأنه صفة حسنة في ذاتها، وبالمثل فإن ما اعتاده الناس إنما نزلت الشريعة لضبطه بالأحكام الشرعية، فيستحيل عقلا أن تكون الأمة أجمعت -على اختلاف مشاربها وأصولها وأعراقها وشعوبها- على عادة معينة مستقرة إلا أن يكون أصلها الشرع!

[2] جواب سؤال لحزب التحرير بتاريخ: 11 من شهر رجب 1393هجري 9/8/1973 بتصرف.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة