سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي” الحلقة الستون: القرينة الرابعة عشرة: وممارسة الرسول ﷺ للحكم بها

سلسلة “الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي”

للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك

الحلقة الستون: القرينة الرابعة عشرة: وممارسة الرسول للحكم بها

 

وقد ثبت بالقطع أن رسول الله ﷺ أقام نظام الحكم وأجهزة الدولة، ومن ذلك أنه أنه وَلّى على البلدان وُلاة، وجعل لهم حقَ حُكمِ المقاطعات، فقد وَلّى معاذ بن جبل على الجَنَد، وزياد بن لَبيد على حَضْرَمَوت، وولّى أبا موسى الأشعري على زَبيد وعدن. الدولة. عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كان رسول ﷺ إذا أَمَّر أميراً على جيش أو سَرية أوصاه في خاصته بتقوى الله. ومَن معه مِن المسلمين خيراً» رواه مسلم، عزل الرسول ﷺ العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين؛ لأن وفد عبد قيس شكاه، وقد ولَّى الرسول ﷺ عمرو ابن حزم اليمن ولاية عامة، وكذلك ولَّى الرسول ﷺ ولاية خاصة فولَّى علي بن أبي طالب القضاء في اليمن. وقد ورد في سيرة ابن هشام أن رسول الله ﷺ استعمل فروة بن مُسَيْك على قبائل مراد وزبيد ومذحج، وبعث معه خالد ابن سعيد بن العاص على الصدقة. كما ورد فيها أنه ﷺ بعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى حضرموت، وعلى صدقاتها. وبعث عليّ بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقتهم وجزيتهم، كما أرسله قاضياً على اليمن، كما ذكر الحاكم. وفي الاستيعاب أنه ﷺ أرسل معاذ بن جبل إلى الجَنَد يُعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل له قبض الصدقات من العمال الذين في اليمن.، روى البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي: «أن النبي ﷺ استعمل ابن اللُّتْبِيّة على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى رسول الله ﷺ وحاسبه، قال: هذا الذي لكم، وهذه هدية أهديت لي. فقال رسول الله ﷺ: فهلّا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً.. الحديث»، روى ابن سعد أن رسول الله ﷺ قال: «أمير الناس زيد ابن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فيجعلوه عليهم». وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر  قال: «بعث النبي ﷺ بعثاً، وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي ﷺ: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة…». روى البخاري عن أنس: «أن قيس بن سعد كان يكون بين يَدَي النبي بمنزلة صاحب الشُرَطِ مِن الأمير»، وقد قَلَّد رسول الله ﷺ القُضاة، فقلَّد عليّاً  قضاء اليمن، ووصاه تنبيهاً على وجه القضاء فقال له: «إذا تقاضى إليك رجلان، فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي» رواه الترمذي وأحمد، وروى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، عن بريدة أن رسول الله ﷺ قال: «أيما عامل استعملناه وفرضنا له رزقاً، فما أصاب بعد رزقه فهو غلول». ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159][1].

وهكذا، نجد من فعل الرسول ﷺ بالاستقراء أنه أقام نظام الحكم في الدولة، وتواتر ذلك معنويا دليلا على نظام دولة الخلافة.

القرينة الخامسة عشرة: توقف الواجبات الشرعية على وجود الخلافة قطعي في وجوب إقامتها أيضا

ورد في شرح العقائد: “الإجماع على أن نصب الإمام واجب لأن كثيراً من الواجبات الشرعية يتوقف عليه كتنفيذ أحكام المسلمين وإقامة حدودهم وسد ثغورهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق وإقامة الجمعة والأعياد وتزويج الصغير والصغيرة اللذين لا أولياء لهما، وقسمة الغنائم ونحو ذلك من الأمور التي لا يتولاها آحاد الأمة”.

وقال جمال الدين الغزنوي في (أصول الدين): “لا بد للمسلمين من إمام يقوم بمصالحهم من تنفيذ أحكامهم وإقامة حدودهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم وصرفها إلى مستحقيهم لأنه لو لم يكن لهم إمام فإنه يؤدي إلى إظهار الفساد في الأرض”.

هذا وقد فصلنا في فصل: نصب الخليفة من أعظم واجبات الدين، إذ لا قيام للدين إلا به جانبا عظيما من الأحكام التي لا تقوم إلا بالخلافة!


[1] أنظر: أجهزة الدولة في الحكم والإدارة، وانظر: نظام الحكم في الإسلام، وانظر: النظام الاقتصادي في الإسلام، وانظر: النظام الاجتماعي في الإسلام، وانظر: نظام العقوبات، وانظر: أحكام البينات من إصدارات حزب التحرير.

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة