بعد مئة عام على هدم الخلافة، أين تقف الأمة وحزب التحرير؟


يقول رسول الله ﷺ في الحديث الشريف: «لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ». رواه أحمد


ويقول أبو الطيب المتنبي: وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم.


يوضح حديث رسول الله ﷺ، حقائقَ ووقائع ستصادف الأمة؛ فينبئ عن عيش من حكم الإسلام خالٍ، وحياة لا يبقى للإسلام فيها أثر إلا الصلاة التي يتم نقض عروتها كما نقضت أخواتها من قبل، وبيئة تطبعت بغياب الإسلام عن الحكم وانخفض فيها الوعي العام ليصل للقبول بهتك حرمة الصلاة لا بد يسود فيها الصغار الذين يصفهم المتنبي في شعره: تعظم الصغائر في أعينهم!


الناظر للمواد التي يتم الترويج لها على وسائل الإعلام في بلاد المسلمين عبر الدراما والروايات السوقية، والأفلام، وحتى الأخبار في مواقع النسويات، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو مواقع التواصل المختلفة يجدها تركز مفاهيم حب الظهور وطلب الشهرة، بأي وسيلة كانت ولو على حساب المبادئ والقيم. مجتمع غاب عنه شرع الله وصار يتطبع مع المنكرات ورؤيتها. ويكفي أن يكون عنوان الخبر: “قصة فتاة علمت عائلتها أنها حامل، فيزوجونها قسراً لرجل ظالم ليستر عليها”، لتحصل ملايين المشاهدات! قد تتغير العناوين وطريقة صياغة الجمل وقد تتباين الأحداث لكنها جميعها تصب في قالب واحد يخدم هدفاً واحداً هو تنكيس فطرة الناس وتغيير الذوق العام في المجتمع.


أصعب الحرام أوله، ثم يَسْهُل، ثم يُسْتساغ، ثم يُؤلَف، ثم يحلُو، ثم يُطبّع على القلب، ثم يبحث القلبُ عن حرامٍ آخر…


وهذا ما حدث في بلاد المسلمين؛ منكر تلو الآخر، معصية يُجاهر بها وسيف السلاطين مسلط على كل من ينكر. تسكت الكثرة، تخاف السيف، وتخشى الحاكم وتنسى رب الحاكم! يتجرأ الفسقة، تزداد المعاصي، تصبح هي الطابع العام، يُتباهى بها، حتى يصبح أهل الطاعة غرباء! ونعتهم في هذه الكثرة: متشددون غير متحضرين… الخ، تختلف الألفاظ والمعنى واحد: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾!


هذه القمامة الفكرية التي يتم بثها للجماهير يومياً وعبر آلاف الرسائل والفيديوهات، تجد لها آذاناً صاغية، وتتجاوز مشاهداتها عشرات الآلاف، في ظاهرة مبكية. وفي هذا المقام لا عبرة بالكثرة بالطبع، إنما هي مؤشر لمرض ينهش جسد الأمة، التي تبدل حالها. ومما يؤكد مرض الأمة أعراض أخرى كالقبول بتحكيم أنظمة وضعية، بدل شريعة الله سبحانه، وانخفاض الوعي العام في الأمة على مكانتها التي تستحقها، وما يليق بها من النظم وطرز العيش كخير أمة.


بعث رسول الله ﷺ في قوم ذوي كرامة، وعزة وأنفة، فكان الواحد منهم يموت ولا يقبل بالذل على نفسه وأهله. وتمم الله عليهم النعمة بالإسلام فبدّل سيئاتهم حسنات ومحا عنهم عصبية الجاهلية، وجعل السيادة للشرع، وأبدلهم بقبيح عاداتهم مكارم جعلتهم يسودون الأمم في بضع سنين.


إن المكانة العظيمة التي تقلدها المسلمون لقرون ونشروا منها هدي رسول الله ﷺ وبلغوا عنه أمانته التي تركها لهم، هذه المكانة غُيّبت عنهم، وبذل الغرب جهوداً جمة لإفقاد المسلمين أنفتهم واعتزازهم بدينهم. لسنين طويلة بعد هدم الخلافة وقبلها والغرب يعمل على طمس الهوية الإسلامية في الأجيال الناشئة وتحويلهم لمسوخ بلا وجه ولا هوية ولا حتى قيمة، فصار يصدر لهم كل ماجن على أنه مؤثر وأشغلهم بالمادية والنفعية. فحدث عند المسلمين إلا من رحم الله، اختلال في ميزان القيم، وتزعزعت التقوى في النفوس بل تزعزعت ثقة الشباب بأنفسهم وثقة الأمهات بأهميتهن وضرورة وجودهن في الأسرة، وهاتان الفئتان بعد الحكام والعلماء هما عماد النسيج الطبيعي للمجتمع القوي.


الهدهد الذي لم تبهره حضارة الشرك بقصورها وعلومها المتطورة، تربى في كنف نبي علمه معنى التوحيد الحقيقي. وهذا يفسر انبهار أبناء المسلمين بديمقراطية وصواريخ وطائرات الكفر وعدم اشمئزازهم من إلحادهم وتعديهم على الله! فالأجيال الناشئة منذ نعومة أظفارهم تربوا في مدارس الاستعمار ونهلوا من ثقافته التي تمجد المادة وتحط من قدر الدين، فصارت النعمة أعلى وأجل قدراً من المنعم في نظرهم، ونسوا حظاً مما ذُكّروا به!


فقدت أمتنا بعد مائة عام من غياب الإسلام عن الحياة أغلى ما ميزها الله به وهو ثقتها بالمبدأ الذي تملك ووعيها على فكرته والتزامها بطريقته في تنظيم شؤون العيش. اليوم في الذكرى المائة لهدم دولة الخلافة ظهرت مصطلحات الفاشينستا والموديل ورهاب المثلية. وأطلت على التيك توك نساء مسلمات يتراقصن بخمرهن أمام الجماهير، ومحارمهن يشاهدون ويسمعون ولا يغضبون لحرمات الله! بعد مائة عام شُرعن للخنا والشذوذ في بلاد المسلمين وصار لهم حقوق وصار المنكر مجرماً كما في اتفاقية إسطنبول. بعد مائة عام صارت بلاد المسلمين فوق الستين دويلة كلها هزيلة لا سيادة لها ولا سلطان فيها لأهلها، يحكمها سقط المتاع من الناس، وتُسيَّر شؤونها بأنظمة الكفر فلا يقف منكِر لينكر على هؤلاء الحكام بعد أن كان في الأمة من ينكر على عمر الفاروق بسيفه، بل ظهر “السحيجة” والمطبلون لينكروا على كل من ينكر على الحكام فجورهم!


أجل يا كرام: بعد مائة عام ننظر فإذ بالمسلمين بعد أن كانوا يأنفون التأخر عن أخذ زمام القيادة قد صاروا في هامش الأمم في كل المجالات، رغم أن الله أكرمهم بالدين الحق، وأنار بصائرهم بأسمى فكرة وأنقى طريقة، لكن طول العهد بينهم وبين الإسلام في واقعهم أوجد فجوة عميقة أدت بهم للانتكاس والعيش في الحضيض.


لذلك فإن حزب التحرير بقيادته وشبابه قد نذروا أنفسهم أن يعيدوا لهذه الأمة عزتها، ويعيدوا لها مكانتها خير أمة أخرجت للناس، وهو قوّام على فكر الأمة وحسّها، فلا تجد فكرة مخالفة للإسلام إلا نقدها وهو المتفرد في هذا المجال بين كل الأحزاب في البلاد الإسلامية، وله السبق بفضل الله في صرع أفكار الاشتراكية والقومية والديمقراطية وغيرها، وإحياء مفاهيم الإسلام كفكرة الخلافة والأمة الواحدة “الجسد الواحد” والسياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي والنظام الاجتماعي في الإسلام وغيرها… وأحيا في الأمة ولله الحمد معاني العزة والشوق لتحكيم الإسلام وبُغض الحكام الظالمين وموالاة المؤمنين.


يريد إعادة المفهوم الحقيقي لمعنى (لا إله إلا الله) لتكون البشرية مع المنعم لا مع النعمة. وما ذلك إلا بتطبيق الإسلام عقيدة ونظاماً، فتعود الخلافة ترعى شؤون المسلمين بالإسلام وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد. وهو بإذن الله ومعه المخلصون والأمة قد اقتربوا من تحقيق بشرى رسول الله ﷺ «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، لا يغرهم علو الباطل، مطمئنين لرسوخ دعوتهم وثبات جذورها في هذه البلاد فهم ملح الأرض وأهلها، موقنين بوعد الله سبحانه.


﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾


#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بيان جمال
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة