PDF

العدل والحماية للمسلمين لن يتحقّقا إلّا في ظلّ الخلافة جراح المسلمين لن تندمل إلّا بعودة الخلافة

 

بهدم دولة الإسلام عام 1924م وبغياب راعي المسلمين الذي يذود عنهم ويضرب على كلّ يد تمتدّ لمسلم أو مسلمة بسوء، توجّهت السّهام من كلّ حدب وصوب إلى أمّة الإسلام؛ فكثرت جراحها وتعدّدت آلامها ومآسيها وأحكم أعداؤها قبضتهم على أراضيها وثرواتها وتآمروا عليها مع الحكّام الذين نصّبوهم عليها خدمة لمصالحهم وتنفيذا لأوامرهم وإملاءاتهم.

يعاني المسلمون في معظم بقاع العالم من الاضطهاد ويُنعَتُون بالإرهاب؛ استبيحت دماؤهم وأعراضهم لأسباب واهية وتحت عناوين كاذبة زائفة منها “محاربة الإرهاب”؛ هذا العنوان العريض الذي سوّغ لأعداء الإسلام نفث سمومهم وحقدهم وإعلان حربهم على كلّ من ينصر هذا الدّين.

يعمل أهل الباطل ليلا ونهارا على أن تكون الغلبة دوما لنظامهم وحضارتهم الغربيّة الرّأسماليّة لتكون هي العليا تسيّر العالم وتقوده. يكيدون ويدبّرون حتّى لا ينفلت زمام الأمور من بين أيديهم، وينالون ممّن يمثّل حضارة الإسلام أو يسعى لعودتها؛ فهم يعتبرونها الخطر الحقيقيّ الذي يهدّد حضارتهم وسيهدمها – إن عاد – لتصبح ركاما تذروه الرّياح. فعلا ستقضي حضارة الإسلام على مبدئهم الرّأسماليّ وعلى مصالحهم وستسيّر الحياة وفق تشريع ربّانيّ عادل لن يسمح بغطرسة الأقوياء والأثرياء ولا بقهر الضّعفاء، وستنشر الرّحمة والخير والأمن والطّمأنينة… لذا لم ولن يتوانى أهل الباطل عن استخدام كلّ أسلحتهم لمنعها من العودة إلى الحياة.

في بقاع كثيرة من العالم يعاني المسلمون شتّى أنواع الظّلم والاضطهاد؛ فلا مجيب لاستغاثات النّساء ولا أحد يلبّي نداءات الأطفال وصراخهم. يرقب العالم المجازر والجرائم بصمت، وأقصى ما تقوم به المنظّمات الدّوليّة التي تدّعي الدّفاع عن حقوق الإنسان هو التّنديد وتقديم إحصائيّات لعدد الضّحايا وكميّة الخسائر! وقد أثبتت التّقارير أنّها متواطئة في الجرائم التي تُرتكب في حقّ المسلمين، وأنّها وليدة لهذا النّظام الدّوليّ الفاسد الذي لا يعبأ بأرواح الأبرياء ولا يهتمّ بمعاناتهم ولا بآلامهم، فكلّ همّه تأمين بقائه وسيطرته على العالم.

في ظلّ هذا النّظام الرّأسماليّ العالميّ، يعاني المسلمون:

ففي تركستان الشّرقيّة تنزع أعضاء أجساد المسلمين وهم أحياء لتباع للصّينيّين، ويُقتل الرّجال وتُغتصب النّساء ويفرض عليهنّ التّعقيم الإجباريّ وتحلق شعورهنّ وتصدّر لبيعها بمبالغ طائلة – وقد ضبطت الجمارك الأمريكيّة أكثر من 13 طنّا من الشّعر المستعار قادما من الصّين ويشتبه في إنتاجه عبر قصّ شعر المسلمات المعتقلات من الإيغور المسلمين في إقليم شينجيانج الصّينيّ (لوموند، 3/7/2020) – كما تُجبر الأُمّهات على إعطاء أبنائهنّ إلى عائلات صينيّة لصناعة جيل منبتّ عن الإسلام.

وفي أفريقيا الوسطى – ومنذ سنوات طوال – تقوم مليشيات “أنتي بالاكا” النصرانية بتعذيب المسلمين وتقتيلهم والتّنكيل بهم، وتتمّ عمليّات الإبادة الجماعيّة هذه برعاية الحكومة التي فرضتها فرنسا، وقد ارتُكبت مجزرةٌ جديدة في 4/7/2020 ضدّ المسلمين وكان معظم الضّحايا من النّساء. (جريدة الأمّة الإلكترونيّة).

وفي كشمير يعاني المسلمون من الانتهاكات والاعتقالات ومن استخدام العنف ضدّهم، وقد أشار وزير الخارجيّة الباكستانيّ، شاه محمود قريشي، إلى ذلك موضّحا أنّ نيودلهي “تعامل مسلمي كشمير، الذين يناضلون لتحديد مصيرهم بأنفسهم، على أنّهم إرهابيّون…”.

كما شنّت بورما حملة عسكريّة على مسلمي الرّوهينجا وقامت بإبادتهم جماعيّا ممّا دفع بأكثر من 700 ألف من الرّوهينجا من ولاية راخين في ميانمار إلى الفرار إلى بنغلادش.

جرائم بشعة ارتُكبت… مجازر مؤلمة نُفّذت… راح ضحيّتها الآلاف من المسلمين دون أن يحرّك العالم ساكنا…

وأما رائحة الموت في البوسنة والهرسك فتفوح في كلّ مكان منذ 25 عاما، وإلى اليوم لا زال المسلمون هناك يبحثون عن رفات أهاليهم الذين قتلوا في مجزرة سربرينيتشا التي راح ضحيّتها أكثر من 8000 مسلم، والتي تعدّ أبشع مجزرة وأكبر مأساة عرفتها أوروبا بعد الحرب العالميّة الثّانية. ولا زال المسلمون في البوسنة والهرسك يحيون هذه الذّكرى المؤلمة ويحاولون العثور على رفات أبنائهم (حوالي 3 آلاف من ضحايا هذه المجزرة لم يُعثر على رفاتهم حتّى يومنا هذا).

في كلمته التي ألقاها خلال مشاركته في تأبين رفات 33 من ضحايا المجزرة في مقبرة الشّهداء بمدينة بوتوتشاري أكّد سافيك يافيروفيتش (عضو المجلس الرّئاسي في البوسنة والهرسك) أنّ “ضحايا مجزرة سربرينيتشا، قُتلوا فقط لأنّهم مسلمون وبوسنيّون” وتابع قائلا: “سربرينيتشا ستبقى وصمة عار على جبين كلّ من كان قادرا على منع وقوع تلك المجزرة ولم يفعل شيئاً”.

في 28 حزيران/يونيو 2020م احتفل المسلمون في البوسنة والهرسك بمرور 510 عاما على دخولهم الإسلام: احتفال يعبّر عن فخر واعتزاز بهذا الانتماء وعن حنين إلى ما كانوا عليه في ظلّ هذا الدّين الذي أزاحه الغرب عن حياتهم وعن الحياة عموما، ليفرض نظامه الرّأسماليّ الحاقد على الإسلام والمسلمين الذين يعانون ويلقون أنواعا شتّى من العذابات، ما يجعلهم يحنّون لدولتهم التي كانت تحميهم وتحييهم في أمن وطمأنينة ما جعل أعناقهم مشرئبّة ترقب عودتها.

في ظلّ هذا النّظام العالميّ السّائد: يعاني المسلمون خاصّة والبشريّة عامّة.

لقد نصّب الغرب عملاء يتفانون في خدمة مصالحه، يحكمون المسلمين ويتفنّنون في التّضييق عليهم ويذيقونهم الويلات: فقر، وجوع، وحروب،… حتّى صاروا كالأيتام على موائد اللّئام؛ قُسّمت أراضيهم ونُهبت ثرواتُهم وحكمتهم أنظمةٌ عميلة تعمل على كبح حركاتهم بالرّدع تارة وبالتّضليل تارة أخرى.

أشكال المعاناة في بلاد المسلمين متنوّعة، تتجسّد في فراعنة يحكمون الشّعوب ويخضعونها بالقوّة وينشرون القتل والدّمار والحروب ويزرعون الخوف والرّعب في نفوس أبنائها (سوريا: أكثر من 400 ألف شخص قتلوا في سوريا منذ 2011 (منظّمة هيومن رايتس ووتش: الجزيرة نت 13/3/2020)، وتظهر هذه المعاناة أيضا في المجاعات والفقر (اليمن: حذّرت منظّمة الأمم المتّحدة للطّفولة في 26 حزيران/يونيو 2020 من ارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التّغذية في اليمن إلى 2.4 مليون بنهاية العام بسبب النّقص الكبير في تمويل المساعدات الإنسانيّة). كما تبرز في تحكّم القوى العظمى في مصير الشعوب وفرضها مشاريع وقوانين تقوّض بها أحكام الشّريعة وتحاربها وتدفع بالمسلمين إلى العيش في غربة وانفصام عن دينهم وعن أحكامه.

لئن اختلفت أشكال معاناة المسلمين فإنّ سببها واحد وهو غياب نظام دينهم عن حياتهم وتحكّم نظام علمانيّ فاسد في رقابهم وفي العالم بأسره. نظام وضعيّ نشر الظّلم والظّلام وعجز عن إنقاذ البشريّة من الأزمات المتتالية وفشل في حلّ مشاكلها التي تتخبّط فيها. نظام يبعث رائحة الموت ويلقي بالنّاس في الهاوية والظلمات ويجعل الأعناق مشرئبّة متلهّفة ترقب منقذا يخرجها من هذه الدّائرة المغلقة الخانقة.

إنّ ما شهده المسلمون في ظلّ دولتهم من عدل وإنصاف قد شمل جميع من كانوا تحت ظلّها وحكمها والتاريخ يشهد بذلك، عكس ما كان يحدث في أوروبّا من اضطهاد وقتل… كان المسلمون ينشرون دين الإسلام رحمة للعالمين ويطبّقه الحكّام خوفا من الله وطاعة له. وبالرّغم من تشويه الغرب للوقائع وتزويرها فقد أثبت التّاريخ أنّ الدّولة الإسلاميّة كانت مثالا رائعا في رعاية من كانوا يعيشون تحت ظلّها من مسلمين وغير مسلمين، ويذكر الأمير شَكِيبْ أَرْسْلاَنْ ما تميّزت به الدّولة العثمانيّة في كتابه “حاضر العالم الإسلاميّ” منوّها بذلك “ثمّ إنّ احترام المعاهدات، والعمل بموجب الكلمة المعطاة، كانا من مزايا العثمانيّين الذي يدور عليهما التّاريخ العثمانيّ كلّه”.

حين كانت للمسلمين دولة اقتدى معظم حكّامهم – في تعاملهم مع رعاياهم – برسولهم الحبيب ﷺ الذي خاف الله في كلّ مخلوقاته، فكان رحيما بالمسلمين وغيرهم؛ يوفّر لهم الرّعاية والحماية فعاشوا في أمن واطمئنان…

نقل ابن سعد في طبقاته نصّ كتاب رسول الله ﷺ إلى نصارى نجران: “وكتب رسول الله ﷺ لأسقف بني الحارث بن كعب، وأساقفة نجران، وكهنتهم، ومن تبعهم، ورهبانهم، أنّ لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم وجوار الله ورسوله، لا يغيّر أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيّته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حقّ من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا شيء ممّا كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين”.

وعند فتحه لدمشق كتب خالد بن الوليد إلى أهلها “بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها، أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وسور مدينتهم لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمّة رسول الله ﷺ والخلفاء والمؤمنين، لا يُعرض لهم إلاّ بخير إذا أعطوا الجزية”.

وكتب السّلطان محمّد الفاتح مرسوما فيه ما يلي: “أهل البوسنة الفرنسيسكان قد منحوا بموجب هذا الفرمان (المرسوم السّلطاني) حماية جلالتي ونحن نأمر بأن لا يتعرّض أحد لهؤلاء النّاس ولا لكنائسهم وصلبهم وبأنّهم سيعيشون بسلام في دولتي وبأنّ أولئك الذين هجروا ديارهم سيحظون بالأمان والحرّيّة”.

وكان الخلفاء يقومون على رعاية النّاس بأنفسهم ويتفقّدون أحوالهم خوفا من أن يحاسبهم الله على تقصيرهم أو يؤاخذهم بشكوى من أحد رعاياهم، بل إنّ رعايتهم شملت الدّوابّ والطّيور؛ “لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لَمْ تمهّد لها الطّريق يا عمر؟؟” (عمر بن الخطّاب)، “انثُروا القمح على رؤوس الجبال حتّى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين” (عمر بن عبد العزيز)… فضربوا بذلك أمثالا رائعة في سياسة النّاس ورعاية شؤونهم.

هذه هي سياسات دولة الخلافة مع رعاياها مسلمين وغير مسلمين؛ تذود عنهم وتحميهم وتمنحهم العيش الكريم والحياة الهنيئة، على عكس هذا النّظام الرّأسماليّ العالميّ الذي لا تفوح من بين قوانينه وتشريعاته إلّا رائحة الموت والفقر والجوع… فشتّان ما بين تشريع ربّانيّ عادل رحيم يحمل الخير والحياة للمسلمين وللنّاس كافّة ويؤمّن لهم البقاء، وبين تشريع بشريّ محمّل برائحة الموت… يسارع للعالم بالفناء.

 

شتّان بين دولة تحكم بما أنزل الله فتملأ الدّنيا رحمة وطمأنينة، وبين نظام وضعيّ يسهر على تحقيق مصالح ثلّة رأسماليّة تنثر سمّها وحقدها وأنانيّتها فتملأ هذه الدّنيا خوفا وجزعا ورعبا…

شتّان بين ما تقوم به دولة الإسلام مع رعاياها – مسلمين كانوا أو غير مسلمين – وبين النّظام الرّأسماليّ الذي يحكم العالم اليوم وما يذيقه للمسلمين وغيرهم من ويلات…

شتّان بين نظام بشريّ عجز عن حلّ المشاكل المتولّدة عن قوانينه التي سنّها وترك البشريّة تتخبّط في بحار من الأزمات لأنّه فشل في وضع حدّ لها ولجأ إلى منظّماته الدّوليّة ووسائله المتعدّدة لتمديد صلاحيّته التي شارفت على الانتهاء، وبين نظام ربّانيّ يعالج كلّ مشكلات الحياة، فلله الخلق والأمر وهو العليم الخبير…

إنّ العالم عموما والمسلمين بصفة خاصّة في أمسّ الحاجة اليوم لنظام الإسلام حتّى يخرجهم من ظلمات النّظام الرّأسماليّ وظلمه إلى نور الإسلام وعدله. فعودة الخلافة ليست حقيقة شرعيّة فحسب (وعد من الله سبحانه وتعالى وبشرى من رسوله ﷺ) بل هي ضرورة واقعيّة فرضها الواقع. فلقد أثبتت الوقائع وخاصّة بعد ثورات الرّبيع العربي توق الشّعوب إلى نظام عالميّ جديد يغيّر أوضاعها ويبدّل أحوالها وينحّي نظام الرّأسماليّة من حياتها بعد أن ثبت لديها فشله في حلّ مشاكلها وفساده…

ترقب الشّعوب الإسلاميّة نظام دينها الذي سيغيّر لها حياتها ويبدّل وجه العالم ويقلب الموازين ويعيد للأمّة الإسلاميّة موقعها الطّبيعيّ (قيادة العالم وتسييره بنظام الخالق العادل)، فهذا هو الوضع الطّبيعيّ لأمّة الإسلام، وما هي عليه من ضعف وهوان ليس سوى استثناء. وعليه فإنّ لملمة جراح الأمّة ومداواتها لن يكون إلّا بعودة دولة الإسلام فحينها يندمل الجرح الغائر – غياب نظام الإسلام عن الحياة – وتبرأ جميع الجروح الأخرى.

 

كتبته للمكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير

زينة الصّامت

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة