مساجد الله تنادي واخلافتاه، فمتى يلبّى النداء؟!


عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ تُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ». [رواه الطبراني في الكبير، قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله موثقون]. المسجد هو أحق الأماكن بأن يصان ولا يهان، ويكفي المساجد شرفاً ومنزلة أنّ الله سبحانه وتعالى أضافها إلى ذاته العليّة، ونسبها إليه، فقال سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾. وقد كان أول أعمال سيدنا محمد ﷺ عند قدومه إلى قباء، مهاجرا من مكة إلى المدينة، بناء أول مسجد للمسلمين، وهو مسجد قباء، الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾. وبعد انتقاله من قباء إلى المدينة كان أول أعماله كذلك بناء مسجده، ﷺ، وهو المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، الذي شارك في بنائه وحمل أحجاره بيديه الكريمتين ليرغّب المسلمين في العمل فيه، وعملوا فيه جميعاً مهاجرين وأنصاراً. فكان بناء المسجد النبوي أولى خطوات النبي ﷺ لبناء المجتمع الإسلامي.


فإضافة إلى كونه دار عبادة وصلاة تقام فيه الجمع والجماعات، كان مسجده، ﷺ، دار الدولة الإسلامية الأولى، يدير منه شؤون الأمة صغيرها وكبيرها، يستقبل فيه الوفود ورسل الملوك، ويعقد الألوية والرايات، ومنه يعلن الحرب، وتسير منه الجيوش غازية فاتحة، تنشر الإسلام في ربوع الأرض عقيدة ونظام حياة.


وبعد وفاته، ﷺ، استمر المسلمون في الفتوحات وكلما وطأوا أرضاً أو فتحوا مصراً يكون عملهم الأول أن يبنوا مسجداً لله، فهو موضع عبادتهم، ومركز تجمعهم، والمظهر العملي لخضوع البلاد لسلطان الإسلام، وهو مصنع العلماء الأجلاء والقواد العظماء، الذين أصبحوا في مدة وجيزة سادة وقادة، وأصبحت الأمة الإسلامية، خير أمة أخرجت للناس، مهيبة الجانب، عزيزة السلطان، تحمل رسالة الهدى للعالمين التي تربط الأفراد بعضهم ببعض برابطة عقيدتهم الغراء فتذوب أمامها كل الفوارق والصِّلات، وتزول بها كل العصبيات، وتَبني حضارة شامخة أساسها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فاستحقت أن تكون ﴿أُمَّةً وَسَطاً﴾، ﴿شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾.


ورغم ما أصاب المسلمين من وهن وضعف بعد هدم دولتهم، وغياب إمامهم الجُنـّة، وضياع سلطانهم، وحَكَمتهم أنظمة ضالةٌ مُضِلّة، تعادي الدين كنظام حياة، عزلت الدين في المسجد وفصلته عن الحكم والسياسة، ظلّ المسجد يمثل نقطة التقاء المسلمين ورمز وحدتهم. لذلك ليس من الصدفة أن يتنافس الكفار في الشرق والغرب، للنيل من مساجد المسلمين ومقدساتهم الواحدة تلو الأخرى، وأن تتكرر الاعتداءات والممارسات الإجراميّة المتوحّشة تجاه المسلمين ومقدساتهم ليلا ونهارا، أمام سمع وبصر العالم أجمع، دون أن يكون للمسلمين دولة تردع الظالمين وتوقفهم عند حدهم، وتحمي المسلمين ومقدساتهم وأعراضهم من التعدي والانتهاك والاستخفاف.


ففي الغرب الكافر، الذي لم تنته حروبه الصليبية ضد المسلمين بعد، تتم مهاجمة الإسلام وشعائره والإساءة إلى القرآن الكريم بحرقه وركله بالأقدام، وإلى نبي الإسلام ﷺ عبر الرسوم المسيئة بذريعة حرية التعبير، ناهيك عن الخطاب المسيء الذي يحض على الكراهية ضد المسلمين ينتج عنه قيام أفراد مبغضين بمهاجمة المسلمين وسفك دمائهم جهارا نهارا في مساجدهم. إضافة إلى تنافس الحكومات الغربية على تهميش المسلمين بسن القوانين الحاقدة التي تستهدف الإسلام والمسلمين بوجه خاص، ضاربين عرض الحائط بشعاراتهم الجوفاء من حريات وديمقراطيات وحقوق الأقليات. فألمانيا تقوم بعمليات اقتحام ومداهمات متكررة للمساجد بحجج واهية، وفرنسا تشن حملات إغلاق المساجد والجمعيات الخيرية كما حدث مؤخرا لمواجهة ما تصفه بـ”الإسلام الراديكالي”، وفي أمريكا تتم تسمية مساجد بأكملها كمنظمات إرهابية، ما سمح للشرطة بالتجسس على الأئمة وتسجيل الخطب في المساجد حتى بدون وجود دلائل لأي أنشطة إجرامية، وفي السويد يشن عدد من السياسيين معركة حامية ضد الإسلام والمسلمين في محاولة لتجريم الممارسات الإسلامية، بما في ذلك محاولة حظر الأذان.


وفي تركستان الشرقية، كانت المساجد هي البؤر التي تنفث فيها الصين الملحدة حقدها على الإسلام وعلى الإيغور المسلمين، فقد هدمت السلطات الصينية ما يقارب 16 ألف مسجدا في الإقليم منذ 2017، وهي مستمرة في عدوانها محاوِلةً طمس الهوية الإسلامية لمسلمي الإيغور وسلخهم عن دينهم وهويتهم الإسلامية، بإزالة القباب ذات الطراز الإسلامي والعناصر الزخرفية من المساجد المتبقية. كما استغلت السلطات الصينية، تفشي جائحة فيروس كورونا لإبقاء العديد من المساجد مغلقة، بالرغم من مزاعم انتصارها على الوباء.


وفي سريلانكا، يعيش المسلمون مضطهدين مهضومي الحقوق، يخشون ارتياد مساجدهم وقد هجروها خوفا من ردود أفعال البوذيّين المجرمين الانتقاميّة خاصّة بعد اعتداءات عيد الفصح في نيسان/أبريل 2019 والتي وجّهوا فيها أصابع الاتّهام نحو المسلمين.


وفي الهند تُهدم مساجد وتُقام معابد المشركين على أنقاضها، وليس بعيدا عنا ما تعرض له المسلمون أواخر شباط/فبراير العام الماضي في دلهي حيث جابت حشود من القوميين الهندوس شوارع المدينة وأضرموا النيران في المساجد ومنازل المسلمين ومتاجرهم وشركاتهم ونهبوها، وقتلوا أو أحرقوا المسلمين أحياء. وتأتي تلك المجزرة في أعقاب قانون الجنسية الجائر الذي أقرته حكومة مودي الهندوسية ضد المسلمين في الهند.


نعم، مع ذهاب دولة المسلمين، ضعف شأن المسلمين، وانحطت كرامتهم واستهان بهم أعداؤهم، وصار الأوغاد الأنجاس يتلذذون بانتهاك حرماتهم وهدم وتدنيس مقدساتهم، وما كان لهؤلاء المجرمين ولا غيرهم أن يجرؤوا على ارتكاب جرائمهم هذه لولا أن المسلمين أصبحوا كالأيتام على موائد اللئام، يتسلط عليهم في الداخل حكام أنذال عملاء للغرب الكافر لا يقلّون إجراما على شعوبهم وبغضا لشعائر الإسلام من الكفار المجرمين. فمصاب الأمة اليوم عظيم في حكامها الخونة الذين يظهرون الود للعدو ولا يرون ضيرا في هدم بيوت الله وتدنيس المقدسات وترويع إخوانهم المستضعفين في أصقاع الأرض، بل ويتآمرون مع الأعداء لإلغاء كل مظاهر الإسلام العملية على أرض الواقع، خوفا من نهضة الأمة النهضة الصحيحة وعودتها لتحكيم شرع الله فترميهم في مزابل التاريخ.


فالسيسي عدو الله هدم ما يزيد على السبعين مسجدا في مصر بحجة أنها على أرض الدولة، هذا بعد سنوات تغلق فيها المساجد بعد كل صلاة مباشرة ولا يسمح فيها بأي نشاط أيضا، في الوقت الذي أمر فيه ببناء كنيسة بكل مدينة جديدة يتم بناؤه، وتخصيص ملايين الجنيهات لترميم معابد لليهود تماشيا مع تعهداته بجعل الحفاظ على أماكن العبادة لليهود المصريين والنصارى الأقباط من أولوياته.


ولم يكتف حكام المسلمين بالوقوف صامتين أمام تدنيس يهود لمقدسات المسلمين في المسجد الأقصى بل نجدهم يتهافتون على التطبيع مع كيان يهود المحتل لأرض الإسراء والمعراج متحدين مشاعر أكثر من مليار مسلم. وكأنه لا يكفينا احتلال يهود للأرض المباركة فلسطين ومخططاتهم لهدم المسجد الأقصى مسرى نبينا محمد ﷺ وما يقوم به عشرات المستوطنين من اقتحامات وجولات استفزازية وتدنيس للمسجد الأقصى، كأن هذا كله لا يكفي حتى تمنح وزارة السياحة الفلسطينية، تصريحا لتنظيم حفل موسيقى صاخب تضمن رقصاً وتناولاً للخمور في مسجد ومقام النبي موسى عليه السلام شرق مدينة القدس المحتلة.


أما في سوريا، فقد أدركت أمريكا رأس الكفر تميّز ثورة الشام عن باقي انتفاضات المنطقة وأرعبتها هتافات الثائرين وتكبيراتهم، فما كان منها إلا أن أطلقت العنان لعميلها السفاح بشار ليصبّ حقده وبغضه على أهل الشام الثائرين، قصفاً وبطشاً وتدميراً، واستهدافاً لبيوت الله، التي منها انطلقت ثورة الشام المباركة، ومنها دوّت صيحات الثائرين بالتكبير، وهتفت حناجرهم: “هي لله هي لله” و”قائدنا للأبد سيدنا محمد”، فقامت مليشياته المجرمة بعمليات تدمير ممنهجة لآلاف المساجد في سوريا، وحولتها لكومة من الركام، فلاقت المساجد نصيبها من غطرسة ووحشية النظام المجرم وحلفائه الروس الحاقدين، حيث دمرت الآلاف من المساجد بشكل كامل أو جزئي في جميع أنحاء سوريا. كما كانت المساجد هدفا رئيسيا للتحالف الصليبي الدولي الذي تقوده أمريكا في حربها على الإسلام؛ فلا ننسى ارتكاب التحالف المجرم مجزرة الجينة بتاريخ 2017/3/16م، حيث استهدف مسجد عمر بن الخطاب بعد صلاة العشاء والتي راح ضحيتها أكثر من خمسين مسلما من المصلين في قرية الجينة قرب مدينة الأتارب، وأيضا مشاركتها طائرات النظام والطائرات الروسية القصف الجوي المتواصل على مدينة إدلب، والذي أتى على مؤسساتها الخدمية ومساجدها فدمرها، وخلف عشرات القتلى والجرحى جلّهم أطفال ونساء، كما تم تدمير العشرات من المساجد بقصف التحالف الدولي في الرقة وحدها.


ولأن الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين تابعة لأعداء الله ولا تقيم وزناً لشعائر الإسلام بل تحاربها وتصد عنها، فقد امتدت جرأتها على دين الله وأحكامه إلى مدى غير مسبوق حين أقدمت على إغلاق المساجد ومنع الجُمَعِ وصلوات الجماعة بدعوى الحدِّ من عَدْوى وباء كورونا، الذي أصبح شماعة للقضاء على ما تبقى من شعائِر الإسلام. وإمعاناً منها في محاربة الله ورسوله لاحقت الناس بالترهيب والاعتقال منعاً لهم من إقامة صلاة الجمعة، في الوقت الذي تبقي فيه العديد من الأنشطة التجارية والترفيهية مفتوحة وتسمح فيه بتجمع الناس في الأسواق، والمصارف ووسائل النقل، وأمام الدوائر العامة. فبعد أن أجمعت تلك الأنظمة بلا استثناء على نقض عروة الحكم بالتحاكم إلى الطاغوت وهجر أحكام الله، أجمعت كذلك على نقض آخر عرى الإسلام وهي الصلاة، وصدق رسول الله ﷺ حين قال: «لَتُنْتَقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ». وتحققت فيهم صفة الظلم بتعطيلهم شريعة الله والحكم بغير ما أنزل ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْظالِمُونَ﴾، وبصدهم ومنعهم ذكر الله في مساجده ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.


لا شك أن غياب دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تحمي بيضة المسلمين هو الذي جرّأ الأعداء الكفار في الشرق والغرب للتآمر على دين الله ليبعدوه عن حياة المسلمين عقيدة ومنهاج حياة. ولن يتوقف هؤلاء المجرمون وأذنابهم في بلاد المسلمين ولن يرضوا حتى نتبع ملتهم، ونرتد عن ديننا، ولكن ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. فقد أثبتت الثورات التي هبت في بلاد المسلمين، حيوية الأمة ورغبتها الجامحة في التغيير واستعادة كبريائها وكرامتها من خلال عودتها للحياة وفق طراز الإسلام في العيش، ورفضها للكفار ولقوانينهم ولعملائهم. كما أن الظروف الدولية الآن مهيأة أكثر من أي وقت مضى لقيادة المسلمين العالم قيادة سياسية فكرية على أساس الإسلام، من خلال دولة الخلافة الإسلامية الراشدة. فالرأسمالية التي تقود العالم اليوم تحتضر، وقد قربت نهايتها، وبان عوارها وفساد ديمقراطيتها وإفلاسها الفكري، وعدم قدرتها على حل مشاكل البشر حلاً صحيحاً، شأنها شأن جميع الأنظمة الوضعية. والدول الاستعمارية وفي مقدمتها أمريكا في مأزق وتلاحقها الأزمات، والحكام في البلاد الإسلامية سقطوا جميعهم في نظر الأمة وبانت خيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين، وتكشفت عمالتهم لأعداء الأمة، وارتفع مؤشر الوعي لدى الأمة على فكرة الخلافة، وبأنها هي وحدها طوق نجاتها من الضعف والهوان التي هي فيها، والبديل الوحيد الصالح لقيادة البشرية، لأنه من لدن الخالق المدبر الحكيم، برغم السهام المسمومة التي توجه لها صباح مساء من قبل أعداء الأمة وأذنابهم في بلاد المسلمين.


فما على الأمة إلا أن تنصر الله وحده وتعتصم بحبله، وتتوحد على المشروع الذي يرضي ربها، مشروع الخلافة على منهاج النبوة، الذي بشر به رسولنا الكريم ﷺ في قوله: «ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فتعطي النصرة لحزب التحرير الذي يعمل لإقامة شرع الله ببيعة خليفة واحد على المسلمين، الذي يعيد للأمة كرامتها ومجدها، وللمساجد هيبتها ورونقها، ويفرض على أعداء المسلمين احترامها، حينها لن يجرؤ الكفار المستعمرون ولا أذنابهم على الإساءة للإسلام، ولن يتجرأ عليها ولا على دينها أي حاقد، فرسول الله ﷺ يقول: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».


#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فاطمة بنت محمد

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة