PDF

أقم الخلافة؛ تستقم الحياة وتسعد

 إن آخر من يريد أن يسمع عن “حقوق المرأة” هو المرأة! فهذه المنظمات النسوية التابعة للغرب، والتي جعلت من نفسها أداة ومعول هدم للأفكار الإسلامية وفتحت الأبواب للغزو الثقافي والفكري الغربي لعقول بنات وأبناء المسلمين، ترفع شعارات “حقوق المرأة” و”حقوق الإنسان” لكنها فعلياً لا تحمي المرأة في بلاد المسلمين من ظُلم الأنظمة الحاكمة المحلية لتحميها في أي مكان آخر! فأين تكون هذه المنظمات عندما تصارع المرأة داخل بيتها وخارجه الظروف الصعبة؟ فهل تحمي المنظمات النسوية واتفاقياتها الخبيثة (مثل اتفاقية سيداو المشؤومة) وقوانينها الوضعية، هل تحمي المرأة من غلاء الأسعار وقطوعات الكهرباء وتلوث البيئة؟ هل تحميها من رؤية رفيق دربها مرهقاً ومحبطاً يومياً وهو يقوم بأعمال فوق طاقته لتحصيل لقمة العيش؟ هل تحميها من حسرتها وحسرة زوجها لعدم إمكانية توفير كل احتياجات صغارهم؟ هل تحميها من الهم والقلق المستمر بشأن مستقبل الأبناء كما تقلق على حاضرهم؟

المرأة تقلق! تقلق على صحتهم، تقلق على تعليمهم، تقلق على عقولهم من وسائل الإعلام المفسدة التابعة للنظام، تقلق عليهم من الفساد في المجتمع العلماني الذي لا يعيش حياة إسلامية، تقلق عليهم من قوانين الدولة الظالمة المجحفة التي تتغير بحسب هوى النظام ومصالحه لتعصر الناس عصراً، تقلق على نفسها من التقصير، تقلق أن لا تستطيع أن تنجح في إدارة شؤونها وشؤون بيتها وأولادها وزوجها إن كانت ذات زوج وإن كانت مطلقة أو أرملة فالمصيبة والقلق أكبر. والمرأة تقلق على جمالها في مجتمع يقيس قيمتها بما ترتديه أو بما خلعته من ملابس، تقلق من التحرش بها، تقلق من الاعتداء عليها، تقلق من أن يرتفع الدولار ليزيد من معاناتها وتقلق لأنها لا تستطيع أن تأخذ عطلة أو أن ترتاح في بلد آخر لأنها ستجد نفس المشاكل، تقلق من الأحداث السياسية وواقع البشرية الفاسد…

وبالإضافة إلى كل هذا فالأغلبية من النساء اليوم خرجن من ملاذهن الآمن للعمل والتدافع والتزاحم في الشوارع يبحثن عن وسيلة مواصلات تنقلها لمكان وظيفتها منذ الصباح الباكر، تاركات بيوتهن ومسؤولياتهن، وتاركات أطفالهن بيد الأهالي أو الأقارب أو في الحضانة مع “الخالة” أو المشرفة لتعود إلى البيت لتطبخ وتغسل وترتب وتنظف وتدرس مع الأولاد وتهتم بزوجها وضيوفها وجيرانها وبر والديها وصلة رحمها، بالإضافة إلى التسوق وشراء حاجياتها، فالمرأة اليوم لا تنام الليل من شدة القلق وتستيقظ لتركض ويتراكم إرهاق جديد على القديم. والحل كما يزعمون في مساعدة الرجل لها في أعباء المنزل، وينجرف الاثنان إلى دوامة لا تنتهي من الأعمال داخل وخارج البيت وتختلط الأدوار ليصبح الاثنان مجرد إنسان بلا جنس (جندر)، فلا يوجد دور معين للرجل ولا دور معين للمرأة.

وأفرزت هذه الأفكار الهدامة مشاكل كارثية كالعنوسة والطلاق والانتحار بسبب فشل النظام في توفير أدنى متطلبات الإنسان، رجلاً كان أو إمرأة، ليعيش حياة كريمة كما حدث في الآونة الأخيرة في مصر والسودان ولبنان واليمن وغيرهم! وبطبيعة الحال “سيداو” الحاقدة والمنظمات المسترجلة لا تحمي من هذه الكوارث بل همها إفساد فئة معينة من النساء في المجتمع كالجامعيات والمثقفات المنبهرات بالثقافة الغربية، أما مشاكل المرأة الحقيقية لا تراها ولا تهتم بالمهمشات من النساء الذين يقومون فعلاً بأعمال “المرأة الخارقة” ليمر يومهن بسلام وليحصلن على أبسط احتياجاتها الضرورية من مقومات الحياة. ولماذا تهتم النسويات المسترجلات اللاتي يعيشن حياتهن بالطول والعرض بالمرأة المسلمة التي تعيش في الحضيض، بل هدفهن إغراق من كانت تعيش حياة مستقرة في وحل الرأسمالية أيضا!

ولرش الملح على الجرح تأتي هذه المنظمات التي تديرها نساء لا هم لهم في الحياة غير الترفيه عن أنفسهن والعيش “متحررات” (في حياة منعزلة فردية وأنانية) غير مرتبطات بأي مسؤولية تجاه أي أحد آخر؛ لا زوج ولا أسرة ولا أطفال فهن أجيرات عند المنظمات النسوية يقبضن رواتب عالية بالدولار ويسافرن من بلد إلى آخر ويأكلن ويشربن في فنادق فخمة ويجلسن إلى طاولات ضخمة في منابر البلاد الغربية بمسمياتها المتعددة وأهمها منظمة الأمم المتحدة ليخططن ويتآمرن ويكتبن ما يشأن من أجندات وقوانين كافرة تتحكم في حياة المرأة المسلمة في إطار حربهم العالمية على الإسلام ليهدمن حصن الإسلام الذي تلجأ إليه المرأة لترتاح من عناء الظروف والضغوط، فهل من علاج غير اللجوء إلى الله تعالى بالتوكل والصبر والصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وتدبره لإراحة الأعصاب وطمأنة النفس وإسعادها وإزالة القلق؟

إلا أن هؤلاء المجرمين المتربصين بالإسلام وبالمرأة المسلمة والأسرة والمجتمع لا يكلون ولا يملون من نشر الفواحش والانحلال وهدم القيم والأخلاق الحميدة وإبعاد المرأة عن دينها وتفكيك أسرتها، ويفعلون ذلك بواسطة الإعلام الفاسد والمناهج الفاسدة في المدارس وبسن القوانين الشاذة كبنود اتفاقية سيداو المشؤومة. فبينما لا تجد المرأة في هذا الزمن الصعب زوجاً بسهولة كما كانت تجده جداتها في سن صغيرة، لتبدأ مشوار حياتها الأسرية بكل همة ونشاط، يُسن قانون سيداو ليحرم المرأة من الزواج بزيادة حتى تبلغ سن الـ18 عاماً! وبينما تتوق المرأة المسلمة للجلوس في بيتها ويتوق الرجل المسلم بأن يصون عِرض زوجه وبناته وأخواته والأمهات بجلوسهن معززات مكرمات في بيوتهن ليقمن برعاية وتربية الأطفال، يُسن قانون يبيح العلاقات المحرمة ويبيح للمرأة أن تجهض ويبيح لها أن ترفض قوامة حاميها وراعيها ومن ينفق عليها؛ أبيها أو زوجها؛ ويسن قانون ليجعل من المرأة وزوجها أعداء، بينما لا تحارب الدولة الجريمة الحقيقية في المجتمع سنت قوانين نقلت الإجرام من الشارع إلى داخل البيت وجعلت من الزوج مغتصباً لزوجه!

وبنود سيداو المجرمة كالنظام أبعد ما تكون عن ضمان حقوق المرأة بل هي ضمان تدمير حياة المراة! ويستغفل النظام العميل للغرب المرأة بأكاذيبهم عن المساواة مع الرجل والتمكين والاستقلالية والحرية، فهذه هي المصطلحات التي يطلقها على ما تعيشه من معاناة يومية تتسبب لها بالتوتر والضغط العالي والسكري والكآبة وأمراض القلب وتأخر الإنجاب والشيخوخة المبكرة والسمنة وعدة أمراض أخرى، فأي حقوق وأية إنسانية وأي عنف وجريمة أكثر من العنف المعنوي الذي تتسبب به الأنظمة الرأسمالية العلمانية للمرأة؟!

إن هذه الظروف أفرزها النظام الذي لا يحكم بما أنزل الله تعالى، هذا النظام الغربي الرأسمالي التجاري الذي جعل من المرأة ومن الرجل مجرد جزء من عجلة الأزمة الاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية والاجتماعية والتعليمية المتفاقمة منذ أن استعمر الغرب الكافر بلاد المسلمين بعد أن هدمت دولة المسلمين؛ دولة الخلافة. فالمرأة فعلاً تساوت مع الرجل في التعاسة والإرهاق والأمراض وفقدت الشعور باللحظات الجميلة التي تقضيها في أمن وأمان مع زوجها وأبنائها وعائلتها بسبب ضيق الوقت الذي تقضيه خارج بيتها. فهل من شك أن النظام الرأسمالي يريد تدمير المرأة المسلمة كما دمر المرأة الغربية التي فقدت الأمومة والأسرة وتكفل الرجل بنفقاتها؟ وهل ما تريده المرأة المسلمة أن تصبح امرأة خارقة لتتحمل ما لا تطيقه وما لم يفرضه عليها الإسلام أساسا؟! وهل خلق الله تعالى المرأة لتعيش هذه الحياة التي تستنزفها وتتعسها؟! وهل هذا دورها في الإسلام؟ وهل هذا ما أوصى به رسول الله ﷺ في حق القوارير والرفق بهن؟! من لا يعلم أن الإسلام قد كرم المرأة وهداها للطريق المستقيم وحدد دورها وضمن حقوقها وحقق سعادتها في الحياة الدنيا وفي الآخرة؟!

 تأمل أيها القارئ هذا الاقتباس من مقالة مترجمة لكاتبتها “زارا فارس” بعنوان “المرأة في الدولة العثمانية إبان ظهور النسوية الغربية” (4/9/2015)، فقد جاء فيها:

“في الشوارع ترى نساء بقدر ما ترى رجالا، إن لم يكن أكثر (ذاهبات لقضاء احتياجاتهن اليومية إلخ) (…) أعتقد أني لم أرَ بلداً تتمتع فيه النساء بمثل هذه الحرية بغير لوم من المجتمع كتركيا (…) الأتراك مثال للأمم في تعاملهم مع بنات جنسنا (…) وأكررها، سيدي، أعتقد أني لم أرَ امرأة تتمتع بمثل هذه الحرية بغير لوم من المجتمع كالمرأة التركية – وأعتقد أن باستطاعتهن أن يكن أسعد المخلوقات بأسلوبهن في المعيشة”. السيدة إليزابث كرافن، رحلة عبر القرم إلى القسطنطينة، 1789م.

السيدة إليزابث كرافن، الأديبة والكاتبة المسرحية من القرن الثامن عشر، دونت هذه الملاحظات عن المرأة في الخلافة العثمانية (وهي دولة إسلامية) في سنة 1789م، قبل ظهور الحركة النسوية في أوروبا وقبل ثلاثة أعوام من نشر كتاب “إثبات حقوق المرأة” لماري ولستونكرافت (سنة 1792م)، الكتاب ذو الثلاثمائة صفحة الذي سيصير حجر الأساس والنذير للحركة النسوية الحديثة. ملاحظات السيدة إليزابث كرافن وآخرين، مع سجلات قضائية ومالية وسياسية، تكشف أن المرأة في الخلافة العثمانية تمتعت بحرية وحماية أكبر من نظيرتها الغربية ما بعد التنوير، اللافت للنظر أن هذا بدون الحاجة للنسوية. ومع ذلك، لا يسع النسويات اليوم جهدا أن يقنعن النساء المسلمات بالعكس: أن المرأة المسلمة لطالما عانت بسبب اﻹسلام! وفي تحريف فكري غريب، يروجن للنسوية كحل لمشاكل العالم الإسلامي. ينظر المقال لأحوال المرأة في ظل الخلافة التي استمرت حتى سنة 1924م ويقارن أوضاعهن بالأوضاع الغربية التي أدت لظهور النسوية في الغرب. كما سنرى، التطورات الحديثة للخلافة العثمانية توضح أنه تاريخياً لم تحتج المرأة في العالم الإسلامي للنسوية قط لكي تضمن حقوقها – بل إنهن ببساطة احتجن للتنفيذ الكامل لنظامهن العقيدي – الإسلام.

قبل الدخول في المقارنة، من المهم أن نلاحظ الفارق الرئيس بين البلد المسلم والدولة اﻹسلامية. الخلافة العثمانية كانت دولة إسلامية – بمعنى أن الشريعة اﻹسلامية كانت مصدر التشريع فيها – لأكثر من 600 سنة وحتى هدمها في بداية القرن العشرين. “استمد العثمانيون من الشريعة إطارهم القانوني لحوكمة الجوانب العامة والخاصة للحياة اليومية، بما في ذلك الأنشطة الشخصية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، مدنية أو جنائية. الشريعة كذلك مكنت العثمانيين من تأمين وحماية النساء في أفريقيا وأوروبا وآسيا – بما في ذلك يهوديات ونصرانيات ومسلمات من أناطوليا واليونان وشمال أفريقيا وغرب آسيا وشبه جزيرة البلقان”.

كانت المرأة المسلمة سعيدة لديها الوقت للعمل داخل البيت والإبداع خارج البيت وكانت تعيش مطمئنة في ظل الخلافة التي طبقت الإسلام، فهل من تعليق على أحوال المرأة في عالم اليوم غير أن “المرأة تريد… خلافة من جديد”؟

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة محمد حمدي – ولاية السودان

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة