سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة السابعة والأربعون: هل إقامة الخلافة فرض قطعي؟ هل نصب خليفة فرض قطعي؟

 

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة السابعة والأربعون: هل إقامة الخلافة فرض قطعي؟ هل نصب خليفة فرض قطعي؟

هل حرمة خلو الأرض من خليفة يقيم أحكام الإسلام قطعية؟

كما أسلفنا من قبل، فإننا سنقوم -بحول الله تعالى- بدراسة واستقراء الآيات والأحاديث والأدلة والأمارات والقرائن التي ترتبط بالخلافة، لنخلص منها إلى وجود التواتر المعنوي على وجوب الخلافة وهو المفضي للقطع.

وسنضرب الصلاة مثالا توضيحيا على كيفية إثبات تواتر فرضها المعنوي، ثم نطبق الأمر ذاته على الخلافة، بحول الله تعالى،

اعلم، يرحمك الله، أنه إلى جانب تقرير فرضية الأفعال (كالصلاة مثلا) بأوامر وقرائن، وجدنا أن الشارع قد حف تلك الأفعال التي أراد إظهار وجوبها بقرائن تبين مدى أهميتها أيضا، أو لإثبات أن ذلك الفرض قطعي لا يصح الاختلاف فيه، ووجدنا أن بعض هذه الأفعال بلغت مبلغ التواتر المعنوي من مجموع هذه الأدلة والقرائن التي حفتها، ويستنبط وجود التواتر المعنوي من تلك الأدلة والقرائن بدلالة الإلتزام بأنواعها الاقتضاء والتنبيه والإيماء، وأمثالها وبعضها بالتضمن، مما يجعل مجموع الأدلة تفيد التواتر المعنوي، وذلك طبعا إلى جانب استنباط فرضية الصلاة مباشرة من الأمر بإقامتها والقرائن التي حفته، فليس معنى استنباطنا التواتر أنه الدليل الوحيد على الفرض، بل إننا نستأنس به للدلالة على قطعية الفرض أيضا، وعلى درجة أهميته، فمن ذلك أمرُهُ جل وعلا بإقامة الصلاة: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ﴾،

ومن ذلك سؤال الكفار بعضهم في سقر: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾، فَعَدَّ الشارعُ تركها سببا في دخول النار، فاستنبطنا أن ذلك الأمر كان على سبيل الفرض أي الوجوب، وقال: ﴿فوَيلٌ لّلْمُصَلّينَ ۝ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاٰتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4 – 5]، فحذر من مجرد السهو عن الصلاة، وقوله ﷺ « إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ». رواه النسائي كتاب الصلاة. وابن ماجه، فعد إقامتها حدا فاصلا، وتركها جريمةً تضاهؤُ جريمةَ الكفرِ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 277]، ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: 18]، فأضافها، وعطفها على الإيمان والأعمال الصالحة، واختصها والزكاة من جملة الأعمال الصالحة لأهميتها،

وروى الإمام أحمد رضي الله عنه والترمذي واللفظ له: حَدَّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاذٍ الصَّنْعَانِيُّ عن مَعْمَرٍ عن عَاصِمِ بنِ أَبي النُّجُودِ عن أَبي وَائِلٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النبيِّ في سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عنِ النَّارِ، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوفِ الَّليْلِ، قَالَ: ثُمَّ تَلاَ ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإسلام، وَعُمودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ. ثمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أمّك يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلاَ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». قال أبو عِيسَى: هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

وهكذا تجد الإسلام قد حف الصلاة بقرائن تبين عظيم قدرها في الإسلام، لذلك نجد فرضها من أعظم الفرائض وأهمها في الإسلام، ومن هذه الأدلة وجدنا تواتر فرضها معنويا، أي قطعية الفرض، فلا خلاف في ثبوته. فلنطبق العملية ذاتها على الخلافة لنثبت تواترها معنويا[1]:


[1] راجع فصل: التشريع حق لله وحده تعالى، وعلاقته بفرض الخلافة، مفهوم الحاكمية، والمفاصل الثلاثة المذكورة فيه، وقد تم استنباط وبيان ثبوت التواتر المعنوي باجتماع الأدلة والقرائن منها!

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة